ربما تظن أن الميتافيرس سيكون عبارةً عن مجموعةٍ من المساحات الافتراضية المترابطة، أو محاكاةً لشبكة الويب العالمية التي سنلج إليها عبر الواقع الافتراضي. ويمكن القول إن ظنك في محله إلى حد كبير، ولكن يظل هناك جانبٌ أساسي آخر وأكثر تشفيراً إلى حد ما للميتافيرس، وهو ما سيميزه عن إنترنت اليوم: البلوكتشين.

إذ ظهر الجيل الأول للويب في البداية على هيئة مسار معلومات فائق السرعة يضم حواسيب وخوادم متصلة يمكنك البحث فيها، واستكشافها، والولوج إليها عبر منصة شركةٍ مركزية عادةً: مثل AOL، وYahoo، وMicrosoft، وGoogle.

وبحلول مطلع الألفية، ظهر الجيل الثاني للويب، الذي تميز بمواقع الشبكات الاجتماعية، والتدوين، وتحقيق الأرباح من بيانات المستخدمين عبر إعلانات الشركات المركزية المسؤولة عن منصات التواصل الاجتماعي “المجانية”، مثل فيسبوك وسناب شات وتويتر وتيك توك.

أما الجيل الثالث للويب، فسوف يكون أساساً لقيام الميتافيرس؛ إذ سيتألف من تطبيقات لا مركزية على البلوكتشين لدعم اقتصادٍ من الأصول المشفرة والبيانات المملوكة للمستخدمين، حسب ما ذكره موقع Big Think الأمريكي.

فما هو البلوكتشين؟ وما هي اللامركزية؟ وماذا عن الأصول المشفرة؟ لقد قررنا كباحثين مهتمين بالشبكات الاجتماعية وتقنية الوسائط أن نشرح لكم هذه التقنية التي ستجعل حلم الميتافيرس ممكناً.

الملكية الافتراضية

البلوكتشين هي تقنية تقوم بتسجيل المعاملات للأبد على قاعدة بيانات عامة ولا مركزية تدعى “السجل”. وتُعتبر عملة البيتكوين (BTC) أشهر عملةٍ مشفرة قائمة على البلوكتشين. وفي كل مرة تشتري خلالها القليل من البيتكوين مثلاً؛ يجري تسجيل المعاملة على بلوكتشين البيتكوين، مما يعني توزيع التسجيل على آلاف الحواسيب الشخصية حول العالم.

ومن الصعب للغاية خداع نظام التسجيل اللامركزي هذا أو التحكم فيه. كما أن شبكات البلوكتشين العامة، مثل البيتكوين والإيثريوم Ethereum، تتميّز بالشفافية؛ أي أن جميع المعاملات متاحةٌ لأي شخص على الإنترنت حتى يطلع عليها، بعكس دفاتر المصارف التقليدية.

والإيثريوم هي شبكة بلوكتشين مثل البيتكوين، لكنها قابلةٌ للبرمجة أيضاً باستخدام العقود الذكية، وهي عبارةٌ ببساطة عن برامج روتينية قائمة على البلوكتشين، ويجري تفعيلها تلقائياً عند استيفاء شروط معينة؛ إذ يمكنك استخدام عقدٍ ذكي على البلوكتشين لإثبات ملكيتك لغرضٍ رقمي، مثل الأعمال الفنية والموسيقى، وبالتالي لن يتمكن أي شخصٍ آخر على البلوكتشين من ادعاء ملكية الغرض -حتى وإن احتفظ بنسخةٍ منه على حاسوبه. ويُطلق على الأغراض الرقمية القابلة للملكية اسم الأصول المشفرة، وهي تشمل العملات والأوراق المالية والأعمال الفنية.

وتُعتبر الأعمال الفنية والموسيقى الموجودة على البلوكتشين بمثابة توكن غير قابل للاستبدال NFT، أي أنها توكنات فريدة من نوعها ولا بديل لها، بعكس التوكنات العادية مثل العملات؛ حيث يمكن استبدال أي دولار بدولارٍ آخر يحمل نفس القيمة.

والأهم من ذلك أن بإمكانك استخدام عقدٍ ذكي لتقول إنك مستعد لبيع عملك الفني الرقمي مقابل مليون دولار بعملة الإيثريوم (ETH)، وبمجرد أن أضغط أنا على “موافقة”؛ يجري تبادل ملكية العمل الفني وعملات الإيثريوم تلقائياً على شبكة البلوكتشين. ولن تحتاج هنا إلى مصرفٍ أو ضامنٍ من طرفٍ ثالث. وفي حال تنازعنا على هذه المعاملة وزعمت مثلاً أنني دفعت 999 ألف دولار فقط؛ فيمكننا أن نراجع التسجيل العلني داخل السجل الموزع بكل سهولة.

فما العلاقة بين أصول البلوكتشين المشفرة وبين عالم الميتافيرس؟ إنّها علاقةٌ كبيرة في الواقع! فأولاً، تسمح لك البلوكتشين بامتلاك السلع الرقمية داخل عالمٍ افتراضي. وبهذا لن تمتلك التوكن غير القابل للاستبدال في العالم الواقعي فقط، بل ستمتلكه داخل العالم الافتراضي أيضاً.

علاوةً على أن الميتافيرس لا تبنيه مجموعةٌ أو شركةٌ واحدة؛ بل تتضافر جهود مجموعات مختلفة لبناء مختلف العوالم الافتراضية، وستصبح تلك العوالم قابلةً للتشغيل البيني مستقبلاً؛ لتشكل معاً الميتافيرس. وسيرغب الناس في اصطحاب مقتنياتهم معهم أثناء تنقلهم بين مختلف العوالم الافتراضية -ولنقل من بيئة ديسنترلاند Decentraland الافتراضية إلى بيئة مايكروسوفت Microsoft مثلاً. وفي حال وجود عالمين افتراضيين قابلين للتشغيل البيني، فستقوم البلوكتشين بالمصادقة على إثبات ملكية بضائعك الرقمية داخل العالمين الافتراضيين. ويمكن القول إنك ستتمكن من الوصول إلى أغراضك المشفرة طالما احتفظت بقدرتك على الوصول إلى محفظتك المشفرة داخل العالم الافتراضي.

لا تنس المحفظة

ما الذي ستحتفظ به داخل محفظتك المشفرة؟ من الواضح أنك سترغب في الاحتفاظ بالعملات المشفرة لاستخدامها داخل الميتافيرس. كما ستحتفظ محفظتك أيضاً بالسلع الرقمية المخصصة للميتافيرس فقط مثل شخصيات الأفاتار، وملابسه، وحركاته، وأزيائه الافتراضية، وأسلحته.

فما الذي سيفعله الناس بالمحافظ المشفرة؟ التسوق، وأشياء أخرى تماماً كما تفعل على الإنترنت اليوم؛ إذ سيتسنى لك شراء بضائع رقمية تقليدية مثل الموسيقى، والأفلام، والألعاب، والتطبيقات. كما ستتمكن من شراء أغراض للعالم المادي من داخل الميتافيرس، وسيتسنى لك أيضاً عرض أو “حمل” نماذج ثلاثية الأبعاد مما تتسوق لشرائه، مما قد يساعدك في اتخاذ قراراتٍ مدروسة بعناية.

وكما تحمل الآن محفظتك الجلدية القديمة لحمل بطاقة هويتك، فسوف يجري ربط المحافظ المشفرة بهويات العالم الحقيقي، مما سيساعد في تسهيل المعاملات التي تحتاج لتحقّقٍ قانوني، مثل شراء منزلٍ أو سيارة في العالم الواقعي. وسيجري ربط هويتك بمحفظتك حتى لا تضطر لتذكر معلومات تسجيل الدخول لجميع المواقع والعوالم الافتراضية التي تزورها، وبالتالي سيتعين عليك فقط ربط محفظتك بضغطة زرٍ لتسجيل الدخول. كما ستكون المحافظ المرتبطة بالهوية مفيدةً في تحديد الدخول لبعض أنحاء الميتافيرس المقيدة بالمرحلة العمرية.

ويمكن لمحفظتك المشفرة كذلك أن ترتبط بقائمة جهات الاتصال الخاصة بك، مما سيسمح لك باصطحاب معلومات شبكتك الاجتماعية من عالمٍ افتراضي لآخر: “انضم إليّ في حفل حمام السباحة داخل عالم ****”.

وفي مرحلةٍ ما من المستقبل، ستصبح المحافظ مرتبطةً كذلك بدرجات السمعة التي ستحدد صلاحياتك للإذاعة في الأماكن العامة والتفاعل مع الناس خارج دائرتك الاجتماعية. وإذا تصرفت مثل متصيدي الإنترنت الذين ينشرون المعلومات المضللة المسمومة، فربما يضر ذلك بسمعتك ويقلل من نطاق تأثيرك داخل النظام. مما سيُحفّز الناس على التصرف بسلوكيات قويمة داخل الميتافيرس، ولكن مطوري المنصات يجب أن يمنحوا الأولوية لهذه الأنظمة.

الشركات الكبرى

سترغب الشركات في دخول هذا المجال؛ لأن الميتافيرس يعني المال بالنسبة لهم. وربما تؤدي طبيعة البلوكتشين اللامركزية إلى تقليل الحاجة لأشخاصٍ يحرسون المعاملات المالية، لكن الشركات ستظل أمامها فرصٌ عديدة لإدرار أرباح قد تكون أكبر حتى مما تفعله في الاقتصادات الحالية؛ حيث ستوفر شركات مثل Meta منصات كبرى تُتيح للناس العمل، واللعب، والاجتماع في داخلها.

كما دخلت العديد من العلامات التجارية الكبرى في مجال التوكنات غير القابلة للاستبدال مثل Dolce & Gabbana، وCoca-Cola، وAdidas، وNike. وحين تذهب لشراء غرضٍ مادي في العالم الواقعي من إحدى الشركات مستقبلاً، فربما تحصل على ملكية التوكن غير القابل للاستبدال المرتبط بهذا الغرض داخل الميتافيرس أيضاً.

وإذا اشتريت مثلاً زياً يحمل اسم علامةٍ تجارية مرموقة لارتدائه في حفلٍ راقص بالعالم الواقعي، فقد تصبح مالكاً أيضاً لنسخةٍ مشفرة من الزي، ويمكن لشخصية الأفاتار الخاصة بك أن ترتدي الزي حينها لحضور حفل أريانا غراندي الافتراضي. كما يمكنك بيع نسخة التوكن غير القابل للاستبدال لشخصٍ آخر حتى ترتديه شخصية أفاتاره، تماماً كما يفعل الناس مع الأزياء المستعملة المادية.

وهذه مجرد لمحةٍ عن الطرق العديدة التي ستتداخل بها نماذج أعمال الميتافيرس مع العالم المادي. وستزداد هذه الأمثلة تعقيداً مع توسع تقنيات الواقع المعزز أكثر، مما سيزيد الجوانب القابلة للدمج بين الميتافيرس والعالم المادي. وربما لم نصل إلى الميتافيرس بشكله المثالي بعد، لكن أسسه التقنية مثل البلوكتشين والأصول المشفرة تنمو وتتطور باستمرار، لتمهد الطريق أمام مستقبلٍ افتراضي يبدو موجوداً في كل مكان وآتياً في الطريق إليك قريباً.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.