خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وعندما عاد غاريت كامب من زيارته الأولى إلى أفريقيا التي وصفها بأنها تجربة مبهرة، أعلن للعالم أنه سيتبرع بنصف ثروته للجمعيات الخيرية. لكن ما لم يفصح عنه المؤسس المشارك لشركة أوبر ورئيس مجلس إدارتها، أنه كان ينوي القيام بأكثر من مجرد التبرع بأمواله، وهو إطلاق عملةٍ خاصةٍ به.
على مدى الأشهر الخمسة الماضية، كان كامب يرسم معالم خطط العملة الرقمية الجديدة التي تهدف إلى معالجة المشاكل التقنية والتحديات الأخرى التي تعاني منها هذه المشاريع، على غرار البيتكوين والإثيريوم. وفي تصريحٍ له لمجلة فورتشن، أفاد غاريت كامب أنه يأمل في أن يتمكن من الوفاء بالوعود الأولى التي قطعها عالم العملة الرقمية على مستخدميه، التي تشمل توفير وسيلة دفعٍ فوريةٍ، بأسعارٍ معقولةٍ، وعابرةٍ للحدود.
ومنذ ما يقارب السنة، اشترى كامب، خلال شهر مايو/ آيار، أول وحدة من عملة البيتكوين، مع 10 وحدات من عملة الإيثريوم من شبكة إيثريوم على منصة التداول الأكثر شعبيةً في الولايات المتحدة coinbase. وبينما كان يتطلع إلى مزيد الاستثمار في مجال العملات الرقمية والعملات البديلة، أُصيب بخيبة أمل.
وفي حوارٍ له مع مجلة “فورتشن“، قال كامب: “كلما توغلت في الأبحاث، فقدت الرغبة في شراء كميةٍ أكبر من هذه العملات”. “كما أدركت أنه من الأفضل إطلاق مشروعٍ جديدٍ من وجهة نظرٍ فلسفيةٍ مختلفةٍ، وبالتعاون مع الكثير من الجامعات والعلماء ومعاهد البحوث، الذي يكون شبيهاً بالشبكة العنكبوتية”، مشيراً بذلك إلى التطور الذي شهدته الإنترنت.
أطلق كامب على مشروعه المنافس اسم “إيكو –Eco”. وقد وقع اختياره على هذا الاسم لأنه قصيرٌ ويسهل نطقه بالعديد من اللغات، ويحيل إلى الكثير من المفاهيم مثل “النظام الإيكولوجي”، “والاقتصاد”، “والتجارة الإلكترونية”. ويعتبر كامب واحداً من رجال الأعمال الذين قرروا الدخول إلى عالم العملات الرقمية خلال الأشهر الأخيرة. وقد أثار الرئيس التنفيذي ومؤسس تطبيق التراسل الفوري “تيليغرام”، بافل دروف، ضجةً عندما تمكن من جني ثروة تعادل مليون دولار من “عروض العملة الأولية“.
كما صرح الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، أنه يعتزم خلال هذه السنة التركيز على تطوير خوارزميات موقع فيسبوك، وهو هدفٌ يشمل استكشاف عالم “التشفير والعملات الرقمية”.
وقد ورد في الورقة البيضاء لمشروع “إيكو”، التي اطلعت عليها مجلة فورتشن، أن “إيكو تسعى إلى إنشاء منصة عملةٍ رقميةٍ تكون الأكثر استخدامًا في التاريخ، التي ستقدم للمستخدمين بديلاً عن البيتكوين والذهب والعملة القانونية من خلال موقع إيكو. كوم “Eco.com”. كما جاء في هذه الوثيقة أن “هناك حاجةً مُلحّةً إلى أنظمة دفعٍ جديدةٍ لا تسيطر عليها مؤسسةٌ مركزية، من شأنها أن توفر تجاربًا أفضل للمستخدمين عن طريق استخدام الأجهزة المحمولة”.
مميزات كثيرة
يحظى بروتوكول إيكو بالكثير من المميزات الي تجعله مختلفًا عن التكنولوجيا التي ترتكز عليها العملات الرقمية الأخرى، مثل البيتكوين. أولًا، صممت منصة البلوكتشين الخاصة بعملة إيكو، أو نظام دفتر الحسابات الموزع، لتُدار ضمن عُقدٍ موثوقةٍ وليس على أجهزة شبكةٍ مجهولةٍ من المتطوعين. وما يمكن أن يفقده النظام من قدرةٍ على الصمود وتوفير الحماية الأمنية، يكتسبه من خلال الكفاءة والإدارة المنسقة. ووفقا لكامب، تقتضي عمليات المقايضة الوقوف على أرضيةٍ محايدةٍ “وسطية”، بين اللامركزية (مثل البيتكوين) والمركزية (مثل الفيزا).
كما أشار كامب إلى أنه يسعى في البداية إلى إبرام شراكاتٍ مع أفضل خمس جامعاتٍ ومعاهد البحوث في جميع أنحاء العالم، التي لا يتجاوز عددها ألفي مؤسسةٍ، لتشغيل هذه العُقد المحوسبة. وما يميز عملة إيكو عن البيتكوين هو النظام التشجيعي الذي تكرسه. فبدلًا من أن يتنافس مُعدّنو العملة الرقمية فيما بينهم للفوز بكل جائزة ضمن يانصيب العملات الرقمية، اقترح كامب في برنامجه، أنه في كل مرة تثبت فيها عقدة إيكو سلسلة من المعاملات المالية، تُوزع الجائزة عبر الشبكة بين كل العُقد والمستخدمين.
حسب هذا السيناريو، يتم تحفيز الأفراد المسؤولين عن إدارة العقد المحوسبة، المعروفين أيضا باسم مولّدي العملات الرقمية، للقيام بالحد الأدنى للتثبت من وجود السلسلة التالية، حتى يتسنى للجميع كسب المال. ويعني هذا التحول الاقتصادي أن معدني البيتكوين لن يكونوا متحمسين لحل هذه المعادلات من خلال استخدام أكبر قدرٍ ممكنٍ من الموارد الحاسوبية، للتقليص من حجم الطاقة المستهلكة.
ووفقًا لما أفاد به كامب، يمكن التخلي عن وجود العُقدة البطيئة في الشبكة من خلال توفر العدد الكافي من العُقد. كما يمكن أن تنضم عقدٌ جديدةٌ إلى الشبكة من خلال عمليةٍ عكسيةٍ مماثلةٍ. ويعتبر التوزيع إحدى العوامل الأخرى، حيث أن كامب لا يريد احتكار مجموعةٍ صغيرةٍ من المضاربين لعملة إيكو، ذلك أنه كلما زاد عدد الأفراد الذين يتعاملون بها، كان ذلك أفضل، وفقا لكامب.
وفي الحقيقة، يتبرّع كامب بالمال ليحفز هذه العملية. ومن بين مجموع ما قيمته تريليون من العملات الرقمية، التي سيتم توليدها على مدى عدة سنوات، يعتزم المشروع تعميم نصفها على أول مليار مستخدمٍ. كما يخطط كامب لتخصيص خُمس العملات الرقمية للعُقد الموثوقة التي تم التحقق منها (التي تمثل في هذه الحالة الشركاء من الجامعات والباحثين)، بالإضافة إلى عشرها، الذي سيتم تخصيصه لمنظمة إيكو، لدفع النفقات التشغيلية وتمويل المنح البحثية. ويُخصص العُشر الآخر للمستشارين والمساهمين النشطين، في حين أن العشر الأخير خاصٌ “بالشركاء الإستراتيجيين المنتشرين في جميع أنحاء العالم”.
ومن أجل قيادة الجهود المرتبطة بإيكو، قال كامب إنه سينشئ منظمةً جديدةً غير ربحية، التي تتمثل في منظمة إيكو، والتي يعتزم تمويلها بمبلغ 10 ملايين دولار مع عددٍ قليلٍ من الشركاء المرتبطين بشركة “Expa”، وهي شركةٌ ناشئةٌ مسرعة للنمو أُسست منذ أربع سنوات. وأكد كامب أن مجلس إدارة المنظمة الذي لم يتكون بعد، سيتألف على الأرجح من تسعة أشخاصٍ يتبنّون خلفياتٍ فكريةٍ وجغرافيةٍ متنوعةً.
تحت التصميم
ولا يزال هذا المشروع في خطواته الأولى، وهو ما أوضحه كامب قائلا: “ما زلنا في مرحلة التصميم، وقد تعمدنا عدم كتابة جزءٍ كبيرٍ من شفرة البرنامج، لأننا نحتاج إلى رأي المزيد من الخبراء والباحثين والعلماء، قبل الاستمرار في تنفيذ المشروع”. ومن جهة أخرى، يدعو كامب الأشخاص إلى المشاركة في مناقشةٍ مفتوحةٍ حول هذا المشروع، التي ستكون شبيهةً بملتقى العصف الذهني الذي أنتج لنا الفكرة الرائعة لشركة أوبر في سنة 2009.
وقد كتب كامب في نسخةٍ من الورقة البيضاء للمشروع، التي اطلعت عليها مجلة فورتشن:
“إذا كنت خبيراً في مجال التكنولوجيا أو الأمن أو الاقتصاد أو الحوكمة أو وضع السياسات أو التصميم، ولديك الدافع من أجل المساهمة في جعل “إيكو” عملةً عالميةً، يرجى التواصل معنا على البريد الإلكترونيcontributors@eco.com“.
أما فيما يتعلق بالجامعات أو المشاريع مفتوحة المصدر أو الشركات التجارية والمنظمات غير الربحية، التي تود المشاركة في مشروع إيكو، فيمكنها التواصل عبر البريد الإلكتروني “partners@eco.com” من أجل الحصول على المزيد من المعلومات.
وإذا رغبت في الإدلاء برأيك الشخصي حول إيكو، فيُرجى إرسال مقترحاتك وأفكارك لنا على البريد الإلكتروني “feedback@eco.com“
وقبل توجيه دعوةٍ مفتوحةٍ، شارك كامب رؤيته مع مجموعةٍ مصغرةٍ من المستشارين المتخصصين، من بينهم مؤسس موقع الاستثمار “AngelList”، نافال رافيكانت، بالإضافة إلى مدير التشغيل السابق في موقع تويتر، آدم باين، ومدير الإنتاج التنفيذي لمجموعة تطبيقات سطح المكتب “Creative Cloud” لشركة أدوبي سيستمز، سكوت بيلسكاي، إلى جانب الكاتب والمذيع والمتحدث، تيم فيريس.
أفادت أميرة اليحياوي، رائدة الأعمال في شركة “Expa”، التي تقدم الدفع لشركة كامب الناشئة، والمستشارة لصالح مشروع إيكو، أنه على الرغم من التردد بشأن دعم هذه التكنولوجيا، إلا أنها تمسكت على الفور بفرصة خلق نظامٍ مماثلٍ بناءً على تجربتها في الترعرع في شمال أفريقيا.
وصرحت اليحياوي، الرئيسة المشاركة السابقة في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في سويسرا، قائلة: “بكل صراحة، أنا لا أبالي بالنقاش الدائر حول العملات الرقمية. فأنا أنحدر من قارة يعاني فيها الأشخاص من نقص في الإمكانيات المادية. ونتيجة لذلك، لا تعد العملة الرقمية ذات قيمةٍ لأنها ليست عملةً فعليةً، ولا يمكنك من خلالها شراء أي شيء”.
في موطنها الأصلي، تونس، عمدت اليحياوي إلى تشجيع التغيير السياسي في إطار الربيع العربي، حيث يفتقر المواطنون تقريبا إلى نظام مالي موثوق. وفي هذا الإطار، أشارت اليحياوي إلى أنه “وبشكلٍ ما، يحاول غاريت تأسيس نظام شبيه بشبكة “إم بيزا” للمعاملات المالية، على مستوى العالم أجمع”، وذلك في إشارة إلى البنك الخلوي الذي يحظى بشعبيةٍ في كينيا، حيث مكث كامب خلال زيارته الأخيرة إلى أفريقيا.
ووفقا لتقديرات اليحياوي، قد تكون “إيكو” المشروع الذي سيُخلّد ذكرى كامب. وأوضحت اليحياوي أنه “عندما تحاورنا للمرة الأولى بشأن هذا المشروع، وكان كامب بصدد شرح ما الذي خطط لفعله في المقام الأول، نظرت إليه وقلت في نفسي إنه ‘في حال نجحت في تحقيق هذا الأمر، فستُعرف على أنك الرجل الذي أنشأ إيكو، وقبل ذلك والأهم منه، الشركة الصغيرة التي يُطلق عليها أوبر”.
من جانبه، يبدو غاريت كامب متفائلًا على نحو حذر. وقد أورد أنه “في حال نجح هذا الأمر، فسيكون للمشروع التأثير المطلوب، بل وتأثيرٌ أعظم من ذلك”. وأضاف كامب أنه يأمل أن يقوم بتجربة على الإنترنت لعملة “إيكو” في أواخر هذه السنة، وقد يكون ذلك في غضون ستة أشهر من الآن.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.