مع أنَّه لا يشترط أن تستفيد جميع المجالات من تقنية البلوكتشين، يعد المحتوى الإلكتروني واحداً من المجالات التي يمكن أن تتحسن دون شك بوجود اقتصادٍ فعال قائم على التوكنات.

كان صانعو المحتوى والمستهلكون يحلمون لسنواتٍ طويلة بإنشاء نظام قابل للتطبيق خاص بالمدفوعات الصغيرة؛ نظام يسمح للمستهلكين بدفع مبالغ معقولة وفي متناول اليد، بينما يساعد صانعي المحتوى على جني مكاسب ضخمة مجملاً، لكنَّ الرسوم ولوائح الأنظمة التي تعتمد كليةً على معالجات بطاقات الائتمان فشلت في توفير السيولة اللازمة لتحقيق ذلك على أرض الواقع.

تتضمن الأنظمة الحالية الكثير من الوسطاء الذين يتدبرون أمر معلومات الدفع الخاصة بالعميل، وذلك في مقابل حصولهم على نسبة من المبلغ، ويفرضون قيوداً ليس فقط على الزيادات في المدفوعات، بل حتى على الأشخاص المؤهلين للمشاركة. أدى ذلك إلى عجز المستخدمين عن الوصول إلى محتوى معين أو شرائه عبر حدود البلدان، أو بسبب أنظمة الدفع المختلفة، أو لأسبابٍ أخرى.

أما البلوكتشين فهي تلغي دور الوسطاء، محاولة إعطاء صانعي المحتوى الفرصة لتطوير علاقات مباشرة مع المستهلكين.

إليك 4 أنواع مختلفة من أنظمة تقديم المحتوى القائمة على البلوكتشين، حيث يمكن للمسهمين أن يأملوا في تحقيق مكاسب أفضل مقابل ما يقدموه من محتوًى. إذا كنت تتطلع للتعبير عن نفسك عبر الإنترنت، سواء بالكتابة، أو بصنع فيديو، أو مراجعات، أو حتى مشاركة ما تعرفه، ربما تكون المواقع الصاعدة التالية هي المكان المناسب لك.

1- ستيمِت Steem.it

من ناحية واجهة المستخدم وتجربته، يشبه ستيمِت إلى حدٍ كبير منصة ميديام Medium، التي تعد واحدة من أكبر مواقع تقديم المحتوى خارج مجال البلوكتشين.

وعلى غرار الطريقة التي يعمل بها ميديام، ينشر صانعو المحتوى في ستيمِت كتاباتهم، أو أعمالهم الفنية، أو مقاطعهم، إلى موقع ستيمِت، حيث يمكنهم الحصول على عائدٍ مادي من أعضاء الخدمة أنفسهم. وعلى عكس مواقع تجميع المحتوى مثل ريديت reddit، حيث ينشر رواده روابط إلى أعمالهم المنشورة على مواقع إلكترونية أخرى، يحصل المسهمون في ستيمِت وميديام على مقابلهم المادي عبر نشر محتواهم داخل نطاق الموقع نفسه.

يكمن الفرق الأبرز بين ستيمِت وميديام -وهو فرق هائل- في أنظمة الدفع.

في ميديام، يدفع المستهلكون أموالهم في حساب ما، عادةً بعضوية شهرية متكررة. ويمكن للمستهلك، بالأموال الموجودة في حسابه على المنصة، أن ​​يقرر مكافأة المحتوى الذي يروق له. إنَّه مسار خطي من العميل إلى صانع المحتوى، يديره مزود مركزي للخدمة.

أما ستيمِت، فهو لا يتيح للمستهلك شراء توكنات الستيم (STEEM) ثم منحها إلى صانعي المحتوى فحسب (مثلما يحدث في نموذج ميديام)، إنَّما تخلق البلوكتشين طرقاً كثيرة تساعد على نمو الاقتصاد، وتتيح لجميع المشاركين الحصول على عائدٍ مادي.

أولاً، يضيف ستيمِت المزيد من توكنات الستيم إلى نظامه يومياً، وتوزَّع هذه التوكنات بين صانعي المحتوى وفقاً لعدد الأصوات التي يستقبلونها. إضافة إلى أنَّه فور امتلاك المستخدم كمية من توكنات الستيم في محفظته، تستقبل المحفظة مزيداً من التوكنات عبر عمليات الأير دروب.

ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في شروط ستيمِت هو أنَّ الشخص الذي يقيم المحتوى ويصوّت عليه يُصنف علي انه مساهم هو الآخر، أو “مشرفًا” ويكسب بعض الأموال أيضاً. ويمكن للمستخدمين الذين يصوتون مبكراً لدعم محتوًى يكتسب شعبيةً في وقت لاحق الحصول على عوائد أعلى مقابل أصواتهم، مما يحفز الأشخاص على التطلع إلى المحتوى الذي سيحقق نجاحاً هائلاً في المستقبل.

والتحدي الأكبر الذي يواجهه صانعو المحتوى في الأنظمة العادية هو الظهور وسط زخم المحتويات المنافسة المتاحة.

وبينما تترك معظم المواقع صانعي المحتوى ليدبروا أمورهم بنفسهم، يعد ستيمِت أحد الأنظمة القليلة جداً التي تقدم مكافأة مالية ملموسة للمستهلكين مقابل بحثهم عن محتوى غير مُكتشف، ما يعني أنَّ المستهلكين لديهم حافز يدفعهم لاستباق غيرهم، وهو ما يميز ستيمِت عن المواقع الأخرى لتقديم المحتوى.

2- ناريتيف Narrative

ما يزال موقع ناريتيف في نسخة الألفا المبدئية، إضافة إلى أنَّ واجهته الفعلية تظل غامضة إلى الآن.

لكنَّ المعروف حتى وقت كتابة هذا المقال هو أنَّ لغة الورقة البيضاء الخاصة به تركز على المساهمين الذين يطلق عليهم “الرواة” أو Narrators، ولديهم “مذكرات” يحكون فيها قصصهم الشخصية، ويشاركون أفكارهم.

وبينما يمكن اعتبار الموقع شاملاً لأي نوع من أنواع المحتوى الإبداعي، لكنَّه يصدر انطباعاً قوياً بأنَّه ليس سوى منصةً للتدوين، ما يذكرنا بالأيام الخوالي لموقع وورد بريس. كوم WordPress، حين كان الموقع مُصمماً ليستضيف المدونات بالتحديد، على عكس طبيعته الحالية، التي تشمل جميع أنواع الأعمال والمشاركات.

لم يكن لموقع وورد بريس بالطبع أي اقتصاد قائم على التوكنات قط، أو طريقة مدمجة تمكن صانعي المحتوى من الحصول على مقابلهم المادي، وهنا تحديداً يحاول موقع ناريتيف إحداث الفرق. طور الموقع توكناً يسمى توكن الناريتيف (NRVE) يدعم النظام ويُستخدم لمكافأة صانعي المحتوى والمشرفين. ووفقاً للورقة البيضاء الخاصة بالموقع، يحصل المستخدمون على 85% من العائد، منها 60% يحصل عليها صانعو المحتوى.

هذا بالإضافة إلى وجود خاصية تتيح لرواد الموقع التنقل بين فئات المحتوى، التي يطلق عليها “منافذ” أو Niches، لمساعدة الناس على العثور على المواضيع ذات الصلة. ويحصل الأشخاص الذين يشرفون على هذه المنافذ أيضاً على مكافآت رمزية مقابل الحفاظ على منافذهم جذابة ومثيرة للاهتمام.

ومثلما بدأ وورد بريس بالتدوين ثم تحول في ما بعد إلى منصة إلكترونية تشبه موقع سكويرسبيس Squarespace، قد يجد ناريتيف قريباً أيضاً أنَّ المدونات الشخصية أو “المذكرات” ليست سوى الخطوة الأولى نحو سوق محتمل أكبر.

في الوقت الحالي، ما يزال ناريتيف في مرحلةٍ مبكرة من مراحل التطوير، ولا تتاح المشاركة إلا بتقديم طلب يمكنك من الانضمام إلى قائمة الانتظار، التي يختارون منها مستخدمين جدداً بصفة دورية. إذا انضممت للموقع مبكراً، ستكون قادراً على المزايدة لإنشاء منافذ قد تنجح في ما بعد لتصبح مشروعاً مربحاً على المدى الطويل.

ما يزال ميعاد إتاحة الشبكة الرئيسية للعامة غير مؤكد، إلا أنَّه يمكن للجهات المهتمة التسجيل مبكراً ليتمكنوا من زيارة النسخة الألفا للموقع.

يتمثل أحد المجالات الشائعة لصناعة المحتوى والإسهام في صنعه (الذي يمكن أن يستفيد من اقتصاد قائم على التوكنات) في نشر تقييمات وتجارب شخصية حول موضوعات حياتية معتادة؛ مثل المطاعم والأفلام والسفر.

3- دي تيوب Dtube

دي تيوب، كما هو واضح من الاسم، هي بديل قائم على البلوكتشين لمنصة يوتيوب Youtube، الشركة التابعة لعملاق الانترنت غوغل Google والتي تهيمن علي سوق المحتوى المرئى علي الانترنت. تكاد تكون واجهة الصفحة الرئيسية نسخة مطابقة ليوتيوب تقريباً، مما يشير إلى أنَّها لا تطمح فقط إلى تقديم خدمة مماثلة، لكنَّها تتطلع أيضاً إلى أن تحل محل خدمة الفيديو الشهيرة كليةً.

تقوم دي تيوب في الواقع على ستيمِت (الذي أُشير إليه في المقال مسبقاً) بينما تستخدم آي بي إف إس IPFS، وهي بلوكتشين تسعى إلى تحويل الإنترنت إلى خدمة لامركزية عموماً.

يستخدم دي تيوب موقع ستيمِت وتوكنات الستيم لتعزيز اقتصاد التوكنات الخاص به، فيما يستخدم IPFS لتخزين ملفات الفيديو. يأمل القائمون على الموقع في أنَّ هذا المزيج من الخدمات الحالية سيبرز أفضل ما فيها من ناحية الاقتصاد المرن، وتوفير ذاكرة بيانات لامركزية موثوق فيها.

بالنسبة لصانعي الفيديوهات، يكمن الفرق الحقيقي بين دي تيوب ويوتيوب في طريقة منح العائد. بوجود التوكنات تحت تصرفه، لا يحتاج مستخدمي موقع دي تيوب إلى اللجوء للإعلانات.

وهذا أفضل للمستهلكين لأنَّه يعني عدم الاضطرار إلى التعرض لمثل تلك الإعلانات البغيضة. وعلاوة على ذلك، يحصل صانعو المحتوى كذلك على ما تقتطعه غوغل حالياً من عائدات الإعلانات الذي يبلغ 45% من قيمة العائد الأصلي، التي تعد نسبة كبيرة. يجب أن يقدم أي اقتصاد ذي شفافية قائم على التوكنات أرباحاً أعلى لصانعي المحتوى.

وهناك أيضاً الارتباط بين الأرباح وشعبية المحتوى. فعند اللجوء إلى الإعلانات، لا يعني نقر أحدهم عليها أنَّه معجب بالفيديو الذي تقدمه، بل ربما شعر بالملل ورأى أنَّ مشاهدة الإعلان أكثر إثارة للاهتمام.

لكن مع التوكنات، لن يسهم الناس إلا إذا أرادوا فعلاً تقديم الدعم، ما يعني أنَّ كل توكن يستقبله صانع المحتوى هو مؤشر على تقديم محتوىً ناجح، الأمر الذي يمد أي صانع محتوى بشعور التحقق الذي يتوق إليه ويبحث عنه.

دي تيوب متاح الآن لكل من المبدعين والمستهلكين، ما يعني أنَّه يمكنك الانضمام إلى أكثر من 1.5 مليون مستخدم نشط على المنصة اليوم. تجدر الإشارة إلى أنَّه نظراً للقيود الحالية على ذواكر البيانات، إذا لم تتلقَّ مقاطع الفيديو إعجابات بعد فترة زمنية معينة (نحو 7 أيام)، تتعرض للحذف.

4- إيفريبيديا Everipedia

موقع إيفريبيديا هو محاولة لإعادة خلق ويكيبيديا Wikipedia، الموقع المرجعي الأكثر شهرة في العالم، على البلوكتشين. معظم المحتوى الموجود حالياً على إيفريبيديا مستمد من ويكيبيديا، حيث يتوفر المحتوى بالكامل مجاناً بموجب رخصة المشاع الإبداعي، لذلك فهو يتمتع بميزة كبيرة على المواقع الأخرى التي لا يمكنها نسخ محتوى منافسيها ببساطة.

وبالنظر إلى أنَّ ويكيبيديا يتيح لأي شخص تحرير المحتوى، واستخدامه مجاناً، والاستشهاد به، ولديه (على الأقل نظرياً) عملية تحريرية مفتوحة وذات شفافية، فما الذي يمكن أن يقدمه إيفريبيديا إلى الساحة؟

الحقيقة هي أنَّه بالنسبة للمستهلك، قد لا يكون الفرق بين الموقعين واضحاً أو مهماً، بل إنَّ إيفريبيديا يصف نفسه صراحةً بأنه مجرد “فورك” من ويكيبيديا.

ويكمن أحد الاختلافات بينهما في أنَّ نقل مفهوم قاعدة بيانات معرفية مفتوحة وقابلة للتحرير بحرية إلى البلوكتشين (تحديداً بلوكتشين الإيوس EOS والآي بي إف إس كما في حالة إيفريبيديا) يزيد من ضمانات الشفافية وأمان البيانات، فقد صممت البلوكتشين لتكون أكثر أمناً وأكثر استقراراً من ذواكر البيانات المركزية.

لكن بالنسبة إلى صانعي المحتوى، ربما يكون الاختلاف الأهم هو سياسة الموقع، فإيفريبيديا أكثر شمولاً في المحتوى الذي يسمح به.

على سبيل المثال، يمكنك إذا أردتَ فتح حساب ثم إنشاء صفحة عن نفسك. على عكس ويكيبيديا، التي تشترط أن تكون شخصية “بارزة” من ناحيةٍ، وذلك وفقاً لمعايير ربما تفتقر إلى الموضوعية إلى حد ما. إضافة إلى أنَّه لا يسمح للمسهمين بتعديل الموضوعات التي تربطهم بها صلة مباشرة بأي شكل، خوفاً من فقدان الموضوعية.

لكنَّ سياسة إيفريبيديا تنص على أنَّه مادام يمكنك دعم أي مزاعم باستشهادات متحقق منها، لا يهم مصدر تلك المعلومات. إيفربيديا أكثر انفتاحاً أيضاً تجاه تضمين الصور الفكاهية الساخرة، وأي عناصر للتصميم المرئي التي تجعل المعلومات أكثر جاذبية وعصرية لجمهور القراء.

واعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 2017، يستخدم إيفريبيديا نحو مليوني إلى ثلاثة مليون مستخدم نشط شهرياً. ما يزال الرقم بعيداً كل البعد عن ويكيبيديا، الذي يستخدمه تقريباً 415 مليون مستخدم شهرياً، مع ذلك، وبالنظر إلى عمر المشروع، يعد ذلك نمواً مثيراً للإعجاب بحق.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.