في عام 2017، مع تصاعد الهوس الجماعي بالعملات المشفرة، شهدنا حالاتٍ متطرفةً قرر فيها الأفراد المراهنة على البتكوين بمبالغ ضخمةٍ. فسيَّل البعض جميع أصولهم واستثمروا مدخرات حياتهم. ووقع معظم هؤلاء المستثمرين بعدئذٍ في شرك السوق الصاعدة التي استدرجتهم ثم سحقهم بعد ذلك هبوط الأسعار (أو ما يُعرَف بسوق الدببة) الذي تبع ذلك في عام 2018. لذلك فإن معرفة مستوى تقبُّلك للمخاطر وسيكولوجيا التداول هما أمران ضروريان قبل الاستثمار في العملات المشفرة.

الوفرة اللاعقلانية هي جزءٌ من الحلقة الدوارة

ما زالت سوق العملات المشفرة سوقاً يافعةً، لذا فإن جزءاً من اللعبة هو التقلب. قبل دخولها للمرة الأولى، من المهم أن تكون مدركاً لأن السوق عرضةٌ لظواهر الوفرة اللاعقلانية irrational exuberance.

التنويع جزءٌ لا يتجزأ من إدارة المخاطر. كما يُقال، لا تضع بيضك كله في سلةٍ واحدةٍ، مما يطرح السؤال: ما أهمية أن تستثمر في عديدٍ من الأصول والعملات المشفرة؟

الأمر جديرٌ بتنويع ممتلكاتك الاستثمارية بغرض الحدِّ من المخاطر. فإن نظرية المحفظة الحديثة (MPT)، وهي فرضيةٌ طرحها هاري ماركويتز، الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل ومؤلف المقال الكلاسيكي الصادر عام 1952 بعنوان “اختيار المحفظة“، تنص على أنه عن طريق تنويع الأصول ستحدُّ من المخاطر وتحصل على المتوسط. وأثبتت أبحاث ماركويتز أيضاً أن المستثمرين بإمكانهم تكوين المحفظة المثلى.

نظرية المحفظة الحديثة هي إطار عملٍ رياضيٍّ لبناء محفظةٍ من الأصول بحيث يصل العائد المتوقع إلى أقصى درجاته مقابل قدرٍ محدَّدٍ من المخاطرة. وقد طبَّق عددٌ من الفرق إطار العمل الرياضي “نظرية المحفظة الحديثة”. وأظهر بحثٌ أجراه حديثاً نادي طلاب بوكوني للاستثمار بجامعة بوكوني في المدينة الإيطالية ميلان أن تطبيق إطار عمل نظرية المحفظة الحديثة على العملات المشفرة تغلَّب على جميع المحافظ الأخرى، في مقابل قدرٍ أعلى من التقلُّب.

وخَلُص نادي طلاب بوكوني للاستثمار إلى الآتي: “ما وجدناه باستمرارٍ عند تطبيق نظرية المحفظة الحديثة هو أن تفاوت المحافظ يمكن الحدُّ منه بقدرٍ كبيرٍ بواسطة استغلال مقاييس التغاير بين العملات”.

اشترِ القليل، وبِع الكثير؟

إمكانية شراء القليل وبيع الكثير هي رهنٌ بقدرة المداولين على الجزم بالتقريب بفترات صعود أسعار الأصول المشفرة وهبوطها. للأسف، من الصعب تنفيذ هذه الاستراتيجية، وهو ما أكده هبوط أسعار البتكوين والعملات المشفرة الذي استمر لمدة عامٍ وأثر في سيكولوجيا عديدٍ من المشاركين في السوق وعواطفهم.

نحن كبشرٍ متكيفون على سياسة القطيع. ومن العوامل التي تلعب دوراً ضخماً في سيكولوجيا استثمار العملات المشفرة الخوف من ضياع الفرصة (FOMO) وحالة الخوف في السوق (FUD). إذ يصدر رد فعلٍ غريزيٌّ من كثيرٍ من المستثمرين حيال الأنباء عن السوق، مما يمكن أن يترتب عليه هبوطٌ قياسيٌّ في الأسعار، وإنفاذ عامل “الخوف” الذي يقنع بدوره المداولين ببيع استثماراتهم بالخسارة.

من الأمثلة الرئيسية على إمكانية تأثير حالة الخوف في السوق سلبياً على أسعار الأصول عناوين الصحف التي زعمت عام 2017 أن دولة الصين ستحظر منصات تداول العملات المشفرة أو توكيد جايمي ديمون من بنك جي بي مورغان JP Morgan أن البتكوين أسوأ من الهوس الخزامي (فقاعة اقتصادية أتت تسميتها عندما تزايد فيها الطلب على بصل زهرة التوليب مما أدى إلى ارتفاع ثمنها إلى حد غير مسبوق). وقد صار مستثمرو العملات المشفرة الآن أكثر مرونةً إزاء هذا النوع من الأنباء المبالغة والهجوم على البتكوين.

كوِّن سلوكك الخاص إزاء المخاطرة

الطمع، نظراً لعدم وجود لفظٍ أفضل، ليس أمراً طيباً. هناك عديدٌ من الحكايات عن أشخاصٍ من فرط شغفهم بالبتكوين وبثورة العملات المشفرة استثمروا جميع مدخراتهم بها. ومن هؤلاء الأشخاص رجلٌ في التاسعة والثلاثين من عمره يُدعى ديدي تايهوتو، وهو مواطنٌ هولنديٌّ باع كل ما يملك، بما في ذلك بيته ومقتنياته القيَّمة، مقابل البتكوين. وكان شابٌ آخر مقتنعاً بأن العملات المشفرة هي المستقبل لدرجة أنه تخلى عن شقته وآل به المطاف إلى العيش بسيارته بينما وضع كل قرشٍ يملكه في محفظة العملات المشفرة الخاصة به.

إذا كانت لديك أسرةٌ تعولها وأموالٌ تكفي بالكاد لذلك، هل الأمر حقاً جديرٌ بالمقامرة بكل ما تملك مقابل العملات المشفرة؟ من البديهي أن عليك القيام ببحثٍ عن هذه التكنولوجيا قبل الاستثمار فيها، والأهم من ذلك أن تطوَّر فهمك لسيكولوجيا السوق. بهذه الطريقة، ستحقق أقصى قدرٍ ممكنٍ من الأرباح وتتجنب المداولة بناءً على العواطف وحدها.