شهد مجال العملات الرقمية عمليات استثمار هي الأكثر جنوناً وهوساً في التاريخ، وهو ما دفع الحكومات أخيرا للتحرك من أجل فرض قوانين على هذا القطاع وتنظيمه. وقد تنوعت المقاربات التي تعاملت بها الحكومات والمؤسسات الرسمية، بين شن حملة صارمة ضد هذه العملات في الصين، ومنح تراخيص للتعامل بها في اليابان، ومنحها الحرية التامة في سويسرا.
أما بعض البلدان الأخرى، على غرار الولايات المتحدة، فإنها لحد الآن لم تحدد استراتيجية شاملة ومناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة. وبشكل عام، تخيم حالة من الترقب والقلق على مجتمع البيتكوين والعملات الرقمية، في انتظار ما سيصدر من قرارات، طبقاً لما أشارت صحيفة واشنطن بوست.
سوف تحدد الطريقة التي ستتغير بها قوانين وقواعد التعامل بهذه العملة، ما إذا كان الارتفاع الصاروخي في أسعار العملة الرقمي خلال العام الماضي مجرد فقاعة وانتعاش مؤقت، أم أن هذا الصعود سيدوم وتزداد وتيرته.
1- لماذا يشعر المشرعون بالقلق تجاه العملات الرقمية؟
إن قائمة المخاوف طويلة وهي تتضمن إمكانية حصول عمليات طرح أولي للعملات الرقمية بشكل غير قانوني، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي، والسرقة من الإنترنت، وانقطاع الخدمة في منصات تبادل العملات، والمبالغة في المضاربة، والعديد من الأخطار الأخرى.
هذه المخاوف ربما كان سهلاً تجاهلها من قبل الحكومات عندما كانت البيتكوين ومثيلاتها تتحرك على هامش القطاع المالي ولا تحظى بوزن يذكر، إلا أن هذه العملات ازدادت أهميتها وبدأت تشق طريقها نحو محور النظام المالي العالمي.
وبذلك، أصبحت الرهانات المتعلقة بهذه العملة كبيرة، بعد دخول عدد كبير من المستثمرين والبنوك إلى هذا المجال. كما تضاف إلى كل هذه التحديات مسألة تعريف العملات المشفرة، حيث يوجد خلاف كبير حول ما إذا كانت عملة فعلا، أم مجرد سلعة، أم أنها شيء آخر جديد تماما.
2- ما هي الخطوات التي اتخذها صانعو السياسات في الولايات المتحدة؟
إلى حد الآن، لم تضع الولايات المتحدة مجموعة متكاملة من القواعد والقوانين المنظمة لتجارة العملات الرقمية، وهو واقع حذرت منه اثنتين من أكبر مؤسسات مراقبة أسواق المال الأمريكية، أثناء إدلائهما بشهادتهما أمام الكونغرس في فبراير/ شباط الماضي.
إلا أن هذا الوضع قد يتغير قليلاً، إذا منح المشرعون المزيد من الصلاحيات للوكالات الفيدرالية، رغم أن خيارهم لحد الآن كان التعامل بشكل تدريجي وبطيء مع هذه الظاهرة. فقد ركزت إحدى هذه الوكالات، وهي لجنة السندات والمبادلات، على تنظيم عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية، وتبنت أسلوب متصلباً عندما تعلق الأمر بالمصادقة على إنشاء صناديق وشركات للمتاجرة بالعملات الرقمية.
وقد قالت هذه الوكالة (لجنة السندات والمبادلات)، في 7 مارس/ آذار الجاري، أن المنصات التي توفر خدمة تبادل السندات والأصول الرقمية سوف يكون عليها تسجيل نفسها مثل البورصات الوطنية، أو التقدم بطلب لإعفائها من هذا الأمر.
أما لجنة المتاجرة بالعقود الآجلة للسلع، فقد سمحت لاثنين من أكبر البورصات العالمية بإدراج البيتكوين في العقود الآجلة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، متعللة بأن هذه الخطوة ستساعد على إلقاء نظرة فاحصة على الأسواق التي يتم فيها التعامل بهذه العملات الرقمية. ولاحقاً خلال نفس الشهر، قالت اللجنة أنها بهذه الطريقة أجبرت إحدى أكبر منصات التبادل عن الكشف عن معلومات سرية حول أطراف تتعامل معها.
3- ماذا عن بقية العالم؟
بالنسبة للصين، التي كانت في وقت ما أكثر أسواق العالم نشاطاً في تجارة البيتكوين، فإنها اتخذت أكثر درجات التعامل قسوة من بين كل الدول الكبرى، وذلك عبر فرض حظر تام على عمليات الطرح الأولي ومبادلات العملات الرقمية، واستهدفت مؤخرا المنصات التي تسمح بهذه المبادلات داخل الصين وفي باقي أنحاء العالم.
أما اليابان، فقد اختارت أسلوباً أكثر مرونة واعتدالا، من خلال سن قانون جديد مكّن من منح التراخيص لفائدة 16 منصة تبادل. ولكن هذه المبادرة شهدت تعثرات في بداية مارس/ آذار الجاري، أدت لفرض عقوبات على 6 من هذه المنصات، وتحذيرا لأخرى مع ضرورة إدخال تغييرات داخلية منها مراجعة هيكلتها.
أما كوريا الجنوبية، التي تمثل أيضا نقطة مهمة في قطاع تجارة العملات الرقمية، فإنها قامت بتشديد بعض قوانين التجارة، فيما تواصل الحكومة مباحثاتها لإصدار تشريعات تسهل النشاط في هذا القطاع.
وبينما أصدرت مؤسسة الأسواق في الاتحاد الأوروبي تحذيراً من مخاطر الاستثمار في العملات الرقمية، فإن التشريعات المنظمة لهذا المجال اختلفت داخل بلدان الاتحاد. إذ أن السلطات الفرنسية تسعى لتشديد الخناق على العملات الرقمية، فيما يريد وزير الاقتصاد السويسري جعل بلاده مركزاً لهذه العملات في العالم.
4- ما هي الخدمات المالية التي يقدمها هذا القطاع؟
بالنسبة للبنوك، التي تمثل قناة هامة لتدفق الأموال من العملات التقليدية نحو الأصول الرقمية، فهي لحد الآن تنأى بنفسها عن خوض هذا المجال. أما كبرى شركات الخدمات المالية، على غرار “جي بي مورغان”، “بنك أمريكا”، و”سيتي غروب”، فإنها منعت حرفائها من استخدام بطاقاتهم الائتمانية لشراء العملات الرقمية.
كما تجنب بعض المقرضين التعامل مع تبادلات العملة الرقمية، التزاما بالقواعد التي تنص على ضرورة معرفة هوية الزبائن، ومكافحة غسيل الأموال. وعلى سبيل المثال، فإن منصة “بيت فينكس” لمبادلات العملة الرقمية، التي تعرضت للمساءلة القانونية من لجنة العقود الآجلة على السلع، انتهت علاقتها بشركة “فارغو أن كو” في مارس/ آذار 2017، بسبب ممارستها لهذا النشاط.
ومن بين المجالات التي يتردد المستثمرون التقليديون في خوضها، في مقابل إقبال أصحاب العملات الرقمية على الاستثمار فيها، هنالك سوق العقود الآجلة، ولكن حتى هذه العقود باتت تخيم عليها الشكوك بعد التضييقات القانونية الأخيرة.
5- كيف تفاعلت الأسواق مع تزايد الرقابة الحكومية؟
لقد تعرضت العملات الرقمية لانتكاسة، ولكنها لم تمت بعد. وقد أدت المخاوف من تزايد التضييقات والقيود القانونية لإحداث انخفاض يناهز 70% في قيمة البيتكوين، منذ وصولها لأعلى مستويات لها، عند 20 ألف دولار، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قبل أن تتراجع لمستوى 10 آلاف دولار في فبراير/ شباط، وتواصل تحقيق خسائر كبيرة.
وربما تكون المقاربات المتناقضة والمتنوعة التي تعتمدها الحكومات في التعامل مع هذه العملات، هي السبب في تعرضها للتراجع ولكن ليس الانهيار: إذ أنه في ظل غياب توجهات موحدة بين كل دول العالم في التعامل مع العملة المشفرة، فإن الطبيعة المجهولة والحرة لهذه العملات، تجعل من الصعب جدا السيطرة عليها ومراقبتها.
6- ما الذي يقوله قطاع العملات الرقمية حول القيود القانونية؟
تنوعت التفاعلات مع الإجراءات الحكومية في مختلف البلدان. ففي الولايات المتحدة مثلاً، عقدت منظمات مدافعة عن هذا المجال، مثل مؤسسة بيتكوين ومركز “كوين”، وغرفة التجارة الرقمية، اجتماعات مع المشرعين لإقناعهم بالتراجع عن سن تشريعات تستهدف العملات الرقمية بالمزيد من القيود.
كما سعت بعض منصات التبادل فعلياً للبقاء بعيداً عن المراقبة، فيما انتقلت أخرى بشكل جماعي إلى بلدان أخرى مثل اليابان على أمل الحصول على ترخيص رسمي من الجهات الحكومية، وهو ما سيعزز مصداقيتها لدى المؤسسات الرسمية وبقية الأطراف المتدخلة.
7- ما الذي علينا انتظاره الآن؟
ربما تكون العملات الرقمية هي موضوع النقاش في منتدى مجموعة العشرين في مارس/ آذار، ما يمكن أن يسفر عنه إنشاء معايير دولية لتنظيم هذا القطاع، وهو شيء طالب به صندوق النقد الدولي منذ شهرين. أما المسؤولون الكوريون، فقد تعهدوا بالتوصل إلى مجموعة من القواعد الشاملة في وقت قريب، وتعكف اللجنة الأوروبية الآن على مراجعة التشريعات المتعلقة بهذا المجال داخل كل الدول الأعضاء.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.