كان النقد هو الأساس بالنسبة لكارولينا رييس؛ إذ لم تكن تقدم الوجبات الخفيفة الشهية من شوايتها على ساحل المحيط الهادئ في السلفادور سوى مقابل ورقات الدولار الأمريكي الخضراء، أو الدايمات القديمة الصدئة.

ولم تمتلك كارولينا حساباً مصرفياً من قبل، مثلها في ذلك مثل العديد من السلفادوريين. لكن تقبل الآن المدفوعات الإلكترونية من عملائها -والتي تكون مفيدةً حين لا يمتلكون ما يكفي من النقود في متناول أيديهم.

لكن كارولينا (42 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال، لم تقفز إلى عالم العملات المشفرة المعقد بدافع الفضول، حسب ما نشره شبكة ABC الأسترالية.

إذ أُلزِمَت الأعمال السلفادورية بقبول عملة البيتكوين (BTC) منذ سبتمبر/أيلول 2021، حين أعلن الرئيس نجيب بقيلة أن الدول الواقعة في أمريكا الوسطى ستصبح أول دول العالم التي تستخدم عملةً مشفرة كعملة قانونية داخلها.

وقد أدّت الخطوة بالفعل إلى تغيير صورة السلفادور، كما أحدثت انتعاشةً على صعيد السياحة. ويُفترض بها أن تجعل السلفادور في النهاية بمثابة مركزٍ إقليمي للتقنية، كما ستخرج بها من مستنقع الفقر بحسب بقيلة، قبل أن يسير بقية العالم على خطاها.

لكن الخطوة تظل غير مسبوقة. وتخشى الحكومات الأجنبية من أن مدفوعات البيتكوين اللامركزية قد يُقوّي عصابات تهريب المخدرات النافذة في البلاد. في حين يخشى الاقتصاديون أن تؤدي الخطوة إلى إفلاس الدولة الفقيرة بالفعل.

وقالت كارولينا، بينما كانت بناتها الثلاث يغسلن الخضراوات من خلفها: “كنت متحمسةً للبيتكوين، إذ بدت خطوةً جيدة”. لكنها سمعت أن القليلين فقط هم من يريدون العملة خارج المنطقة السياحية التي تعيش بها، كما أن نصف أبناء الشعب السلفادوري -البالغ تعداده ستة ملايين نسمة- لا يمكنهم استخدام العملة لأنهم لا يمتلكون اتصالاً بالإنترنت من الأساس.

من الركمجة إلى العملات المشفرة

حققت عملة البيتكوين نجاحاً كبيراً بالفعل حول الشواطئ البركانية السوداء التي تحتل بصورها بطاقات البريد السلفادورية.

إذ قال جيمس، السائح البريطاني المغرم بالعملات المشفرة: “مع وجود العديد من الأماكن الرائعة التي يمكنك زيارتها في أمريكا اللاتينية، ما السبب الذي سيدفع أي شخصٍ لزيارة السلفادور؟ البيتكوين بطبع!”.

في حين ارتفعت وتيرة حجز الغرف منذ تحويل البيتكوين إلى عملةٍ قانونية في البلاد عام 2021، بجوار الدولار الأمريكي.

حيث قال كارلوس مارينكو، مالك فندق Beach Break Hotel في شاطئ إل زونتي، ضاحكاً: “كنا مدينة الركمجة في السابق، والآن أصبحنا مدينة البيتكوين. ولا شك أنها تجارةٌ مزدهرة بالنسبة لنا من ناحيةٍ شخصية”.

فقد ارتفعت السياحة بنسبة 30% بفضل صعود البيتكوين، مع وصول العديدين للتحقق مما إذا كان حلمهم المشفر قد تحول إلى حقيقةٍ أم لا: هل ستحل التوكنات الرقمية من نظير إلى نظير محل الأموال التقليدية فعلاً؟

ولكن هناك مشكلة

تجاوزت رؤية بقيلة حدود التجربة البسيطة داخل قرية صيدٍ جذابة للسياح.

إذ أنفقت حكومة السلفادور 180 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب لنشر 200 جهاز صراف آلي للبيتكوين، وإطلاق محفظة مشفرة وطنية. كما اشترت عملات بيتكوين بقيمة 75 مليون دولار على أمل أن ترتفع قيمتها. وتنوي أيضاً اقتراض مليار دولار لشراء عملات إضافية وبناء “مدينة البيتكوين” المعفاة من الضرائب، والتي ستحصل على الطاقة من بركانٍ قريب.

ولكن تظل هناك مشكلةٌ برغم كل ذلك: حيث لا يرغب أحدٌ في استخدام العملات المشفرة خارج المدن الشاطئية المليئة بالأجانب المهتمين بها.

وقالت سيندي فلورز، التي تدير متجراً في إحدى زوايا العاصمة سان سلفادور: “لن نقترب من ذلك البيتكوين على الإطلاق. نحن لا نثق به”.

حيث سجلت سيندي الدخول على محفظة العملات المشفرة الوطنية العام الماضي لتجد أن هويتها قد تعرضت للسرقة، بالإضافة إلى مكافأة التسجيل المقدمة من الحكومة بقيمة 30 دولاراً، كما حدث مع 1,000 سلفادوري آخر على الأقل.

بينما تخلى آخرون عن محفظة شيفو Chivo Wallet الحكومية حين فقدوا مدفوعاتهم. إذ حاولوا دفع قيمة المنتجات بالبيتكوين لكن المعاملة تعرضت للتجميد، قبل ردها بعد مضي أسابيع -في حين لم يستردها البعض على الإطلاق. كما أن بعض التجار لم يتسلموا مدفوعاتهم مطلقاً بعد تسليم السلع للزبائن.

وأثناء محاولته اللحاق بالحافلة التي ستقله من سان سلفادور إلى منزله؛ أدرك حارس الأمن كريستيان سوليس (27 عاماً) أن عملة البيتكوين ستكون جيدةً فقط بقدر الأماكن المستعدة لقبولها.

ولكن غالبية الشركات اختارت الالتزام بالدفع النقدي، باستثناء أكبر السلاسل فقط.

أرباحٌ جنونية ومخاطر أكثر جنوناً

لا شك أن العقبة الرئيسية في طريق تبني السلفادور للبيتكوين لا تتعلق بالعملة نفسها وفقاً لأنصارها، بل تتعلق بانعدام التثقيف.

إذ قال مالينكو، مالك أحد الفنادق: “تسببت تطبيقات البيتكوين في شعور العديدين بالإحباط، ولا أعتقد أن الأمر يرجع لسوء جودة تلك التطبيقات، بل لأن الناس لا يعرفون كيفية استخدامها”.

وستنتشر عملة البيتكوين بقوةٍ حول العالم بمجرد أن تتمكن من تثبيت أقدامها في السلفادور، حيث ستُحدِث مدفوعاتها اللامركزية ثورةً في العالم المالي بالتزامن مع قيامها بتنظيف فساد الحكومات على طول الطريق.

بينما أعربت أعدادٌ متزايدة من دول أمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين والبرازيل والمكسيك، عن اهتمامها بتبني العملات المشفرة أيضاً.

لكن الدول التي تحركت أولاً، مثل السلفادور، ستحظى بأفضل فرص تحقيق النجاح مع البيتكوين.

حيث تحوّل العديد من أوائل المؤمنين بالبيتكوين إلى مليونيرات بالتزامن مع ارتفاع قيمة العملة من أقل من 1,000 دولار عام 2017 إلى أكثر من 43,000 دولار الآن.

ونتيجةً لانخفاض قيمة العملة خلال الأشهر الثلاثة الماضية؛ تراجعت أعداد السلفادوريين الذين يدفعون بالعملة المشفرة، نظراً لترددهم في إنفاق العملة بقيمةٍ أقل من سعر شرائها.

فضلاً عن أن غالبية السلفادوريين -الذين يعيش خُمسهم على أقل من 5 دولار/يوم- يعيشون في أوضاع مالية أصعب من الأجانب المستعدين للمراهنة بمدخراتهم على العملات المشفرة.

اللعب بالنار

يرى روبرتو دوبون، المهندس المعماري وناشط الشبكات الاجتماعية، أن تشجيع السلفادوريين على استخدام البيتكوين يُعَدُّ بمثابة لعبٍ بالنار. كما يعتقد أن إجبارهم على استخدام العملات المشفرة يعتبر تصرفاً غير أخلاقي.

وقال: “يتلاعب بقيلة وهؤلاء الأجانب بالسلفادور وكأنها كازينو قمار كبير، لكننا نتحدث عن حياة أناسٍ حقيقيين هنا”. ولا يُعارض دوبون فكرة البيتكوين في حد ذاتها بقدر ما يعارض تحويلها لعملةٍ وطنية. كما يُعارض ثلثا السلفادوريين قانون البيتكوين، فضلاً عن قيام محتجين بإضرام النيران في أجهزة الصراف الآلي وقت إطلاقها العام الماضي.

ولا عجب في أن تجربة البيتكوين تعرضت للانتقاد من جانب صندوق النقد الدولي، الذي جمّد المفاوضات بشأن قرضٍ مطلوبٍ بشدة قيمته 1.3 مليار دولار نتيجةً لذلك. علاوةً على خفض التصنيف الائتماني للبلاد إلى أدنى المستويات الممكنة.

بينما يقول ستيف إتش هانكه، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز: “تجربة البيتكوين بأكملها هي تجربةٌ محكومٌ عليها بالفشل”.

إذ سوّق بقيلة عملة البيتكوين باعتبارها وسيلةً لتوفير مئات الملايين من الدولارات التي ينفقها السلفادوريون على الرسوم سنوياً، نتيجة اعتماد الكثيرين على الحوالات التي يرسلها أفراد الأسر العاملين في الخارج. لكن هانكه يقول إنّ نسبة الحوالات التي جرت باستخدام العملات المشفرة منذ تطبيق قانون البيتكوين لا تتجاوز الـ2.1% تقريباً فقط.

وكان يُفترض بعملة البيتكوين أن تكون مصرفاً لمن لا يتعاملون مع المصارف، وأن تحُدّ من نفوذ البنوك المتضخمة والحكومات الاستبدادية بحسب أوسكار سالغوديرو، مهندس البرمجيات المقيم في سان سلفادور. ولكن الحكام الشعبويين أمثال بقيلة يستخدمونها بشكلٍ مراوغ لفرض سيطرتهم أكثر. وأردف: “أصبحت عملة البيتكوين في السلفادور أشبه بالصندوق الأسود”؛ حيث يبدو أن الحكومة هي صاحبة الحيازة الحقيقية لعملات البيتكوين الموجودة داخل محافظ شيفو، ولا تتعامل بقدرٍ كبيرٍ من الشفافية.

في حين تعرض الصحفيون السلفادوريون، الذين غطوا معارضة الشارع لقانون البيتكوين، لمراقبة هواتفهم المحمولة باستخدام معدات تجسس الجيش. بينما تعرض النشطاء مثل دوبون لمضايقاتٍ من رجال الشرطة. وقد طلب العديد من السلفادوريين الذين يرفضون التعامل بالبيتكوين عدم ذكر أسمائهم خشية ردود فعل الحكومة.

وربما لم تسمع كارولينا بالاتهامات القائلة إن السلفادور -ودولاً أخرى- تستخدم العملات المشفرة لانتزاع السلطة. وقد تعرضت محفظة شيفو الخاصة بها للاختراق في سبتمبر/أيلول. لذا قررت التخلي عنها وأصبحت تستخدم تطبيق Bitcoin Beach المطور من القطاع الخاص بشكلٍ حصري، لأنه يبدو أكثر أماناً وحتى تضمن استمرار قدرتها على استلام المدفوعات من السياح المهتمين باستخدام العملات المشفرة أثناء العطلة.

حيث أوضحت: “لا تهمني كل تلك الأمور لأنها لن تنفعني. لكن الأجانب يدفعون بالبيتكوين، ولن أرفض طلباتهم بالطبع، أليس كذلك؟ لا أستطيع أن أرفضها”.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.