بول برودي، رئيس قسم الابتكار العالمي في مجال البلوكتشين بمنظمة إي واي EY، يتحدث عن الإجراءات الأمنية الواجب توافرها في البلوكتشينات العامة، من أجل إقناع الشركات والمؤسسات باستخدام شبكات عامة لامركزية قائمة على البلوكتشين.
يقول برودي: “في مطلع هذا العام، كتبت مقالاً تنبَّأت فيه بأن الشركات لن تستطيع مقاومة إغراء البلوكتشينات العامة. وبينما توفِّر البلوكتشينات الخاصة لكثيرٍ من المؤسسات والجهات الرقابية والبنوك المركزية الارتياح من وجود كياناتٍ مسؤولةٍ ومركزيةٍ، فلن تصل هذه الشبكات المعتمدة على الإذن أبداً إلى الابتكار أو إلى الآثار الشبكية التي تقدمها الشبكات العامة غير المعتمدة على الإذن.
ويرى برودي أنه في حال ظلَّ عالم المؤسسات التجارية ملتزماً باستخدام الشبكات الخاصة، ستكون إنما قد استبدلت بوسيطٍ (المؤسسات المالية) وسيطاً آخر (شركات البرمجيات ومنظَّمات الاستضافة). غير أنه من الممكن، ومن الضروري، دمج هذين العالمين ببعضهما، وينبغي فعل ذلك على شبكاتٍ عامةً غير معتمدة على الإذن ولامركزيةٍ.
ولكي تفي الشبكات العامة بإمكانياتها، يتعيَّن حدوث أمرين محورِيَّين. أولاً، على الجهات الرقابية تقديم قواعد واضحةٍ حول كيفية تقييم التوكنات والعقود الذكية الموجودة على البلوكتشينات العامة. وثانياً، على الشركات تنفيذ هذه القواعد الرقابية في البيئة اللامركزية للشبكات العامة.
وأول هذين الأمرين يحدث بالفعل. فالجهات الرقابية في الولايات المتحدة وأوروبا تعمل على تعريف ما هو الأصل، وما هي العملة، وما هي الورقة المالية. ولن نتوقع أن تصل جميع الجهات الرقابية إلى نفس النتيجة بالتحديد، لكن يبدو بالفعل أن هناك نقطة التقاءٍ مبكِّرةٍ على مرمى البصر: إذ تمنح هذه الجهات صفة الأوراق المالية لعملات تسوية الخدمات صفة الأوراق المالية بينما تُعامل العملات المشفرة أكثر بصفتها عملاتٍ أو أصولٍ.
ومن الفجوات التي نعتبرها ذات أهميةٍ خاصةٍ مستقبلاً هي كيفية سنِّ اللوائح للعملات النقدية في صورة توكنات: فإذا كنت تملك توكناً بقيمة دولارٍ واحدٍ على بلوكتشين عامةٍ، يدعمه دولارٌ أميركيٌّ واحدٌ في حساب ضمانٍ مجمَّدٍ، هل يُعتبَر ورقةً ماليةً أم عملةً، وأي القواعد تنطبق عليه؟ حتى الآن، لم تخاطب أي جهةٍ رقابيةٍ هذه الفئة الناشئة من توكنات البلوكتشين.
والأمر الثاني ينصُّ على أنه مهما كانت القواعد الرقابية، فيجب تطبيقها في التوكنات والعقود الذكية. وبالأخص، مع أن البلوكتشين ككل قد تكون لامركزيةً، ينبغي للبنك المركزي أن يستطيع إصدار عملته الخاصة أو إلغاءها على البلوكتشين، وينبغي للشركات أن تكون قادرة على إدارة أصولها عندما تكون في صورة توكنات.
سياسة معرفة السلع؟
لتوضيح مدى أهمية هذا، يرجع برودي إلى سؤال كيف ستتعامل الشركات مع بعضها البعض على شبكات البلوكتشين العامة: أي استبدال توكنات المنتجات أو الأصول بالتوكنات المالية. فحالما تشرُعُ شركةٌ ما في تحويل مخزوناتها وأصولها إلى توكنات، واستعمالها في العقود والخدمات المالية، فهي تلغي وساطة الكيانات المالية التقليدية. وبناءً عليه، فهي كذلك تتولَّى بعض المسؤوليات الرقابية التي كانت تضطلع بها هذه الجهات الوسيطة.
على سبيل المثال، يمكن تداول التوكنات بسهولةٍ كما النقود، في حالة كان لها قيمة. وبينما لم تكن شركةٌ للسلع الاستهلاكية المعبَّأة لتملك سبباً للتفكير في هذا قبل وقتنا الحاضر، فما إن تحوِّل عبوَّات المنظِّفات إلى توكنات، سيُصبِح لهذه التوكنات سعر تداولٍ فعَّالٍ مقابل النقود الحقيقية والسلع الأخرى، مما يجعلها ملائمةً تماماً لأي نوعٍ من الصفقات، القانونية وغيرها. ومعنى هذا أن شركات السلع الاستهلاكية المعبأة ستصبح مسؤولةً عن الالتزام بسياسة معرفة العملاء، ومكافحة غسل الأموال.
هل هذا سببٌ يدعو لنفور المؤسسات من الشبكات العامة؟
يرى برودي أن لا.
من الفوائد العظمى للعقود الذكية وتوكنات البلوكتشين هو أنها قابلةٌ للبرمجة. فمن الآن فصاعداً، يمكن للوائح مراجعة الحسابات، وسياسات معرفة العملاء ومكافحة غسل الأموال أن تُكتَب في العقود الذكية والتوكنات، وسيحدث ذلك. فعند جمعها بإجراءات مراقبة الصرف وسُبُل الرقابة الأخرى، سيصبح من الممكن التحكُّم في كيف ومتى تُستَخدَم التوكنات على البلوكتشينات العامة دون الحاجة إلى اللجوء لمركزية البلوكتشين كَكُلٍّ. وسيشتمل هذا حتى على إلغاء التوكنات الجديدة وإصدارها للتعامل مع السرقة والخسائر.
لا شك في أن الكثيرين سيتحسَّرون على نهاية البلوكتشينات العامة بصفتها نُظُماً واقعة خارج نطاق سيطرة الجهات الرقابية تماماً. ولكن لكي تفي البلوكتشينات بإمكانياتها، لا مفرَّ من هذا. غير أن كيفية حدوثه أمر غايةٌ في الأهمية، وفقاً لبرودي.
إذا تحقَّق الالتزام باللوائح الرقابية من خلال المركزية، سيتكبَّد الابتكار خسارةً فادحةً، وقد نشهد موت حلم استعادة لامركزية الإنترنت. ويقول برودي إنه لم يضع لورقته البحثية عن تقنية البلوكتشين عنوان “ديمقراطية الأجهزة” هباءً.
ولكن هناك خياراً آخر: الالتزام باللوائح الرقابية ضمن إطار عملٍ لامركزيٍّ. نموذجٌ خياريٌّ قائمٌ على الموافقة التطوعية على العقود الذكية، يمكِّن الشركات من استخدام البلوكتشينات في التجارة دون تعريض نفسها لمخاطر غير ضروريةٍ. ولكن في الوقت ذاته، يمكن للأفراد والشركات الناشئة الاستمرار في انتهاج التجارب الثورية دون الحاجة إلى طلب الأذن من أحدٍ.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.