البنوك الإسبانية في طليعة البنوك التي ستعتمد على تقنية البلوكتشين

على الرغم من تراجع الهوس بها، إلا أن التكنولوجيا التي تقوم عليها البيتكوين، البلوكتشين، لا تزال محط أنظار بورصة وول ستريت. ويمكن القول إن تكنولوجيا البلوكتشين قطعت شوطًا طويلًا منذ أيامها الأولى، حيث كان دورها مقتصرًا على تيسير صفقات المخدرات باستخدام عملة البيتكوين الرقمية على شبكة الإنترنت المظلم.

ووفقًا للمعطيات التي قدمتها شركة الأبحاث Markets & Markets، من المتوقع أن تصل قيمة سوق المنتجات والخدمات المرتبطة بالبلوكتشين  إلى 7.7 مليار دولارٍ بحلول سنة 2022. ويمكن لهذه التوقعات أن تصبح محافظةً إلى حد ما، حيث أظهر استطلاع أجرته شركة Juniper Research أن حوالي 60 بالمائة من إجمالي 400 مديرٍ تنفيذي من أكبر الشركات حول العالم قالوا إنهم يدرسون استخدام تكنولوجيا البلوكتشين في أعمالهم التجارية.

ما هي البلوكتشين؟

في خضم الضجة الأخيرة، لابد من التساؤل عن ماهية البلوكتشين، المعروفة أيضًا بتكنولوجيا دفتر الحسابات الموزع. وباختصار، ستمكن تكنولوجيا البلوكتشين الشركات التي تقوم بالأعمال التجارية فيما بينها من تسجيل المعاملات بشكلٍ آمنٍ، حيث تكمن قوة البلوكتشين الرئيسية في كونها جديرةً بالثقة، إذ من الصعب تغيير أو تعديل البيانات التي تم تسجيلها.

وتتمثل الميزة الرئيسية التي تتميز بها البلوكتشين مقارنةً بالأنظمة الحالية، في قدرتها على تسريع وتبسيط المعاملات المعقدة، من خلال إجراء تغييراتٍ وتحديثاتٍ مرئيةٍ بالنسبة لجميع الأطراف المعنية بصفةٍ فوريةٍ. كما أن الاعتماد على نظامٍ واحدٍ قائمٍ على تكنولوجيا البلوكتشين أقل تكلفةً من الحفاظ على عددٍ لا يحصى من الأنظمة، على غرار الأنظمة التي تستخدمها البنوك لإدارة معاملاتها في الوقت الحالي.

يمكن للبلوكتشين أيضًا الاحتفاظ بكمٍ هائلٍ من البيانات والمستندات بطاقة استيعاب تتجاوز قاعدة البيانات التقليدية، ويمكن لها الاحتفاظ بالعقود المضمنة، مثل عقود استئجار السيارة، التي يمكن نقل مفتاحها الافتراضي إلى أحد البنوك في حال التقصير في الدفع.

وفي المقام الأول، يجب أن تعرف الشركات المناسبة إذا كنت تتطلع للاستثمار في هذا المجال، لعل أبرزها الشركات التي تقدمت بطلب الحصول على براءة اختراع تتعلق بتكنولوجيا البلوكتشين، أو الشركات التي سبق لها الحصول عليها. وليس من المستغرب أن البنوك تترأس هذه القائمة، نظرًا لقدرة البلوكتشين على تسريع المعاملات وجعلها أكثر كفاءةً.

البنوك تطالب بالبلوكتشين

حسب دراسةٍ أجرتها EnvisionIP، وهي شركةٌ قانونيةٌ مختصةٌ في تحليل الملكية الفكرية، يتربع Bank of America BAC على عرش قائمة الشركات التي طالبت بالحصول على براءات اختراع تتعلق بتكنولوجيا البلوكتشين. وفي المجمل، يمتلك البنك 40 براءة اختراع، بينها طلبات لم تحظ بالموافقة بعد، وأخرى حظيت بالموافقة. وتندرج شركات أمريكية أخرى في القطاع المالي ضمن هذه القائمة، مثل Mastercard MA التي تعتبر رائدةً أيضًا في مجال براءات الاختراع، ولكن يبدو أنها بطيئةٌ في التنفيذ.

تعتبر الشركات المالية الأوروبية رائدةً في استخدام تكنولوجيا البلوكتشين في نشاطاتٍ حقيقيةٍ. ففي شهر أبريل/ نيسان الماشي، أصبح بنك (BBVA) الإسباني أول بنكٍ عالمي يصدر قرضًا لفائدة الشركات بواسطة تكنولوجيا البلوكتشين. وقال المسؤولون في البنك إنهم نفذوا كامل العملية، التي تتعلق بقرض تبلغ قيمته 75 مليون يورو، بدءًا من شروط التفاوض ووصولًا إلى مرحلة التوقيع على القرض، على دفتر حساباتٍ موزعٍ متبادلٍ، وهو ما أبقى كلًا من البنك والمقترض مواكبين لتقدم مراحل تقدم القرض. وقد خفضت هذه العملية من وقت التفاوض من أيام إلى ساعات معدودات.

بالنسبة لهذا المشروع الريادي، استخدم بنك BBVA شبكة بلوكتشين خاصة لإجراء عملية التفاوض والانتهاء من هذه المعاملة، ثم قام بتسجيل العقد المكتمل على بلوكتشين الإيثريوم العامة. واشترك البنك الإسباني في اختبار تكنولوجيا البلوكتشين مع شركة الاتصالات الإسبانية Indra Sistemas. وحتى لا يتم التفوق عليه، أصبح منافسه الإسباني Banco Santander SAN، أول بنكٍ دولي يطلق نظام دفعٍ عبر الحدود قائمٍ على تكنولوجيا البلوكتشين، وذلك خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي.

البنوك تستخدم أنظمة بلوكتشين

يوفر Banco Santander خدمة “One Pay FX” لعملائه في إسبانيا والبرازيل وبولندا والمملكة المتحدة. وتغطي تحويلات الدول الأربع حوالي نصف عمليات تحويل العملات الأجنبية السنوية الي قام بها عملاء بنك Santander بشكلٍ فردي. وأفاد البنك بأنه يخطط لتوسيع نطاق خدماته إلى المزيد من البلدان لتشمل أصنافًا جديدةً من العملاء، مثل الشركات الصغرى، خلال الأشهر القادمة. ويهدف Santander إلى جعل هذه الخدمة متاحةً في نهاية المطاف كتطبيقٍ مستقلٍ يمكن استخدامه بواسطة العملاء في البنوك الأخرى.

يستخدم نظام One Pay تكنولوجيا البلوكتشين التي تم تطويرها بواسطة شركة ريبل ومقرها كاليفورنيا، ويسمح هذا النظام للمستخدمين برؤية المبلغ المحدد الذي سيصل إلى حساب المتلقي قبل إجراء عملية التحويل، ناهيك عن كونه يختزل المدة الزمنية التي يستغرقها مثل هذا التحويل من عدة أيام إلى اليوم ذاته أو في اليوم الموالي.

أصبحت Santander أول شركةٍ في العالم تسهل عملية التصويت في الإجتماعات السنوية على المستثمرين. وبالتعاون مع شركة Broadridge Financial solutions BR، وهي فرع لشركة Automatic Data Processing ADP، التي تقدم خدماتها للشركات المالية، قامت Santander بإجراء اختبارٍ خلال اجتماعها السنوي في شهر مارس/ آذار، حيث أجري التصويت وفق الطرق التقليدية العادية، لكنهم استخدموا البلوكتشين لإنتاج سجل الظل.

يمكن لهذه الخطوة الرائدة إحداث ثورةٍ على مستوى ديمقراطية الشركات. في الوقت الحالي، غالبًا ما يضطر المستثمرون إلى التصويت قبل أسبوعين من الإجتماع لإتاحة الوقت الكافي لإحصاء الأصوات. وفي بعض الأحيان، من الصعب أن يصوت المستثمرون خارج سوقهم المحلية، وهو ما يؤثر على شركة تمتلك مساهمين في جميع أنحاء العالم مثل Santander. ويأمل الكثيرون أن يؤدي استخدام تكنولوجيا البلوكتشين إلى تسريع الإجراءات التي تتم في خضم الاجتماعات السنوية وتسهيل مشاركة المزيد من المساهمين.

أول صفقة تمويل بالبلوكتشين

في الأخير، نجد عملاق القطاع المصرفي العالمي، بنك HSBC، الذي أنهى مؤخرًا أول صفقة تمويلٍ تجاري قابلةٍ للتطبيق في العالم خلال يومٍ واحدٍ، وذلك من خلال تكنولوجيا البلوكتشين. وقد استخدم هذا البنك تكنولوجيا البلوكتشين لمعالجة وثيقة اعتمادٍ مالي لصالح شركة Cargill الزراعية في الولايات المتحدة، التي تمثلت في شحن فول الصويا من الأرجنتين.

قد تبدو هذه الصفقة غير مهمة، ولكنها في الحقيقة يمكن أن تغير هذه الصناعة. من المتوقع أن يتحسن قطاع التمويل التجاري الذي دام لقرون، البالغة قيمته حوالي 9 تريليون دولار، في الوقت الحاضر، من خلال التخلص من الوثائق والتقليل من المدة الزمنية التي قد تستغرق أحيانا أيامًا لمعالجة معاملةٍ واحدةٍ. وسيتم معالجة المعاملة دون أي وثائق خلال سويعات، في حين كانت معالجة صفقة فول الصويا تستغرق خمسة أيام.

لكن قبل أن يتم العمل بذلك، يجب على جميع المشاركين والبنوك وشركات الشحن بالإضافة إلى الموانئ ووكالات الجمارك الموافقة على استخدام نفس تكنولوجيا البلوكتشين. ويبدو أن ذلك لن يحدث في المستقبل القريب. ومع دعم بنك HSBC لتكنولوجيا البلوكتشين، بالإضافة إلى دوره الفعال في القطاع، حيث حقق 2.5 مليار دولار من عائدات تمويل التجارة خلال السنة الماضية، فإن هذه التكنولوجيا قد تحرز تقدمًا أسرع مما كان متوقعًا. وهذا ما قد يشجع التجارة العالمية أكثر بالإضافة إلى التكاليف المنخفضة للمعاملات.

يُذكر أن التكنولوجيا التي يستخدمها بنك HSBC لم تكن في الأساس تكنولوجيا البلوكتشين، وإنما تكنولوجيا دفتر الحسابات الموزع المعني بأجهزة الكمبيوتر المستقلة، التي اعتمدها لتسجيل المعاملات ومشاركتها ومزامنتها. ولكن كانت هناك بعض الاختلافات المهمة، حيث أنها استهلكت طاقةً أقل، في حين أن تكنولوجيا البلوكتشين تستهلك طاقةً أكثر.

التكنولوجيا ليست مفتوحة المصدر

ليست هذه التكنولوجيا مفتوحة المصدر بشكلٍ كاملٍ، لأنه يُطلب من المستخدمين إثبات هويتهم. وبمجرد أن يمتلك الأشخاص حق الولوج إلى دفتر الحسابات، يمكنهم الإطلاع على النسخة ذاتها من آخر تحديث. وقد استغرقت تسوية المعاملة يومًا واحدًا في حين كانت تستغرق 5 أيام على الأقل.

أكد أشك أن هذه الاختلافات في تكنولوجيا البلوكتشين هي ما سيجعل الشركات تطبق هذه التكنولوجيا في نهاية المطاف. لكن كل ما علينا فعله الآن هو الانتظار والترقب، فمن المثير معرفة ما إذا كانت الشركات المالية الأمريكية قد بدأت أخيراً في تبني تكنولوجيا البلوكتشين مثل نظرائها الأوروبيين.

ومن وجهة نظر استثماريةٍ، لن أستثمر في البنوك الإسبانية إلا إذا كانت المخاطر المرتبطة بها أقل بكثيرٍ من نظرائها. وعلى الرغم من أن هذه البنوك لا يزال لديها عدد من القروض المتعثرة في دفاتره،ا إلا أنها تحقق تقدمًا ملحوظًا. ويعتبر بنك HSBC من أكثر البنوك التي لها مكانةٌ في العالم، بتقديم نسبة عائداتٍ تتجاوز 5 بالمائة، ما يجعله بنكًا مناسبًا بالنسبة للمستثمرين المتحفظين. ولتقديم أمثلة أخرى عن ارتفاع العائدات، نجد شركة Broadridge، التي حققت أسهمها أداءً جيدًا للغاية، حيث حققت ارتفاعًا بنسبة 58 بالمائة خلال السنة الماضية و28 بالمائة منذ بداية السنة إلى اليوم.