تستعد بلوكتشين الإيثريوم Ethereum لإغلاق منصات التعدين الخاصة بها في الـ15 من سبتمبر/أيلول. وستؤدي هذه الخطوة عند حدوثها إلى خفض انبعاثات الكربون الخاصة بنظام الإيثريوم الإيكولوجي بين ليلةٍ وضحاها، لتصبح البيتكوين (BTC) هي العملة المشفرة الكبرى الوحيدة القائمة على مفهوم إثبات العمل المدمر.
لكن هذا التحول قد يُثير حالةً من الفوضى بين بعض المؤسسات الكبرى في القطاع، ويبدو من المرجح أن نشهد حرباً باردة بين النسخة الجديدة من الإيثريوم وبين الأنصار المتعصبين للنسخة القديمة. هذا لو حدث الاندماج من الأساس، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
ويُعتبر نظام إثبات العمل محوراً لجميع الآثار البيئية السيئة التي سمعت عن ارتباطها بالعملات المشفرة. وتخطط بلوكتشين الإيثريوم للتخلص من هذا النظام واستبداله بإثبات الحصة.
وتوجد نسخٌ من الإيثريوم تعمل بنظام إثبات الحصة منذ فترة، لكن تحت أسماء مختلفة على مر السنوات. إذ بدأت تحت مسمى “الشبكة التجريبية”، ثم أصبحت “إيثريوم2″، لكنها ستتحول إلى “إيثريوم” بكل بساطة في 15 سبتمبر/أيلول. ويُطلق على هذا التحول اسم “الاندماج” لأن الشبكة القديمة والجديدة ستندمجان معاً. ويتمتع هذا الاندماج بفرصةٍ جيدة لأن يصبح أكبر حدث تقني في مجال التشفير على الإطلاق. مما يعني أن لديه فرصة في الإخفاق بفشلٍ ذريع أيضاً.
ولنبدأ بالحديث عن التاريخ المحدد، وأتحدث هنا بنبرة تشكيك لأنني لُدغت من هذا الجحر في السابق، إذ كتبت في مايو/أيار عام 2021 أن الاندماج المرتقب سيحدث “في غضون أشهر”.
ولم يحدث بالطبع.
لكن التحول يعتبر نهائياً هذه المرة. إذ جرى تحديد موعدٍ فعلي من ناحية، وأصبحت إعدادات الاندماج ساريةً الآن داخل الرموز البرمجية التي تُشغّل شبكة الإيثريوم من ناحيةٍ أخرى. وربما يجري تأجيل الاندماج بالطبع، لكنه سيحدث في التاريخ المحدد إذا استمر الوضع على ما هو عليه وفي حال عدم حدوث أي طارئ.
ما الذي يوجد على المحك؟
لا يعني هذا أن الاندماج سيمضي بسلاسةٍ طبعاً. إذ ستمثل أحداث الفورك أول عقبة في الطريق: وهي عبارة عن نسخ من الإصدار القديم للإيثريوم، ويجري إطلاقها لإبقاء نظام إثبات العمل على قيد الحياة.
ولن يحدث هذا للمرة الأولى. إذ توجد أعداد لا تحصى من فوركات البيتكوين التي تحمل أسماءً مثل البيتكوين كاش (BCH)، وبيتكوين إس في (BSV)، وبيتكوين كلاسيك (BXC)، وبيتكوين غولد (BCG). لكن هذه العملات لم يسبق لها أن تفوقت على همينة العملة الأصلية.
فلماذا يحظى فورك الإيثريوم بفرصةٍ أفضل؟ لأنه سيحظى بدعم جماعة تمتلك نفوذاً قوياً بالتأكيد، وهم معدنو الإيثريوم. إذ يواجه المعدنون فكرة القضاء على صناعتهم بالكامل بين ليلة وضحاها، بعد سنوات من تكوينهم لنواة بنية الإيثريوم التحتية، ولهذا ليس العديد منهم سعداء بهذا المقترح، حيث استثمروا أصولاً مادية حقيقية من أجل استمرار العملات المشفرة بنظام إثبات العمل، بدايةً ببطاقات الرسوميات باهظة الثمن ووصولاً إلى توصيلات الكهرباء، ولن يكون من السهل تغيير نشاطهم من التعدين إلى شيء آخر.
وتتمتع العملات المشفرة بطبيعةٍ مفتوحة المصدر، ولهذا من السهل على المعدنين أن يتابعوا عملهم ببساطة ويواصلوا تعدين أي عملة جديدة في الـ16 من سبتمبر/أيلول، وكأن الاندماج لم يحدث مطلقاً. ولكن ما الذي سيحدث بعدها؟
سيجد كل شخص يمتلك رصيداً من الإيثريوم فجأةً أنه أصبح يمتلك رصيدين، وكل واحدٍ منهما مخصص لإحدى شبكتي البلوكتشين. وسيكتشف كل شخص يمتلك عقداً ذكياً على الإيثريوم أنه أصبح يمتلك عقدين أيضاً، إذ ستكون هناك نسخة إثبات العمل من توكن بورد آيب يخت كلوب Bored Ape NFTs بالإضافة إلى نسخة إثبات الحصة، وهكذا.
وستتعايش بعض هذه النسخ المكررة معاً بكل سعادة. بينما سيحاول البعض قتل نسخ الفورك، لكنهم لن ينجحوا في قتلها أبداً. وتخيل المبلغ الذي قد يدفعه شخص يرغب في امتلاك إحدى التوكنات غير القابلة للاستبدال البارزة بهدف الحصول على نسخةٍ “غير رسمية” في سلسلة الفورك؟ وإذا كان المبلغ أكبر من الصفر، فسوف يستمر تداول هذه النسخة غير الرسمية لبعض الوقت، حتى لو قرر مطورو مجموعة التوكنات التخلي عن الفورك.
أما بالنسبة للمشاريع الأخرى، فلا يمكن أن توجد سوى نسخة واحدة. إذ إن كل توكن من كوين الدولار الأمريكي (USDC) يتمتع بدعم دولار أمريكي واحد من الأصول الثابتة الموجودة في حيازة سيركل Circle، وهي الشركة المسؤولة عن تطوير العملة المستقرة. وإذا تواجد ضعف عدد توكنات كوين الدولار الأمريكي فجأة بسبب الفورك دون أن تمتلك سيركل ما يكفي من النقود لتغطية الفارق، فسوف تضطر لاختيار شبكة واحدة لتدعمها وترفض الأخرى.
ويبدو من المستبعد أن تختار العملات المستقرة الكبرى، مثل كوين الدولار الأمريكي والتيثر (USDT)، دعم السلسلة المتمردة (الفورك). مما يعني بالتبعية أن السلسلة المتمردة ستدخل مرحلة الانهيار بالتصوير البطيء، بالتزامن مع فشل مشروعات الفورك واحداً تلو الآخر. لكنها ستوفر مع ذلك قاعدةً لابتكار الجديد، وستكون مشابهةً لما يعرفه ويحبه مطورو الإيثريوم بدلاً من النسخة الجديدة صديقة البيئة.
ما الذي سيحدث لاحقاً؟
لا يتصرف المعدنون المبتدئون انطلاقاً من الخوف على المصالح الذاتية فقط، بل يتعلق الأمر بمسألة المبدأ أيضاً. ويعتمد المبدأ هنا على اللامركزية التي تميز اقتصاد التشفير. ويمكن القول إن هذه اللامركزية هي السبب الحقيقي الوحيد لوجود العملات المشفرة. حيث أن تشغيل قاعدة البيانات المركزية التقليدية سيكون أسرع وأرخص وأكثر أماناً، لكنك ستحتاج إلى الثقة في الشخص المسؤول عن إدارتها.
أما العملات المشفرة اللامركزية فلا يمكن أن تتدخل فيها الشركات أو الحكومات الكبرى. مما يجعلها مثاليةً للجرائم والتهرب من الأنظمة الحكومية من ناحية، ورائعةً لمفاهيم أسمى مثل “الابتكار دون تراخيص” و”الحديث دون رقابة”.
ويخشى بعض أنصار مفهوم إثبات العمل أن آلية إثبات الحصة ستؤدي في النهاية إلى “اللامركزية الاسمية”. إذ تنطوي طبيعة إثبات الحصة على تسليم التحكم في الشبكة إلى أصحاب أكبر حصص مودعة على الشبكة. والأسوأ أنها تمنح سلطةً إضافية لمن يعتنون بأموال الآخرين، كمنصات التداول المركزية مثل كوين بيس Coinbase وبينانس Binance. وتقدم هذه المنصات خدمات “المحاصصة” التي يتكفلون من خلالها بالجانب التقني لإثبات الحصة، بينما يحصل العملاء على العائدات.
ولا يعتبر ظهور “اللامركزية الاسمية” مصدر قلقٍ نظري فقط. إذ ليس من الواضح الآن مثلاً ما إذا كان من القانوني للمدققين الموافقة على بلوك يحتوي معاملةً من أو إلى إحدى عناوين المحافظ الخاضعة للعقوبات مثلاً.
ويحاول مطورو الإيثريوم فرض الأمر، إذ اقترحوا تقديم “التزام موثوق لمعاقبة الخاضعين للرقابة”. ولا نعلم معنى هذا الأمر تحديداً، لكننا نأمل أن يعني الالتزام الموثوق منع المنظمات الملزمة بالامتثال لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية من محاصصة الإيثريوم في المقام الأول.
ولم يتضح بعد كيف سيبدو شكل الإيثريوم في غياب مدققين يحاولون الامتثال للعقوبات الأمريكية. لكن يبدو أن عالمنا في طريقه لهذا الاتجاه.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.