يواجه الاتحاد الأوروبي تدفقاً من اللاجئين مرةً أخرى بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا. وكانت أزمة لاجئي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2015 قد حطمت الأرقام القياسية بتسجيل أكثر من 1.3 مليون شخص، سعوا للجوء داخل الاتحاد الأوروبي.
لكن الهجوم الروسي القائم شهد بالفعل دخول قرابة 5.3 مليون لاجئ أوكراني إلى دول الاتحاد الأوروبي. ولا شك أن هناك فارقاً بين الوضعية القانونية للمهاجرين الأوكرانيين وبين الموجات السابقة من المهاجرين، لكن تدفقات المهاجرين على الاتحاد الأوروبي تزيد منذ سنوات، ولا تزال تمثل مشكلةً سياسية مهمة.
ومن المؤكد أن تصنيف المهاجرين يعد من مكونات المشكلة الرئيسية التي يجب علاجها، حيث يجتازون مختلف المعابر الحدودية المنتشرة بوفرة في جميع أنحاء القارة. وتستطيع تقنية البلوكتشين تقديم حلٍ شامل لهذه المشكلة بفضل لا مركزيتها ودرجة تشفيرها. ولهذا يجب على مشرعي الاتحاد الأوروبي أن يضعوها في اعتبارهم أثناء صياغة اللوائح.
وتعتبر تقنية البلوكتشين تقنيةً جديدةً نسبياً، حيث ابتُكِرَت عام 2008 بغرضٍ أساسي هو تسهيل إجراء المعاملات بالعملات المشفرة، بحسب موقع EU Observer البلجيكي.
وربما يعتبر هذا الاستخدام مركزياً، لكن البلوكتشين لها العديد من الاستخدامات الأخرى بدايةً بحل مشكلات التنمية العالمية، ووصولاً إلى رقمنة الخدمات العامة. فضلاً عن أن طبيعتها الموزعة، وغير القابلة للتغيير توفر شبكةً أكثر أماناً من قواعد البيانات التقليدية، مما يُلغي الحاجة إلى الوسطاء لضمان سلامة البيانات المحفوظة.
الهوية الرقمية مقابل الهوية المادية
تمثل البلوكتشين تقدماً تقنياً مهماً على صعيد إنشاء الهوية الرقمية. إذ إن الهويات الرقمية القائمة على البلوكتشين تمنع الاحتيال، وتحمي المستخدمين من سرقة الهوية، بعكس أشكال الهويات الأخرى.
وستكون شبكة الهويات غير قابلة للاختراق، فضلاً عن أن السجل اللامركزي يعني سهولة الوصول إلى الهويات من أي مكان في العالم. وبالنسبة للهجرة وسياسة الهجرة، فيعتبر هذا الوصول وضمان أصالته عاملين ضروريين من أجل التعرف إلى اللاجئين وتصنيفهم، بمجرد وصولهم إلى حدود الاتحاد الأوروبي.
وشهدنا بالفعل بعض التقدم على صعيد تطبيق هذه التقنية في الهجرة. إذ بدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في استخدام بيانات التسجيل بالمقاييس الحيوية لتعقب اللاجئين. بينما يستخدم برنامج الأغذية العالمي التقنية نفسها في إرسال الحوالات النقدية إلى مخيم لاجئين أردني، من خلال برنامج تجريبي يُدعى “بلوكتشين ضد الجوع Blockchain against Hunger”.
ولا شك أن نهج رقمنة الهوية سيساعد في حل بعض المشكلات الأساسية التي يواجهها اللاجئ عادةً. إذ تعمل الحكومات على تخزين بيانات الهويات المادية بشكلٍ مركزي في خوادم مادية. مما يترك البيانات عرضةً للتهديدات الخارجية مثل الاختراق أو حتى الإخفاق الحكومي.
كما يواجه اللاجئون صعوبةً شديدة في الوصول إلى هوياتهم الحكومية بمجرد فرارهم من أوطانهم، وربما تنقطع صلتهم بها تماماً؛ ليصبحوا دون أوراق هوية أو دولة في بعض الأحيان.
أما في حالة برامج الهوية القائمة على البلوكتشين، فيجري تخزين الهويات رقمياً لتتمكن الدولة المضيفة من الوصول إليها بمجرد وصول اللاجئين.
ويسمح هذا الأمر للدول المضيفة بتعقب وتصنيف سكانها الجدد، كما يمنح اللاجئين وصولاً أسهل إلى برامج التأمين الاجتماعي. مما سيخفف الضغوطات على المهاجرين ويسمح لهم بالتركيز على الرحيل عن بلادهم، دون القلق حيال استخراج وثائقهم.
منظور الاتحاد الأوروبي الضيق لمجال التشفير
من المستحيل تجاهل قيمة استخدام تقنية البلوكتشين في إنشاء وتحسين قواعد بيانات الهويات الرقمية. ومن الضروري أن يفكر صناع القرار داخل الاتحاد الأوروبي في تأثير الإفراط التنظيمي على البلوكتشين والكيفية التي يمكن أن ينتقص بها من المزايا الإيجابية. ولهذا يجب توفيق طبيعة البلوكتشين الخاصة، وغير القابلة للتغيير مع لائحة الاتحاد الأوروبي العامة لحماية البيانات.
إذ يُركز إطار العمل القانوني الحالي للبلوكتشين على العملات المشفرة والأصول المالية بشكلٍ أساسي، ودون النظر إلى ما هو أبعد من ذلك. وتُبذل جهودٌ متواصلة بواسطة المفوضية الأوروبية لمكافحة الجرائم المالية عن طريق تسجيل هوية الطرفين المشاركَين في المعاملات؛ حتى يتسنى تسليمها للسلطات في حال فتح أي تحقيق.
وتتعارض مثل هذه السياسة الكاشفة مع الهوية المحورية للبلوكتشين، وربما تسير بعض الحكومات الوطنية الأخرى على نهج الاتحاد الأوروبي، لأن قواعده تساعد في وضع المعايير العالمية عادةً.
لكن تأثير هذا النهج التنظيمي الصارم قد يكون كارثياً بالنسبة لمزايا البلوكتشين المحتملة، خاصةً في ما يتعلق بسياسة الهجرة. ويجب أن يتمحور الهدف حول تعظيم الفرص التي تصاحب التقنية، والعمل على وضع معايير استخدامها، إضافة إلى توفير الأساس القانوني لحماية المستخدمين.
ويمكن القول إن الخطوات التي يجري اتخاذها حالياً من أجل التنظيم تبعث برسالةٍ فحواها أن الاتحاد الأوروبي ليس مكاناً يرحب بالابتكار في مجال البلوكتشين، وهي خطوةٌ ستواصل خنق نمو التقنية. لكن السهولة المتزايدة لاجتياز الحدود الدولية تعني أن تكتيكات الاتحاد الأوروبي الحالية لن تدعم تحسين سياسات الهجرة.
وتمثل إجراءات طلب اللجوء واحدةً من أكبر المشكلات في سياسة هجرة الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن أن إثبات الهوية رقمياً باستخدام البلوكتشين في تسجيل وتتبع اللاجئين سيكون خطوةً محورية لتحقيق الإصلاح الضروري.
أما الإفراط في تنظيم هذه التقنية الجديدة والمتنامية فسوف يمثل مصدر خطورة يهدد مستقبل الاستثمار داخل الاتحاد الأوروبي إجمالاً، كما يهدد بتدفق المهاجرين عبر حدوده.
وكانت أزمة الهجرة عام 2015 هي الأولى من بين موجات طالبي اللجوء، ثم جاء اللاجئون الأوكرانيون ليسلطوا الضوء من جديد على ثغرات المنظومة.
وسيخسر الاتحاد الأوروبي المزايا التقنية هذه قبل أن تتمكن حتى من تحقيق إمكاناتها بالكامل، وذلك في غياب التنظيم الذكي للبلوكتشين.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.