سأستهل الحديث بأنباءٍ سيئة. لقد أساء عالم العملات المشفرة استخدام اسم أينشتاين بطريقةٍ أو بأخرى، مع الأسف. هذه كانت الجملة الأولى في مقالة على موقع Bitcoin Magazine الأمريكي.
مثل منصة تداول أينشتاين Einstein الكندية التي انهارت في عام 2019. فضلاً عن توكن أينشتاين (E=MC2)، الذي أنقل لكم جزءاً من خارطة طريق القائمين عليه أدناه:
“أبريل/نيسان 2021، المرحلة الأولى، إطلاق موقع ويب وصفحات على الشبكات الاجتماعية. وضع استراتيجية تسويق شاملة؛ بعد إقامة عدة شراكات مع الشخصيات المؤثرة”.
وهذا مؤسفٌ بالطبع، لأن بإمكاننا استقاء الكثير من الجمل المتنوعة المقتبسة عن أينشتاين على مدار حياته. وسنكتشف حينها أن كل تلك الجمل المقتبسة لن تقودنا إلى منصات تداول غامضة أو عملات مشفرة تحمل اسماً “علمياً”، بل ستقودنا مباشرةً إلى عملة البيتكوين (BTC).
وبإمكانك أن تواصل القراءة وأنت مطمئن البال؛ لأنك لن تحتاج إلى أي معرفةٍ بالفيزياء النظرية.
من ناحية الديناميكا الحرارية
“الديناميكا الحرارية الكلاسيكية هي النظرية الفيزيائية الوحيدة ذات المحتوى العالمي التي أنا مقتنع بأنها لن تتحطم مطلقاً”.
اعتراف: أنا لست فيزيائياً! لكنني أعلم أن القانون الأول للديناميكا الحرارية ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، ولكنها تتحول من شكلٍ إلى آخر. أما القانون الثاني فيفترض أن كل عملية انتقال للطاقة تنطوي على كميةٍ من القصور الحراري (الإنتروبيا). ما قد يزيد الاضطراب بمرور الوقت.
وقد تحدث مايكل سايلور باستفاضة في هذه النقطة، قائلاً إن عملة البيتكوين عبارة عن منظومة نقدية محافظة، وهي أول منظومة نقدية مبتكرة تحترم قوانين الديناميكا الحرارية.
إذ إن بلوكتشين البيتكوين عبارةٌ عن منظومةٍ مغلقة تُهدر أقل قدرٍ من الطاقة داخل إطار إثبات العمل (PoW). حيث تظل عملة البيتكوين على صورتها، بغض النظر عن توقيت ومكان نقلها. ويُمكن النظر إلى رسوم المعاملات ومقدار التضخم على المنظومة (أو مكافآت التعدين) باعتبارهما “القصور الحراري”، لكن كلاهما ضروري من أجل أن تعمل الشبكة بشكلٍ صحيح. وأي منظومة تحترم قوانين الديناميكا الحرارية ستشهد احتكاكاً لا مفر منه.
بينما لا تستطيع الشبكات القائمة على منظومة إثبات الحصة (PoS) أن تحقق ذلك بنفس القدر من النزاهة التي لا تحتاج إلى الثقة، وأعتقد أن أينشتاين كان سيقدر هذا الأمر.
من الناحية النظرية
“يجب أن نُقدم كل شيء بأبسط الطرق الممكنة، دون أن يكون الشيء بسيطاً في حد ذاته”.
وعملة البيتكوين تستوفي معايير البساطة هذه بالكامل. وسأتناول ذلك في السطور التالية.
إذ تمتد الورقة البيضاء لعملة البيتكوين، التي كتبها ساتوشي ناكاموتو، لتسع صفحات فقط. ودعونا نلقي نظرةً على السطر الأول من تلك الورقة، التي تقول إنّ عملة البيتكوين هي:
“نسخة نظير إلى نظير من النقد الإلكتروني ستسمح بإرسال المدفوعات عبر الإنترنت من طرف لآخر مباشرةً دون المرور عبر مؤسسةٍ مالية”.
بينما يشتهر الكود الأساسي الذي تعمل عليه بلوكتشين البيتكوين أيضاً بأنّه غير كثيف. حيث تألفت النسخة الأصلية من نحو تسعة آلاف سطر أكواد فقط، وهو رقمٌ لا يُقارن بالشبكات الأخرى التي أضافت العديد من الطبقات المعقدة لاحقاً.
من ناحية الابتكار
“أواصل التفكير لشهور وسنوات. وأتوصل لاستنتاجٍ خاطئ في 99 مرة. لكنني أصل إلى الصواب في المرة المئة”.
هناك اعتقادٌ خاطئ وشائع يقول إن العملات البديلة ستقدم الابتكارات الكافية لإزاحة البيتكوين من الوجود عن طريق تحسين تصميمها، لتتحول العملة الرائدة إلى ما يُشبه الشبكة الاجتماعية Myspace في مجال العملات المشفرة. لكنك ستفند هذا الاعتقاد بمجرد أن تفهم طبيعة توزيع البيتكوين، ونموذج أمان العملة، وحقيقة أنها مصممةٌ بحيث يستحيل إضفاء تحسينات كبيرة عليها دون فقدان الخصائص التي تجعلها فريدةً من نوعها. إذ قال فيجاي بوياباتي في كتابه الجديد “حالة صعود البيتكوين The Bullish Case for Bitcoin” إنّ البعض يخطؤون بالتركيز على الجوانب التقنية أكثر من التركيز بالشكل الكافي على الجوانب النقدية.
علاوةً على أن فهم البيتكوين يتطلّب إدراك أن هذه البلوكتشين قد بُنِيَت بعد سنوات من المحاولات لتجمع بين العديد من المفاهيم مثل التشفير باستخدام المفتاح العام، والخصوصية الجيدة جداً (PGP)، وإثبات العمل، وغيرها. أي أن هذه البلوكتشين مبنيةٌ على أكتاف عمالقة، ما يجعل البيتكوين -ضمن سياق الاقتباس السابق- هي الاستنتاج الصائب في المحاولة رقم مئة.
من ناحية التعليم والتعلم
“المهم هو ألا نتوقف عن التساؤل. فالفضول يمنحك سبباً للوجود”.
“وعليه، لم يُخطئ الذكي الذي عرّف التعليم على النحو التالي: التعليم هو ما يبقى بعد أن ينسى المرء كل ما تعلمه في المدرسة”.
وستُصدم حين تعرف عدد أنصار البيتكوين الذين يتفقون مع هذه الأسطر. وربما تليق هذه الجمل برواية البيتكوين، لكنها ليست نهجاً سائداً. إذ تحتاج عملة البيتكوين لقدرٍ من الفضول، الذي قد يقودك في مختلف الاتجاهات وكأنك في جحر أرنب، كما يتضح في التغريدة التالية:
من ناحية الحقيقة والفهم
“الطاعة العمياء للسلطة هي أعظم عدوٍ للحقيقة”.
كتب أينشتاين تلك الكلمات ضمن رسالةٍ وهو في أوائل العشرينات. ويميل أنصار البيتكوين بالطبع إلى التشكيك في السلطة، نظراً لعدائية حكومات وبنوك العالم المركزية تجاه عملة البيتكوين. علاوةً على أن العملة نفسها لا تحتاج لسلطةٍ مركزية من أجل تشغيلها.
“لغز العالم الأبدي يكمن في القدرة على فهمه”
من المثير للسخرية أنّ العالم الغربي لطالما رفض فكرة الاقتصادات المخططة بشكلٍ مركزي، لكننا لا نزال مصرّين -أكثر من أي وقتٍ مضى- على العملات المخططة مركزياً. ويمكن القول إنّ أينشتاين كان فيزيائياً وإنه يجب النظر إلى مقولته من هذه الزاوية، لكنني أعتقد أنه بالإمكان تطبيقها على نطاقٍ أوسع. فالحياة معقدة.
من ناحية الحرب والسلام
“عادةً ما تشهد عمليات التطور اضطرار نوعٍ معين للتكيف على ظروفٍ جديدة من أجل البقاء. واليوم، أحدثت القنبلة الذرية تغييراً جذرياً على طبيعة العالم كما نعرفه، وبالتالي يجد الجنس البشري نفسه في بيئةٍ جديدة يجب أن يتكيّف تفكيره معها. وفي ضوء هذه المعرفة الجديدة، لم تعُد السلطة العالمية والحكومة العالمية الموحدة مجرد أمرٍ مرغوب باسم الأخوة، بل أصبحت ضرورةً من أجل البقاء. إذ لم تنجح الأساليب وطرق التفكير القديمة في منع الحروب العالمية. لكن التفكير المستقبلي يجب أن يحول دون اندلاع الحروب”.
وأعتقد أن الرسالة المقصودة هنا هي أقرب للجملة التالية المنسوبة إلى أينشتاين: “لا يمكن حل المشكلات باستخدام نفس طريقة التفكير التي استخدمناها من قبل وكانت سبباً في حدوث المشكلة”. ولهذه الجملة أوجه تشابه كبيرة مع أفكار جيسون لوري، زميل أبحاث الدفاع القومي المتخصص في البيتكوين.
فوفقاً للتغريدة السابقة وغيرها، يُجادل لوري بأنّ عملة البيتكوين منحتنا سلعةً اصطناعية رقمية بدأت تسحب الامتياز النقدي من تحت أقدام الأصول المادية الأخرى، التي تُحارب من أجلها وتحميها وتدافع عنها الجيوش. وهذا لا يعني أنّ تلك الأصول ستفقد كامل قيمتها للأبد، لكن قيمتها ستقل عن المعهود. حيث أن عملية مهاجمة أو سرقة عملات البيتكوين ستكون أصعب من أي أصول أخرى، خاصةً إذا كانت محميةً بشكلٍ جيد -سواء من الأفراد أو الشركات أو الدول. مما قد يؤدي في النهاية إلى مجتمعٍ مسالمٍ أكثر، ذلك المجتمع الذي سيتجلّى بسبب الفهم العالمي لحقوق الملكية الرقمية غير القابلة للتبديل -التي توفرها عملة البيتكوين.
أما الجانب الآخر الذي يُثير الاهتمام في مقولة أينشتاين المذكورة أعلاه، فهو ضرورة وجود سلطة عالمية وقيام دولة عالمية واحدة في النهاية. وفي عام 2021، يظل العائق الأساسي في وجه تحقيق هذا الحلم هو عائق الثقة. لكن عملة البيتكوين تلغي الحاجة إلى ثقة أي طرفٍ في الآخر. مما يعني أن عملة البيتكوين العالمية السليمة قد تُفيد العالم على الأقل بكونها جزءاً من حل المشكلة التي يُشير إليها أينشتاين.
الخلاصة
يجب أن يسترد أنصار البيتكوين اسم أينشتاين من المدعين الذين استولوا على الاسم في عالم العملات المشفرة. وربما أقول هذه الكلمات على سبيل الهزل، لكن أينشتاين كان سينضم إلى فريق البيتكوين دون شك!
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.