تُتيح لنا العملات المشفرة خيار امتلاك أموالنا بحق. لكن أليست أموال الإنترنت السحرية مجرد بيانات مشفرة؟ هذا صحيح بالطبع. لهذا فإن ثورة التشفير تعدنا بامتلاك أموالنا وجميع بياناتنا أيضاً، حتى نشاركها مع من يحلو لنا. ويُستخدم مصطلح الجيل الثالث للويب في وصف هذا الشكل الجديد للويب. فلنرَ معاً كيف يختلف عن الجيل الثاني القديم للويب، والذي لم يعد أفضل خيارٍ متاح.
ما الفارق بين الجيلين الثاني والثالث للويب؟ يمثل الجيل الثالث للويب رد فعلٍ على الجيل الثاني، أو الإنترنت الذي تركز في أيدي حفنةٍ من الشركات العملاقة التي هيمنت على محتوى المستخدمين وبياناتهم. بينما يُتيح الجيل الثالث للويب إمكانية التحكم والاستفادة مالياً من محتواك، وأموالك، وبياناتك.
مثال على تطبيق من الجيل الثالث للويب: متصفح بريف Brave Browser
قبل الدخول في مقارنات بين مختلف أشكال الإنترنت المتتالية، سنتعمق أولاً في مثالٍ على تطبيقٍ من الجيل الثالث للويب. ومثالنا اليوم هو متصفح بريف الذي اكتسب زخماً كبيراً في السنوات الأخيرة. وسيُظهِر بريف الفوارق بين جيلي الويب على الفور.
يبدأ الأمر بتسجيل الدخول. حيث تسجل الدخول على إحدى منصات الجيل الثاني للويب، مثل جوجل أو تويتر، ويجري إقران اسم المستخدم وكلمة المرور ثم تخزينها على خادم المنصة. لكن مشكلة هذا الأمر تكمن في أنه يجعلك كمستخدم عرضةً للخطر لدى كل موقع ويب تسجل حسابك عليه، إذ يجب أن يحافظ على سلامة بيانات اعتمادك.
أما تطبيقات الجيل الثالث للويب مثل بريف فتتمتع بمحفظة مشفرة مدمجة، أو يمكنك استخدام إضافة محفظة مثل ميتاماسك MetaMask. وفي جميع الأحوال، ستسجل الدخول باستخدام بيانات اعتماد محفظتك المشفرة. ويمثل هذا الأمر قفزةً أولى كبيرة تختلف عن نموذج تسجيل الدخول الكلاسيكي. إذ ستصبح أنت المتحكم في مفاتيح هويتك الرقمية! لكن هذا الأمر يخلق بعض المشكلات المحتملة بالمناسبة. فهل يعني ذلك مثلاً أن المفاتيح الخاصة هي التي ستحدد صاحب الهوية؟ وهل يمكن أن تفقد هويتك إذا فقدت مفاتيحك الخاصة؟ ويمكن حل هذه المعضلة من خلال توكنات سولباوند (SBT) مثلاً.
وثانياً، يتمتع النظام الإيكولوجي لبريف برمزه الخاص بيزك أتينشن توكن (BAT). ويُشير الاسم الذي يعني “رمز الانتباه الأساسي” إلى أن العملة القائمة على الإيثريوم تتربح من انتباهك للإعلانات، وهو الأمر المطلوب في هذه الحالة بالفعل. فإذا شاهدت الإعلان، ستحصل على مبلغ من المُعلِن بعملة بيزك أتينشن توكن. وإذا أردت إطلاق إعلان بنفسك، فسوف تدفع للمشاهدين بالعملة نفسها.
فما الجانب الذي يدل على الجيل الثالث للويب هنا؟ لا يبيع بريف بياناتك للمعلنين، بعكس منصات الجيل الثاني للويب مثل فيسبوك. بل يُوجد هنا اقتصاد دائري دون وسطاء يحصلون على نسبة. إذ ستكون بياناتك ملكك، وأنت وحدك من سيحدد ما إذا كنت تريد التربح منها أم لا (حيث يمكنك اختيار إعدادات لا تعرض أي إعلانات).
يُذكر أن عدد المستخدمين النشطين على بريف يواصل الزيادة باستمرار.
مقارنة الجيلين الثاني والثالث للويب
كان الإنترنت مجرد وسيط ثابت يُتيح لك استهلاك المحتوى فقط عندما بدأ انتشاره الجماعي في التسعينيات. وهذا هو الجيل الأول للويب.
بينما وُلِدَ الجيل الثاني للويب مع ظهور الشبكات الاجتماعية خلال الفترة الممتدة من أوائل وحتى منتصف العقد الأول من القرن الـ21. حيث كان يمثل نسخة ويب سمحت لنا بمشاركة وإنشاء المحتوى. وفي عام 2005، برزت منصات مثل فيسبوك ويوتيوب لتُتيح أمام الجميع فرصة أن يصبحوا من صناع المحتوى. ولهذا يمكن اعتبار الجيل الثاني للويب بمثابة نسخة “قراءة وكتابة” من الويب.
الفوارق الأساسية بين الجيل الأول والثاني والثالث للويب
الجيل الأول للويب(قراءة) | الجيل الثاني للويب(قراءة وكتابة) | الجيل الثالث للويب(قراءة وكتابة وملكية) |
التسعينيات | من 2005 وحتى الآن | قيد التطوير |
استهلاك المحتوى | استهلاك ومشاركة المحتوى | استهلاك ومشاركة وامتلاك المحتوى |
جمع القليل من البيانات | جمع البيانات وبيعها بواسطة الشركات الكبيرة | ملكية البيانات في يد المستخدمين |
لماذا يُعَدُّ الجيل الثاني للويب سيئاً لهذه الدرجة؟
يجب أن نكون منصفين ونقول إن الجيل الثاني للويب منح فرصةً مهولةً للعالم من أجل التواصل وكسب العيش بمختلف الطرق الجديدة. ومن كان يتصور قبل 15 عاماً مضت أن العمل من المنزل، أو كتابة المقالات، أو نشر مقاطع الفيديو ستصبح من وسائل كسب العيش في وقتنا هذا؟
لكن النموذج الاقتصادي للجيل الثاني للويب ينطوي على مخاطر شديدة. إذ لا يمتلك المستخدمون هويتهم على الإنترنت. ويمكنك أن تقضي سنوات في بناء جمهورك ومحتواك على منصات مثل فيسبوك أو إنستغرام، لتفاجأ باختفاء ما بنيته فجأةً إذا خالفت شروط الخدمة أو بسبب خطأ من المنصة نفسها.
وتستقر القوة في أيدي الشركات التي بنت الشبكات الاجتماعية، باعتبارهم حراس البوابات في الجيل الثاني للويب. وتتحقق تلك السلطات المركزية من هويتك وحقك في نشر المحتوى. كما تشيع الرقابة على منصات الجيل الثاني للويب. وليست الرقابة سيئةً في جميع الأحوال، لكن تقييد المحتوى لمجرد أنه لا يتناسب مع الأجندة السياسية للمنصة لا يبدو أمراً صائباً.
فضلاً عن أن الأمان يُعَدُّ فكرةً ثانوية في الجيل الثاني للويب. حيث إن اختراق الأنظمة المركزية يُعَدُّ أسهل من نظيرتها اللامركزية. ولا عجب في أن المنصات الاجتماعية على الجيل الثاني للويب سقطت ضحيةً للاختراقات في العديد من المناسبات خلال السنوات الأخيرة.
الجيل الثالث للويب: الملكية للمستخدمين وصناع المحتوى
نجد على الجانب الآخر أن الجيل الثالث للويب يدور بالكامل حول إعادة الملكية إلى المستخدمين وصناع المحتوى. ويعتمد السيناريو المثالي على بناء جمهورك وتقديم محتواك في إحدى المنصات، مع القدرة على نقل ذلك الجمهور والمحتوى إلى مكانٍ آخر يناسبك أكثر بكل بساطةٍ.
علاوةً على أن الهوية ستحظى بمزايا أكبر في الجيل الثالث للويب. إذ ستتمكن من إثبات هويتك دون أن تضطر لمشاركة معلوماتك الشخصية. ولن تحتاج لمشاركة تاريخ ميلادك، وعنوانك، ورقم هاتفك طوال الوقت.
ويتوقف الأمر برمته على إلغاء أي وسطاء يمكنهم فرض السيطرة. حيث يستخدم الجيل الثالث للويب تقنيات التشفير والسجلات الموزعة للتخلص من مشكلات الثقة والمركزية، التي جعلت الجيل الثاني للويب عرضةً للخطر.
وسواء كنا نتحدث عن الأموال أو المحتوى، ستجري المعاملات بين المستخدمين دون وساطة شركات التقنية، أو المصارف، أو الوسطاء الآخرين. ونظراً لإمكانية ترميز كل شيء، سيصبح المستخدمون بمثابة مشاركين في ملكية التطبيقات التي يستخدمونها والمحتوى الذي يتداولونه داخلها. ويستطيع المجتمع هنا اتخاذ القرارات بشأن التربح من المحتوى بنفسه، بدلاً من أن يضطر لتحمل سياسة تحقيق الأرباح الخاصة بالمنصة. ويمكن القول بعبارة أخرى إن الجيل الثالث للويب يمثل نسخة الويب التي تُتيح “قراءة وكتابة وملكية” المحتوى.
اتجاه عمالقة الجيل الثاني للويب إلى الجيل الثالث للويب
من المحتمل أن تعطل تقنية الجيل الثالث للويب عمل نظيرتها من الجيل الثاني، مما يطرح التساؤلات حول ما إذا كان عمالقة التقنية الحاليين يتخذون خطوات لدمج الجيل الثالث للويب أم لا.
وسرد بودكاست Web 3 Academy القليل من التطورات في واجهة الشبكات الاجتماعية وألعاب الإنترنت.
- ميتا (فيسبوك سابقاً): هي الشركة الأكثر التزاماً بتبني التقنية، مع تركيز على الميتافيرس تحديداً.
- إنستغرام: تستهدف سوق الرموز غير القابلة للاستبدال NFT. حيث يمكن للمستخدمين إنشاء وبيع تلك الرموز على التطبيق بفضل بلوكتشين بوليغون Polygon.
- ريديت: اتخذت خطوات كبيرة في مجال الجيل الثالث للويب. حيث أطلقت مجموعة مقتنيات الأفاتار، التي تسببت في إنشاء أكثر من 3 ملايين محفظة مشفرة جديدة. كما تخطى حجم المبيعات الـ10 ملايين دولار رغم إطلاق المجموعة في السوق الهبوطية.
وسيكون من المثير للاهتمام رؤية ما إذا كان عمالقة الجيل الثاني للويب يتمتعون بالقدرة على إحداث التحول. أم هل ستفوز التطبيقات التي تُبنى من الصفر حالياً بسباق التبني؟
فهل ستنجح منصة إنستغرام في منافسة المتاجر الرائدة في مجال الرموز غير القابلة للاستبدال مثل أوبنسي OpenSea؟
وهل سيصمد متصفح كروم أمام متصفح مثل بريف؟
وهل لا تزال فيسبوك تتمتع بالمصداقية الكافية لمنافسة المنصات اللامركزية التي بدأت تزدهر مثل لينس Lens؟
هل سيجري ترميز كل شيء في الجيل الثالث للويب؟
ستصبح البلوكتشين بمثابة التقنية الأساسية في عصر الجيل الثالث للويب. وعندها سيصبح بالإمكان ترميز وتداول كل الأصول مثل العقارات، والملكية الفكرية، ومحتوى المنصات الاجتماعية، وأي شيء له تدفق نقدي. مما يعني أن جميع المشاركين في “اقتصاد” بعينه سيشاركون في امتلاك قيمة المجتمع عبر الرموز أو التوكنات، ويُقصد بالاقتصاد هنا أي شيء مثل ألعاب الإنترنت أو قواعد المعجبين بأحد المطربين.
ومن المؤكد أن مثل هذا العالم الجديد والحماسي سيُحول شبكات البلوكتشين إلى كتل القوة الجديدة، التي تشبه الدول في عالمنا الحالي. بينما ستتحول التطبيقات المبنية على تلك السلاسل إلى ما يشبه الشركات متعددة الجنسيات في يومنا هذا.
ويرى بعض قادة الفكر أن ترميز كل الأشياء ليس ضرورياً. حيث قال مؤسس بولكادوت Polkadot غافين وودز: “أشك في أن العملة ستواصل لعب دورٍ في الخدمات. لكنني أظن أننا سنبدأ إجمالاً في رؤية خدمات تُسلَّم دون الحاجة لاستخدام الرموز”. ولا شك أن غالبية الناس لن يهتموا بشراء الكثير من الرموز المختلفة من أجل الاستفادة بخدمة.
الاستنتاج
إذا أوفى الجيل الثالث للويب بوعود الملكية المشتركة، فسوف يخلق مساحةً متكافئة الفرص لجميع من يعرفون طريقهم في ذلك العالم الجديد. وسيبرز الاقتصاد الموازي الذي لن يمتثل للقيود الوطنية القديمة وتوزيع الثروات بشكله المعهود. حيث سيتمكن أي شخص يمتلك جهازاً محمولاً أن يجني المال عن طريق المساهمة في تلك المجتمعات الجديدة.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.