حين يتعلق الأمر بإعادة صياغة القواعد كلياً في ما يتعلق بالتداول والوساطة المالية للمستثمرين الأفراد، فلا شك أن شركة روبن هود Robinhood الناشئة الثورية هي من الرواد في هذا المجال.
يرجع ذلك إلى أن شركة روبن هود تستخدم نموذجاً دون رسوم يتيح لمستخدميه فرصة شراء المؤشرات والعملات المشفرة والأسهم بسعر مساوٍ لسعرها في الأسواق المؤسسية. لذلك، يميل العديدون إلى اعتبارها محاولةً لتحقيق تكافؤ الفرص والديمقراطية في مجال الاستثمار.
مع ذلك، أثار بعض الأفراد التساؤلات حول كيف يمكن لشركة وساطة مالية لا تتقاضى أي رسوم أن تحقق دخلاً مستداماً.
وبفضل تلك الشكوك، توصلت تلك المجموعة من المتشككين إلى عدة اكتشافات مذهلة عن شركة روبن هود لها علاقة بهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC)؛ فقد كشفت نتائج تحرّيهم عن أن نموذج عمل الشركة مذهل للغاية: فقد كانت شركة روبن هود تبيع تدفق طلبات عملائها إلى شركات التداول السريع (HFT).
لكن، وكما هو متوقع، فإن هذا الاكتشاف لا يقدم أجوبة بقدر ما يثير مزيداً من التساؤلات. نتيجةً لذلك، بدأ العديدون يعتقدون أن شركة روبن هود للوساطة المالية مستحيل أن يكون هدفها إعادة توزيع الثروة في العصر الحديث.
باختصار، في ما يلي تحليلاً متعمقاً لنموذج عمل شركة روبن هود وما قد يترتب عليه بالنسبة للمتداولين باعتبارهم المستخدمين النهائيين.
تحويل تدفق طلبات العملاء والحصول على المقابل
سُلط الضوء على هذه القضية في بدايةً الأمر حين أفصحت شركة روبن هود عن تقاريرها المالية للربع الثاني من العام الجاري بموجب القانون رقم 206 لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية: فقد كشفت التقارير عن ممارسات الشركة الخاصة بتحويل تدفق طلبات العملاء إلى الوسطاء التجّار؛ بما أن القانون رقم 206 يُلزم الشركة بنشر تلك المعلومات.
كشف التقرير الذي نشرته الشركة أيضاً أن جميع الطلبات التي تلقتها الشركة قد تم تحويلها إلى 4 شركات للتداول السريع هي: تو ستيغما للأوراق المالية Two Sigma Securities وسيتاديل للأوراق المالية Citadel Securities وفيرتو فاينانشيال Virtu Financial وولفرين للأوراق المالية Wolverine Securities.
احتوى التقرير أيضاً على توضيح لطبيعة العلاقة المالية التي تجمع شركة روبن هود بتلك الشركات الأربعة: تحصل شركة روبن هود على أموال مقابل كل طلب تحوّله إلى صنّاع السوق الأربعة. من بين الأمثلة على ذلك دفع شركة سيتاديل للأوراق المالية لشركة روبن هود ما يقل عن 0.00026 دولار أميركي عن كل دولار من قيمة عمليات التداول المنفذّة عن طريقها.
الخلاصة هي أن أرباح شركة روبن هود تأتي من الأموال التي تتلقاها من صنّاع السوق مقابل كل طلب ترسله إليهم من طلبات المتداولين بها، عوضاً عن أن تحصل عليها من المتداولين أنفسهم. بعد ذلك، ينفذ صنّاع السوق الطلب بسعر السوق في دفاترهم.
كان مؤسسو شركة روبن هود قد سبق لهم العمل مع شركات التداول السريع من خلال شركتهم الناشئة السابقة المسماة كرونوس ريسرش Chronos Research؛ فقد كانت كرونوس ريسرش تطوّر البرمجيات المستخدمة لتقديم الطلبات لدى شركات التداول السريع.
تجدر الإشارة إلى أن هناك شركات أخرى غير روبن هود تمارس عملية بيع إمكانية الوصول إلى تدفق طلبات عملائها إلى الشركات الأخرى، مثل شركة تي دي أميريتريد القابضة TD Ameritrade Holding Corp وشركة تشارلز شواب Charles Schwab Corp وشركة إي تريد فاينانشال E*trade Financial Corp.
لقد ثبت أن الممارسة الموصوفة أعلاه تنتعش في أسواق الأسهم التي تتمتع بالشفافية والأسواق شديدة التنظيم، فهل يمكن لها أن تنتعش في أسواق العملات المشفرة الناشئة أيضاً؟
أثر شركة روبن هود في سوق العملات المشفرة
قررت شركة روبن هود دخول سوق العملات المشفرة في وقت سابق من العام الجاري. ومنذ ذلك الحين، أطلقت الشركة خدماتها في عدة ولايات بجميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية. تقدم الشركة خدمات التداول بعملات الإيثريوم (ETH) والبتكوين (BTC) والبتكوين كاش (BCH) واللايت كوين (LTC) والدوج كوين (DOGE). وبطبيعة الحال، فقد سرّ المستخدمون بحقيقة أنه قد صار بإمكانهم شراء العملات المشفرة دون رسوم.
ولكن حين أصبحت التقارير المالية التي أفصحت عنها الشركة معروفة للجمهور، أعرب عديدون ضمن مجتمع العملات المشفرة عن قلقهم من طبيعة نموذج العمل الذي تتبعه شركة روبن هود.
ما زاد من تلك المخاوف هي حقيقة أن أسواق العملات المشفرة لم تخضع للتنظيم بعد؛ أي أن شركة روبن هود سيكون لها الحق في عدم الإفصاح عن أي اتفاقات مشابهة لها مع شركات أخرى حتى وإن وُجدت.
بيد أنه لا يمكن الجزم أيضاً أن هناك فعلاً اتفاقيات بين شركة روبن هود وتو سيغما أو سيتاديل، لأن شركتيّ تو سيغما وسيتاديل نفسيهما لم تدخلا سوق العملات المشفرة بسبب شكوك مؤسسيهما. في حين زعمت شركة فيرتو أنها سوف تدخل أسواق البتكوين الفعلية لكن بشرط أن تخضع تلك الأسواق للتنظيم.
أما شركتا كمبرلاند ديجيتال Cumberland digital وجامب تريدنغ Jump trading، فقد كانتا تساهمان في صناعة الأسواق طوال العام الماضي، 2017. ومن هنا، يمكن الاستنتاج بأن هناك فعلاً بعض صنّاع السوق الذين يرحبّون بدفع الأموال لشركة روبن هود مقابل أن تحوّل روبن هود الطلبات إلى دفاترهم.
ما الفائدة التي ستعود على شركات التداول السريع من وراء ذلك؟
من خلال شراء تدفق الطلبات من شركة روبن هود، تسعى شركات التداول السريع إلى الحصول على شيء أكثر قيمةً بكثير من مجرد كسب الأرباح: واقع الأمر هو أن تلك الشركات تبحث عن بيانات ومعلومات السوق لتدخلها في خوارزميات التداول الخاصة بها. على وجه التحديد، تجري الشركات ذلك البحث لكي تكوّن فهماً أفضل عن طبيعة التدفق الحالي في السوق.
وترجع أهمية ذلك البحث عن البيانات إلى أنه يمكّن تلك الشركات من تهيئة دفاتر التداول الخاصة بها حسب تدفق السوق المؤسسي؛ إذ أن الشركات تستخدم البيانات التي حصلت عليها من نماذجهم الحاسوبية في تنظيم تدفق الطلبات وفصل طلبات الأفراد عن الطلبات المؤسسية.
صحيح أن صناعة السوق السلبية هذه لا تحقق ربحاً كثيراً للشركات مثل استراتيجياتها الأخرى، لكن التعرّف على تدفق الطلبات المؤسسية وحل لغز اتجاه السوق يجعل بإمكان تلك الشركات الاستفادة من الإستراتيجيات الاتجاهية.
إنّّ أحد أهم أسباب كراهية مؤسسات الاستثمار الكبرى لشركات التداول السريع هو أنها تدرك أن شركات التداول السريع تحاول التجسس على بياناتها واستغلالها لمنفعتها الخاصة. ومن هنا، بدأت مؤسسات الاستثمار الكبرى تلجأ إلى “منتديات التداول الخاصة” و”الطلبات المجمّعة“ لإخفاء آثار عمليات التداول التي نفذتها في أسواق الصفقات خارج منصات التداول (OTC).
التداعيات على السوق
بما أن شركات التداول السريع قادرة على تقليل الفروق بين الأسعار وتحقيق السيولة في الأسواق، فإن صافي ربح مستخدميّ السوق سيبقى كما هو دون تغيير؛ إذ سيظل بإمكان المستخدمين شراء الأسهم أو العملات المشفرة دون دفع عمولة.
من ناحية أخرى، هناك الكثير من الآراء المتباينة حول قضية تقاضي شركة روبن هود الأموال من شركات التداول السريع. وهناك مزاعم تشير أنه لكي تحقق شركة روبن هود الأرباح، لابد لها أن تختار صنّاع السوق الذين يعرضون أعلى سعر دون سواهم. بيد أن شركة روبن هود ملزمة قانوناً بالبحث عن أفضل شركات تُنفّذ عمليات التداول لعملائها؛ وهو ما يتضمن عوامل أخرى كثيرة غير المقابل المادي.
الحقيقة أنه لا يوجد خاسرين في النظام الذي تتبعه شركة روبن هود: الجانب السلبي الوحيد هو أن المؤسسات الكبرى لا تستطيع وضع طلبات كبيرة دون أن تتجسس عليها شركات التداول السريع وتستغل بياناتها لمنفعتها الخاصة. أما المستخدمون النهائيون، فسوف تُنفّذ طلباتهم على أفضل وجه بفضل النظام الذي توفره شركة روبن هود بالتعاون مع شركات التداول السريع.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.