حين صدّق مجلس إدارة تحالف هايبر ليدجر Hyperledger على مشروع جديد لسلاسل التوريد في وقت سابق من الشهر الجاري، ديسمبر/كانون الأول 2018، اعتُبِر ذلك خروجاً واضحاً عن المألوف بالنسبة لتحالف تقنية البلوكتشين مفتوحة المصدر.

 

ولا شك أنَّ المشروع الجديد، الذي أُطلق عليه مؤقتاً اسم سوتوث سبلاي تشين Sawtooth Supply Chain، يفتح آفاقاً جديدة؛ إذ يمكن القول إنَّه أول مشروع للتحالف يقع فعلياً في طبقة التطبيقات من حزمة البرمجيات، فضلاً عن أنَّه مبني على نظام سوتوث Sawtooth الذي تبرعت به شركة إنتل Intel لتحالف هايبر ليدجر.

 

فقبل ذلك المشروع، كان عمل تحالف هايبر ليدجر مقتصراً على الطبقات الدنيا من كومة البرمجيات: كان التحالف يتجنب العمل بأكواد تطبيقات البلوكتشين المصممة خصيصاً حسب طلب الجهات الفاعلة في القطاع، وكان يترك هذه المهمة للمورّدين لينفذوها بطرقهم الخاصة؛ مثلما كانت شركة آي بي إم IBM تفعل في منصة سلاسل التوريد الخاصة بها بمجال تتبع سلاسل الغذاء التي دخلت حيز التشغيل حالياً في متاجر الأغذية الكبرى من أمثال وول مارت Walmart.

 

بغض النظر، فقد صوّت تسعة أعضاء من أصل 11 عضو باللجنة الفنية التوجيهية (TSC) لصالح المشروع الجديد بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول 2018. أدت الموافقة على مشروع سوتوث سبلاي تشين باعتباره مشروعاً رفيع المستوى إلى رفع درجة أهمية المشروع إلى حد كبير، مما عنى دخوله دورة الحياة الرسمية للمشاريع في هايبر ليدجر وحصوله على الدعم المصاحب لذلك (من قبيل التوعية المجتمعية والتسويق والمراجعة الأمنية، وما إلى ذلك).

 

حدث ذلك بغض النظر عن اعتراض العضوين الآخرين باللجنة الفنية التوجيهية؛ وقد علم موقع كوين ديسك CoinDesk أنَّ العضوين قد شككا في ما إذا كان المشروع يقع ضمن نطاق عمل تحالف هايبر ليدجر حقاً. اللافت للنظر أنَّ هذين العضوين يعملان لدى شركة آي بي إم IBM، وهما: أرنود لو أور الذي تغيّب عن التصويت، وكريس فيريس، رئيس اللجنة الفنية التوجيهية سابقاً، الذي كان حاضراً لكنه امتنع عن التصويت.

 

من وجهة النظر الحيادية لعالم شركات البلوكتشين، يبدو وكأن هناك صراعاً عنيفاً قد اندلع بين شركة آي بي إم ونظام تنفيذها المفضّل لحساب تحالف هايبر ليدجر، المعروف باسم فابريك Fabric، من جانب ونظام سوتوث المدعوم من شركة إنتل من الجانب الآخر، لكن الفريق الأخير لديه بطل صاعد؛ وهو رئيس اللجنة الفنية التوجيهية المُعيَّن مؤخراً والمشرف الرئيسي على صيانة نظام سوتوث: دان ميدلتون من شركة إنتل.

 

وإلى جانب تصميم مشروع سوتوث سبلاي تشين وبنائه في طبقة التطبيقات الأعلى مستوى من حزمة البرمجيات، فهو أول مشروع ترعاه شركة غير مختصة بالتقنية، وهي الشركة الأميركية العملاقة في مجال الأغذية كارغل Cargill. وعليه، فإنَّ مشروع سلاسل التوريد، الذي لم يحصل على اسم دائم بعد، من المرجح أنًّ يعجّل بالتنفيذ عن المشاريع النظيرة له من هايبر ليدجر. ونظراً إلى مشاركة شركة كارغل، فإنَّ المشروع يُعد منافساً محتملاً لنظام فود تراست Food Trust من شركة آي بي إم.

 

لكن مخاطر هذا المشروع تزيد عن كونها مجرد منافسة محتملة بين منصتين لسلاسل التوريد من تطوير تحالف هايبر ليدجر؛ إذ أنَّ هذه التوترات بين الشركتين تشير إلى تساؤلات أكبر تتعلق بإدارة المشروع.

 

فبينما تزعم شركة آي بي إم أنَّ ترخيص مشروع بمستوى التطبيقات باسم تحالف هايبر ليدجر من الممكن أن يؤدي إلى إضعاف موقف التحالف كجهة فاعلة حيادية، وصف آخرون اعتراض الشركة على المقترح بأنَّه محاولة منها لتضييق الخناق على منافسيها باعتبارها شركة عملاقة في مجال التقنية.

 

من جانبه، صرّح جيمس ميتشل، المدير التنفيذي لشركة بت وايز Bitwise التي وضعت معظم كود النسخة الأولى من نظام سوتوث Sawtooth 1.0 والتي تساهم حالياً في مشروع سلاسل التوريد: “يدور هذا النقاش في الأساس حول ماهية البرمجيات مفتوحة المصدر وما إذا كانت بنية مؤسسة مثل هايبر ليدجر ستصبح في نهاية المطاف بنية حمائية تتعلق بمجموعة من المصالح التجارية أم أنَّ لديها مجموعة مختلفة من الأهداف”.

 

“دفع الإيجار”

 

يمكن النظر إلى التوترات المتعلقة بمشروع سلاسل التوريد على أنَّها دلالة على أنَّ تحالف هايبر ليدجر قد بدأ ينمو ويتوسع عن أصوله كمؤسسة خاضعة لسيطرة شركة آي بي إم.

 

فقد صرّح رئيس اللجنة الفنية التوجيهية دان ميدلتون لموقع كوين ديسك، بكلمات منتقاة بعناية، أنَّ من بين مهام منصبه ضمان التنوع داخل تحالف هايبر ليدجر والحفاظ على نقاط القوة التي تستمد منها تقنية البلوكتشين تميّزها.

 

واعترف أيضاً أنَّ شركة آي بي إم كانت من كبار المساهمين بتحالف هايبر ليدجر وبجهود البرمجيات مفتوحة المصدر، وكذلك شركة إنتل وعدد من المؤسسات الأخرى.

 

قال ميدلتون: “أرى أنَّ المهم هو ألا تُضعِف أيّ من تلك المؤسسات من شرعية وجود مؤسسة مفتوحة المصدر نتعاون فيها جميعاً بشفافية على تطوير الكود: كل ما في الأمر أنَّنا نريد التأكد من وجود توازن جيد بين المساهمين جميعاً”.

 

أما ميتشل من بت وايز، فقد جاء تصريحه أقل دبلوماسية؛ إذ زعم أنَّ شركة آي بي إم، بتنفيذها السريع والمبكر لنظام فابريك، قد استغلت تحالف هايبر ليدجر (وارتباط التحالف بمؤسسة لينكس Linux Foundation) كوسيلة لتسويق خدماتها للشركات، وهو ما أطلق عليه ميتشل اسم “الظهور بمظهر المصدر المفتوح”.

 

وفيما يتعلق باستراتيجية البلوكتشين الخاصة بشركة آي بي إم حتى الآن، قال ميتشل: “إنًّ شركة آي بي إم تريد الترويج لنفسها على أنَّها تبني حلول مفتوحة المصدر، لكنها في الوقت نفسه تريد الاحتفاظ بملكيتها الخاصة للملكية الفكرية في المواضع المهمة، أي في معظم كود التطبيق، والترّبح من وراء الحلول التقنية بهذا المستوى”.

 

وأضاف قائلاً: “أعتقد أنَّ الناس على دراية بهذا؛ فهم يدركون أنَّهم لا يريدون أن يظلوا يدفعون إيجار تلك الحلول لشركة من كبّار مزودي الخدمات التقنية طوال العقدين القادمين من الزمن”.

 

وحذّر ميتشل أيضاً من أنَّ تقنية البلوكتشين قد تمثّل شكلاً من أشكال التقيدّ بموردين معينين أشدّ عدوانية من نظام ترخيص البرمجيات من أجل الشركات المعمول به سابقاً في حال تبنى قطاع معين لغة تعامل مشتركة لإجراء المعاملات التجارية.

 

في هذا الصدد، قال ميتشل: “بناءً على المحادثة التي أجريناها مع شركائنا الذين نعمل معهم في القطاع، كشركة كارغل وغيرها، فإنَّنا نؤمن بشدّة أنّه ينبغي للقطاع أن يكون هو الجهة المالكة لهذه الحلول التقنية” وليس الموّردين.

 

واستطرد ميتشل قائلاً إنَّ ذلك قد يتخذ شكل ملكية مغلقة المصدر مشتركة بين الأطراف المعنية، أو بالأحرى، برمجية مفتوحة المصدر تعني تلك القطاعات ببنائها والمساهمة بها وتشاركها.

حقيقة أم زيف؟

 

أبدى كريس فيريس من شركة آي بي إم مخاوفه بشأن توسيع نطاق عمل تحالف هايبر ليدجر للترويج لمشروع سوتوث سبلاي تشين لسلاسل التوريد، لكنّه قال إنّ هذا هو رأيه الشخصي ولا علاقة له بشركة آي بي إم.

 

قال كريس فيريس لموقع كوين ديسك: “حين أسسنا تحالف هايبر ليدجر في بادئ الأمر، قررنا أنَّنا لن ندخل مجال التطبيقات: كان هناك سبباً لذلك، وهو أنَّنا نريد أن يستخدم الناس الأنظمة التي نبنيها ويستفيدون منها؛ لم نكن نرغب في أن يرانا الناس بشكل ما على أنَّنا منافسون لشركة تسعى جدياً لبناء حل يدور حول سلاسل التوريد”.

 

وأضاف فيريس قائلاً إنَّ المكونات التي تُصنَّع حالياً ضمن المشروع الجديد لسلاسل التوريد “مخصصة كلياً” لنظام سوتوث في الوقت الراهن؛ لكن ذلك يقلقه نظراً إلى أنّه، بحسب توجيهات مجلس إدارة تحالف هايبر ليدجر، ينبغي لمشاريع الأدوات رفيعة المستوى أن تدعم ظاهرياً عدة أنظمة في آنٍ واحد، بدلاً من أن تركّز على نظام واحد فقط.

 

أما نظام سوتوث سبلاي تشين، فكان بالأحرى وضعه في مختبرات هايبر ليدجر Hyperledger Labs، وهي حاضنة للمشاريع التي تُعتبر بدائية للغاية ولا يمكن أن تحصل على موافقة اللجنة الفنية التوجيهية مثل عينات الأكواد من مسابقات هاكاثون للبرمجة أو المشاريع البحثية، بدلاً من ترقيته إلى مشروع رفيع المستوى، في رأي فيريس. وفي حال أراد أحد مشاريع مختبرات هايبر ليدجر دخول الحاضنة حتى يتحول إلى مشروع رسمي، فلابد من التقدّم بمقترح المشروع إلى الجنة الفنية التوجيهية للنظر فيه.

 

وفي ما يتعلق بالنقطة التي أثارها ميدلتون بشأن الحاجة إلى مزيد من التنوع داخل تحالف هايبر ليدجر، قال فيريس إنَّ هذه المسألة قد عولجت بالفعل، لا سيما على مدار العام الماضي تقريباً، بعد انضمام عدد كبير من المطوّرين إلى مجتمع هايبر ليدجر من مجموعة واسعة من المؤسسات، فضلاً عن أنَّ شركة آي بي إم قد أصبحت تساهم بنحو 30 بالمائة من إجمالي المساهمات في التحالف، على حد قوله.

 

استطرد فيريس حديثه قائلاً: “أما في ما يتعلق بنظام فابريك، فإنَّ شركتنا تساهم بنحو 40 بالمائة من ذلك الإجمالي؛ لكن تلك النسبة كانت مائة بالمائة في ما مضى، مما يعني أنَّها في انخفاض مستمر. صحيح أنَّ شركة آي بي إم ملتزمة تماماً بإنجاح تحالف هايبر ليدجر، لكننا، وللسبب نفسه، نحرص على ألا نُبالِغ في هذا الاستثمار”.

 

وأضاف المهندس البارز ورئيس قسم تكنولوجيا البلوكتشين بشركة آي بي إم، غاري سينغ، أنّه يفتخر بكم الجهود التي بذلتها شركة آي بي إم لتطوير نظام فابريك، إلا أنّه يشعر بخيبة الأمل من عدم وجود مساهمات من الجهات الفاعلة الكبرى الأخرى في القطاع.

 

في هذا الصدد، قال سينغ: “إذا نظرنا إلى تشغيل شركة أوراكل Oracle لنظام فابريك، سنجد أنَّ شركة أمازون Amazon تأخذ عينات نظام فابريك وتستخدمها في إدارة خدمة البلوكتشين الجديدة الخاصة بها، دون أن تساهم بأي شيء في المقابل. نحن نتلقى مساهمات فعلاً، لكنها مساهمات من شركات ناشئة؛ لذا نتمنى أن نرى مساهمات من الشركات الكبرى”.

 

إخلاص شديد للمشروع من جانب آي بي إم

 

من ناحية أخرى، وفي منتدى هايبر ليدجر Hyperledger Forum الذي عُقد في مدينة بازل في سويسرا في الأسبوع الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2018، انتهز بعض الأعضاء البارزين بالمجتمع الفرصة لإظهار احترامهم لشركة آي بي إم.

 

من جانبه، صرّح المدير التنفيذي لشركة موناكس Monax، كايسي كولمان، أنَّ حقيقة وضع مشروع سوتوث سبلاي تشين تحت رعاية تحالف هايبر ليدجر لا تحتاج إلى تفسيرات. صحيح أنَّ شركة آي بي إم كانت لديها شكوك حول المشروع، لكنها في نهاية المطاف لم تقف عقبة في طريقه. وأضاف قائلاً إنَّ شركة آي بي إم، الشهيرة بلقب “بيغ بلو” Big Blue، قد تصرفت كما ينبغي لأي “عضو حكيم في المجتمع” أن يتصرف في رأيه.

 

واستطرد كولمان قائلاً: “أرى أن أفعال شركة آي بي إم قد جاءت لخدمة مصلحتها الذاتية، وهذا منطقي للغاية: في نهاية المطاف، كلنا شركات تجارية، وكلنا نحاول تحقيق الأرباح. كلنا لا نهتم سوى بمصلحتنا الذاتية، بل وينبغي لنا ذلك”.

 

من جانبه، صرّح مدير تحالف هايبر ليدجر، براين بيهليندورف، أنّّه مع أنَّ هناك تطور يحدث داخل مؤسسة هايبر ليدجر، فإنَّ تركيزها سيظل منصباً على المشاريع القابلة للتطبيق عموماً.

 

قال بيهليندورف: “لن يكون الأمر مقتصراً على حل احتياجات شركة كارغل من مجموعة أكواد أو نموذج معين أو وصفة معينة أو ما إلى ذلك قابلة لإعادة الاستخدام في عدد كبير من حالات الاستخدام”.

 

وبمناسبة نجاح منتدى هايبر ليدجر العالمي الأول، الذي شهد حضور مئات الشركات التابعة لمجموعة واسعة من القطاعات إلى مدينة بازل السويسرية لمدة أربعة أيام وعقد العديد من المناقشات وورش العمل، أراد بيهليندورف أيضاً أن يظهر الاحترام اللازم لشركة آي بي إم، فما كان منه إلا أن اختتم حديثه قائلاً: “لولاهم، ما كنّا هنا بالتأكيد”.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.