في جامعة ديبول، تمكنت العملة المشفرة من شق طريقها إلى قاعات الدراسة، وبالتحديد إلى مادة تدعى أسس المالية. وحتى وقت قريب، كانت البيتكوين تُدرّس فقط بشكل هامشي خلال الحصص الأخيرة من مادة المالية، التي يدرسها الأستاذ، لامونت بلاك، للطلبة.

وكان يوم تدريسها يسمى “يوم المرح”، حيث يناقشون فيه مستقبل المال واحتمالات نجاح البيتكوين وبقية العملات الرقمية، ولكن الأمور تغيرت كثيرا الآن.

لقد أصبحت العملات الرقمية جزءاً من الدروس والنقاشات المتعلقة بتعريف المال، وموضوعاً جوهرياً في الدروس المتعلقة بالمالية والبنوك وأسواق الرأسمالية. وفي هذا الصدد، قال بلاك: “الآن، بدأ طلبتي جدياً في التفكير في هذا المجال الصاعد”.

وتماما مثلما انتشر موضوع البيتكوين في كل الحوارات وتصدر عناوين الأخبار واكتسح المؤسسات المالية، بدأت الدروس المتعلقة بهذه العملة الرقمية، والتكنولوجيا التي تقوم عليها، بالانتشار في قاعات الدرس الجامعية في ولاية إلينوي الأمريكية. وقد قام بعض الأساتذة بإدخال تعديل على المناهج الدراسية التي كانت في السابق تمر مرور الكرام على هذا الموضوع، فيما قامت بعض المدارس الأخرى بإضافة مادة كاملة جديدة حول البيتكوين والبلوكتشين.

 

أصبحت ضرورة

يذكر أن سعر البيتكوين شهد ارتفاعاً صاروخياً خلال السنة الماضية، لتتجاوز قيمته 19 ألف دولار، وهو ما جذب الكثير من الباحثين عن الثروة، ودفع الناس لمحاولة فهم هذه الظاهرة التي تدر أرباحا خيالية. وقد أصبحت بورصة “سي بي أو إي” لتبادل العقود الآجلة، في بداية ديسمبر/ كانون الأول 2017، أول منصة مبادلات تقليدية تتيح إبرام العقود الآجلة باستخدام عملة البيتكوين. وبعد ذلك بفترة قصيرة، بدأ العمل أيضا بعقود تجارة العملة الافتراضية في بورصة شيكاغو التجارية.

أضافت هذه التطورات الهامة الكثير لشرعية البيتكوين، وعززت الاهتمام بهذه العملة رغم أن أسعارها شهدت انخفاضا في الفترة الماضية، حيث وصل سعر العملة الواحدة إلى 9300 دولار. ورغم أن الكثير من الخبراء لا يزالون يشككون في مستقبل البيتكوين على المدى الطويل، إلا أنه بات من الواضح أن الاعتراف بأهمية العملة الرقمية وتكنولوجيا البلوكتشين، وتدريسها ضمن المناهج الدراسية، هو أمر ضروري لتمكين الطلبة من الاستعداد للمستقبل.

من جانبها، قالت ساريت ماركوفيتش، الأستاذة المساعدة في مدرسة كيلوغ للإدارة في جامعة “نورث ويسترن”: “إن المسألة هنا لا تتعلق باستباق الأمور، بل مرتبطة بعدم التخلف عن الركب”. وتجدر الإشارة إلى أن تكنولوجيا البلوكتشين يمكن تطبيقها في عديد المجالات، وهنالك العديد من المؤسسات والشركات التقنية والمالية، التي بدأت بالاستفادة منها لتطوير عملها.

وتعد البلوكتشين بمثابة دفتر لحفظ سجل التحويلات المالية بالعملة الرقمية، وهو نظام مفتوح يمتاز باللامركزية، أي أنه يتيح للناس متابعة التحويلات، التي تتم إضافتها للدفتر بحسب الترتيب الزمني. وفي الوقت الحاضر، يتم استخدام هذه التقنية غالبا للتثبت من التحويلات المالية، رغم أنه يمكن أيضا تشفير وإدخال بعض الملفات إلى البلوكتشين.

وقد بدأت ماركوفيتش بمناقشة البيتكوين والبلوكتشين في قاعة الدرس، ضمن مادة الابتكار والتجديد في الأسواق المالية، التي طورتها بنفسها قبل خمس سنوات. وتعتبر هذه المدرّسة الحاملة للدكتوراه في الاقتصاد وشهادة جامعية في علوم الحاسوب، مهتمة للغاية بالتقنيات المالية. مع ذلك، لم يكن الطلبة في الماضي يشاركونها هذا الانبهار ويهتمون بهذا المجال.

وتقول ماركوفيتش: “في الماضي، كان من الصعب علي إيجاد مواد لإثراء الدرس، وقد كان الطلبة مهتمين فقط بدراسة أساليب عمل البنوك التقليدية، ورفضوا تخصيص مجال للعملات الرقمية، وفضلوا الاهتمام بعمليات الاستحواذ واندماج الشركات الكبرى”.

وأضافت ماركوفيتش أن “الأمور انقلبت خلال السنة الماضية، حيث أن أكثر من نصف الطلبة باتوا يرغبون في معرفة المزيد حول هذه التكنولوجيا المالية. ولذلك، ساعدتهم على إنجاز دراسات مستقلة حول البلوكتشين والعملات الرقمية، وانضم إلينا بعض المتخرجين من الجامعة، لمزيد من الفهم لهذه الظاهرة”.

 

منهج جديد لأول مرة

وخلال الأسبوع الماضي، حصلت ماركوفيتش على الموافقة الرسمية لوضع منهج دراسي جديد، يهتم حصريا بالبلوكتشين والعملات الرقمية. وستكون هذه المادة موجهة لطلبة درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وتأمل ماركوفيتش في الشروع في تدريسها خلال العام الدراسي المقبل.

كما تستعد جامعة إلينوي للتقنية لتقديم أول دروس لها حول البلوكتشين، خلال الصيف المقبل. أما جامعة شيكاغو فهي لا تقدم مادة مخصصة بالكامل للعملات الرقمية، إلا أن البروفيسور جيب باسيت، رئيس قسم المالية في الجامعة، يخطط لتشكيل فريق للنظر في مسألة إدخال البيتكوين إلى دراسات ماجستير إدارة الأعمال مستقبلا. وستكون هذه أول مرة تشمل فيها هذه الدراسة، التي يشرف عليها البروفيسور جيب باسيت منذ 10 سنوات، مادة البيتكوين والأموال الرقمية، وكان الطلبة هم من اقترحوا هذا التغيير.

وقد قال باسيت إن “الطلبة يريدون سماع محاضرات حول البيتكوين، على الرغم من أن آبائهم أخبروهم بأنها مجرد فقاعة ستنفجر سريعا وتفقد قيمتها، تماما مثلما حصل مع سوق أزهار التوليب، التي ازدهرت بشكل جنوني في القرن 17 في هولندا، ثم انهارت بشكل مفاجئ وخسر الناس أموالهم التي استثمروها في تجارة هذه الأزهار”.

وأورد باسيت أن “الطلبة، مع ذلك، يرون الآن أن من استثمروا في البيتكوين يحققون أرباحا سريعة، حيث يرون أصدقائهم الذين وضعوا استثمارات صغيرة قبل سنوات، قد أصبحوا الآن ضمن نادي الأثرياء، وهو ما يدفع أبناء هذا الجيل للاهتمام بهذه الظاهرة”.

 

موضوع جذاب للطلبة

ويرى جوني رومانيداكيس، وهو أحد طلبة الأستاذ لامونت بلاك في جامعة ديبول، أن التكنولوجيا التي تعتمد عليها عملة البيتكوين الرقمية كانت بالنسبة له موضوعاً أكثر جاذبية في بحثه الجامعي، وأكثر أهمية من دراسة عقود البيع الآجل التي كان زملاؤه يفكرون في الكتابة حولها.

ويستعد رومانيداكيس، البالغ من العمر 24 سنة، للتخرج قريبا ونيل شهادة الماجستير في المالية، وهو يخطط للعمل في شركة صناعية مملوكة لعائلته في مدينة “ويلنغ” في أوهايو. ورغم أن فهم تقنية البلوكتشين وعملة البيتكوين ليس من المعارف الإجبارية في الوقت الحالي، إلا أن هذا الشاب يرى أنها تستحق الاهتمام والدراسة.

وقد قال رومانيداكيس: “لقد أردنا أن نرى ما إذا كان بإمكاننا فهم هذه التقنية، ومعرفة ما الذي يجعلها تتطور بهذا الشكل. ويبدو الأمر مثيرا للجدل، كما أن الكثير من الناس لا يفهمونه”. ويبدو عدد المهتمين بهذه المادة في تزايد، حيث أن اثنين من زملاء رومانيداكيس قررا أيضا الولوج إلى هذا العالم الرقمي وتلقي دروس في العملة الرقمية.

ويقوم كل من دان غوردان، وهو طالب في اختصاص الرياضيات وعلوم الحاسوب، ونيك راتشاديلا، طالب في المحاسبة والمالية، بإدارة اثنين من الشركات الناشئة التي تعنى بأنشطة التمويل الجماعي. ويسعى هذان الشابان إلى إدماج تقنية البلوكتشين ضمن مجال عملهما، ولذلك فإن حضور حصص هذه المادة هو أمر مفيد بالنسبة لهما للبدء بفهم هذا المجال.

ويشعر الطلبة بالانبهار أمام الفرص التي توفرها لهم البلوكتشين في كافة المجالات، حيث يقول أندرو ميلر، الأستاذ المساعد في هندسة الكهرباء والحاسوب في جامعة إلينوي، إنه بصدد الإعداد لتدريس مادة متعلقة بالعقود الذكية، والبرامج الحاسوبية التي تقوم بإدارة العملة الرقمية.

وقد قام ميلر سابقاً بتدريس هذه المواضيع، إلا أن الاهتمام بها شهد تزايداً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، حتى أن هذا المدّرس بات يخشى من أن القاعة لن تستوعب كل الطلبة. فعلى الرغم من أن مادة البيتكوين والبلوكتشين تبدو دخيلة على بقية المواد، إلا أن المقاعد المتاحة لدراستها امتلأت خلال وقت قصير.

كما يشير ميلر إلى أن الولوج إلى عالم المال والأعمال التقليدي يستوجب المرور عبر اختبارات والحصول على شهادات، ولا يمكن تحقيقه غالبا إلا عبر الانتماء لمؤسسة مالية. في المقابل، لا تضع البلوكتشين أي عوائق تُذكر أمام الراغبين في دخول هذا المجال، حيث أن مجتمع العملات الرقمية والتجارة الافتراضية يمتاز بالنشاط والقوة، وهو ما يجذب علماء الحاسوب وطلبة الهندسة للانضمام وتقديم الإضافة، ولذلك فإن هنالك انتظارات كبيرة من هذا المجال في المستقبل.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.