بقيت العملات الرقمية دون تغيير إلى حد كبير لفترة طويلة، وتم رفضها في البداية وعوملت كشيء هامشي عابر من قبل البنوك والهيئات القانونية لسنوات، وكان سوق العملات الرقمية يشبه الى حد كبير الغابة المهجورة، ولكن مع استمرار ازدهار سوق العملات الرقمية بالتداول والزخم المحيط به، بدأ اللاعبون الماليون والحكومات يستيقظون، ويحاول الجميع معرفة كيفية غزو هذه الحدود الجديدة بشكل جدي ولكن بطريقة متزنة.
تتسابق الحكومات لقمع العملات الرقمية، حيث تقوم الأمم بتشديد قبضتها على العملات الرقمية مع قوانين وأنظمة جديدة وممارسات إلزامية، وفي الوقت نفسه، هناك القليل من الجهود الدولية المنظمة، إن وجدت، تحاول تنظيم هذه الأسواق الجديدة بنوع من الإحتواء.
يشبه الوضع الحالي للإرتباك الجماعي، وقد يستغرق الأمر سنوات قبل أن تندمج الهيئات القانونية بما يكفي للحصول على نفس النتيجة، ومع ذلك، فإن بعض الحكومات تتقدم على المنحنى عندما يتعلق الأمر بتبني العملات الرقمية، وربما يستمر آخرون في القمع -على حسب مصلحتهم.
ستستمر منظمات العروض الأولية للعملات (ICO) في البحث عن الشروط التنظيمية الأكثر ملاءمة، لذا يجب على الحكومات موازنة محاولاتها لقمع الاحتيال وغسيل الأموال مع الانفتاح الكافي لجذب العروض الأولية للعملات (ICOs) التي ستشكل صناعات المستقبل.
القوانين الحالية
تعمل قوانين العملات الرقمية بطريقة مُعقدة من جانب واحد في جميع أنحاء العالم، حيث حظرت دول مثل الصين جميع العروض الأولية للعملات (ICOS)، وبالنسبة للصين، فيبدو الأمر معقولًا، حيث لدى المواطنين ثقة قليلة بالعملة المحلية ويريدون تجنب القوانين الداخلية.
تريد الحكومة بقاء جميع المعاملات النقدية تحت سيطرتها ،ومع ذلك فإن الصين، التي تتمتع بالكهرباء الرخيصة المدعومة، تظل عاصمة العالم في تعدين العملات الرقمية، وتنتج حصة كبيرة من البيتكوين في العالم كل عام.
في الطرف الآخر من القصة، فإن الحكومات في دول مثل سويسرا، ومالطا، وجبل طارق، وفرنسا، وأكثر من ذلك، تحتضن العملات الرقمية، مع اعترافهم بالفرصة الهائلة للربح والعائدات الخاضعة للضريبة من ورائها.
أعلنت فرنسا على سبيل المثال في مارس/آذار الماضي، أنها تعمل على تطوير إطار تنظيمي لمكاتب العروض الأولية للعملات (ICO)، وهي خطوة من المقرر أن تضع فرنسا كمركز عالمي رائد في مجال (ICO).
وقد أطلقت بالفعل فريق عمل مستقل، برئاسة رئيس سابق للبنك المركزي وداعم العملات الرقمية Jean-Pierre (الملقب بـ مسيو بيتكوين Monsieur Bitcoin)، والذي سيبحث ويقترح “مبادئ توجيهية حول تطور القوانين”، ودعت كل من فرنسا جنباً إلى جنب مع ألمانيا على وجه الخصوص،إلى أن تتم مناقشة العملات الرقمية في أحداث قمة G20 الاخيرة.
ليست فرنسا وحدها التي قفزت على قطار العملات الرقمية، إنها خطوة ذكية – فالدول الصغيرة مثل فرنسا ستحقق الكثير في هذا المشهد العام من التنظيم غير المتساوي.
توفر التناقضات التنظيمية فرصة للبلدان الأصغر للتجمع ضد قوى أكبر مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي تجعل انتشار العملات الرقمية في نُظمها المصرفية الكاسحة أكثر تعقيدًا، وتقود سويسرا على سبيل المثال الطريق في دعم التنظيم الذكي للعملات الرقمية، وتعتبر بالفعل رائدة في سوق العملات الرقمية.
تُعد سويسرا تقليديًا ملاذًا للأنشطة التجارية، لذا فإنه من غير المستغرب أن تكون قد قادت الطريق بالفعل في العملات الرقمية، مع وجود بعض أكبر مكاتب العروض الأولية للعملة (ICO) في العالم تقع هناك، وتعمل الحكومة السويسرية بقوة على وضع إطار قانوني قوي تأمل في أن يبقيها على قمة اتجاه العملات الرقمية.
تتنافس مع سويسرا دولة جبل طارق Gibraltar -منطقة حكم ذاتي تابعة للتاج البريطاني-، حيث تشتهر جبل طارق بتخفيض الضرائب، وقد حققت بالفعل خطوات مذهلة في مساحة العملات الرقمية.
أصبحت جبل طارق في الواقع، في العام الماضي، أول بلد في العالم يضع إطارًا قانونيًا لتكنولوجيا البلوكتشين، كما افتتحت مؤخرا منصة خاصة بها، وهي منصة جبل طارق للتداول.
وأخيراً، على الرغم من صغر حجمها، إلا أن مالطا الصغيرة (ولكن الاستراتيجية) تسعى أيضاً إلى الحصول على التفوق في سوق العملات الرقمية في أوروبا، وفي خضم حملات القمع في أماكن أخرى، تظل مالطة ملاذاً آمناً للمستثمرين.
انتقلت مؤخراً إلى مالطا، أكبر منصة لتداول العملات الرقمية من حيث الحجم، Binance، وهي خطوة تسببت في إثارة ضجة كبيرة ووجهت مزيداً من الاهتمام لمالطا كمكان رائع للعملات الرقمية، والآن تتطلع عشرات المنصات الأخرى إلى إنشاء متجر هناك.
ليس الجميع متحمسون للغاية حول العملات الرقمية بالطبع، هناك عدد من الدول بقيت صامتة أو تظل مترددة حولها.
تظهر حملات القمع الأخيرة على العملات الرقمية قلق المستثمرين، الدنمارك على سبيل المثال، صديقة للعملات الرقمية وملاذ لمالكي البيتكوين، على الرغم من الإجراء الأخير الذي اتخذته شركة Danske Bank الدانماركية لحظر جميع معاملات العملات الرقمية والذي يجعله أمر مثير للقلق.
يُعد الوضوح التنظيمي جيد للصناعة في بعض الحالات، حيث أغلقت اليابان مؤخرًا اثنين من منصات العملات الرقمية، ومع ذلك يظل البيتكوين له غطاءً قانونيًا في اليابان، فأكثر من 30٪ من جميع معاملات البيتكوين العالمية تتم في الوقت الحالي بـ الين الياباني، ويبدو أن اليابان تقوم بقمع حالات الاحتيال والمخاطر الأمنية، وفي الوقت الذي تنخفض فيه السوق اليابانية في الوقت الحالي بعد غلق المنصتين، فإن هذا قد يمهد الطريق أمام منصات تداول أفضل تنظيميًا وأكثر استقرارًا لدخول السوق.
اتخذت كازاخستان مؤخرًا أيضًا موقفًا صارمًا، على الرغم من كونها في السابق محايدة، بل ودودة، حيث أعلن رئيس البنك المركزي أنه يخطط لحظر بيع وشراء وتعدين العملات الرقمية.
لا يزال المستثمرين غير متأكدين من الولايات المتحدة، حيث اتخذت مؤخرًا خطًا أكثر صرامة في تنظيم عمليات العملات الرقمية، كما تواصل شبكات التواصل الاجتماعي الأمريكية حذو حذوها، مع انضمام Facbook وGoogle، وTwitter كآخر شبكة تمنع إعلانات العملات الرقمية كليًا، هذه الخطوة الأخيرة جعلت المسوقين قلقين بشكل خاص، ولكن كيف سيتم الكشف عن القوانين في السنوات المقبلة؟ لا يزال من الممكن رؤيتها.
من الجدير أن نضيف موقفًا من الدول ذات الاقتصادات المتعثرة تجاه عمليات العملات الرقمية.
تبقى العملات الرقمية في عدد قليل منها، غير شرعية بالكامل: في بوليفيا والإكوادور والمغرب وجمهورية مقدونيا وفيتنام وعدة دول أخرى، مع فكرة التحكم بإحكام في عرض النقود في عام 2015، وعلى الرغم من ذلك أعلن أحدهم أن البلد سيخلق أول عملة رقمية وطنية، مع أخذ تلميحات من تكنولوجيا العملات الرقمية الحديثة.
مع ذلك توقف البنك المركزي في الإكوادور عن السماح للمواطنين بتنزيل محفظة الدفع الإلكتروني المحمول في فبراير/شباط 2018، ومن خلال إيقاف السكان من تنزيل المحفظة المتنقلة، ألغت الإكوادور، في جوهرها، العملة الرقمية الصادرة عن البنك المركزي، وكان انعدام الثقة من المواطنين تجاه النظام المصرفي هو السبب الثاني لوقف الحافز.
هناك مجموعة من الدول مثل فنزويلا وإستونيا أو بيلاروسيا من ناحية أخرى، تعمل بقوة من خلال تقديم أكثر الفرص [التنظيمية] تطوراً لمجتمع العملات الرقمية، حيث توصلت بيلاروسيا إلى قوانين تشريعية ودية للغاية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، ومع ذلك، فإن هذه البلدان تعاني من نقص شديد في الثقة في نظمها المالية، وبالتالي، لا تزداد حوافز العملات الرقمية فيها.
فرص لاستمرار الإتزان التنظيمي
إن فكرة وجود إطار تنظيمي عالمي للعملات الرقمية التي نوقشت في قمة مجموعة العشرين في شهر مارس/آذار غير واقعية كمفهوم لضريبة الدخل الشخصي العالمي، حيث يجب أن تكون الدول قادرة على التنافس من حيث القوانين التي تجري أعمال العملات الرقمية التجارية بطريقة عادلة ومفيدة لأصحاب المشاريع، بحيث يكون لديهم الحرية في اختيار أفضل وسيلة قضائية متاحة.
ويشعر الخبراء الماليون بالقلق بشأن الإتزان التنظيمي، حيث تستفيد الشركات من الثغرات التي خلفتها هذه العملات الرقمية من أجل التحايل على التنظيم بطريقة غير مواتية، كما هي عليه، فإن فرص الإتزان التنظيمي تظهر القليل من علامات التراجع.
ستستمر مواهب الصناعة والاستثمارات في التوجه إلى البلدان التي تدعم العملات الرقمية – في الوقت الذي يتم فيه التسلل من بلدان لا تفعل ذلك، مع استمرار الطبيعة الموزعة للعملات الرقمية في خلق عدم كفاءة السوق، سوف تستفيد الدول الصديقة لها من السيطرة على سوق العملات الرقمية، بينما تخاطر القوى العالمية التقليدية بالتخلف عن ركبها.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.