يُمكن القول إن واحدة من النقاط المضيئة القليلة لانهيار إف تي إكس FTX تتمثل في تجديد اهتمام العملاء بزيادة الشفافية حول الأصول الموجودة في حيازة منصات التداول المشفرة. فمنذ أسبوع انهيار إف تي إكس في نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت منصات التداول وشركات الوساطة المشفرة تتلقى سيل مطالبات من العملاء بفعل التالي: “أثبتوا لنا أن أصولنا موجودة في حيازتكم بالفعل؟”. فكيف تعمل آلية “إثبات الاحتياطيات” المزعومة تلك؟
في الأيام التي أعقبت انهيار إف تي إكس، بدأت المنصات تنشر واحدةً تلو الأخرى كمية الأصول الموجودة في حيازتها، مدعومةً بمفاتيحها العامة. ومن الجميل أن نسمع مثلاً أن منصة بينانس Binance تحتفظ في حيازتها بأصول مشفرة تصل قيمتها إلى 69 مليار دولار.
لكن الأمر يدفعنا لطرح السؤال التالي: ما هي التزامات (مطلوبات) تلك المنصات؟ واعترفت بينانس قبل غيرها بأن نشر إجمالي احتياطياتها ليس سوى خطوة أولى؛ حيث نحتاج إلى الجمع بين الاحتياطيات المثبتة (الأصول) وبين المطلوبات حتى نتمكن من رسم صورةٍ كاملة. وهذا ما يُمكن أن نطلق عليه اسم “إثبات الملاءة المالية”.
طرق إثبات الاحتياطيات
هناك طريقتان أساسيتان أمام منصة التداول المشفرة لإثبات امتلاكها احتياطيات كافية لتغطية التزاماتها (أو مطالبات العملاء)؛ إذ توجد الطريقة الكلاسيكية الخاصة بشركات المحاسبة التقليدية، ومن ثم سنجد التدقيقات التي تستخدم إثباتات الأرصدة المشفرة على السلسلة.
- إثبات الاحتياطيات بالمحاسبة التقليدية
لا يجب أن نتجاهل تدقيقات شركات المحاسبة كوسيلةٍ لإثبات الاحتياطيات في الميزانية العمومية لشركات التشفير. ويتعيّن على الشركات العامة مثل كوين بيس Coinbase أن تمتثل لقواعد قانون ساربينز أوكسلي؛ إذ يفرض ذلك القانون قواعده الصارمة على المحاسبين والمدققين منذ عام 2002. وتمتثل كوين بيس لتلك القواعد باعتبارها شركةً مدرجةً في البورصة. ولهذا تستطيع أن تقول في بيان أرباحها الربع سنوي بكل ثقة:
“يستطيع المستثمرون الآن حساب أصول المنصة بناءً على البنود الواردة في ميزانيتنا العمومية. ويُرجى إضافة ‘الالتزامات المشفرة للعملاء’ إلى ‘الالتزامات النقدية لعملاء الحفظ’ معاً لتحصلوا على إجمالي أصول المنصة”.
لكن هل يستطيع المحاسبون تطبيق هذه الاشتراطات على الأصول المشفرة؟ لا شك أن التعامل مع المحافظ المشفرة وأدوات تخزين المفاتيح الخاصة يمثل تحدياً في هذا المجال؛ لكنهم بدأوا يتعلمون بسرعة.
تعليمات المحاسبين من هيئة الأوراق المالية والبورصات
يجب أن نكون منصفين مع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، التي نشرت تعليماتها مؤخراً في نشرة محاسبة الموظفين، رغم شهرتها بعدائها للبيتكوين. ولخصت تلك التعليمات نظرة هيئة الأوراق المالية والبورصات لطريقة تطبيق المبادئ المحاسبية المقبولة بصفة عامة (GAAP) على شركات التشفير. وأجابت الهيئة عن بعض الأسئلة الملحة التي ربما تراود المحاسبين:
- كيف يجب أن تحسب المؤسسة مطلوباتها من أجل حماية الأصول المشفرة التي تحتفظ بها نيابةً عن مستخدمي المنصة؟
- ما الإفصاحات التي يجب أن ينتظر المحاسب الحصول عليها من المؤسسة في ما يتعلق بحماية التزامات الأصول المشفرة في حيازتها نيابةً عن مستخدمي المنصة؟
مزايا وعيوب النهج التقليدي
من المنطقي أن مشكلة الطريقة التقليدية في إثبات الميزانية العمومية ستكون مشكلةً عملية. إذ ليست غالبية منصات التشفير من الشركات العامة المدرجة في البورصة. ويمكن القول إن كوين بيس هي منصة التشفير الوحيدة المدرجة في البورصة داخل الولايات المتحدة. وتستطيع معرفة الكثير عن مدى سلامة منظمة مثل كوين بيس بمجرد الاطلاع على تقارير أرباحها الربع سنوية، حتى وإن كانت تلك التقارير تكشف عن حالتها في الشهور الماضية وليس اللحظة الحالية.
كما أن محبي العملات المشفرة سيضحكون على عملية التدقيق بتوقيع محاسب، وسيشعرون أنها موضة قديمة وغير مناسبة للعصر. لهذا سيرغبون في إثباتٍ مشفر، وهذا حقهم تماماً. لكن مع ذلك، يجب أن تعلم أن توقيع المحاسب على ميزانية عمومية منشورة يعني أنه واثق تماماً من سير الأمور على ما يرام. وتذكر أن المحاسبين يمكنهم أن يخسروا الكثير (وربما يدخلون السجن)، لهذا لا يتعاملون مع وظيفتهم بتهاونٍ على الإطلاق.
ويمكن تلخيص ما سبق بالقول إن إثبات الاحتياطيات بالطريقة التقليدية لن يكون مأمون الاستعمال بنسبة 100%. لكنه سيمثل قفزةً هائلة للأمام إذا اعتمدت جميع منصات التشفير على التدقيق بهذه الطريقة.
- إثبات الاحتياطيات بالتشفير
ذكرنا سابقاً أن معرفة حجم أصول الشركة هو الجزء الأسهل. لكن الجزء الأصعب يكمن في جانب الخصوم (المطلوبات) من الميزانية العمومية. فكيف يمكن للشركة عرض حجم أموال العملاء باستخدام البيانات الموجودة على السلسلة؟ إذ لن ترغب الشركة في كشف هوية عملائها وتفاصيلهم الشخصية للعامة في النهاية.
لحسن حظنا أن هناك أدوات تشفير تستطيع فعل ذلك. لكننا سنحتاج إلى جهة تدقيق رغم ذلك.
- بالنسبة لجانب الخصوم في الميزانية العمومية، يتولى مدقق من طرف ثالث مهمة تسجيل لقطة لحظية لرصيد المستخدمين بهويات مخفية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تجزئة أرصدة حساب المستخدم باستخدام رقم معرفه الفريد Unique ID. ويجمع المدقق تلك الأجزاء في شجرة ميركل جماعية مشفرة، ليُنتج في النهاية جذر شجرة ميركل -وهو عبارة عن تجزئة مشفرة تمثل مجموع كامل أرصدة المستخدمين.
- تُتيح شجرة ميركل التحقق من دقة جميع الأرصدة عن طريق المقارنة بين بعض الأرصدة مخفية الهوية وبين الأرصدة المثبتة.
- لتدقيق جانب الأصول في الميزانية العمومية، يطلب المدقق التوقيعات الرقمية من أمين الحفظ/منصة التداول لإثبات أنهم يسيطرون على عنوانين المحافظ المشفرة التي تحتفظ بتلك الأصول.
تطبيق أدلة المعرفة الصفرية لحذف الأرصدة السلبية
اقترح فيتاليك بوتيرين في منشورٍ له بعض الأفكار من أجل جعل شجرة ميركل مأمونة الاستعمال. فكيف يمكن أن تكون لمثل هذه الشجرة نقاط ضعف؟ حسناً، تستطيع المنصة المعسرة أن تُضيف خلسةً مجموعة حسابات مزيفة بأرصدةٍ سلبية، مما يعني أنها ستبلغ عن إجمالي خصومات أقل من الحقيقي. ويجب إدخال اتفاقية إثبات المعرفة الصفرية zk-snark من أجل إثبات عدم وجود أرصدةٍ سلبية في الشجرة. ومن الممكن تحقيق ذلك باستخدام إثباتات المعرفة الصفرية دون التضحية بخصوصية جميع الحسابات.
لا تثق… بل تحقق من إثباتات الاحتياطيات
يُعتبر هذا النوع من التدقيق بمثابة مزيجٍ لطيف بين أدوات التشفير والتدقيق التقليدي. إذ نتصور ظهور شخصٍ يرتدي بذلة، لكننا نطبق في الوقت ذاته الشعار القائل: “لا تثق، بل تحقق”.
لماذا؟ لأننا لسنا مضطرين للاعتماد على المدقق بمفرده. وبهذه الطريقة، يستطيع أي شخصٍ أن يتحقق من تضمين رصيد حسابه في الشجرة. إذ يمكنه القيام بتجزئة رصيد حسابه ورقم مُعرِّفه الفريد، للبحث عن فرع ميركل الخاص به في شجرة ميركل. ومن المفترض أن يظهر رصيد عملاته في وقت التدقيق، لو كانت كل الأمور سليمة.
لكن هل يجب على كل عميل أن يفعل ذلك لنحصل على إثبات احتياطيات قاطع؟ ليس في الواقع، إذ إن قيام عينةٍ عشوائية من المستخدمين بتكبد هذا العناء والحصول على تأكيدات سيكفي لاعتبار المنصة آمنةً بشكل عام. ورغم ذلك، سيظل من المتاح نظرياً لجميع العملاء أن يجتمعوا معاً ويُعيدوا إنشاء تلك الشجرة.
التحديات التي تواجه إثبات الاحتياطيات بالتشفير… ودون تدقيقٍ متكرر
ليس إثبات الاحتياطيات بالتشفير عمليةً مأمونةً بالكامل؛ إذ تستطيع منصة تداول ما أن تُقرض الأموال قبل أن تحدث عملية التدقيق. فضلاً عن أن امتلاك مفاتيحك الخاصة لا يعني أنها ليست في حيازة أحد المخترقين. ومن أجل المساعدة في تخفيف تلك المخاطر، يُمكن إجراء عملية التدقيق أكثر من مرةٍ سنوياً أو كل ثلاثة أشهر. كما يمكن تنفيذها في أوقات عشوائية غير معلنة.
النصل النازف لسيف التقنية: إثبات الاحتياطيات على السلسلة بواسطة تشين لينك Chainlink
يمكننا استخدام الإثباتات الآلية على السلسلة لحل مشكلة النقص الذي تعانيه اللقطات اللحظية على صعيد إثبات الاحتياطيات الخاضعة للتدقيق غير المنتظم. وتمتلك شبكة تشين لينك بروتوكولاً لإثبات الاحتياطيات يُجري عملية تحقق كل 30 ثانية. وتستخدم العملة المستقرة دولار ترو (TUSD) مثل هذه المنظومة، من أجل إثبات تغطية العملات المستقرة الجديدة المسكوكة بما يكفي من الأموال في بنوك الضمان القانوني.
الخلاصة: فرصةٌ مهولة للصناعة
ستبدأ الجهات التنظيمية في المطالبة بإثبات الاحتياطيات قريباً، وكذلك العملاء أيضاً. ولا شك أن المنصات تتنافس على أشياء أخرى بخلاف الموثوقية في السوق الصعوية. لكن انتشار مشاعر الخوف في الأسواق الهبوطية يُحوِّل الثقة إلى ميزةٍ ترويجية فريدة، وخاصةً في أعقاب إف تي إكس.
ويمكن أن يفيد الاعتماد على أدوات التدقيق الكلاسيكية والمشفرة لاسترداد ثقة المستخدمين والجهات التنظيمية. وتكمن ميزة النهج المشفر في وجود مُكوِّن قابل للتحقق العلني. ورغم أن هذا النهج ليس مأموناً بالكامل، لكن اشتقاق مثل هذه التدقيقات سيمثل تقدماً مهولاً مقارنةً بالوضع الراهن للأمور. ويمكن لنا القول إن اتباع مثل ذلك النهج كان سيمنع حدوث انهيارٍ مثل الذي أصاب إف تي إكس.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.