في مقال له على موقع “فوربس” الأميركي، أوضح الخبير في التحولات التكنولوجية عبر الإنترنت جاسون بلومبيرغ وجهة نظره في الحاجة إلى إلغاء المعاملات عبر العملات الرقمية، فلنتعرف سوياً على رأيه وأسباب وجهة النظر هذه:

تطرقت في مناسبة سابقة إلى التعدين غير المشروع للعملات الرقمية، والطرق التي يتبعها المخترقون للقيام بذلك، حيث يبادرون بتثبيت برامج معالجة مبادلات العملات الرقمية داخل شبكات الشركات والحواسيب الشخصية وغيرها من الأجهزة الأخرى. في الواقع، حاولت أن أدق ناقوس الخطر في هذا الصدد، ووسمت هذا التهديد بأنه الأخطر على الإطلاق لسنة 2018، لكني ارتأيت أن ذلك لم يكن كافيا.

عندما نمعن التفكير، يمكننا تبين أن آثار التعدين غير المشروع مخيفة للغاية. ويرجع ذلك لكون هذا النوع من الهجمات السيبرانية غير ضار نسبياً، مع العلم أن ذلك يعتمد على تعريفنا لكلمة “نسبيا”، حيث باتت لا تخضع لأي قيود، في حين أخذت تستولي على الحواسيب والشبكات ومراكز البيانات، فضلا عن البيئات السحابية حول العالم.

من المرجح أنه هناك طريقة لإيقاف هذه العدوى الخبيثة ومنعها من قتل المضيف الخاص بها، وذلك من خلال البنية التحتية العالمية للحوسبة.

من المؤكد أن المختصين في الأمن السيبراني يعملون على معالجة هذه المشكلة. وعلى الرغم من ذلك، أعتقد أن تقنيات الوقاية من هذه الهجمات والتخفيف من حدتها لن تعمل على نحو جيد بما فيه الكفاية. وتجدر الإشارة إلى أنه توجد طريقة واحدة للتخلص من هذه المعضلة الكبيرة، وذلك من خلال الإقرار بأن كافة العملات الرقمية التي نعرفها اليوم غير قانونية، وذلك للأسباب التالية :

 

البلوكتشين غير المرخصة ضد البلوكتشين المرخصة

في صلب البيتكوين، نجد حضوراً قوياً لمفهوم البلوكتشين غير المرخصة، الأمر الذي يمتد لأغلبية عملات الآلتكوين، وهي العملات الأخرى بخلاف البيتكوين. في إطار البلوكتشين غير المرخصة، التي تعرف بالبلوكتشين “المفتوحة” أو “العامة”، مع بعض التحفظات، يستطيع أي شخص إنشاء عنوان إلكتروني والتفاعل مع الشبكة من خلال شراء العملات أو بيعها أو تعدينها.

يرسم النهج العام المتبع في إطار البلوكتشين غير المرخصة تناقضا صارخا مع البلوكتشين المرخصة، التي تعرف عادة بأنها “خاصة” أو “مغلقة”، مع مراعاة بعض الاستثناءات طبعا. في هذا الصدد، صرحت ديفون آلباي، مديرة العمليات في منظمة “ديزاين فارم كولكتيف”، أن “البلوكتشين المرخص يمثل نظام مغلق ومراقب، حيث يكون ولوج كل مشارك معرفا على نحو جيد، فضلا عن إمكانية تصنيفه استنادا إلى الدور الذي يضطلع به هذا المشارك”. واستطردت آلباي، قائلة: “هذه التكنولوجيا تم إنشاؤها لخدمة غرض ما، وذلك بهدف وضع قواعد للمبادلات، بما يتماشى مع حاجيات منظمة ما أو ائتلاف منظمات معينة”.

قمت بالتركيز على البلوكتشين المرخصة خلال مقالي الأخير تحت عنوان “لا تدع ضجة التوفير في تكاليف استعمال البلوكتشين تخدعك“، حيث أشرت إلى المجهودات التي تقوم بها شركة آي بي إم في خضم مشروع هايبرليدجر مفتوح المصدر. وإذا سبق لك وأن اطلعت على الأدلة الواعدة بخصوص هذا المفهوم مع اللوجستيات العالمية وشبكات التوريد العالمية، ستكون ملما بالبلوكتشين المرخصة.

ومع ذلك، لا يمكن اعتبار البلوكتشين المرخصة الموضوع الرئيسي لهذا التقرير، إلا أنها قد تعاني من مشكلة قابلية التوسع، فضلا عن كونها مكلفة للغاية في نهاية المطاف. لكن هذا النوع من البلوكتشين لا يشكو من الخلل الأساسي الذي يرتبط بالبلوكتشين غير المرخصة التي ترتكز عليها العملات الرقمية.

 

المشكلة المرتبطة بعدم الترخيص

تتمثل المشكلة على مستوى شبكات البلوكتشين العامة غير المرخصة في كونها تسمح لأي شخص بأن يسجل نفسه بصفته معدن عملات رقمية، وهو ما يعني بأنه لا وجود لحواجز تمنع المجرمين من القيام بهذا الأمر. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن جميع شركات التعدين ذات توجه إجرامي، حيث نجد أن الكثير من الأشخاص ينشئون شركات تعدين عملات رقمية مطابقة للمواصفات المطلوبة على نحو مثالي.

بناء على ما تقدم، هناك العديد من المساعي الإجرامية المختلفة التي يمكنها الاستفادة من التعدين، ونخص بالذكر جرائم التهرب الضريبي وغسيل الأموال، فضلا عن تمويل الإرهاب وأي نشاط غير قانوني قد لا يرتبط بصفة مباشرة بالعملات الرقمية. لكن أكثرها فظاعة من بين جميع الدوافع الإجرامية يعد عمليات تعدين العملات الرقمية بشكل غير شرعي.

 

لماذا يعتبر تعدين العملات الرقمية غير المشروع مخادعاً للغاية؟

يعتبر اختراق الحواسيب والشبكات الخاصة بنا أمرا سهلا للغاية، فكل ما يتطلبه الأمر تصيد احتيالي لضحية ما، زيارة واحدة لصفحة ضارة في الإنترنت، أو تنزيل تطبيق زائف من أحد متاجر التطبيقات عبر الإنترنت. وسرعان ما سنجد أن المخترق قد تمكن من الولوج إلى هذه المصادر.

يمثل التسلل الخطوة الأولى المألوفة في إطار الهجمات السيبرانية المؤسسية، ويتبعها “سلسلة القتل السيبرانية” التي تتضمن التسلل وتثبيت البرمجية الخبيثة، ثم التحرك بشكل غير مألوف نحو هدف أكثر أهمية. وفي مرحلة أخيرة من هذه السلسلة، إنشاء رابط قيادة وتحكم لدى المخترق، وتفريغ الأموال والبيانات التي تكون في الأصل الهدف الرئيسي من هذا الهجوم.

في غالب الأحيان، يتبع المخترقون هذا النمط عندما يكون هدفهم الرئيسي سرقة البيانات. ونتيجة لذلك، ينصب تركيز شركات خدمات الأمن السيبراني على رصد وعرقلة هذه الخطوات التي تندرج ضمن سلسلة القتل السيبراني. في المقابل، تكسر عملية تعدين العملات الرقمية هذا القالب، حيث لا يكون البرنامج المعتمد للتعدين بالضرورة برنامجا خبيثا. وقد يلجأ العديد من الأشخاص إلى مثل هذه البرامج لتعدين العملات الرقمية. وما يميز هذه الهجمات أنه ليس هناك حاجة لإيجاد هدف قيم لتنفيذ عملية التعدين، نظرا لقدرة أي حاسوب مزود بدورات معالجة على إنجاز هذه المهمة.

في إطار مثل هذه العمليات، ليس هناك أي معلومات أو بيانات حتى نستخرجها. وطالما أن الحاسوب المخترق متصلا بالإنترنت، يتسنى للمخترقين الاستفادة ماديا من نشاط التعدين الذي يقومون به. بيد أن الجانب الأكثر خداعا في عملية التعدين غير الشرعية، أنه لا يمكن التفطن لها على الإطلاق. ويعزى ذلك إلى أنه لا يقع سرقة أي غرض أو معلومة باستثناء دورات المعالج وقدر صغير من الطاقة الكهربائية. وفي عالم يحتوي تهديدات أشد رعبا، سيحتل التعدين غير المشروع مرتبة متدنية جدا في قائمة الأولويات، علما وأن هذا الضرر البسيط سيؤدي في النهاية إلى إثقال كاهل الشبكة الخاصة بك.

 

أخلاقيات العملات الرقمية ومبدأ “اعرف المعدن الخاص بك”

من أجل مكافحة غسيل الأموال، تطلب الوكالات التنظيمية في جميع أنحاء العالم أن تلتزم الشركات باتباع مبدأ “اعرف عميلك”. نظريا، إذا كان لدى جميع المنخرطين في إحدى المعاملات تفاصيل كافية حول الأطراف التي يتعاملون معها، سيصبح من الصعب جداً على المجرمين غسيل أموالهم غير المشروعة. وبما أن كل شخص قادر على أن يصبح معدن عملات رقمية، لا بد أن تعمل الهياكل المنظمة ضمن مجال العملات الرقمية على تبني سياسة “اعرف المعدن الخاص بك”.

في حال أقدمت على إجراء أي نوع من المعاملات التي تتضمن البيتكوين أو أي عملة آلتكوين، فمما لا شك فيه ستود أن تعرف أن المعدن الذي يقوم بمعالجة المعاملة الخاصة بك ليس مؤسسة إجرامية قد تستخدم حصتها من رسوم هذه المعاملة لدعم الإرهابيين أو الأشخاص الذين يقومون باستغلال الأطفال إباحيا، أليس كذلك؟

بالإضافة إلى العبء التنظيمي المتعلق بوضع سياسات عالمية بشأن “اعرف  المعدن الخاص بك”، هناك عبء أخلاقي يجب على المنخرطين في اقتصاد العملات الرقمية الإلتزام به، وإلا فإنهم سيخاطرون بالتغاضي عن نشاطات غير قانونية، بعض النظر عما إذا كانوا مجرمين أنفسهم أم لا.

حتى الآن، يمكن اعتبار هذا المبدأ جيدا جدا، باستثناء مشكلة واحدة، ألا وهي أن مبدأ “أعرف المعدن الخاص بك” لا تكتسي أي فائدة داخل شبكات البلوكتشين غير المرخصة. لذلك، ينبغي عليك أن تطرح على نفسك عدة أسئلة عند تنفيذك لمعاملة بيتكوين، حيث يتوجب عليك التساؤل حول هوية الطرف الذي يقوم بمعالجة هذه المعاملة. ففي خضم مثل هذه المعاملات، لا يتكفل التاجر أو عملية المبادلة أو المعدن نفسه بهذه المهمة، بل كل معدن على شبكة البلوكتشين يعد المستفيد الحقيقي.

من المعلوم أن هناك معدنا واحدا تتم مكافئته لقاء أي عملية مبادلة للعملات رقمية، لكن كل معدن يضطلع بتنفيذ المعاملة على النسخة الخاصة به على البلوكتشين. وتندرج المعالجة الموزعة والمكررة في جوهر طريقة عمل البلوكتشين. ومن هذا المنطلق، إذا كان أحد المعدنين مجرما، فأنت تدعم معاملة مؤسسة إجرامية مع كل مبادلة عملات رقمية تقوم بها، علما وأن عدد المعدنين المجرمين أكثر من واحد، وهذا العدد يتزايد كل يوم.

 

كيف نحل المشكلة

من المؤكد أن الشركات ستسعى جاهدة لوضع حد للتعدين غير المرخص للعملات الرقمية، لكن لا فائدة ترجى من هذه الجهود. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن شن هذه الهجمات سهل للغاية. وثانيا، سيبقى التصدي لهذه التهديدات ذا أولوية ثانوية في المستقبل المنظور. وبالتالي، سيترتب عن ذلك محدودية مجال تفعيل سياسة “اعرف المعدن الخاص بك” نظرا لاقتصار تطبيقها على البلوكتشين المرخصة فقط.

يمكن لمقاربة قائمة على العملات الرقمية مثل ريبل، التي يعتبرها بعض الأشخاص “شبه غير مرخصة”، حل هذه المعضلة. وتمثل عملة الريبل والعملات الرقمية المرخصة وشبه المرخصة الأخرى أرضية خصبة للابتكار الفعال وإثارة الجدل، وهو ما سأتطرق إليه في قادم المقالات.

ومع ذلك، سيتجه المعدنون غير الشرعيون صوب العملات الرقمية غير المرخصة، في حين ستكون مفضلة بالنسبة لهم مقارنة بعملة الريبل والعملات المشابهة لها، طالما أن هذه العملات تكتسي قيمة مادية. وبذلك تنحصر خيارات العالم الرقمي في خيارين فقط، إما القطع مع العملات غير المرخصة والتوجه صوب العملات المرخصة، أو إيقاف المعاملات عن طريق العملات الرقمية بصفة كلية.

بطبيعة الحال، تعتمد الكثير من الجوانب المتعلقة بالبلوكتشين التي تثير عالم العملات الرقمية على خاصية عدم الترخيص. ومن دونها، كل ما سيتبقى لنا هو تكنولوجيا قاعدة بيانات موزعة آمنة، التي يمكن أن تكون مفيدة في حال اعتمدت لأغراض تجارية حقيقية. لكن ستكون هذه التقنية عاجزة عن تقديم جانب الإثارة التي تحوم حول العملات الرقمية في الوقت الراهن، على غرار الضجة حول الطروحات الأولية للعملات الرقمية.

لذلك، عليك الاستمتاع بعالم العملات الرقمية القائمة على البلوكتشين غير المرخص قدر المستطاع، لأن أيامها باتت معدودة، وحاول أن لا تفقد أموالك عندما ينهار كل شيء.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.