توكنات المجتمع.. ثورة جديدة
بدأ مجال التوكنات غير القابلة للاستبدال (NFT) في الازدهار بشدة منذ العام الماضي. وبالنسبة لهذا النوع من التوكنات، فقد احتلت مبيعات التوكنات غير القابلة للاستبدال عناوين الأخبار، ووصلت قيمتها حتى الآن خلال العام الجاري، إلى أكثر من 13 مليار دولار.
ورغم زيادة الاهتمام بالتوكنات غير القابلة للاستبدال، فإن كثيراً من الناس لا يفهمون الغرض منها. إذ يجري التعامل معها على أنها أشبه بالسلع الفاخرة التي ليس لها استخدامٌ عملي. وبينما تستمر الانتقادات الموجهة للتوكنات غير القابلة للاستبدال؛ ظهر مؤخراً اتجاه جديد يُوفّر فائدةً أكبر من التوكنات غير القابلة للاستبدال، ومن الممكن كذلك أن يقلب مستقبل العمل وطريقة تعاوننا، رأساً على عقب: إنّها توكنات المجتمع.
ما هي توكنات المجتمع؟
بكل بساطة، يُمكن القول إنّ توكنات المجتمع وسيلة لتحفيز أي شخص على العمل من أجل تحقيق مشروعٍ مشترك على منظمة مستقلة لا مركزية (DAO) -وهي عبارة عن مجتمع لا مركزي قائم على التشفير- وذلك في مقابل الحصول على عملة رقمية. وبعدها يمكن للشخص استرداد قيمة العملة الرقمية عن طريق تداولها مقابل عملة مشفرة أخرى أو الحصول على مزايا خاصة مرتبطة بالتوكن داخل مجتمعه، مثل: الوصول إلى محتوى حصري لحاملي التوكنات، أو الحق في التصويت على القرارات الاستراتيجية المستقبلية، أو الوصول المبكر إلى التوكنات غير القابلة للاستبدال من مجتمعه.
والمنظمات المستقلة اللامركزية هي في الأساس أماكن افتراضية يجتمع عليها الأشخاص الذين يشتركون في حب شيءٍ واحد، ويقررون التعاون من خلالها بقضاء الوقت عليها وتحقيق أهداف شديدة الطموح. والأمر لا يرتبط بالعمل هنا، بل يعتمد في المقام الأول على الثقافة، والتعايش مع الآخرين، وتحقيق ما كنت تطمح إليه دائماً. وداخل المنظمات المستقلة اللامركزية، تأتي الثقافة في المقدمة، وتتبعها المنتجات والمشروعات. وهناك أشكالٌ مختلفة من المنظمات المستقلة اللامركزية، فبعضها يُركّز على المنتجات المخصصة لعالم الأصول المشفرة، والبعض الآخر يُركز على التواصل الاجتماعي. لكن جميع المنظمات المستقلة اللامركزية، حتى تلك التي تركز على التواصل الاجتماعي، تبني منتجات مختلفة بطرق مختلفة لتنظيم أعمالها. وهنا يأتي دور توكنات المجتمع التي تُساعدهم على تحقيق تلك الأهداف.
وتوكنات المجتمع عملات مشفرة مثل أي عملة مشفرة أخرى. لكن ميزة هذه التوكنات هي أنّها تمنح قادة المجتمع سلطةً على توزيع التوكن.
والهدف من إنشاء توكنات المجتمع هو بناء اقتصادٍ افتراضي يمنح الأنصار والمساهمين الأوائل فرصةً لمشاركة المزايا، حيث يحصل المساهمون الذين يساعدون على نمو المجتمع، بإسهامهم في مختلف المشروعات التي تبنيها المنظمة المستقلة اللامركزية، على حصةٍ تُعرف باسم “توكنات المجتمع”. والهدف هنا هو تدشين مجتمعات ومشروعات طموحة وقوية بما يكفي لإقناع الناس بشراء التوكن من أجل الحصول على المحتوى، والمزايا، وحقوق التصويت المخصصة لأعضاء المجتمع فقط. وبهذا يتم تحفيز المساهمين لمساعدة منظمتهم على تحقيق النجاح، بدلاً من مكافأتهم باستخدام إحدى العملات المشفرة الموجودة، لأنّ قيمة التوكنات التي يمتلكونها، المرتبطة مباشرةً بنجاح المشروعات، يُمكن أن تزيد زيادةً غير محدودة. ويُمكن تشبيه الأمر بحصول المرء على أسهم لكونه من أوائل الموظفين في شركةٍ ناشئة.
كما أن توكنات المجتمع تسمح أيضاً لقادة ذلك المجتمع بمكافأة المساهمين بشكلٍ عادل. وعكس الشركة الناشئة، لست بحاجةٍ هنا لأن تكون من أوائل المساهمين حتى تحصل على القدر الكافي من توكنات مجتمعك. إذ ستحصل على عائدات عملك حتى لو جاء انضمامك إلى المجتمع في مرحلةٍ لاحقة. وهذا توزيعٌ أكثر عدالة عند مقارنته بنماذج الشركات الناشئة التقليدية.
هذا علاوةً على أنّ توكنات المجتمع أسهل في التداول من التوكنات غير القابلة للاستبدال، وهذه من أهم المزايا التي توفرها توكنات المجتمع داخل المجتمعات اللامركزية. إذ لا يتعيّن على حاملي التوكنات الانتظار حتى يظهر شخصٌ يرغب في شراء التوكنات منهم، حيث يمكنهم ببساطةٍ استبدالها في أي وقت مقابل عملةٍ مشفرة أخرى، مما يُساعد في ثبات قيمتها أكثر من التوكنات غير القابلة للاستبدال.
وأخيراً، لست بحاجة إلى امتلاك رأس مال ضخم من أجل اللحاق بثورة توكنات المجتمع، عكس التوكنات غير القابلة للاستبدال. إذ ليست هناك قيودٌ على الدخول، ويُمكن لأي شخص أن يبذل بعض الجهد ويستثمر جزءاً من وقته في مجتمعٍ على الإنترنت، حتى يُكافأ بتوكن مجتمع. ففي النهاية، تستمد المنظمة قيمتها الحقيقية من الأشخاص الذين يستثمرون وقتهم فيها.
توكنات المجتمع كوسيلة لبناء الثقة
الهدف من إنشاء توكنات المجتمع هو التحفيز على المشاركة، عن طريق تسهيل التعاون مع الأفراد الذين لا تعرفهم أو لا تثق بهم تحديداً. إذ تُتيح توكنات المجتمع إجراء المعاملات على بلوكتشين لتضمن وجود سجل دامغ على كافة المبادلات، بدلاً من الاعتماد على العقود والحالة القانونية اللازمة لتغطية كل مساهم في البداية.
ولن تحل توكنات المجتمع بالكامل محل ما نستخدمه اليوم لبناء الثقة في مكان العمل، أي إن العقود القانونية والمدفوعات النقدية العادية ستظل موجودة. لكن توكنات المجتمع وسيلة لبدء المشروعات صغيرة الحجم بسرعةٍ أكبر.
وتوكنات المجتمع يمكنها تحقيق ذلك من خلال “محفظة متعددة التوقيع”، وهي محفظة أصول مشفرة تسمح لك بإدارة الأصول المشفرة لمجتمعك مع ميزة تُمكّنك من طلب عدد محدد مسبقاً من التوقيعات قبل تأكيد أي معاملة. وبهذه الطريقة لن يتخلّى أي شخص يحمل التوقيع عن المشروع بعد كل الأموال التي ساهم بها، لأن خروجه يتطلب إذن (توقيع) بقية الأعضاء. وتسمح آليات الأصول المشفرة للأعضاء كذلك بالتصويت بشكلٍ عادل على القرارات المستقبلية، وقوة كل صوت سوف تتناسب مع حجم التوكنات التي يمتلكها كل عضو.
ما المنظمات التي يجب أن تستخدم توكنات المجتمع؟
يحظى النظام الإيكولوجي بقيمةٍ أكبر من توكنات المجتمع هنا، والنظام الإيكولوجي هو المجتمع أو المنظمة نفسها، حيث تسمح توكنات المجتمع للناس بالمشاركة في مجتمعاتهم وبناء أشياء رائعة معاً وتقاسم المزايا، بينما تُعتبر التوكنات غير القابلة للاستبدال الآن أقرب إلى المضاربة واستعراض مكانة الشخص وانتمائه إلى مجتمع ما. ومن هنا يكون الحصول على توكن غير قابل للاستبدال أشبه بمن يستثمر في شركة، بينما يجعلك الحصول على توكن مجتمع مقابل عملك أشبه بالموظفين الأوائل في الشركة. إذ تجعلك توكنات المجتمع ذلك أكثر انخراطاً، وتساعدك على التعلم أكثر، وتمنحك تأثيراً على مستقبل مجتمعك. كما أنها أكثر إمتاعاً من أن تكون مجرد مستثمر يأمل الحصول على عائدٍ كبير مستقبلاً.
وقد نجحت بعض المشروعات في استغلال قوة توكنات المجتمع خلال الأشهر الأخيرة. ومنها مثلاً تجمّع اللافتات الإعلانية العصرية The Modern Billboard Collective، وهو مشروعٌ مشترك بين ثلاث شركات ناشئة بهدف إنشاء توكن مقابل لصفحة المليون دولار Million Dollar Homepage، وهي صفحة ويب تتألّف من مليون بكسل مقسمة في صورة شبكة ويُمكن لأي شخص شراء بكسل واحد مقابل دولار أمريكي واحد ليضع إعلانه فيه، وبالتالي تصل قيمة الصفحة إلى مليون دولار. ويهدف تجمُّع اللافتات الإعلانية العصرية إلى اقتباس هذه الفكرة واستخدام التوكنات في السماح للعلامات التجارية بالإعلان في مواقعها على الويب دون الحاجة إلى وسيط، وذلك عن طريق بيع بعض بكسلات الصفحة الرئيسية للموقع.
ونجحت الشركات الناشئة الثلاث في أن تبني الثقة فيما بينها، بفضل سعيها المستمر لاستغلال آليات التشفير في جميع جوانب المشروع. إذ إن السماح لأي شخص بشراء “حصة” رقمية في أحد المواقع الثلاثة الموجودة “على البلوكتشين” يُسهّل على الشركات الثلاث الثقة في بعضها البعض، لأن عوائد الملكية الفكرية ستُقتسم بينها بشكلٍ تلقائي وعادل. وترجع سهولة هذه التجارب إلى وجود منصات مثل كوينفايز Coinvise، التي تسمح لأي شخص بإنشاء توكن مجتمع في دقائق معدودة.
يُذكر أن هناك العديد من المجتمعات اللامركزية التي راهنت على توكنات المجتمع منذ سنوات لتحفيز التعاون، وتشهد الآن ازدهاراً كبيراً. ومنها مجموعة دردشة Friends With Benefits التي تُعتبر أشبه بشبكة اجتماعية للمفكرين والمبدعين، ومجتمع JUMP المخصص لمحترفي الإعلانات، وFortune 1000 المخصص للعلامات التجارية، وWeb3 الخاص بالشركات الناشئة.
وتستطيع توكنات المجتمع بكل سهولةٍ أن تُشعِل ثورةً جديدة في عالم الأصول المشفرة، وذلك عن طريق تسهيل التعاون وتوفير وسيلة سهلة للعمل على مختلف المشروعات الطموحة في آنٍ واحد، مما يمنح حاملي التوكنات مرونةً واستقلالية.
وتستخدم العديد من المجتمعات حالياً توكنات مجتمع تنمو بثبات، وبالتالي فهي تمتلك القدرة على أن تصير مجتمعات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات. ويتطور هذا المجال سريعاً، لكن هناك الكثير من الأشياء التي ماتزال بحاجةٍ إلى البناء، مما يُتيح العديد من الفرص أمام الأفراد الطموحين والمتحمسين.
إذ إن فرصة النمو مع مجتمعات الجيل الثالث من الإنترنت الجديدة، وجني أرباح المشاركة في هذه الثورة، قد لا يأتيان في العمر سوى مرة واحدة. فلا تفوّتها.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.