يوجد نوعان من الدول، تماماً كما يوجد نوعان من الشركات: تلك التي تبلي بلاء حسناً، وتلك التي تتحول إلى البلوكتشين. بطبيعة الحال، هذه هي التكنولوجيا التي تستند إليها ما يسمى بالعملة الرقمية مثل البيتكوين. وبما أن أسعارها قد ارتفعت في السنة الماضية، فقد كانت هذه الكلمة مغرية بالنسبة لتلك المشاريع الفاشلة من جميع المجالات، واعتبرتها طوق نجاة من بحار الإفلاس.
في بداية الأمر، أعلنت شركة لونغ آيلاند للشاي المثلج، أنه كان من المفترض أن تعيد صناعة نفسها من جديد لتصبح شركة بلوكتشين. وكان هذا لوحده سبباً كافياً لصعود أسهمها في السوق بنسبة 500%، على الرغم من أنه لا يوجد سبب مقنع يجعل شركة لا يمكن أن تحقق أرباحاً في بيع المشروبات الغازية، قادرة على أن تنجح في توظيف تكنولوجيا لا تعلم عنها الكثير.
تبعا لذلك، صرحت بورصة نازداك أنه سيتم حذف هذه الشركة من قائمة الشركات، لأنها تحاول “تضليل المستثمرين” بعد أن اتضح أن مخططات بلوكتشين غير موجودة.
ثم جاءت كوداك، التي صرحت بأنها بصدد خلق عملة رقمية خاصة لسداد أجور المصورين. ومرة أخرى، باءت هذه المحاولة بالفشل، إذ سيكون من الصعب بيع عملة كوداكوين. علاوة على ذلك، ما الشيء الذي سيدفع بالمصورين إلى التخلي عن التعامل بالدولارات التي يمكن استخدامها فعلاً؟ ومع ذلك، فقد خلق هذا الجدل ما يكفي من الإغراءات، لترتفع أسهم الشركة وتصل بكل بساطة إلى 119%.
التجربة الفنزويلية
والآن، ها هي فنزويلا تحاول توظيف هذه العملة الرقمية من أجل إنقاذ نفسها من القائمة الطويلة من الأخطاء التي ارتكبتها. كما يصعب التفكير بأن حكومة غابت عنها الحرب أو الثورة أو عمليات تطهير على الطريقة الستالينية، قد أساءت إدارة اقتصادها أكثر من فنزويلا. ربما حصل هذا مع الولايات المتحدة خلال سنة 1929، أو زيمبابوي خلال سنة 2003.
من جهة أخرى، تميزت الحالة الفنزويلية بتمكنها من الجمع بين الانهيار الاقتصادي والتضخم المفرط، على الرغم من امتلاكها أكبر احتياطيات نفط في العالم. وبالفعل، يقدر صندوق النقد الدولي أنه خلال نهاية السنة، سينكمش اقتصاد فنزويلا بنسبة 38 في المائة بالمقارنة مع بداية سنة 2014، وسترتفع أسعارها بمقدار 2.176 مرة.
عموماً، هذا ما يحدث عندما تضعون أصدقاء غير مؤهلين، ليتسلموا مسؤولية شركة النفط المملوكة من قبل الدولة. وتواصلون إنفاق المال كما لو كنتم تضخون كميات لا تنفذ من النفط. ثم تجبرون على طباعة ما تحتاجونه من المال حتى يدفع بالأسعار للارتفاع بشكل يجعل جميع قطاعات الاقتصاد في حالة شلل. كما كانت أسعار السوق السوداء سببا في انخفاض في البوليفار، أي عملة فنزويلا ، وفقدانها لحوالي 99.99% من قيمتها، خلال السنوات الست الماضية.
هذا هو السبب الذي جعل حكومة فنزويلا تطلق للتو عملة البترو، أي العملة الرقمية الخاصة بها المدعومة بالنفط. حسناً، على الأقل هذا ما يصرح به النظام. في الواقع، لا تعد البترو مشفرة، أو عملة، ولا تدعم من قبل النفط بأي معنى من المعاني. إنها مجرد وسيلة تستخدمها كراكاس في محاولة للتغلب على العقوبات المسلطة عليها عبر جمع المال من الأشخاص الأكثر جهلا منها.
وليس من قبيل المبالغة القول إن البترو قد يكون الاستثمار الأكثر إثارة للرعب على الإطلاق. حتى إنك قد لا تجد ما ترويه لنفسك من أسباب تفسر نجاح هذه العملة. سيكون هذا الأمر واضحاً جداً بمجرد أن تحاول الإجابة على ماهية هذه العملة. إنها ليست عملة، كما قلنا من قبل.
ولا يمكنك “تعدين” عملة البيترو الجديدة من خلال حل معادلات رياضية معقدة على جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وهي الطريقة المعتمدة مع البيتكوين. ولكن بكل بساطة يمكنك شراؤها من الحكومة الفنزويلية. وعلى الرغم من تصريح فنزويلا أنها ستنشئ نظاماً لتغيير هذا الوضع، إلا أنها لم تتمكن من الحفاظ على رواية واحدة حول كيفية فعل ذلك.
ليست عملة أساساً
علاوة على ذلك، لا تعد بترو عملة بأي معنى قد تحمله الكلمة. ولا يقصد منها أن تكون كذلك. لذلك، هناك معطيان يجب فهمهما. أولاً؛ يمكنك شراء عملة البيترو باستخدام الدولارات، وليس البوليفار. وهذا يعني عمليا أن شعب فنزويلا غير مسموح له بشرائها على الإطلاق. ويرجع ذلك إلى سنوات الحرمان التي تركت الدولارات في حالة نقص شديد.
وثانياً؛ يمكنك فقط استخدام البيترو لدفع الضرائب الخاصة بك في فنزويلا. ولا تصلح لشيء آخر غير هذا. وهذا يضع المستخدم حتما في مشكلة متضاربة؛ إذ أن الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم شراء البيتر لا يمكنهم استخدامها، والأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم استخدامها لا يمكنهم شرائها.
لهذه الأسباب ليس من المفاجئ أن تكون عملة البترو غير مدعومة بالنفط. ومن شأن هذا الاستنتاج أن يقوض الهدف من هذه العملة؛ وهو ما سنفسره لاحقا. وحول الطريقة المعمول بها حاليا، أكدت حكومة فنزويلا أنها سوف تقدر قيمة البيترو الخاصة بالمتداولين وفقا لثمن النفط المعمول به عند الرغبة في استخدام هذه العملة لدفع الضرائب.
لكن، لن تقوم فنزويلا بمنحك النفط مقابل ذلك. لذلك، إذا كنت تبحث عن طريقة للمراهنة على سعر النفط، تكون ناجعة فقط عندما تكون مطالبا بسداد ضرائب في فنزويلا، وتعتقد أن إحدى أقل الحكومات جدارة بالثقة في العالم سوف تفي بوعودها؛ يمكنك استخدام البيترو. أما بالنسبة للآخرين، فننصحكم بشراء النفط مباشرة.
ما هي طبيعة دولة فنزويلا؟
لقد تحدثنا كثيراً عن المغالطات التي تخفيها عملة البيترو، ولكن ماذا عن حقيقتها؟ تتمثل أفضل طريقة لفهم هذه العملة، في التفكير في ذلك من وجهة نظر كراكاس. في الواقع، تعد فنزويلا بلدا ذو اقتصاده منهار، ويعاني من كثرة الديون، والحاجة الماسة إلى الدولار كي تتمكن من استيراد ما يكفي من الغذاء لحماية شعبها من المزيد من الجوع الذي يهدده الآن.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الدراسات الاستقصائية الأخيرة تفيد بأن 64% من الفنزويليين فقدوا الوزن بشكل غير طوعي خلال سنة 2017 وبمعدل 24 رطلاً لكل فرد. كما فقد 74% منهم وزنهم بشكل غير طوعي خلال سنة 2016 بمعدل 19 رطلاً لكل فرد.
في عالم مثالي، قد تكون حكومة فنزويلا قادرة على الحصول على المال الذي تحتاجه دون الحاجة إلى دفع أي فوائد على ذلك، أو حتى دون إعادته على الإطلاق. قد يبدو ذلك وكأنه حلم بعيد المنال لأنه حتى أكثر الحكومات ذات الجدارة الائتمانية لا تستطيع اقتراض المال بتلك الشروط. أما فنزويلا، التي عجزت عن دفع بعض السندات، والمحظورة من أسواق الديون الدولية، بعيدة كل البعد على أن تكون ذات جدارة ائتمانية. لكن، نجحت فنزويلا في ذلك، من خلال ما يسمى بطباعة المال. وبالنسبة لها، فإن الدولار أو اليورو أو حتى بوليفار، هي مجرد نوع خاص من السندات، التي لا يمكن لقيمتها أن تستخلص أو تسد قيمة الفائدة؛ لكنها تستخدم لدفع الضرائب.
وتتمثل مشكلة فنزويلا في أنها استنفدت قدرتها في القيام بهذه الإجراءات. وفي الوقت الذي لم يعد باستطاعتها طباعة المال لدفع فواتيرها، الدولية على الأقل، أصبحت هذه البلاد في حاجة إلى إقناع الناس بمنحها دولاراتهم مقابل أموالها التي لا قيمة لها، ثم تستخدمها لسداد ديونها.
في المقابل، هناك سبب منطقي يجعل هذا الأمر مستحيلاً. في البداية، من الصعب جدا بيع ديون جديدة عندما يحاول المهيمنون الماليون العالميون منعك من القيام بذلك. ومن المعلوم هنا أن حكومة الولايات المتحدة قد حظرت البنوك، والأفراد في الولايات المتحدة من شراء أي سندات جديدة من نظام فنزويلا، ردا على ممارساته الديكتاتورية الصريحة.
لكن يصبح الأمر أصعب، خاصة عندما تتخلف عن سداد دينك القديم، كما فعلت فنزويلا. ذلك هو الشيء الذي يجعلك تدفع أسعار فائدة باهظة للمستثمرين في السندات، حتى يفكروا في إقراضك مرة أخرى. وهو بطبيعة الحال أمر ترفض فنزويلا القيام به. كما أنها لا تبدي نيتها في دفع أي أسعار فائدة على الإطلاق، أو حتى تسديد ما تقترضه. لذلك، كما قلنا في البداية، هناك سبب منطقي يجعل هذا الأمر مستحيلاً.
وهنا ظهرت كلمة “بلوكتشين”. فهي ليست موجودة فقط خارج النظام المالي القائم، ويعني هذا أن “العم سام” لا يمكنه إيقافها. لكن، يعد لهذه الكلمة تأثير سحري على المستثمرين. يمكنك أن تخبر الناس أنك قد أتيت بأسوأ فكرة في التاريخ، على سبيل المثال، بتحويل شركة الشاي المثلج إلى واحدة من أبرز شركات التكنولوجيا المتطورة، وعلى الرغم من هذا، يواصلون رمي الكثير من المال طالما ذكرت لهم بأن العملة الرقمية من أبرز المشاركين.
ولا تعد عملة البترو مختلفة عن ذلك، لكنها لا تعتمد على إنشاء عملة جديدة وأفضل. في الواقع، ستحدث الكارثة لو فعلت حكومة فنزويلا ذلك. ثم سيتوجب عليها أن توقف عن طباعة المال من أجل خلاص فواتيرها الداخلية والخارجية. وفي الحقيقة، تعتمد عملة البترو على خلق شيء عديم الفائدة. لهذا السبب، لا يمكن إلا للأجانب شراؤها، ولا يمكن إلا للفنزويليين إنفاقها. ومن خلال سحر المصطلحات الفنية المثالية، تمكنت فنزويلا من إقناع ما يكفي من الناس بأن هذا هو مستقبلهم، لتتمكن من حصد أكثر من 735 مليون دولار.
هذا هو مقدار المال الذي صرح النظام الفنزويلي بأنه قد جمعه حتى الآن. ربما يكون هذا الادعاء باطلا… كما يمكن أن يكون حقيقة، خاصة أن مستثمري العملة الرقمية، ليسوا بالأكثر فطنة. وقبل بضعة أشهر فقط رفعوا أسعار دجكوين، وهي محاكاة ساخرة للبيتكوين تضم كلابا تقول هراء لا يخضع لأي قاعدة، لتصل إلى ما يفوق ملياري دولار. أي قرار سيكون أسوأ من شراء سندات لن تُدفع لك مرة أخرى من حكومة تخلفت عن سداد ديونها؟ بالتأكيد لا يوجد ما هو أسوأ من هذا القرار.
إن بلغنا هذا الحد، فإنه لن يطول انتظارنا حتى يركز كل شخص أو شركة أو دولة في هذا العالم على البلوكتشين. وإذا أمكن لفنزويلا كسب المال عبر هذه الوسيلة، فلن يعجز أي شخص عن فعل ذلك.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.