كثرت التوقعات لعام 2019: وكانت من بين هذه التوقعات أنه سيكون عام المنظمات اللامركزية المستقلة (DAO) وعروض توكنات الأوراق المالية المرخصة (STO) ومنصات التداول اللامركزية والشركات الكبرى للبلوكتشين والتطبيقات اللامركزية (dApps). قد يكون كل هذا صحيحاً (ولو بشكل جزئي)، ولكن بينما كان الرأي العام مشغول بالمنظمات اللامركزية المستقلة، بدأ اتجاهٌ آخر في الانتشار وراء الستار، كان أهدأ ولكنه لم يكن أقل قوةً. ومع نهاية العام، يتضح أن 2019 هو العام الذي بدأ فيه الأكاديميون في التفكير بشكل مختلف حول البلوكتشين. إذ انطلق التفكير التصميمي والتطلعات المتداخلة التي احتوت عليها المحاضرات إلى الوعي الجمعي مباشرة.

يُدرِّس فيليب شلومب، أستاذ في كلية علوم الحاسب بجامعة وايومنغ Wyoming، مادة برمجة وتصميم شبكات البلوكتشين في كلية الهندسة والعلوم التطبيقية بالجامعة. تسنّت لي فرصة الحديث معه مؤخراً. في البداية، ذُهلت من نمط حياته (وإجابته على سؤال “كيف بدأ اهتمامك بتكنولوجيا البلوكتشين؟” بدأت بعبارة “حسناً، في البداية كنت أربّي أولادي على متن مركب شراعي”.)، وبعدئذ سألته حول هيكل المادة التي يدرسها. ومن الجدير بالملاحظة أن هذه المادة تركز بشكل متكافئ على عناصر “التصميم” و”البرمجة” في شبكات البلوكتشين، وهو هيكل غريب بالنسبة إلي، بالرغم من أن لدي خلفية بعلوم الحاسب.

أجاب شلومب، وكأنه يقرأ أفكاري؛ إذ قال: “لم أرغب في أن تسير المادة بنظام ‘إليكم شبكة بلوكتشين، اذهبوا وبرمجوا. نحتاج إلى تدريس الهدف من استخدامها، والأهم من ذلك، وضعها في السياق المناسب الذي يجعلها ملائمة لمشروع ما. وأن يستطيع الطلبة أن يعرفوا لماذا نفضل البلوكتشين على قاعدة البيانات”.

يعد هذا المنهج الذي يعتمد على التصميم أولاً بمثابة نقلة في منظور الأكاديميين للبلوكتشين خلال العام الماضي. إذ يجسّد في كثير من الأشكال صناعة أكثر نضجاً وتركيزاً، ولا تكتفي فقط بتطوير الأشياء وبيع التوكنات. فالمنتج يحتاج لمكان؛ مكان في السوق وفي البيئة التشريعية وفي عقول الناس. ولا يمكن للبلوكتشين أن تكون معلقة في الفراغ. وشلومب هو واحد من الكثيرين الذين ظلوا وقتاً طويلاً يبحثون عن أسباب لعدم استخدام البلوكتشين، والذين أدركوا أيضاً مع الوقت أن حالات الاستخدام الأكثر أهمية تأتي جنباً إلى جنب مع جعل ساحة اللعب أكثر تحديداً. وبعد أن رسخت هذه الفكرة في أذهانهم، بدأ الأكاديميون في إعادة صياغة أسئلتهم. وللتأكيد، لا زلنا نسأل عن كيفية تحسين البروتوكولات، وهل يمكننا دفع هذه الحدود إلى أبعد من ذلك أم لا، وهذه الأسئلة لا تقل أهمية الآن عما كانت عليه من قبل. ولكن هذه النقلة الفكرية أدت إلى انضمام مشاركين جدد واهتمامات وأسئلة جديدة أيضاً، مثل: لمن ولماذا نصمم هذه الأشياء؟ وما هي النتائج المستقبلية لما نقوم به الآن؟ كيف تعد البلوكتشين ملائمة لهذا أو ذاك؟

لم يعد تطوير الأشياء وبيع التوكنات فقط كافياً. فالمنتج يحتاج لمكان؛ مكان في السوق وفي البيئة التشريعية وفي عقول الناس.

وقد أعطت سمر كيم، وهي مدرس مساعد بكلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا إيرفين U.C Irvine، تفكيراً ملياً لهذا الأمر، إذ قالت:

“تعمل كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا تقريباً كشركة ناشئة. إذ توفر لدي فرصة التعرف على التكنولوجيا الحالية، وهو ما أفعله تماماً. وكثيراً ما أفكر في أن التكنولوجيا يمكنها المساعدة في حل المشاكل القديمة”.

تذكرنا عبارة كيم بشكل ما بطفرة الطرح الأولي للعملة (ICO) في عام 2017، حين كثرت العبارات التي تعزز من دور البلوكتشين في حل المشاكل اليومية، التي لم يكن الكثير منها في حاجة لحلول قائمة على البلوكتشين. ولكن هناك تمييزاً جوهرياً، وهو ما يصنع الفارق برمته. ففي هذه المرة، في عام 2019، يحاول الأكاديميون، بشكل مطلق، بناء عالم أفضل للآخرين بدلاً من أنفسهم. يتركز اهتمام كيم على استخدام البلوكتشين لإيجاد قنوات جديدة يمكن للمحامين من خلالها إضافة قيمة تفيد صناعة القانون ككل، وهي تبحث في أمور عدة، من بينها الاستفادة من اللامركزية والمحفزات الاقتصادية في مساعدة حاملي الأسهم على استعادة صوتهم، ومؤخراً، يبدو هذا ممكن الحدوث دون التصادم مع توجهات الحكومة. ولم يعد السؤال الأكثر شيوعاً في المجتمع الأكاديمي هو “ماذا لو؟”، لكن أصبح “كيف؟”.

قالت كيم: “السؤال الأكبر هو كيف يمكن تحويل الأفكار الطموحة إلى حقائق؟”.

كانت كلمات كيم حاضرة في ذهني حين قابلت آري جويلز، المدير الشريك في مبادرة كورنيل للعملات المشفرة والعقود (IC3). وخلال محادثتنا، كان جويلز دائماً ما يعود إلى مفهوم واحد على وجه التحديد، وهو مُدمج في تكوين المبادرة، ولكنه سرعان ما اكتسب اهتماماً رئيسياً في المجتمع الأكاديمي.

خلال الحديث، وجهت له هذا السؤال: “ما هو الطريق الأفضل الذي يجب أن يسير فيه مجال البلوكتشين؟”. وكنت أعرف جوابه مسبقاً. والذي كان: “التعاون متعدد الاختصاصات”.

تذهب هذه الفلسفة، على الأقل بالنسبة لجويلز، إلى ما هو أبعد التعاون الاسمي بين الأقسام المختلفة. ففي مبادرة (IC3) هناك خمسة مديرين، ثلاثة منهم آتين من مؤسسات أخرى، واثنتان من هذه المؤسسات تقع خارج الولايات المتحدة الأميركية. ويتألف طاقم المبادرة من باحثين من جامعات مختلفة وبخلفيات تتراوح من علوم الحاسب إلى القانون إلى المالية. تعمل بعض الاختصاصات جيداً إذا كانت منعزلة في صومعة، ولكن البلوكتشين، وهي تحلق في المناطق المشتركة بين العديد من المجالات والفلسفات والحكومات لن تستطيع هذا. وبدون وجهات النظر الأخرى، ستكون النقط العمياء لدينا هائلة.

قد يكون عالمنا اليوم أصغر من أي وقت مضى، ولكن البلوكتشين دمرت أيضاً الكثير جداً من الحواجز، وربطت البشر ببعضهم أكثر؛ لذا، لم يعد مصطلح “العالم الأصغر” تشبيهاً مناسباً. وجويلز إذاً يفكر في التصميم من الناحية الأخرى: كيف يمكننا تشكيل عالمنا لكي يستفيد الاستفادة القصوى من البلوكتشين؟ وإلا هذا الحد، تمثل مبادرة IC3 حركة في الاتجاه الصحيح للمجتمع الأكاديمي في مجال البلوكتشين. وفي حديثي مع جويلز قلت عنها: “تُعد منظمة عالمية متعددة التخصصات مكرسة لدراسة البلوكتشين محض إنجاز”، ولكن جويلز كان صامتاً يتأمل الفراغ مثلما يفعل الشخص حين يفكر في كم الأشياء التي عليه إنجازها. وقد قال: “إن أحد أهدافنا الداخلية لا زال هو تعزيز مشاركة مجموعات الأقلية التي لم تحصل على ظهور كافٍ”.

بدا سعيداً دائماً، ولكن غير راضٍ أبداً.

المُضي قُدُماً

ظهرت تطويرات هائلة في البلوكتشين خلال العام الماضي، كان معظمها بقيادة الأكاديميين. إذ رأينا أول منظمة لامركزية مستقلة ذات مسئولية محدودة من فيرمونت، وتقدم تشريعي هائل في وايومنغ، ومادة مفتوحة لأخلاقيات البلوكتشين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. نعم، لقد حققنا تقدماً هائلاً.

وإلى هذا الحد، وعلى عكس ما هو بديهي، فإني آمل في أن نتخذ خطوة للوراء في العام المقبل. لقد انتقلنا من التفكير في طريقة لتكيف البلوكتشين مع البنية التحتية القائمة إلى التفكير طريقة تعيد تشكيلها لكي تبقى داخل حدود هذه البنية التحتية. وفي عام 2020، قد نريد التفكير في أي من المكونات الحالية لمجتمعنا ستلائم عالم الجيل الثالث للويب Web 3.0. تقول الدراسات الحالية إن البلوكتشين قد تكون طريقة مثيرة للاهتمام للإخلال بالهيكل القائم لملكية الشركات العامة، ولكن تطبيق فكرة الشركات العامة في مستقبلنا يعد أصعب من أي وقت في ماضينا. أما عروض توكنات الأوراق المالية على سبيل المثال، فكان ينظر لها كطريقة للالتزام بالرقابة التشريعية، في حين يمكن أن قوانين اختبار هاوي Howey Test وأوكتوجيناريان للأوراق المالية هي التي تحتاج إلى التحديث. وعلى نفس الشاكلة، قد تكون المنظمات اللامركزية المستقلة ذات المسئولية المحدودة إمكانية جيدة لتجريب التغيير في المستويات الرئيسية في هيكل الشركات.

وبإعادة النظر في بعض هذه القضايا الرئيسية، يمكن أن يساهم الأكاديميون في مساعدة البلوكتشين في المضي قدماً خلال تطورنا التكنولوجي. وبشكل مطلق، قد يكون النظر إلى الوراء، على الأقل لفترة وجيزة، هو الطريق الأفضل لبناء المستقبل.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.