بينما اضطر بعض مُعدني البتكوين (BTC) إلى إغلاق مئات الآلاف من أجهزة التعدين إن لم يكن أكثر، ما زال البعض الآخر يبحث عن طرق بديلة للاستمرار في العمل.
وتُغري إيران المُعدنين من خارج البلاد بالكهرباء بخسة الثمن، التي قد تنخفض تكلفتها إلى نحو 0.006 دولار أميركي لكل كيلوواط ساعة. ولكن رحلة بدء التعدين بإيران ليست بسيطة على الرغم مما تبدو عليه من جاذبية.
فتعدين البتكوين في واقع الأمر نوع من المضاربة بالطاقة. إذ يحقق المُعدنون الربح عندما تكون تكلفة إنتاج العملات المُشفرة -تبلغ حالياً 12.5 بتكوين لكل بلوك معاملات- بالإضافة إلى أية رسوم مُستحقة أقل من تكلفة عملية التعدين نفسها، شاملة تكلفة الكهرباء.
وأخبر نيما دهقان، الباحث بتقنية البلوكتشين بشركة أرياتك Areatak الناشئة العاملة بالعملات المُشفرة ومقرها طهران، وقع كوين ديسك CoinDesk أنَّ الشركة في مباحثات مع مُستثمرين أجانب يسعون لبدء التعدين بإيران.
إذ قال دهقان، “زار مزارعنا مستثمرون من أسبانيا، وأوكرانيا، وأرمينيا وفرنسا”.
وأكمل دهقان حديثه مُضيفاً أنَّ شركة أرياتك وقعت اتفاقاً لتصبح الشريك المحلي لشركة التعدين الأسبانية كوين بودس Coinpods في تجهيز مزارع تعدين بإيران، وهي عملية ستتكون من ثلاثة مراحل.
إذ شرح دهقان قائلاً: “المرحلة الأولى بدأت بالفعل، وهي مرحلة اختبار مبدئي. المرحلة الثانية هي بناء بنية تحتية جديدة، وهي بدأت أيضاً نوعاً ما. وستكون المرحلة الثالثة جمع المزيد من المستثمرين من خارج إيران”.
ثم أضاف دهقان أنَّ المستثمرين منجذبون للكهرباء الرخيصة التي يمكن الحصول عليها عادة مقابل أقل من 0.01 دولار أميركي للكيلوواط/ساعة، ، حسب المصدر الأصلي للطاقة. وأنَّ بإمكان شركته إدارة منشآت بمختلف الأحجام، بداية من المزارع الصغيرة ذات قدرة اثنين إلى ثلاثة ميغاواط حتى المزارع الأكبر بقدرة عشرة إلى عشرين ميغاواط.
كما أوضح أنَّه بينما دائماً ما كانت تكلفة الكهرباء بإيران مُنخفضة نسبياً، إلا أنَّ تخفيض قيمة الريال الإيراني مؤخراً نتيجة العقوبات المفروضة من حكومة الولايات المتحدة الأميركية جعل الفرص أكثر جاذبية.
التحوُّل السري
وتُشير الأدلة إلى تحوُّل أنظار المُعدنين من بلدان عادة ما تُعد مراكز تجمع مهمة لمُعدني البتكوين، وبالأخص الصين، إلى إيران بحثاً عن الفرص السانحة.
فبمقارنة بالأرقام التي قدمها دهقان، تبلغ تكلفة الكهرباء المُولدة من محطات الطاقة الكهرمائية بمنطقة جنوب غرب الصين عادة حوالي 0.15 يوان أو ما يعادل 0.02 دولار أميركي لكل كيلوواط/ساعة، وذلك خلال الصيف عندما تكون المياه متوفرة. أما بحلول الشتاء، ترتفع التكلفة إلى 0.04 دولار أميركي لكل كيلوواط/ساعة.
ويبدو أنَّ بعض المُعدنين الصينين أخذوا زمام المبادرة بالفعل. فقد صَرحَ مُمثلي شركة ناشئة مقرها مدينة تشنغدو بالصين لموقع كوين ديسك، شرط الحفاظ على سرية هويتهم خوفاً من المضايقات الحكومية، أنَّ الشركة قامت بتشغيل ألفي جهاز تعدين بإيران.
وقالت الشركة في تصريحها، “تحظى إيران بموارد واسعة من الغاز الطبيعي لذا قد تنخفض تكلفة الكهرباء إلى 0.04 يوان -ما يعادل 0.006 دولار أميركي- لكل كيلواط/ساعة. لكنها تفتقر إلى شركات تصنيع أجهزة التعدين. وبما أنَّ أجهزة التعدين المُستعملة تُباع بثمن رخيص في الصين الآن، يبدو التعدين بإيران قراراً منطقياً. إذ بإمكانك جنى أرباح خلال شهر أو اثنين، حال حصولك على كهرباء رخيصة بهذه الأسعار”.
وقد أيد جافاد صدقي، مُعدن عملات مشفرة مستقل بإيران، هذا التصريح مُخبراً موقع كوين ديسك أنَّ المُعدنين المحليين يعتمدون في الأغلب على أجهزة التعدين المستوردة من خارج البلاد.
إذ قال سيدغي، “هذا لأنَّه ليست هناك شركات مثل بِتماين Bitmain تتولى شحن المعدات إلى إيران. خلال الأشهر القليلة الماضية، ظهرت عدة شركات وسيطة لاستيراد أجهزة التعدين”،
ثم أضاف، “وأعتقد أنَّ هؤلاء أشخاص ذو قدر كبير من النفوذ والمال، قادرون على إتمام كل هذا في سرية تامة”.
هذا النوع من الإمكانيات الكامنة، خاصة فيما يتعلق بالطاقة بخسة الثمن، جذب انتباه مليونيرات البتكوين الصينيين الشهيرين كتشاندلر هونغ كاي غو. فقد نشر غو مقطعاً عبر حسابه الشخصي على موقع ويبو Weibo يوم الجمعة 26 أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، يخبر فيه جمعاً من الحضور بأنَّ هناك فرصة مهولة للاستثمار في إيران، حيث تنخفض تكلفة الكهرباء إلى أقل من 0.01 دولار أميركي لكل كيلوواط/ساعة.
وقال خلال التسجيل، “إنَّ إيران مناسبة لاستضافة أجهزة التعدين المُستعملة التي توشك على وقف أنشطتها في الصين وبإمكانها تحقيق أرباح خلال شهر أو شهرين”، ناصحاً المُعدنين المهتمين بزيارة إيران بأنفسهم للقيام ببحثهم الميداني الخاص.
ليست هناك طرق سهلة للدخول
لكن دهقان سعى إلى توضيح فكرة مسارعة المُعدنين بالتوجه إلى إيران في جماعات خلال محادثته مع محرر موقع كوين ديسك، خاصة أنَّ إنشاء المُستثمرين الأجانب لمنشآت تعدين ليس بالأمر البسيط.
فقد قال مُمثلي شركة التعدين الصينية إنَّ أحد أكبر العقبات أمام المستثمرين الأجانب هي إدخال أجهزة التعدين إلى داخل البلاد بداية، فما بالك بتأسيس شراكات مع المزارع المحلية.
فحسب تصريح الشركة، ما زال لدى الحرس الثوري الإسلامي، وهو فرع من فروع القوات المسلحة الإيرانية، نفوذ قوي على الحدود. فببساطة لدى الحرس الثوري سلطة تقرير أي الشحنات مسموح لها بعبور الحدود وأيها ممنوعة من دخول البلاد.
وأضاف ممثلو الشركة موضحين: “هناك مخاطرة بمصادرة أجهزة التعدين على الحدود. وبينما لدى بعض شركات الخدمات اللوجستية عقود تأمين لتغطية الخسارة، لكن لا يمكنك تلقي التعويض إلا في هيئة عملات نقدية وستخسر أجهزة التعدين”.
وأضافوا: “ما زال الأمر مخاطرة كبيرة. وعلى الرغم من محاولتنا العمل كوسيط لمساعدة مُعدنين آخرين العمل خارج البلاد، إلا أنَّ العديد منهم ما زالوا مترددين”.
وقد أيد دهقان هذه النقطة مُضيفاً أنَّ استيراد أجهزة التعدين لإيران ليس بالأمر السهل، فبعض إجراءات الشحن الخاصة ضرورية.
تعقيدات العقوبات
لا يضطر المستثمرون المحتملون إلي مواجهة ضغوط داخلية مثل التضييق الأمني على الحدود فقط. فقد ألقى دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية بالمزيد من العقبات في طريقهم.
فحالياً تثبط العقوبات المفروضة من حكومة الولايات المتحدة الأميركية عزيمة المُستثمرين المحتملين الذين تربطهم صلات بأكبر قوة اقتصادية في العالم. وقد أخبر غو موقع كوين ديسك عبر تطبيق وي تشات WeChat من قصره بولاية كاليفورنيا، أنَّه بينما يتفق على جاذبية الفرصة خاصة مع انخفاض كلاً من صعوبة تعدين البتكوين ومعدل الهاش الإجمالي الخاص بالشبكة، إلا أنَّ المستثمرين مثله لا يجرؤون على دخول السوق.
وقال: ” لم أذهب إلى هناك بنفسي، بعد أنَّ فرضت الولايات المتحدة العقوبات الإقتصادية على إيران”، مُلمحاً إلى أخبار إلقاء القبض على المديرة المالية لشركة هواوي Huawei بكندا بزعم تورطها في احتيال على العقوبات.
ثم أكمل yو حديثه مُضيفاً، “لا يجرؤ أغلب عمالقة التعدين في الصين أو صانعو أجهزة التعدين على استضافة أجهزتهم بإيران. هذا هو الموقف العام حالياً. بالرغم من مدى جاذبية كلفة الكهرباء هناك، لم ينتقل هناك إلا المُعدنون على المستوى الفردي أو العاملون على نطاق صغير فقط. أما الأغلبية فما زالوا مترددين”.
أعلنت إدارة ترمب يوم الاثنين السادس من أغسطس/آب عام 2018 أنَّها سُتعيد فرض عقوبات على إيران بداية من يوم الثلاثاء السابع من أغسطس/آب بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي دخلته مع إيران في عام 2015. إلا أنَّ هناك أخباراً متداولة عن سعي الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين إلى الحفاظ على الاتفاقية للسماح للأعمال التجارية والمعاملات المالية بالاستمرار مع إيران.
وطِبقاً لصدقي، ما زال تعدين العملات المُشفرة بإيران نفسها منطقة قانونية رمادية، بمعني أنَّه ليس قانونياً تماماً أو غير قانوني تماماً.
يقول صدقي: “لم يوافق البرلمان الإيراني حتى الآن على قوانين صناعة تعدين العملات المُشفرة. ولكنها محل دراسة. ففي إيران، لا يمكنك الحصول على رخصة عمل وبالتالي لا يمكنك التقدم بطلب قرض من البنك على سبيل المثال”.
ولهذا، قال صدقي إنَّ مجتمع العملات المُشفرة يعمل معاً على حثّ المُشرعين الإيرانيين على تمرير قانون رسمي لحماية صناعة تعدين العملات المُشفرة، لتمكينها من جذب رأس المال والنمو.
ثم أضاف ختاماً: “نحن نؤمن بأنَّه لا يجب للخلافات السياسية بين الحكومات إيذاء الشعوب. كان هناك الكثير من النقاش حول العقوبات وكيف يمكن لمجتمع العملات المُشفرة الإيراني تجنب الضرر الواقع بسببها”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.