في الوقت الذي تتعرض فيه روسيا لعقوبات دولية مختلفة، في أعقاب هجومها على أوكرانيا، إلا أن روسيا تملك مجموعة من الخيارات التي تمكنها من تخفيف وطأة هذه العقوبات، من بينها العملات المشفرة، حسب ما ذكرته صحيفة New York Times الأمريكية.

وكانت الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى فرضت عقوبات جديدة على روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا، بهدف إحباط وصولها إلى رأس المال الأجنبي؛ لكنَّ خبراء قالوا إن الكيانات الروسية تستعد لتخفيف بعض أسوأ الآثار من خلال عقد صفقات مع أيِّ جهةٍ في جميع أنحاء العالم على استعداد للعمل معها.

وأوضح الخبراء أن هذه الكيانات يمكنها بعد ذلك استخدام العملات الرقمية لتجاوز نقاط التحكم التي تعتمد عليها الحكومات- بشكلٍ أساسي تحويل الأموال من قِبَلِ البنوك- لمنع تنفيذ الصفقات.

استهداف النخب الروسية

وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الخميس، إنه سمح بفرض “عقوبات شديدة” رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، تهدف إلى الحد من قدرتها على ممارسة الأعمال التجارية بالدولار والعملات الدولية الرئيسية الأخرى، وتشمل عقوبات على خمسة بنوك روسية تمثل أصولاً تُقدر بنحو 1 تريليون دولار.

كما سيتم استهداف قطاع عريض من النخب الروسية وأفراد أسرهم. هذا بالإضافة إلى العقوبات التي تم فرضها في وقت سابق هذا الأسبوع.

وتعد العقوبات من أقوى الأدوات التي تمتلكها الولايات المتحدة والدول الأوروبية للتأثير على سلوك الدول التي لا تعتبرها دولاً حليفة. الولايات المتحدة على وجه الخصوص قادرةٌ على استخدام العقوبات كأداةٍ دبلوماسية؛ لأن الدولار هو العملة الاحتياطية في العالم ويُستخدَم في المدفوعات في جميع أنحاء العالم.

العقوبات.. السلاح الأمريكي

لكنَّ المسؤولين الحكوميين الأمريكيين يدركون بشكلٍ متزايد احتمال أن تقلِّل العملات المشفَّرة من تأثير العقوبات ويصعِّدون من تدقيقهم للأصول الرقمية.

لتطبيق العقوبات، تضع الحكومة قائمةً بالأشخاص والشركات التي يجب على مواطنيها تجنُّبها. وأيُّ شخصٍ يُحدَّد على أنه يتعامل مع عضو في القائمة يواجه غرامات باهظة. لكن المفتاح الحقيقي لأي برنامج عقوبات فعال هو النظام المالي العالمي.

تلعب البنوك في جميع أنحاء العالم دوراً رئيسياً في إنفاذ العقوبات، فهي تحدِّد من أين تأتي الأموال وأين تُرسَل، وتتطلَّب قوانين مكافحة غسيل الأموال منع المعاملات مع الكيانات الخاضعة للعقوبات وإبلاغ السلطات بما تراه. ولكن إذا كانت البنوك هي عيون وآذان الحكومات في هذا الفضاء، فإن تدفُّق العملات الرقمية يعميها. 

العملات المشفرة.. وسيلة للتحايل على العقوبات

قال الخبراء إنه إذا اختارت روسيا التهرُّب من العقوبات، فإن لديها العديد من الأدوات المتعلقة بالعملات المشفَّرة تحت تصرفها. كل ما تحتاجه هو إيجاد طرق للتداول وتجنُّب الدولار. 

تعمل الحكومة الروسية على تطوير عملتها الرقمية الخاصة بالبنك المركزي، الروبل الرقمي، الذي تأمل في استخدامه للتجارة مباشرة مع الدول الأخرى التي ترغب في قبوله دون تحويله أولاً إلى دولارات. يمكن أن تساعد تقنيات القرصنة الجهات الفاعلة الروسية على سرقة العملات الرقمية وتعويض الإيرادات المفقودة بسبب العقوبات. 

وبينما تُسجَّل معاملات العملات المشفَّرة على البلوكتشين الأساسي، مِمَّا يجعلها شفَّافة، يمكن للأدوات الجديدة المطورة في روسيا أن تساعد في إخفاء أصل مثل هذه المعاملات. سيسمح ذلك للشركات بالتجارة مع الكيانات الروسية دون الكشف عنها.

في أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال ممثلو البنك المركزي الروسي لصحيفةٍ في موسكو إن “الروبل الرقمي” الجديد سيجعل البلاد أقل اعتماداً على الولايات المتحدة وأكثر قدرةً على مقاومة العقوبات. سيسمح ذلك للكيانات الروسية بإجراء معاملاتٍ خارج النظام المصرفي الدولي مع أي دولة ترغب في التجارة بالعملة الرقمية. 

يمكن لروسيا أن تجد شركاء راغبين في دول أخرى تستهدفها العقوبات الأمريكية، بما في ذلك إيران، التي تعمل أيضاً على تطوير عملات رقمية مدعومة من الحكومة. وأطلقت الصين، أكبر شريك تجاري لروسيا في كلٍّ من الواردات والصادرات وفقاً للبنك الدولي، عملتها الرقمية الخاصة بالبنك المركزي. ووصف زعيم البلاد، شي جين بينغ، مؤخَّراً علاقة الصين بروسيا بأنها “لا حدود لها”. 

يمكن للكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات نشر إستراتيجية التهرُّب الخاصة بها، باستخدام هجمات برامج الفدية. ودليل اللعبة واضحٌ ومباشر: يقوم أحد المتطفِّلين باختراق شبكات الكمبيوتر وحجب المعلومات الرقمية حتى تدفع الضحية مقابل إطلاقها، وعادةً ما يكون ذلك بعملةٍ مشفَّرة. 

المليارديرات الروس

المليارديرات، الذين تم استهداف بعضهم بالفعل بشكل مباشر عبر العقوبات، من المحتمل أن يكونوا قادرين على التحايل على هذه العقوبات إذا اختاروا استخدام التشفير، الذي يستخدم تقنية بلوكتشين لإبقاء المعاملات مجهولة.

قد تساعدهم العملات الرقمية في شراء السلع والخدمات والاستثمار في الأصول خارج روسيا – كل ذلك مع تجنب البنوك أو المؤسسات التي تلتزم بالعقوبات ويمكنها تتبع معاملاتها.

إذا كان أحد الأثرياء قلقاً من أن حساباتهم قد يتم تجميدها بسبب العقوبات، فيمكنهم ببساطة الاحتفاظ بثروتهم في البيتكوين من أجل الحماية من مثل هذه الإجراءات.

على عكس العملات الورقية، التي تحتاج إلى الانتقال من خلال مؤسسات تابعة لجهات خارجية لديها القدرة على تتبعها أو تجميدها أو حظرها، يمكن إرسال العملات المشفرة من شخص إلى آخر مباشرةً بغض النظر عن أي عقوبات حكومية أو قيود أخرى.

روسيا.. وبرامج الفدية

تعتبر روسيا في قلب صناعة برامج الفدية المتنامية. في العام الماضي، ذهب حوالي 74% من عائدات برامج الفدية العالمية، أو أكثر من 400 مليون دولار من العملات المشفَّرة، إلى كياناتٍ من المُحتَمَل أن تكون تابعةً لروسيا بطريقةٍ ما، وفقاً لتقرير صدر في 14 فبراير/شباط من قبل شركة Chainalysis. 

تدفقت الأموال غير القانونية أيضاً إلى روسيا من خلال سوق ويب مظلم يسمى Hydra، والذي يُشغَّل بواسطة العملة المشفَّرة وتداول أكثر من مليار دولار في المبيعات في عام 2020، وفقاً لـ Chainalysis. وتتمثَّل القواعد الصارمة للمنصة في أن يُسمَح للبائعين بتصفية العملة المشفَّرة فقط من خلال بورصات إقليمية معينة، وقد جَعَلَ ذلك من الصعب على المدقِّقين متابعة سير الأموال. 

قال كيم غراور، مدير الأبحاث في Chainalysis: “نعلم أنه لم تُطرَح أيُّ أسئلة، ونعلم أن Hydra لا تعمل فقط في جميع أنحاء أوروبا الشرقية، ولكن في جميع أنحاء أوروبا الغربية. هناك بالتأكيد أعمالٌ تجارية تجري عبر الحدود”. 

تستخدم جميع العملات الرقمية تقنية البلوكتشين، وهي شكلٌ من أشكال كود الكمبيوتر الذي يمكن لأيِّ شخصٍ مشاهدته في أيِّ مكان. ومن الناحية النظرية، يجب أن يسمح هذا للسلطات بتتبع جميع معاملات التشفير ومنع الكيانات الخاضعة للعقوبات من إكمالها. 

لكن التكنولوجيا الكامنة وراء Hydra تخفي مصدر المعاملات، وتوفر أداة محتملة للمستخدمين الروس لنقل الأموال خارج حدود البلاد. ليست سوق Hydra كبيرةً بما يكفي للتعامل مع حجم المعاملات التي قد تحتاجها روسيا لتفادي العقوبات بنجاح. لكن تقنيات غسل الأموال الأخرى -بما في ذلك “التعشيش”، حيث تدفن السوق غير المشروعة نفسها داخل هيكلٍ شرعي أكبر لإخفاء أنشطتها- يمكن أن تساعد أيضاً. 

مراقبة أمريكية

هناك دلائل على أن الولايات المتحدة تكثف مراقبتها لنشاط العملات المشفَّرة. في 17 فبراير/شباط، أعلنت وزارة العدل أنها أنشأت فريقاً وطنياً جديداً خاصاً للعملات المشفَّرة، وهي خطوة يبدو أنها تؤكد أن المدعين الفيدراليين يولون اهتماماً إضافياً للسلوك السيئ بين مستخدمي العملات المشفَّرة. 

قال مايكل باركر، المدَّعي العام السابق، إن الاعتقالات في 8 فبراير/شباط لزوجين في مانهاتن لسرقتهما 3.6 مليار دولار من عملة البيتكوين من بورصة العملات المشفَّرة في هونغ كونغ Bitfinex هي “مثالٌ ملموس على أن الحكومة أصبحت جيدةً جداً وعلى اطِّلاعٍ سريع على ما تحتاج القيام به لتتمكَّن من تتبُّع هذا”. 

يحثُّ مسؤولو الإدارة أيضاً صناعة العملات المشفَّرة على تنفيذ ضوابط داخلية تمنع الجهات السيئة من استخدام خدماتها. في أكتوبر/تشرين الأول، نشرت وزارة الخزانة الأمريكية كتيباً للامتثال للعقوبات مؤلفاً من 30 صفحة يوصي بأن تستخدم شركات العملات الرقمية أدوات تحديد الموقع الجغرافي لاستبعاد العملاء في الولايات القضائية الخاضعة للعقوبات. وقال التقرير إنه في كثيرٍ من الحالات، استغرقت شركات التشفير شهوراً أو سنواتٍ لتنفيذ إجراءات الامتثال هذه. 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.