صدر هذا الأسبوع خبران رئيسيان في عالم المعادن النفيسة. أولهما أن شركة ألروسا Alrosa الروسية، وهي أكبر شركات المجوهرات في العالم، انضمت إلى مشروع بلوكتشين يهدف إلى زيادة الشفافية. أما الخبر الثاني فهو الحديث عن شروع أكبر بنوك العالم، بنك جي بي مورغان JPMorgan، في استخدام البلوكتشين في تحويل الذهب إلى توكنات.

احتلت البلوكتشين مكانة مهمّة في كل من صناعات الذهب والألماس، حيث طبيعة العمل المعقدة والتي تعتمد بشكل أساسي على تتبع سلاسل التوريد، إذْ تمر الشحنة بالعديد من المحطات في مختلف المواقع الجغرافية قبل وصولها إلى العميل. ساعدت التكنولوجيا على تجنب الاختلاس بل وتحسين جودة سلاسل التوريد عن طريق التتبع الحي لمسار الشحنات النفيسة عند كل محطة تمر بها، بدءً من المنجم وصولاً إلى البائع.

 

قد تكون تقنية البلوكتشين مفيدة لصناعة الذهب- وهناك طلبٌ عليها.

في يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت جمعية لندن لأسواق السبائك (LBMA)، وهي سوق خارج البورصة لتداول الذهب والفضة بالجملة، خطتها لتحديث وتعزيز الشفافية في صناعة الذهب والفضة، وذلك باستخدام البلوكتشين.

 

تتيح التكنولوجيا إقصاء المعادن “التي نقَّب عنها أو تداولها البعض بشكل غير شرعي أو تستخدم لتمويل النزاعات”. لطالما كانت هذه قضية شائكة على مستوى الصناعة بأكملها: فعلى سبيل المثال، اتّهم مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ثلاثة من موظفي شركة إن تي آر للمعادن NTR Metals باستيراد ذهب بقيمة 3.6 مليار دولار من دول بأميركا الجنوبية، ثم تكريره وبيعه وإرسال الأرباح ثانيةً إلى “مهربي المخدرات” في أميركا الجنوبية.

من ثمَّ، طالبت جمعية لندن لأسواق السبائك (LBMA)، بحسب رويترز، أعضاءها الذين يبلغ عددهم 144 عضواً، من بينهم أكبر شركات تكرير الذهب والبنوك والتجار في العالم، بتقديم اقتراحات لطرق تتبع مسار الذهب من المنجم وحتى مكانه المقصود ومنع تزوير السبائك.

وأخبرت رئيسة مجلس إدارة الجمعية، سخيلة ميرزا، وكالة رويترز بأن الجمعية تلقت 26 اقتراحاً من شركات تنوعت بين “شركات ناشئة وشركات رائدة في مجال التكنولوجيا” عقب هذا الطلب. لم تذكر ميرزا أياً من أسماء تلك الشركات إلا شركة آي بي إم IBM. ومع أن الجمعية لم تصر على استخدام البلوكتشين، فإن “أكثر من 20 مقترحاً من بين 26 مقترح” تبنى تقنية البلوكتشين في مسودات مشاريعها.

وأضافت ميرزا أن الجمعية الآن بصدد وضع الخطوط العامة ومعايير اختيار وتقييم مقدمي التكنولوجيا. إذ صرحت: “نحتاج إلى وضع معايير تساعدنا على الفهم وبالتالي تحديد أفضل الحلول التي تقدمها البلوكتشين. إذا وضعنا هذه المعايير بشكل صحيح، لن يكون علينا سوى اختيار مقدم الخدمة المطابق للمعايير”. وبحسب ميرزا فإنه من المتوقع مناقشة المسودة المشتملة على معايير اختيار نظام التتبع في النصف الأول من العام 2019.

خطوات بنك جي بي مورغان لتحويل الذهب إلى توكنات

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، ذكرت صحيفة فاينانشيال ريفيو Financial Review أن بنك جي بي مورغان وهو البنك صاحب القيمة التسويقية الأكبر في العالم، قد بدأ في استخدام نسخته من بلوكتشين الإيثريوم الداعمة للعقود الذكية والتي تسمى كورام Quorum لتحويل سبائك الذهب لديه إلى توكنات.

ظهرت كورام Quorum إلى النور في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016 كجزء من اتحاد شركات الإيثريوم Ethereum Enterprise Alliance. قدم البنك الأميركي هذا النظام المدعوم بتقنية البلوكتشين بهدف “تقليل” عدد الأطراف اللازم للتحقق من المدفوعات الدولية وبالتالي تقليل مدة المعاملات “من أسابيع إلى ساعات”. حدث هذا بعد شهر فقط منذ تصريح المدير التنفيذي لبنك جي بي مورغان، جيمي ديمون، بأن البتكوين ما هي إلا “احتيال عواقبه وخيمة”، مستطرداً في القول بأنه لا يأبه بتاتاً للعملة المشفرة مع الاعتراف بأن للبلوكتشين قيمة حقيقية.

بحسب جريدة فاينانشيال ريفيو، فإن البنك أعلن عن نيته لتحويل أصوله إلى توكنات في مؤتمر سيبوس المنعقد في سيدني في الفترة من 22-25 من أكتوبر/تشرين الأول. حينئذ أوضح عمر فاروق، رئيس مبادرات البلوكتشين في البنك، رؤيته لهذه الفكرة قائلاً: “توضع سبيكة الذهب في صندوق مقاوم للفتح ومرقَّم إلكترونياً يمكّنهم من متابعتها من المنجم إلى آخر نقطة في مسارها. وبهذا يمكننا تصنيف السبائك بحسب موثوقية المنجم الصادرة منه، فإذا كان منجماً ذا مسؤولية اجتماعية، سيكون المشترون على استعداد لدفع سعرٍ أكبر من السعر المعروض، على العكس إذا كان مصدر السبائك غير معروف. يمكننا أخذ الألماس كتطبيق آخر لهذا النظام”.

يمكننا تعريف عملية “التحويل إلى توكنات” إذاً بأنها حفظ الأصول العينية، ومتابعتها عبر سجلات موزعة مثل كورام Quorum، على البلوكتشين الخاص بالشركة. بجانب ضمان أمن إضافي عن طريق حلول البلوكتشين، تساهم هذه الفكرة في تقليل حجم المخاطر والاستغناء عن الوسطاء من العملية التجارية.

“ريسبونسيبل غولد”: محاولة أخرى لتحويل الذهب إلى توكنات

وقدمت شركة إيمرجنت تكنولوجي هولدينغز Emergent Technology Holdings الأميركية حلاً شبيهاً حين أعلنت عن سلسلة التوريد التي أطلقت عليها “ريسبونسيبل غولد” لتعمل جنباً إلى جنب مع توكن الجي كوين (GCN) الذي يُزعم أنه مدعومٌ بـ”ذهب موثوق المصدر”.

بحسب ما ورد الصحافة، فإن سلسلة الإمداد “ريسبونسيبُل غولد” هي بلوكتشين مزودة بالإذن تعمل على تتبع حيازة الذهب “من المنجم مروراً بمصنع التكرير انتهاءً إلى الخزانة”، إذ تهدف إلى الضمان الكامل لمصادر الذهب عن طريق تسجيل كل نقطة يمر بها الذهب عبر سلسلة التوريد، وذلك باستخدام “أختام مشفرة” لإحكام السيطرة على شحنات الذهب.

في حوار تلفزيوني مع قناة سي إن بي سي CNBC، ناقش ميتشل دايفس، رئيس الشؤون التجارية للشركة، اختلاف المقاربة التي تبنتها شركته، مدعياً أنها كانت “مختلفة تماماً” عن غيرها من المشاريع. وأحد الدلائل على ذلك هو تركيز هذه المقاربة على “الذهب موثوق المصدر”. أما توكن الجي كوين فأطلقته الشركة بالتعاون مع شركة التعدين الكندية يامانا للذهب Yamana Gold والمدرجة في بورصة نيويورك. تساوي العملة الواحدة منها جراماً من “الذهب موثوق المصدر” وسعرها مرتبط مباشرة بسعر الذهب.

مشكلات صناعة الألماس- وحلول توفرها البلوكتشين

يرجع تاريخ صناعة الألماس مع البلوكتشين إلى مايو/أيار عام 2015، عندما أسست رائدة الأعمال الأسترالية ليان كيمب سجل إيفر ليدجر Everledger- وهو سجل رقمي عالمي للألماس يعتمد على تقنية السجلات الموزعة (DLT). أحد أهم أهداف تطويره هو التغلب على معضلة “الألماس الدموي” وهو الألماس المستخرج من مناطق الحروب والذي يستخدم في تمويل الأنظمة القمعية.

سيتيح سجل غير قابل للتغير كهذا التعرف على التاريخ الكامل لأي ألماسة، مما يغلق الباب أمام محاولات تزوير الوثائق، لأن السجل يوثق كل نقطة في مسار الجوهرة.

في يناير/كانون الثاني عام 2018، أطلقت شركة دي بيرز De Beers Group، وهي شركة دولية كبرى متخصصة في استكشاف الألماس والتنقيب عنه وتوزيعه، مبادرة مماثلة، ولكن على مقياس أوسع تجارياً. أعلنت الشركة أنها تبحث في البلوكتشين من أجل زيادة مستوى الشفافية في سلاسل إمداد الألماس والحصول على سجلات رقمية مستدامة لكل ألماسة على المنصة.

أضافت الشركة بأن الاختبار الأولي للفكرة كان ناجحاً ونتج عنه نموذجٌ أولي فاعل. وصرح المدير التنفيذي للشركة بروس كليفر للصحافة بصدد هذا قائلاً: “للألماس القدرة على الاحتفاظ بالقيمة إلى الأبد، بل وتمثيل أهم وأصدق لحظات الحياة. من هنا، يتوجب علينا التأكد من أن هذا الألماس لا يمت بصلة للنزاعات والحروب، وبأنه طبيعي. سيكون بإمكاننا زيادة الأمن والمصداقية لمن يعملون في الألماس، سواء كانوا عملاء أو مشاركين في الصناعة، وذلك عن طريق تفعيل تقنية البلوكتشين، إذ يكون لكل ألماسة سجلها الخاص الباقي ما بقيت الألماسة”.

بعد أسبوع فقط من إعلان شركة دي بيرز، انسحبت المنظمة الكندية غير الهادفة للربح إمباكت Impact من مبادرة عملية كيمبرلي (والتي تأسست عام 2000 لمنع “الألماس الدموي” من الدخول إلى سوق الألماس العام)، مجادلة بأن المعاهدة الدولية لم تلتزم بأهدافها. أكّد هذا التصرف على مدى خطورة هذه المشكلة في صناعة الألماس.

نجاح تريسر Tracr في تتبّع الألماس

في 10 مايو/أيار، صرحت دي بيرز De Beers بأنها استخدمت البلوكتشين في تتبع 100 ألماسة عالية القيمة من المنجم إلى البائع. وبحسب ما جاء في البيان الصحافي، فهذه كانت “أول متابعة لمسار رحلة ألماسة رقمياً من المنجم إلى البائع”.

وأعلنت دي بيرز أيضاً عن انطلاق مبادرة البلوكتشين خاصتها والتي أسمتها تريسر Tracr. وبحسب التصريحات، فإن منصة تريسر “متاحة لصناعة الألماس بأكملها”. وقد أسهم تطوير المنصة خمسة من رائدي تصنيع الألماس: دياكور Diacore وديارا Diarough ومجموعة كيه جي كيه KGK Group وروزي بلو إن في Rosy Blue NV وفينوس للمجوهرات Venus Jewel.

يعطي تريسر رقماً تعريفياً فريداً لكل ألماسة، يحتوي على مواصفاتها مثل القيراط والنقاء واللون. بعدئذ تُسجّل البيانات على سجل رقمي غير قابل للتغيير، وبعدها يتحقق تريسر من صحة البيانات في كل محطة على مسار الألماسة.

كانت هذه الخطوة تهدف لزيادة الثقة لدى المستهلك والعامة بأن هذا الألماس لم يستخدم لدعم النزاع، إضافةً إلى زيادة كفاءة سلسلة التوريد، ولكونها جاءت في سياق تكملة النمط الحالي من القوانين المنظمة للصناعة والتي من ضمنها: عملية كيمبرلي لإصدار الشهادات ونظام مجلس الألماس العالمي للضمانات، ومدونة ممارسات مجلس الألماس موثوق المصدر.

وأكد المدير التنفيذي لشركة دي بيرز، بروس كليفر، على أهمية هذه المبادرة للصناعة قائلاً: “أوضح لنا فريق المطورين في مشروع تريسر أن بإمكانه تتبع مسار الألماسة خلال سلسلة التوريد، مقدماً ضمانات لم تكن متاحة من قبل لتتبع الأصول. وهذا محض نقلة نوعية نتجت عن تعاون أعضاء الفريق الذين شاركونا التزامنا لتطوير وتقدم الصناعة”.

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، انضمت شركة ألروسا Alrosa الروسية لمشروع تريسر كدليل على رغبتها في الإسهام لتطوير الصناعة. جدير بالذكر أن شركة ألروسا تُعدّ أكبر مصنع في العالم لخام الألماس بالنسبة للقيراط؛ ويشكل إنتاجها بالإضافة لإنتاج دي بيرز نحو نصف إنتاج العالم من الألماس. وبحسب تصريح المدير التنفيذي للشركة سيرجي إيفانوف لجريدة ماينينغ الأسبوعية Mining Weekly بأن تلك الخطوة نبعت من إيمان الشركة بأهمية التعاون لتحقيق “الأهداف المشتركة”.

تعاون شركة آي بي إم IBM مع رواد صناعة المجوهرات لتتبع المعادن النفيسة

في أواخر أبريل/نيسان، أعلن تحالف من رواد صناعة المجوهرات عن مبادرة تراستشين TrustChain بالتعاون مع شركة IBM، التي طورت شبكة بلوكتشين لاقتفاء أثر قطع المجوهرات الجاهزة ومعرفة أصولها.

تضم المبادرة شركة تكرير المعادن النفيسة أساهي Asahi وشركة هلزبرغ للألماس Helzberg Diamonds لبيع المجوهرات ومورِّد المعادن النفيسة ليتش غارنر LeachGarner ومجموعة ريتش لاين Richline Group لتصنيع المجوهرات وخدمة التحقق المستقلة يو إل UL.

تم تصميم المبادرة بناء على منصة البلوكتشين الخاصة بشركة آي بي إن IBM ومشروع هايبرليدجر Hyperledger، لتتبع المعادن النفيسة والتصديق على تتبع مسارها من مكان استخراجها وحتى منفذ بيعها، فهي تدعم “تحقق رقمي وعيني للمنتجات والعمليات مع مراقبة طرف ثالث لعمليات انتقالها” بهدف ضمان نزاهة مصادر المجوهرات وإعلام العملاء بها.

وصرح مارك هانا، مدير التسويق بمجموعة ريتش لاين بأن هذا التحالف ينوي لميكنة العمليات باستخدام هذه التكنولوجيا، وتأسيس سجل دائم غير قابل للتغير بجميع العمليات على الشبكة وتمكين أعضاء الشبكة من تفحص البيانات الموثوقة في أي وقت. إذ قال: “إن TrustChain هي البلوكتشين الأولى من نوعها في صناعتنا، وقد صُمّمت لتعمل كحل قائم على التزاوج بين تكنولوجيا البلوكتشين من آي بي إم وبين أنظمة تتبع المصدر والتحقق والإدارة الموارد عن طريق منظمات خارجية على رأسها يو إل UL”.

ووفقاً للبيان، سيُتاح المنتج للمستهلكين بنهاية عام 2018.

الألماس يتحول إلى توكنات أيضاً

في مايو/أيار عام 2018، أعلنت شركة البلوكتشين الناشئة دي وان منت المحدودة D1 Mint Limited، التي طورت عملة الدي وان كوين (D1) المدعومة بالألماس، عن عملها الجاري مع اثنين من كبار شركات الألماس للشروع في تحويل المجوهرات إلى توكنات.

من ثم، وقعت الشركة اتفاقية لشراء 1500 قطعة ألماس بقيمة 20$ مليون دولار أميركي من شركة كيه جي كيه للألماس KGK Diamonds العريقة، بينما أمددتهم شركة ألروسا Alrosa بخام الألماس المطلوب للصفقة.

تستخدم الشركة خوارزمية لتحديد السعر الذي يحصل عليه المستثمرون إذا أرادوا بيع مجموعة مختارة من أرصدتهم من الألماس في أي وقت، باستخدام التكنولوجيا التي توظف المعطيات التقليدية للصناعة مثل: القيراط والقطع والنقاء.

بالرغم من الطلب المتضائل الذي شهدته صناعة الألماس عبر موزعيها -إذ ثبت الإنفاق على المجوهرات عند 80 مليار دولار أميركي منذ عام 2014- بحسب دراسة أجرتها شركة دي بيرز De Beers، ما زال أليكسي تشيكونكوف، أحد أعضاء مجلس إدارة شركة ألروسا Alrosa، متفائلاً حيال الأمر، لأن شركته تعتقد أن التطور الذي ستضيفه البلوكتشين للصناعة سيحدث تغييراً جذرياً في الصناعة بجعل الألماس الطبيعي أحد أنواع أصول الاستثمار التي تلقى “ترحيباً واسعاً من مختلف مجموعات المستثمرين”، مما سيجلب طلباً أكبر على الألماس.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.