باتت تكنولوجيا البلوكتشين الكلمة السحرية في كل أنحاء العالم، والأكثر تداولا في أروقة كبرى الشركات. وترى العديد من المؤسسات المالية أن البلوكتشين تمهد لأسس التوصل لطرق جديدة لجعل بنيتها التحتية أكثر كفاءة وفاعلية.

ولكن هل يمكن للبلوكتشين أيضاً حل مشاكل ونقاط ضعف الحكومات؟

طبقاً لموقع “ذا بالنس“، تعتمد تكنولوجيا البلوكتشين على شبكة مشتركة بين جميع المستخدمين، وهذا يبدو مناسباً جداً لأنظمة الحكم الديمقراطية. شاهدنا سابقا تجربة منظمة “داو” للإدارة المستقلة واللامركزية، التي تستخدم تكنولوجيا البلوكتشين لخلق أساليب ديمقراطية من خلال توزيع عملات “داو” الرقمية على الأفراد، ثم تمكينهم من استخدامها للتصويت على المشاريع التي تتمتع بمقومات النجاح وتستحق الدعم، ثم الاستفادة من مرابيحها لاحقاً. وتمثل طريقة الحوكمة هذه هيكلة تنظيمية ناجحة وقادرة على تعويض طرق الإدارة الحالية، التي تسيطر عليها رؤوس الأموال واقتصاد السوق.

وبفضل هذه المساعي، نجحت منظمة “داو” في جمع أكثر من 150 مليون دولار من التمويل الجماعي، من طرف أفراد مؤمنين بفكرتها. ويحيل ذلك إلى أن هذه المؤسسة لم تكتف بوضع رؤية حول كيفية استغلال البلوكتشين في إطار هيكلة الخدمات الحكومية، بل طبقت رؤيتها على أرض الواقع. وفي وقت سابق من السنة الجارية، أطلقت مؤسسة تدعى “بيتنايشن – bitnation” ما أسمته “الدستور اللامركزي للأمة المتطورة والعابرة للحدود”.

 

بيتنايشن والحوكمة اللامركزية

كانت سوزان تاركوفسكي تيمبلهوف، مؤسسة منظمة بيتنايشن، قد أعلنت عن هذا الدستور إلى جانب زميلها ألكس فان ديسندي، وهو كبير المصممين في شركة إيثيريوم. ومن خلال الاستفادة من قوة البلوكتشين بالاعتماد على بنية الإيثيريوم، تنوي تيمبلهوف جعل بيتنايشن تحدث تغييرا حقيقيا على مستوى العالم.

تؤمن تيمبلهوف بأن الميزة الأساسية لمنظمة بيتنايشن تتمثل في قدرتها على على تقديم نموذج حوكمة لامركزي. وبهذه الطريقة، تعتقد تيمبلهوف أن بنية بيتنايشن اللامركزية مختلفة تماما عن أشكال الحكم والإدارة الحالية، لأنها لا توجد فيها نقاط ضعف أو عيوب.

وفي هذا الصدد، قالت تيمبلهوف، في مقال نشر في إنترناشيونال بيزنس تايمز، إن “اللامركزية تعني أيضاً حرية واستقلالية الفرد. نحن كأفراد نقرر ما الذي يجب فعله، ولا أحد يملي علينا أي شيء. أما إلغاء الحدود فيعني بأننا لسنا ملزمين بجواز سفر وجنسية، حتى نضطر للبقاء في منطقة مهددة بالحرب أو المجاعة. ففي الواقع، تعد هذه الطريقة في تقسيم الأفراد خاطئة ولا تقل سوءا عن تصنيف الأشخاص حسب لون بشرتهم أو توجهاتهم الجنسية”.

وعلى الرغم من استخدامها للتشفير وشبكة البلوكتشين، إلا أن منظمة بيتنايشن ليست مجرد فكرة افتراضية، بل تعتزم إنشاء بنية حكم فعلية، بغض النظر عن أن هذه البنية ستكون إلكترونية. ومن بين الخدمات التي سيتم توفيرها لأي شخص يرغب في الانضمام إلى بيتنايشن، هناك خدمات كاتب العدل، وتراخيص الزواج، وفرص التعليم. يمكنك أيضا الحصول على بطاقة هوية بيتنايشن، وبطاقة ائتمانية، وحتى متابعة تقدم مشروع وكالة فضاء بيتنايشن.

وعلى اعتباري معجبا ومستخدما سابقا للعبة “سكند لايف”، التي تخلق عالما افتراضيا موازيا يعيش فيه الشخص، أرى نقاط تشابه بينها وبين بيتنايشن. ولكن قدرة البلوكتشين على لعب دور ديمقراطي حقيقي في هيكلة وإدارة الحكومات يجعل هذه المقارنة لا تجوز. والحقيقة أيضا أن بيتنايشن ليست مجرد تطبيق للتكنولوجيا، بل هي أبعد من ذلك.

 

جذب اهتمام الأمم المتحدة

نجحت فكرة بيتنايشن في جذب اهتمام منظمة الأمم المتحدة، التي أصدرت ورقة عمل موضوعها كيف يمكن للبلوكتشين دعم المجتمعات العالمية. وتشير هذه الورقة بالتحديد إلى منظمة بيتنايشن، التي تنظر إليها الأمم المتحدة على أنها “واحدة من أقوى التجسيدات لرسالة التكنولوجيا والليبرالية”. وتتضمن الورقة أيضا تفاصيل حول ما تنوي بيتنايشن تحقيقه.

وجاء في هذه الورقة التالي: “لقد قدمت بيتنايشن رؤية (على الأقل من الناحية المبدئية) حول احتضان مؤسسات حكم بديلة (مثل المؤسسات القانونية والأمنية) على منصات تعتمد على تكنولوجيا البلوكتشين. ووصفت الدول بأنها مجرد طرف يقدم خدمة الحوكمة للمواطنين، وبالتالي يمكن أن تتفوق عليها المنصات التكنولوجية المستقبلية. ووفقا لما ورد على لسان مؤسسة هذه المنظمة سوزان تاركوفسكي تيمبلهوف، تعد منظمة بيتنايشن بمثابة نظام حوكمة إلكتروني، وهي مصممة لتعويض نظام الدولة الذي تحتكر فيه الأقلية القرار، وذلك عبر تقديم خدمات حوكمة أكثر ملائمة وأمانا وأقل كلفة”.

ومن الجوانب المثيرة للانتباه في هذه الورقة التي قدمتها الأمم المتحدة، الحديث عن تصميم تيمبلهوف على خلق خيار بديل لمواطني العالم، الذين يرغبون في الخروج من الشكل الحالي للدول وشراء عملة بيتنايشن الرقمية للانخراط في مؤسسات حكم جديدة، بالبساطة ذاتها التي يختار بها الإنسان نوع القهوة عند الذهاب إلى التسوق.

وفي حين أن هذه الفكرة تبدو راديكالية، إلا أنه في الحقيقة تعتمد الدول في الوقت الحالي فعلا على البعض من الخدمات التي تقدمها بيتنايشن، وتعمل على توظيفها.

 

إستونيا تلتحق بالركب

أعلنت دولة إستونيا الصغيرة الواقعة على ضفاف بحر البلطيق، مؤخرا أنها بصدد العمل مع بيتنايشن على برنامج الإقامة الإلكترونية، الذي سيمكن أي شخص حول العالم من الاستفادة من بطاقة الهوية المؤمنة والموثقة، التي تقدمها حاليا حكومة إستونيا لحوالي 1.3 مليون مقيم على أراضيها.

وقد ذكر كاسبار كوريوس، مدير برنامج الإقامة الإلكترونية في إستونيا، ضمن مقال نشر في وسائل الإعلام، أنه “في إستونيا، نحن نعتقد أن الأفراد لهم حرية اختيار من يقدم لهم الخدمات العامة أو الرقمية، حسب ما يناسبهم وبقطع النظر عن المنطقة الجغرافية التي قدّر لهم أن يولدوا فيها. نحن نعيش بالفعل في أوقات مثيرة للحماسة، نشهد فيها تكاملا بين الدول القُطرية والدول الافتراضية، وتنافسا في الأسواق العالمية، لتقديم خدمات حوكمة أفضل”.

قبل عشر سنوات، كان جون بيري بارلو، الشريك المؤسس في مؤسسة الحدود الإلكترونية، قد أفصح عن إعلان استقلال الفضاء السيبراني، حين قال في مؤتمر دافوس للاقتصاد، في سويسرا، إن “الفضاء الإلكتروني يتكون من تحويلات وعلاقات وأفكار، منتشرة مثل الأمواج في شبكة الإنترنت التي نستخدمها للتواصل. نحن نحلم بأن نكون في كل مكان دون أن نوجد فعليا بأجسادنا، ولا نكتفي بالبقاء في أماكننا الأصلية. نحن بصدد خلق عالم جديد يمكن للجميع دخوله دون امتيازات أو أحكام مسبقة حسب العرق، أو القوة الاقتصادية، أو القوة العسكرية أو مكان الولادة. نحن بصدد خلق عالم، يمكن فيه لأي شخص في أي مكان، التعبير عن معتقداته، مهما كانت غريبة ومتفردة، دون الخوف من التعرض للاضطهاد أو أن تلجم أصواتنا أو أن ندفع للعودة للصف”.

وبعد مرور عشر سنوات، وبفضل تكنولوجيا البلوكتشين، يبدو أن هذه الأفكار الراديكالية والليبرالية التي عبر عنها بارلو، قد تجد وسيلة لتصبح واقعا من خلال الدستور الذي أعلنته تيمبلهوف، وجهود منظمتها بيتنايشن. ولكن المستقبل الوحيد الكفيل بالإجابة عن التساؤلات حول ما ستؤول إليه هذه الفكرة، ومن سينضم إليها ومن سيرفضها.

وفي حين أن عبارة بلوكتشين تتردد كثيرا في كافة مكاتب وأروقة الشركات في الولايات المتحدة، ننتظر لنرى ما إذا كنا سنسمعها في مكاتب وأروقة الحكومة الأمريكية. في هذه الأيام، لا يبدو أن هناك اهتماما كبيرا وحديثا حولها في المؤسسات الرسمية، على الرغم من أنها فكرة بناءة وسابقة لعصرها.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.