على الرغم من أننا قد نبدو ساذجين مثل فتاةٍ مشاركةٍ في مسابقة جمال، إلا أنه يمكننا القول للمرة الأولى في التاريخ إن القضاء على الفقر في بلدان العالم الثالث أصبح في متناول أيدينا.

وليست هذه مجرد إجابةٍ سخيفةٍ على سؤال حكمٍ مسنٍ في لجنة التحكيم، بل سيناريو حقيقي ممكن الحدوث داخل عالمنا. وتعتبر البلوكتشين قادرةً على القضاء على الفقر في بلدان العالم الثالث.

دخول البلوكتشين

هناك مجموعةٌ متناميةٌ من الأشخاص الذين يستمتعون بإحباط وعرقلة المتفائلين الذين يروجون لمميزات البلوكتشين وقدرتها على حل جميع مشاكلنا. وإلى حد ما، يبدو أن هؤلاء الأشخاص لديهم وجهة نظرٍ سديدةٍ. فقد أمسى الترويج لتكنولوجيا البلوكتشين فائق النشاط مؤخرًا. وعندما فشلت الكثير من الأفكار المخطط لها في التحول إلى واقعٍ ملموسٍ، خيم الشعور بالإحباط على الأجواء.

يجدر بك أن تتذكر دومًا أن البلوكتشين لا تزال تخطو خطواتها الأولى. ففي البداية، استهزأ الناشطون على الإنترنت بهذه التكنولوجيا، إلا أننا بتنا غير قادرين في الوقت الحالي على التفكير في حياتنا من دونها. ويبدو ما حدث مع البلوكتشين شبيهًا بتكنولوجيا الطائرات دون طيار، التي اعتبرت باهظة الثمن وغير ضرورية في البداية، لكنها تحل مشاكل العالم الحقيقي في الوقت الحالي.

عندما يكون الحديث عن شيء ما مبالغًا فيه، فإن المجال يصبح متاحًا للانتقادات التي تحيل على نقاط ضعفه. وعوضًا عن الاستمتاع بنزهة في شوارع باريس في فصل الربيع، يعمد الكثير من السياح إلى مغادرة العاصمة الفرنسية متسائلين في قرارة أنفسهم عن سبب صغر حجم لوحة الموناليزا. والأمر سيان بالنسبة لتكنولوجيا البلوكتشين.

صرح رئيس قسم الأمن في شركة أرسينات، تشان مولشانداني، “لقد بلغنا ذروة التوقعات المضخمة”. وسواء كانت تسير على نحوٍ أبطأ مما توقعه الكثير من الأشخاص أم لا، يبدو أن تكنولوجيا البلوكتشين تتحرك في الاتجاه الصحيح. ويمكن لتكنولوجيا البلوكتشين القضاء على الفقر في بلدان العالم الثالث بأكثر من طريقةٍ.

السماح بالشمول المالي

أحد أكبر العوائق أمام سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، هو الولوج إلى النظام المصرفي. ويعتبر الشمول المالي عاملًا حاسمًا في الحد من الفقر. وفي الوقت الحالي، لا تزال هناك نسبةٌ كبيرةٌ ومقلقةٌ من سكان العالم لا يمتلكون حساباتٍ مصرفيةٍ، لكن البلوكتشين لن تقدر بمفردها على سد الشغور وإحداث الفارق.

ووفقًا للبنك الدولي، يمتلك حوالي مليار شخصٍ من المعزولين مصرفيًا هواتف جوالة، فيما يمتلك حوالي 480 مليون شخصٍ منهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت. ويمكن أن تكون لهذا الأمر آثارٌ هائلةٌ في حال دمجه مع البلوكتشين.

صرحت مؤسسة منظمة شيري بلير للمرأة، شيري بلير، بأن “الحاسوب هو حلمٌ بعيد المنال، لكن الهاتف المحمول هو حقيقةٌ فوريةٌ”. ويمكن لشبكة البلوكتشين عند دمجها مع تكنولوجيا الهاتف المحمول أن تضع الأشخاص المعزولين مصرفيًا على الشبكة، نظرًا للتخلي عن الحاجة لإحداث فروعٍ بنكيةٍ أو غيرها من البنى التحتية المكلفة.

حسب خبير الاقتصاد العالمي، الدكتور جون إدموندز، يمكن لتكنولوجيا البلوكتشين أن تفتح أقسامًا جديدةً في الاقتصاد لم يكن لها وجودٌ في السابق، لسماحها بإجراء المعاملات متناهية الصغر. كما أكد إدموندز أنه “في حين لن يقبل أي بنكٍ بصرف شيك تبلغ قيمته دولارًا واحدًا، يكون هذا الدولار في بعض الأحيان هو كل ما يحتاجه  شخصٌ ما”.

بصفته أستاذًا في الشؤون المالية في كلية بابسون، قضى إدموندز معظم أطوار حياته المهنية في دراسة اقتصادات أمريكا اللاتينية، وهو يشعر بالحماس إزاء قدرة البلوكتشين على خلق فرصٍ قيّمةٍ جديدةٍ وتحقيق التكافؤ في المجال المالي في هذا الجزء من العالم.

تحقيق الدخل من المعاملات متناهية الصغر

يوافق جيريمي إيبستاين، المدير التنفيذي لشركة “نيفر ستوب ماركيتنغ” المختصة في إدارة الحملات الدعائية للشركات الناشئة القائمة على البلوكتشين، على مبدأ تحقيق الربح المادي من المعاملات متناهية الصغر. وفي أحد تصريحاته، أشار جيريمي إيبستاين إلى أن “العملات الرقمية تمكن من إسناد قيمةٍ للأغراض التي تمتلك نقاط سعرٍ صغرى. ويمكنك بموجب ذلك تقديم تعويض بشكلٍ فعالٍ من حيث التكلفة واقتطاع 0.0000001 بالمائة من العملة الرقمية مقابل قدرٍ ضئيلٍ جدًا من البيانات”.

يسمح مثل هذا النوع من المعاملات متناهية الصغر بانخراط المعزولين مصرفيا في التجارة العالمية. واستطرد إيبستاين قائلًا إن “النظام المصرفي التقليدي لا يمكن أن يقدم خدماته تحت عتبة معينة، لأن ذلك لن يكون مربحًا. لكن، عندما تكون هناك عملةٌ رقميةٌ، يستطيع المزارع الفقير في كينيا أو زيمبابوي أن يثبت جدارته الإئتمانية من خلال امتلاك عملاتٍ رقميةٍ في محفظته وإثبات هذه الملكية بكل بساطةٍ. ويؤدي ذلك إلى ولوج الشركات إلى السوق الإجمالية ويمنح عددًا أكبر من الناس إمكانية الوصول إلى المزيد من الخدمات والسلع”.

أضاف بول برودي، الرائد في مجال الابتكار العالمي للبلوكتشين بشركة إرنست ويونغ، أن “العملات الرقمية تمثل فرصةً هائلةً لتمكين وربط الأشخاص الذين قد يتم تجاهلهم داخل النظام المصرفي والقانوني في الوقت الحالي. وهناك فرصةٌ للسماح بإجراء التفاعلات المالية بين أولئك الذين قد لا يمتلكون إمكانية الولوج إلى المؤسسات المالية التقليدية والموثوقة”.

تشجيع القروض والاستثمارات الصغرى

بفضل قدرة البلوكتشين على تسجيل أصغر المعاملات، يمكن أن يوفر الإقراض الصغير فرصة للكثير من الناس لإخراج أنفسهم من وضعية الفقر الذي يعانون منه. وعلى الرغم من أن الإقراض الأصغر يتضمن العديد من الإشكاليات في جميع أنحاء العالم، نظرًا لارتباطه بمعدلات فائدةٍ مرتفعةٍ والمرابين الجشعين، إلا أن هذه العناصر السلبية يمكن التخلص منها.

أوضح إدموندز قائلا “سيقلل حساب البلوكتشين من تكلفة إدارة القروض بنسبة تعادل 90 بالمائة أو أكثر”. وهذا من شأنه أن يفتح فرصًا أمام مؤسسات الإقراض الأصغر لإدارة العديد من الحسابات، مع توسيع خدماتها لتشمل عددًا أكبر من المقترضين.

يمكن أن تجلب الاستثمارات الصغرى معها العديد من الفرص للأشخاص الذين يعيشون في البلدان الفقيرة، خاصةً وأن الزراعة هناك تلعب دورًا أساسيًا. كما تسمح تقنية البلوكتشين للبائعين الفرديين بالعثور على السوق والوصول إليها، والتداول بسعرٍ مناسبٍ دون الحاجة إلى تراخيص أو وسطاء غير ضروريين.

الشفافية والقضاء على الفساد

بفضل كل السجلات مفتوحة المصدر التي تتسم بالشفافية على دفتر الحسابات، يمكن للبلوكتشين تطبيق مساءلةٍ على كل رابطٍ في السلسلة. وبهذه الطريقة، يمكن وضع حدٍ للفساد في الأماكن التي تكون فيها الرشاوى والسدادات السرية وغير القانونية متعارفًا عليها. ولن يضمن ذلك فقط أن المتداولين الأفراد قد تم تعويضهم بشكلٍ عادلٍ، وإنما سيؤدي أيضًا إلى خفض التكاليف بالنسبة للمستخدم النهائي.

يعني تسجيل جميع التفاعلات في دفتر الحسابات العام غير القابل للتغيير أن كل معاملةٍ تترك بصمةً. وتزيل العقود الذكية الحاجة إلى التفاعل البشري الذي ينطوي على احتمالية العبث أو التزوير، وتضمن تسديد المدفوعات غير القابلة للاسترجاع. كما تتيح هذه العقود إمكانية تخزين الوثائق الرئيسية الأخرى، على غرار سندات ملكية الأراضي والعقود، على شبكة البلوكتشين. وهذا ما يمكن أن يمنع حدوث مشكلة الاستيلاء على الأراضي التي لطالما أضرت بمصالح الفقراء، وتدفع صغار المزارعين والتجار المستقلين إلى مغادرة منازلهم.

كما يوجد عددٌ متزايدٌ من الطروحات الأولية للعملة التي تعمل على رفع مستوى التحدي لظاهرة التلاعب بأصوات الناخبين في الانتخابات على المستوى العالمي. ويمكن للناخبين استخدام الهواتف المحمولة وتكنولوجيا البلوكتشين للمشاركة من مناطق جغرافيةٍ واسعة النطاق، والإدلاء بأصواتهم دون خوفٍ من الترهيب أو التداعيات المترتبة عن ذلك. وبمجرد الإدلاء بأصواتهم، يستحيل التلاعب بها.

وقد يساعد هذا الإجراء الدول النامية في الحصول على انتخاباتٍ حرةٍ ونزيهةٍ سبق وأن وعدت بها، وليس تلك التي تتسم بالفوضى والانتفاضة، ويتحكم بها الطغاة الذين يرفضون التخلي عن السلطة.

توفير الربط  الإلكتروني دون إنقطاع

ذكر الرئيس التنفيذي لشركة “رايت ميش”، جون لويتي، أن ما يقرب من أربعة مليارات شخصٍ في جميع أنحاء العالم غير قادرين على النفاذ إلى الإنترنت بصفةٍ مستمرةٍ، أما أولئك الذين يمكنهم الوصول إلى خدمة الإنترنت باستمرارٍ فيكون الاتصال لديهم غير مكتملٍ في أفضل الأحوال. وهذا يعني أنهم مستبعدون بشكلٍ دائمٍ من المزايا الاجتماعية والاقتصادية التي يوفرها الربط الإلكتروني. كما أكد جون أنه “لدينا فرصةٌ فريدةٌ لتغيير ما يعرف باقتصاد الوفرة”.

من خلال الاستفادة من إمكانيات البلوكتشين، تخطط شركة “رايت ميش” لتوفير الربط الإلكتروني في جميع أنحاء العالم دون الحاجة إلى النفاذ إلى الإنترنت. ويسمح نظام “الشبكات الشعرية” للهواتف المحمولة بالاتصال مباشرةً من خلال البلوكتشين، دون الحاجة إلى مزود خدمة الإنترنت. وتعمل عملة “آرمش” كحافزٍ في محاولةٍ من الشركة تشجيع المستخدمين على المشاركة في شبكة الند للند للاتصال.

تعتبر تداعيات هذا المشروع بعيدة المدى، ذلك أنه حتى البعض منا ممن لديهم إمكانية النفاذ إلى الإنترنت ليسوا معفين من الظروف المخففة. وفي حال وقوع كارثةٍ طبيعيةٍ مثل الأعاصير والزلازل والفيضانات، مثلما حدث في بورتوريكو السنة الماضية، فإن الربط الإلكتروني المستمر يمكن أن ينقذ أرواحًا لا تحصى.

الأماكن التي في حاجةٍ أكبر للكهرباء

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، لا يزال حوالي 1.2 مليار شخصٍ يفتقرون إلى الكهرباء، ويعيش جلهم بشكلٍ أساسي في المناطق الريفية في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويمكن للبلوكتشين في هذه المناطق أن تلعب دورًا محوريًا في تغيير الأوضاع.

وفي الوقت الحالي، يتم عرقلة تمويل وتوزيع الطاقة من قبل وكالاتٍ مركزيةٍ تابعةٍ للحكومة ومنظماتٍ غير حكوميةٍ، من خلال نظامٍ غير فعالٍ يمكن أن يستغرق تنفيذه سنواتٍ.

تتيح شركات الطروحات الأولية للعملة المختصة في الطاقة، على غرار إنبكت بي بي إي المدعومة من قبل شبكة الإيثريوم، للمستثمرين الأفراد تمويل وتسريع إنتاج الطاقة النظيفة على مستوى العالم، وترميز عملية توليد الطاقة. كما يمكنها توفير الطاقة في الأماكن التي تعتبر في أمس الحاجة إليها من خلال “نموذج الوحدة”، الذي يمكن المجتمع في المنطقة المعنية من تحديد زمان ومكان تمويل المشاريع.

يمكن للبلوكتشين القضاء على الفقر في بلدان العالم الثالث

يمكن للبلوكتشين القضاء على الفقر في بلدان العالم الثالث، إلا أن ذلك يظل مرتبطًا برغبة الأشخاص؛ في حال اخترنا استخدام إمكانيات هذه التكنولوجيا للحصول على نتائج جيدةٍ لكنها مازالت غير واضحةٍ. إن العديد من الأفكار العظيمة لا تزال حاليًا مجرد أفكارٍ ولم تدخل حيز التنفيذ، ولنأمل أن لا تأخذ هذه الفكرة وقتًا طويلًا لتُطبق.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.