تعاني بعض الدول الآسيوية من التبعات السلبية المتعلقة بتنظيمات العملات الرقمية التي تعد غير كافية، في الوقت الذي عمدت فيه بلدان أخرى على غرار الهند والصين وكوريا الجنوبية، إلى اتخاذ موقفٍ غامضٍ وعدائي إزاء العملات الرقمية.

في الأثناء، تعمل اليابان على وضع إطارٍ تنظيمي واضحٍ حول طريقة عمل منصات تبادل العملات الرقمية. وقريباً، ستضيف طوكيو إطاراً متعلقاً بكيفية عمل الطروحات الأولية للعملة. وبذلك، أصبحت اليابان بمثابة نقطة ساخنة بالنسبة لمنصات تبادل العملات الرقمية، التي يمكنها الامتثال لقواعدها الصارمة، بالتزامن مع إنشاء نموذج هيكل تنظيمي يمكن لبقية الدول الآسيوية اعتماده.

وعلى الرغم من أن اليابان لطالما مثلت “صديقة” للعملات الرقمية، إلا أنها تلقت ضربةً موجعة في سنة 2014، عندما وقعت منصة “إم تي جوكس” لتبادل العملات الرقمية، التي تتخذ من طوكيو مقرا لها، ضحية لأكبر عملية إختراق على الإطلاق.

وقد كانت هذه البورصة تضطلع بحوالي 70 بالمائة من جميع مبادلات البيتكوين حول العالم، لتتوقف فجأة عن التداول في فبراير/ شباط سنة 2017، في أعقاب سلسلةٍ من التعقيدات الفوضوية. نتيجةً لذلك، تم الإبلاغ عن فقدان 650 ألف عملة بيتكوين تقدر قيمتها بحوالي 390 مليون دولار في ذلك الوقت، وهو ما يعادل ستة مليارات دولار في وقتنا الراهن.

وردا على عملية السرقة الضخمة للعملات الرقمية، أصدرت مجموعة العمل المالي المعنية بالإجراءات المالية، وهي الهيئة الدولية التي تتخذ من باريس مقراً لها وتُعنى بوضع سياساتٍ لمكافحة غسل الأموال، “إرشادات المقاربة القائمة على أساس المخاطر المتعلقة بالعملات الرقمية” الخاص بها في سنة 2015.  

ويوصي تقرير هذه الهيئة المؤلف من 46 صفحة بأن تُرخّص الدول تبادل العملات الرقمية وتخضعها للقواعد والرقابة ذاتها التي تخضع لها أي مؤسسةٍ ماليةٍ أو شركة تحويل أموالٍ أخرى.

قوانين جديدة، تغييرات كبيرة

نقّحت اليابان قانون خدمات الدفع الخاص بها نزولا عند توصيات مجموعة العمل المالي، ونظرا لرغبتها في حماية المستهلكين. ويحقق هذا القانون الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ منذ أبريل/ نيسان سنة 2017، فائدتين اثنتين؛ أولهما تعريفه للعملة الرقمية على نحوٍ قانوني باعتبارها شكلاً من أشكال الدفع. ورغم أن اليابان لا تزال غير معترفة بالبيتكوين كعملة رقمية، إلا أنها تقر بإمكانية استخدامها لشراء العديد من الأغراض.

أما الفائدة الثانية، فتتمثل في أن هذا القانون يُلزم أي منصة تبادل عملاتٍ رقميةٍ تريد مزاولة أعمالها التجارية في اليابان، أو تقدم خدماتها لعملاء يابانيين، بالتسجيل في وكالة الخدمات المالية الوطنية.

ونظرا لحاجة منصات التبادل الحالية للمزيد من الوقت كي تتماشى عملياتها مع المعايير الجديدة، منحت وكالة الخدمات المالية جميع المنصات، التي كانت تمارس عملها قبل دخول القانون حيز التنفيذ، مهلة مدتها ستة أشهر للتقدم بطلبٍ للحصول على ترخيص.

وبذلك، تم السماح لكل منصة تبادل قدمت طلباً للحصول على ترخيص خلال تلك الفترة بالاستمرار في عملها لفترة غير محدودة بينما لا يزال طلبها قيد الدراسة. وتندرج منصات تبادل العملات الرقمية هذه ضمن فئةٍ خاصةٍ تعرف “بأشباه المشغلين”، مما يعني أنهم مشغلون غير مرخص لهم بشكلٍ تام.

وبموجب القانون الجديد، يُطلب من منصات تبادل العملات الرقمية في اليابان أن تخضع للمساءلة أمام عملائها. ويتوجب على القائمين على المنصة الفصل بين الأصول الخاصة بالعملاء وتلك التابعة للمنصة ذاتها، وإدارة الحسابات بشكلٍ سليم، فضلا عن الخضوع لعمليات تدقيقٍ سنوية.

بالإضافة إلى ذلك، يتوجب على القائمين على منصات تبادل العملات الرقمية تقديم ملفات حول أعمالهم التجارية والالتزام بقواعد صارمة قائمة على قانون “اعرف عميلك” والقانون المضاد لغسل الأموال، والعديد من القواعد الأخرى.

أولى البورصات المرخص لها

يعتبر تسجيل إحدى البورصات في اليابان عمليةً طويلةً ومعقدة، يمكن أن تستغرق ستة أشهر. وخلال سبتمبر/ أيلول سنة 2017، قامت وكالة الخدمات المالية بترخيص عمل أول 11 بورصة. وفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول سنة 2017، قدمت الوكالة رخصاً لأربعة بورصات أخرى، ليصل إجمالي البورصات الرقمية المرخص لها 16 بورصة مع موفى سنة 2017.

في تلك الفترة، ظلت طلبات أشباه المشغلين قيد الدراسة، في الوقت الذي كانوا يعملون فيه على تحديث عملياتهم الداخلية. وفي أواخر يناير/ كانون الثاني سنة 2018، وقعت الكارثة، حين تم اختراق بورصة “كوين تشك” الرقمية، التي كانت إحدى أشباه المشغلين. وقد أسفرت هذه الحادثة عن خسائر وصلت قيمتها إلى 530 مليون دولار بقيمة عملة نيم (NEM).

وقد دفع ذاك بالسلطات إلى تشديد الرقابة، حيث شرعت وكالة الخدمات المالية في إجراء عمليات تفتيشٍ ميدانية تشمل جميع أشباه المشغلين بهدف البحث عن ثغرات أمنية. وفي مارس/ آذار سنة 2018، أرسلت الوكالة مذكرات عقوباتٍ إلى سبع بورصات، حتى أنها ألزمت إثنتين منها بالتوقف عن العمل لمدة 30 يوماً.

ووفقاً لما أفادت به شبكة أخبار آسيا، تبحث وكالة الخدمات المالية بكل جد عن الطريقة المثلى للتعامل مع أشباه المشغلين، إذ أن إيقافهم عن العمل قد يثير خلال فترةٍ وجيزةٍ ردود أفعالٍ حادة من قبل العملاء. لكن، في الوقت ذاته، يتعين على الوكالة التأكد من اعتماد الإجراءات والفحوص الأمنية المناسبة.

وتتمثل خطة اليابان في تمرير جزء من العمل الإشرافي والرقابي الموجه نحو بورصات العملات الرقمية إلى هيئة ذاتية التنظيم (SRO) تعمل بشكل مماثل لهيئة تنظيم الصناعة المالية (FINRA) في الولايات المتحدة.

ولتحقيق هذه الغاية، تم إطلاق جمعية قطاع بورصات العملات الرقمية في اليابان. وستحظى هذه المجموعة الجديدة، والمكونة من أول 16 بورصة رقمية وقع الترخيص لها، بالقدرة على إنشاء وإنفاذ القوانين وتحديد الغرامات، لتتمكن في نهاية المطاف من وضع معايير خاصة بالطروحات الأولية للعملات.

تقنين الطروحات الأولية للعملات

بعد معالجة مسألة البورصات الرقمية، توجه اليابان تركيزها حالياً نحو سوق الطروحات الأولية للعملات. وقد انطلقت هذه العملية في أكتوبر/ تشرين الأول من السنة الماضية بالتزامن مع إصدار وكالة الخدمات المالية بيانًا تحذر فيه المستثمرين من تقلبات أسعار وحدات الطروحات الأولية للعملات ومخاطر التعرض لعمليات الاحتيال.

وفي البيان ذاته، أوضحت الوكالة أنه بناءً على هيكلة الطروحات الأولية للعملة (وما إذا كانت وحدة عملتها تحمل خصائص العملة الرقمية أو الاستثمار)، فقد تخضع هذه الطروحات لقانون خدمات الدفع أو قانون الأدوات المالية والبورصة.

وفي أبريل/ نيسان سنة 2018، أصدر مركز إستراتيجيات وضع القوانين التابع لجامعة تاما قائمة إرشادات حول طرق تنظيم الطروحات الأولية للعملات. وينص التقرير، الذي صادقت عليه الحكومة، على أن مشاريع الطروحات الأولية للعملة يجب أن توضح تفاصيل خططها المتعلقة بتوزيع الأموال.

كما يبين التقرير القواعد المتعلقة بكيفية رصد تقدم المشروع، والتأكد من هوية المشترين وتقييد المبادلات غير الشرعية. ووفقا لما أفادت به وكالة بلومبرغ، ستتم مناقشة الاقتراح من قِبل هيئة الخدمات المالية اليابانية، حيث يمكن أن يتحول إلى قانون في السنوات القريبة القادمة.

ولا تزال اليابان تعمل على ضبط نظام الرقابة على مستوى البورصات الرقمية، وقد يستغرق تطوير إطار عمل للطروحات الأولية للعملة بضع سنوات أخرى. لكن، عبر إضفاء قدر من الوضوح على قطاع ينشط منذ فترة طويلة دون إشراف، فإن اليابان تمهد الطريق لمستقبل تلعب فيه العملات الرقمية دوراً أكبر في المجتمع.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.