في الثقافة السائدة، غالباً ما تعبر كلمة الأناركي عن معنى سيئ، وتنتشر باعتبارها كلمة ازدرائية لوصف دول فاشلة أو تحقير من مذيعي الأخبار المحافظين لوصف ما يمكن أن يحدث إذا ما تولت حكومة شبه راديكالية السلطة. بيد أن الواقع مختلف. الأناركية هي أعمق من ذلك بكثير وفي الحقيقة أنها تسير جنباً إلى جنب مع البتكوين والمساعي إلى تحقيق نظام مالي لا مركزي.
ما هي الأناركية؟
تتواءم البتكوين والعملات المشفرة الأخرى مع الأناركية بشكل ممتاز. ففي النهاية، الأناركية هي نظام يرفض سيطرة الدولة والتسلسل الهرمي. بصرف النظر عن مدى تبني التيار السائد للبتكوين، دائماً ما سيجادل الأصوليون بأن الأصول الرقمية أنشئت في الأساس بهدف تقويض السلطة وإزاحة سلطة الدولة حتى يتسنى للأشخاص في النهاية الحصول على حريتهم المالية.
ثمة أنواع كثيرة من مدارس فكر الأناركية لكن جميعها تحمل موضوعاً رئيسياً: التخلص من الدولة وسلطتها. وبرغم المبدأ الموحد المنطوي على عدم وجود حكومة، فإن الأعراق المختلفة للأناركية تشيد بأفكار مختلفة تماماً حول كيفية إدارة المجتمع، مع فلسفيات تدمج كل شيء بدءاً من المساواة حتى اقتصادات السوق الحر.
لماذا تسير البتكوين والأناركية يداً بيد؟
يمكن اعتبار البتكوين عاملاً مساعداً على تحقيق التحرر الذي تدعو إليه الأناركية. لطالما أخفقت الحكومة مراراً وتكراراً في الجانب الاقتصادي على مر التاريخ وعاقبت مواطنيها على سوء إدارة الاقتصاد. ومن خلال احتكار صك العملات المعدنية، وإدارة البنوك المركزية التي تلبي احتياجات القلة، وسن القوانين التي تفرض على الناس استخدام أموال معينة وبموجب قواعد معينة، تمكنت الحكومة من ممارسة سيطرة نهائية على الناس. أما البتكوين، الذي أنشئ لتفادي تدخل أطراف ثالثة مثل البنوك، فلديه القدرة على إنهاء السيطرة الحكومية على الأموال نهائياً. تعمل البلوكتشين بحكم طبيعتها دون الخضوع لسلطة مركزية. هذا هو السبب في التوافق بين البتكوين والأناركية: لو تسنى للأشخاص أن يصيروا هم بنوكهم الخاصة، ويتمتعون بالحرية الاقتصادية، عندئذ يمكنهم المضي قدماً في المطالبة بحريتهم من البنوك في المجالات الأخرى أيضاً. فيما يلي بعض المدارس الرئيسية الأناركية.
الرأسمالية الأناركية
إن الرأسمالية الأناركية، وغالباً ما ترتبط بمجتمع التشفير، هي مدرسة فكرية تؤمن بأن السوق الحر يجب أن يحل محل الحكومة ويكون بمثابة أساس لمجتمع حر ومزدهر. وفي تلك الحالة، ستحكم حقوق الملكية وغالباً ما ستخضع الهيئات الحكومية، مثل السجون والمحاكم والشرطة والمدارس، لرقابة الشركات الخاصة التي تتنافس في سوق مفتوح. كذلك يؤمن الرأسماليون الأناركيون بأن الأعمال التطوعية والخيرية هي ما نحتاجه لإقامة دولة سليمة عالية الكفاءة، ويرون رأسمالية السوق الحر كأساس لمجتمع مزدهر وحر.
تُستمد الرأسمالية الأناركية من المدرسة النمساوية للاقتصاد والتحررية المناهضة للدولة. وشأنهم شأن مدارس الفكر اللاسلطوي الأخرى في أن الأناركية الرأسمالية يجادلون بأن الحكومات سيئة بحكم طبيعتها لأنها تجبر الأشخاص على دفع الضرائب والانضمام إلى الجيش وتخوض الحروب أو تفرض قيود وقواعد أخرى على الناس.
الأناركية المشفرة
إن الأناركية المشفرة هي أحد أشكال الأناركية التي تسير يداً بيد مع البتكوين. يكمن جوهر تلك المدرسة الفكرية في أنه من خلال استخدام برنامج علم التشفير لتجنب التعرض للاختراق، يتسنى للأشخاص السعي وراء تحقيق السيادة المالية والحرية السياسية والخصوصية للإطاحة بالدولة. نشأت الأناركية المشفرة عن حركة نشطاء التشفير cypherpunk في الثمانينيات، وهي تعارض الخضوع لمراقبة الدولة وتجادل بأن استخدام علم التشفير هو وسيلة الدفاع الرئيسية ضد مثل تلك المشكلات، تلك الفكرة التي اعتنقها جوليان أسانج، وهو ربما يكون أشهر نشطاء التشفير.
قال تيموثي سي ماي، أحد دعاة التشفير، الذي نشر كتاب Crypto-Anarchist Manifesto عام 1988، إن القدرة على التواصل عبر الإنترنت بشكل مجهول ستؤدي في النهاية إلى تغيرات كبرى في المجتمعات والحكومات.
وورد في الكتاب: “ستغير تلك التطورات تماماً طبيعة التنظيم الحكومي، وصلاحية فرض الضرائب، والتحكم في التفاعلات الاقتصادية، والقدرة على الحفاظ على سرية المعلومات، بل وستغير طبيعة الثقة والسمعة”.
بعد وصول البتكوين عام 2009، بدا أن تنبؤات ماي كانت صحيحة وقد حصل الكثير من أصحاب فِكر الأناركية المشفرة على ما كانوا يأملونه: تداول المدفوعات بهويات مزيفة خارج نطاق الحكومات.
الشيوعية الأناركية
تجادل الشيوعية الأناركية بأنه يجب إبطال الدولة واستبدال الرأس المالية بالملكية أو السيطرة المشتركة على وسائل الإنتاج. وبإقامة ثورة، يمكن فرض سيطرة جماعية وتحرير الناس من السيطرة الحكومية والاستغلال الاقتصادي. تجادل تلك المدرسة الفكرية بأن التسلسل الاجتماعي والفروق الطبقية تأتي من التوزيعات غير المتساوية للثروة، وبالتالي يجب القضاء عليه، وكذلك الملكية الخاصة والمال. فالمجتمع من شأنه أن يسيطر على الإنتاج وأنظمته وأن يخضع توزيع الثروة للمشاركين في الإنتاج.
ومثلما هو الحال مع أيديولوجية المدرسة الشيوعية النموذجية، يجادل الشيوعيون الأناركيون بأن الثورة ستكون ما يدفع المجتمع للقضاء على الدولة والسيطرة على وسائل الإنتاج.
النقابية الأناركية
ثمة نوع آخر من الأناركية على يسار الطيف السياسي، وهو الأناركية النقابية التي تهدف إلى إنشاء حركة نقابية للعمال في المجالات الصناعية تمتد جذورها في الأفكار الأناركية. ويجادل الأناركيون من تلك المدرسة بأنه يجب على العمال أن يجتمعوا معاً من خلال نقابات ومن ثم يبسطون سيطرتهم عن طريق إسقاط الدولة. تدعو تلك المدرسة الفكرية إلى سيطرة الأشخاص على وسائل الإنتاج عن طريق تشغيل المؤسسات التعاونية حتى يتسنى للعمال إدارة أماكن عملهم الخاصة.
يقول الأناركيون النقابيون إن المنظمة القائمة على التطوع هي ما نحتاجه لتشغيل وسائل الإنتاج والخدمات العامة ولا مكان للسلطات العليا وضرائبها وجيوشها وشرطتها أو جهازها البيروقراطي في المجتمع. في نهاية المطاف، فإن الأعمال المنطوية على التحكم المباشر، أي الأعمال التي يقوم بها العمال بأنفسهم على نقيض الأعمال غير المباشرة مثل انتخاب ممثل لمنصب حكومي، من شأنها أن تسمح للعمال بالتحرر.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.