لا شك أن اندماج شبكة الإيثريوم كان أبرز خبر عن سوق التشفير منذ انهيار شركة Three Arrows Capital في يونيو/حزيران.
لكن الاندماج يعتبر خبراً أكثر إيجابية لحسن الحظ. وسأركز هنا على الصورة الكبيرة. فإليك أهم ثلاثة أشياء سيغيرها الاندماج، والشيء المهم الوحيد الذي لن يتغير، بحسب موقع Coin Desk الأمريكي.
هل ستنخفض رسوم الشبكة؟ لا.
أهم شيء لن يتحقق مع الاندماج هو خفض رسوم المعاملات على شبكة الإيثريوم Ethereum. ولا شك أن العديد من المستخدمين كانوا يأملون ذلك، وربما يجري تفعيل الرسوم المنخفضة في النهاية بفضل تغييرات البنية التحتية الناجمة عن الاندماج. لكن ذلك لن يحدث على الفور.
مما يعني أن المجال سيظل مفتوحاً على مصراعيه أمام شبكات بلوكتشين الطبقة الأولى البديلة مثل سولانا Solana ونير Near. بالإضافة إلى شبكات الطبقة الثانية مثل أوبتيميزم Optimism وبوليغون Polygon، التي توفر الرسوم على المستخدمين من خلال “تجميع” حزم المعاملات قبل تسجيلها على شبكة الإيثريوم الرئيسية مرةً واحدة.
ومن المفارقات أن رسوم الإيثريوم ارتفعت بنسبة 25% تقريباً لتصل إلى أكثر من 3 دولارات للمعاملة في المتوسط منذ يوم الثلاثاء، 13 سبتمبر/أيلول. ويرجع السبب جزئياً إلى إعادة تمركز المتداولين والمحتفظين بعملاتهم من أجل الاندماج على الأرجح.
المكافأة البيئية
من المتوقع أن يؤدي الاندماج لتقليل استهلاك الشبكة الإجمالي للطاقة بأكثر من 99%، وذلك عن طريق إلغاء تعدين الإيثريوم بنظام إثبات العمل الذي يستهلك طاقة حوسبة مكثفة. إذ مثل التأثير البيئي للتعدين بنظام إثبات العمل عقبةً رئيسية في طريق تبني تقنية البلوكتشين عموماً لخمس سنوات على الأقل. ومن المؤكد أن التحول سيؤدي إلى اثنين من التداعيات المحفزة لشبكة الإيثريوم.
أولهما ورد في تقرير Bank of America الذي جادل بأن بعض المؤسسات والمستثمرين، ممن ترددوا أو عجزوا عن الاستثمار في أنظمة إثبات العمل، سيصبح لديهم الآن مطلق الحرية لمحاصصة الإيثريوم. ولن يحدث هذا التغيير بصورةٍ فورية وكبيرة نظراً للسوق الهبوطية الحالية، لكن تداعياته الإيجابية ستكون مهولةً في الدورة الصعودية التالية للعملات المشفرة.
أما ثانيهما وأهمهما، فهو أن الانتقال إلى إثبات الحصة سيُحدث تحولاً كاملاً في مجال الرموز غير القابلة للاستبدال NFT. ورغم سخافة الأوضاع في الدورة الصعودية الأخيرة، لكن الرموز غير القابلة للاستبدال تُعتبر من أوضح الأمثلة على منتجات السوق الحقيقية المخصصة للمستخدم النهائي والمناسبة للإيثريوم، وأنا متفائلٌ بشدة لهذا المفهوم على المدى البعيد.
لكن يبدو أن الكثير من الفنانين والمستهلكين ينفرون بشكلٍ عام من شبكات البلوكتشين المرتبطة بالمخاوف البيئية. ولا شك أن هذه المخاوف ليست مصدر قلقهم الوحيد، لكن القضاء على هذه المشكلة سيمثل نقطة جذبٍ ضخمة للفنون الرقمية على شبكة الإيثريوم في المدى البعيد.
خطر الرقابة
قبل ثلاثة أسابيع فقط من التاريخ المتوقع للاندماج، أسقط مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية قنبلةً على عالم التشفير عندما فرضت العقوبات على منصة تورنيدو كاش Tornado Cash القائمة على الإيثريوم. ولا تزال هناك الكثير من التداعيات المجهولة، لكن العديد من المطورين ومشغلي العُقَد قرروا أن عليهم حماية أنفسهم عن طريق فرض رقابةٍ أحادية على المعاملات المرتبطة بتورنيدو كاش.
ويأتي الاندماج ليزيد القلق حيال هذه المخاطر أكثر، وللعديد من الأسباب المعقدة؛ حيث من المتوقع على نطاقٍ واسع أن تؤدي التسويات القائمة على إثبات الحصة إلى تركيز سلطةٍ أكبر في أيدي أكبر محاصصي الإيثريوم، ومن بينهم كيانات عامة مثل Jump Trading.
ومن المحتمل أن تكون مثل هذه الشركات العامة أكثر عرضةً لضغوطات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، مما قد يؤدي لفرض “الرقابة على الطبقة الأساسية” أو إلى حالة رفض عامة من النظام لمعالجة أي معاملات مرتبطة بكيانات مُعاقبة من الحكومات.
ونتحدث هنا عن أسوأ السيناريوهات المحتملة، ونأمل ألا يحدث ذلك بالطبع. لكن الواقع يقول إن الأمر ممكن الحدوث، وسوف يُقوّض حياد النظام الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من عرض القيمة الأساسية لأي شبكة بلوكتشين. مما يمثل مدعاةً حقيقية للقلق والحذر على المدى البعيد.
دولة شبكة الإيثريوم
من حسن الحظ أن رابع التداعيات الناجمة عن الاندماج يعتبر إيجابياً إلى حدٍ كبير. إذ يُعتبر الاندماج أول مثالٍ كبير على تحولٍ لشبكة تشفير بتنسيقٍ عالمي. وربما شهدت شبكة البيتكوين Bitcoin الكثير من الدراما المحيطة بالترقيات والفورك، لكنها لم تشهد أي شيء يُشبه الاندماج من قبل.
وصحيحٌ أن شبكة الإيثريوم تتمتع بأفضليةٍ كبيرة في وجود الدور القيادي البارز لمؤسسة الإيثريوم، بالإضافة إلى شريكها المؤسس فيتاليك بوتيرين. لكن شبكة الإيثريوم تظل نظاماً عالمياً ضخماً اضطر جميع أصحاب المصالح فيه إلى التنسيق معاً طوال عملية الاندماج المعقدة.
وربما يبدو المثال تجريبياً وجزئياً، لكن هذا الاندماج يبدو أشبه بمفهوم بالاجي سرينيفاسان عن “دولة الشبكة”. إذ يؤمن بالاجي على نطاقٍ واسع بأن المجتمعات الرقمية، التي يجري تنظيم بعضها حول شبكات البلوكتشين، ستبدأ في محاكاة بعض سمات وحدات الحوكمة غير المتصلة بالإنترنت التي ننظر إليها باعتبارها “دولاً” اليوم.
وتتمتع شبكة البيتكوين بالعديد من سمات دولة الشبكة بالفعل، لكن الإيثريوم تتمتع بأسس تقنية أكثر ثراءً ويمكنها وضع أساسات أكثر ملاءمةً للعديد من إمكانات دولة الشبكة المستقبلية المعقدة. ويمكن النظر إلى الاندماج بعد نجاحه باعتباره لحظة تحقيق “الوحدة الوطنية” لأنصار الإيثريوم، وتقوية المجتمع تقنياً أكثر من غيره.
ومن المنطقي أن تختلف الآراء حول الاندماج، وخاصةً بالنسبة للقلائل الذين يحاولون إبقاء شبكة الإيثريوم العاملة بنظام إثبات العمل. لكنني لا أرى في هذه الجهود أكثر من مجرد حيلةٍ صغيرة تهدف لخداع السذج. وحتى لو كانت هذه الجهود صادقة، فستظل مجرد استثناءٍ للقاعدة. إذ لا يمكنك إقامة دولة في النهاية دون ظهور بعض المعارضين.
ولا أريد المبالغة، لكن الاندماج يبدو من هذا المنطلق بمثابة استعراض مهم لوحدة وقوة “شعب” الإيثريوم. وربما تحظى هذه النقطة بأهميةٍ خاصة لدى البعض في ظل الصراعات الوشيكة حول مراقبة الطبقة الأساسية وتنظيم التوكنات الخدمية.
ولا يهم ما سيحدث في المساء، بقدر ما تهمنا النتيجة النهائية المحتملة في الصباح التالي، كما هو الحال دائماً مع كل الأشياء المرتبطة بالاندماج.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.