مع كون الصين لا تزال في الصدارة، بدأت دول أخرى تعمل على إحراز تقدّم بمشروعاتها لتطوير أنظمة دفع تدور حول العملات المشفَّرة الصادرة عن البنوك المركزية CBDC. كمبوديا، على سبيل المثال، كشفت في الآونة الأخيرة أنَّها تعتزم سك عملتها الخاصة خلال أشهر. يأتي هذا الخبر بينما تشير مزيد من التفاصيل حول اليوان الرقمي الصيني إلى كون غرضه الرئيسي هو أن يحل محل النقود في ظل نظام يوفر “مجهولية خاضعة للرقابة”.
كمبوديا تصبح الدولة التالية التي لديها عملة خاصة قيد التطوير
ستُصدر كمبوديا العملة المشفَّرة المدعومة من الحكومة من أجل دعم ما قدّمته على أنَّه “منصة للمدفوعات وتحويل الأموال قائمة على تقنية البلوكتشين ونظام النظير للنظير” باسم “مشروع باكونغ Project Bakong”. من المفترض أن يبدأ تشغيل النظام في غضون الأشهر القليلة القادمة، حسبما أفادت صحيفة بنوم بنه بوست Phnom Penh Post اليومية، لا سيما وأنَّه يحظى بالفعل بدعم 11 بنكاً، مع توقعات بانضمام المزيد في المستقبل القريب.
كانت تشيا سيري، المدير العام لبنك كمبوديا الوطني NBC، قد صرَّحت للصحيفة اليومية أنَّ مشروع باكونغ بدأ في شهر يوليو/ تموز 2019، وأصرّت على أنَّ النظام سوف يدخل حيز التشغيل خلال الربع المالي الحالي. وفي حين أنَّ الصحيفة وصفت المشروع بأنَّه “شكل كاذب من أشكال العملات المشفَّرة الصادرة عن البنوك المركزية”، صرَّحت مسؤولة البنك المركزي أنَّه سيكون بمثابة “البوابة الوطنية للدفع في كمبوديا”. أضافت سيري موضحةً أنَّه: “سيكون لمشروع باكونغ دور مركزي في ضم جميع الجهات الفاعلة في مجال المدفوعات بكمبوديا للمنصة ذاتها؛ الأمر الذي سيسهّل على المستخدمين النهائيين تسديد المدفوعات لبعضهم بغض النظر عن المؤسسة المصرفية التي يتعاملون معها. وفي نهاية المطاف، نأمل أن نسمح بالدفع عبر الحدود من خلال نظام باكونغ أيضاً”.
من بين البنوك الخاصة التي تساعد في المشروع بنك بنوم بنه التجاري PPCB، الذي كان يعمل على نشر النظام الجديد في جميع فروعه؛ إذ ذكر رئيس البنك، تشين تشانغ موو، أنَّ باكونغ أرخص تكلفةً وأكثر فائدةً مقارنةً بخيارات الدفع وتحويل الأموال التقليدية من قبيل بطاقات الائتمان ومنصات الهاتف المحمول.
علّق المصرفيّ أيضاً على المخاوف المتعلقة بأنَّ المؤسسات المالية مثل مؤسسته ربما تخسر حصتها في السوق لصالح باكونغ؛ فهو يعتقد أنَّ المشروع سيسهّل على المدى البعيد تأسيس نظم إيكولوجية مالية أكثر شمولاً تكون ذات فائدة للجهات المعنية في القطاع كافةً؛ إذ لا يزال قطاع المال في كمبوديا غير ناضج نسبياً من ناحية عدد مزودي الخدمات والمستخدمين، حسبما أشار.
ميّز تشانغ موو بوضوح بين مشروع باكونغ والعملات المشفَّرة اللامركزية المفتوحة للجمهور مثل البتكوين (BTC): مشروع العملة المشفَّرة الكمبودية عبارة عن نظام مُغلق مدعوم من البنوك والسُلطات المالية في الدولة، وبالتالي لا يترك أي مجال للمضاربة. وكشف أيضاً عن أنَّ محافظ مشروع باكونغ سوف تكون متصلة بالحسابات المصرفية، مما سيسمح للمستخدمين بتداول عملاتهم المشفَّرة مقابل العملة النقدية للدولة؛ إذ صرَّح المصرفيّ قائلاً: “سوف تُجرى المعاملات كافةً على أساس فوري، على أن تُحفظ سجلاتها بطريقة مأمونة لدى بنك كمبوديا الوطني”، مضيفاً أنَّ البنوك المركزية الأخرى ستطور أنظمة مماثلة على الأرجح.
يجب على اليابان أن تكون مستعدة لإصدار عملة مشفَّرة صادرة عن البنوك المركزية، بحسب نائب محافظ بنك اليابان
كانت الحكومات والجهات التنظيمية الأخرى تهتم بالتطورات المتسارعة في مجال العملات المشفَّرة الصادرة عن البنوك المركزية، بما في ذلك الاقتصادات والأنظمة المالية الأكثر تقدماً مثل اليابان: ففي حين أنَّ طوكيو ليست لديها أي مخططات حالية لإصدار عملة مشفَّرة، صرَّح نائب محافظ بنك اليابان BOJ، ماسايوشي أماميا، مؤخراً أنَّ المؤسسة يجب أن تكون مستعدةً لإصدارها مع ذلك؛ حيث نقلت وكالة رويترز الإخبارية عن أماميا قوله: “إنَّ وتيرة الابتكارات التقنية سريعةً للغاية. وتبعاً لكيفية تطوّر الأمور في عالم أنظمة التسويات المالية، من المحتمل أن يرتفع الطلب العام على العملات المشفَّرة الصادرة عن البنوك المركزية بشدة في اليابان”.
لكن إذا كانت اليابان لا تزال مترددةً وكمبوديا لم تنضم لسباق العملات المشفَّرة سوى مؤخراً، فإنَّ الصين هي المتصدرة منذ فترة في آسيا من حيث التقدّم المحرز نحو الإصدار الفعلي لعملة مشفَّرة صادرة عن البنوك المركزية؛ إذ إنَّها بدأت العمل على إصدار واحدة منذ خمسة أعوام تقريباً، وكثّفت جهودها بعد إعلان المشروعات الخاصة، من قبيل عملة ليبرا Libra من شركة فيسبوك Facebook. صحيح أنَّها لم تعلن إطاراً زمنياً للإطلاق المرتقب، إلا أنَّ بنك الصين الشعبي PBOC يستعد لبدء تجارب اليوان الرقمي بمشاركة أربعة بنوك تجارية مملوكة للدولة وثلاثة من مشغليّ خدمات الاتصالات.
غير أنَّ الهدف من وراء تلك المشروعات ربما يكون مختلفاً كلياً: ففي الدول التي واصلت حكوماتها قمع أسعار الفائدة كإجراء للحيلولة دون حدوث أزمة مالية، بإمكان العملات المشفَّرة أن تجعل من الأسهل على البنوك المركزية استحداث أسعار فائدة سلبية على الودائع والإبقاء عليها. أيضاً، قد يكون الحدّ من النقود المتداولة هدفاً رئيسياً آخر لها؛ لا سيما وأنَّ السُلطات تستهدف التهرّب الضريبي وغسل الأموال وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، وفي الوقت نفسه تقيّد الخصوصية المالية.
اليوان الرقمي الصيني سوف يوفر “مجهولية خاضعة للرقابة”
ثمة تحليل نشرته الشركة الصينية هواتاي للأوراق المالية Huatai Securities يكشف مزيداً من التفاصيل حول نظام العملة الرقمية للدفع الإلكتروني DCEP الذي تضع الصين اللمسات الأخيرة عليه حالياً. لقد صار من الواضح أنَّه، بخلاف للعملات المشفَّرة اللامركزية، سوف تدخل العملة الرقمية للدفع الإلكتروني حيز التشغيل في بيئة مركزية يديرها بنك الصين الشعبي. إنَّها عملة “مشفَّرة قانونياً” ستمثّل شكلاً رقمياً للرينمينبي (RMB). وبعكس أنظمة الدفع القائمة على منصات مثل أليباي Alipay تعمل على تحويل الأموال الموجودة في النظام الحالي للحسابات المصرفية التجارية والمعروض النقدي بنوعيه M1 (عرض النقود) وM2 (الكتلة النقدية)، يهدف اليوان الرقمي يهدف لاستبدال الأوراق والعملات النقدية، أو النوع الأضيق من أنواع المعروض النقدي M0 (النقود المتداولة). ولتحقيق هذه الغاية، سوف تدعم العملة الرقمية للدفع الإلكتروني أيضاً إجراء المعاملات المالية دون الاتصال بشبكة الإنترنت.
سوف يوزّع اليوان الرقمي من خلال نظام مكوّن من مستويين: سيُصدر البنك المركزي العملة للبنوك التجارية مقابل الاحتياطي النقدي لديهم، ثم سيطرحها لعامة الجمهور. ومقارنةً بالنظام النقدي التقليدي، ستقدّم العملة الرقمية للدفع الإلكتروني لحكومة بكين والبنك المركزي الصيني ضوابط أكبر على جميع المعاملات المالية، وهذا أمر يستحيل تحقيقه مع النقود الورقية. وبصفتها بديل للنقود، سوف تشترك العملة الرقمية للدفع الإلكتروني مع العملة الورقية والعملة النقدية الرقمية في بعض الخصائص. على سبيل المثال، يُفترض باليوان الرقمي أن يضمن ما يصفه التقرير بأنَّه “مجهولية خاضعة للرقابة في المعاملات المالية”.
شرح واضعو التقرير ذلك قائلين إنَّ الطرق الحالية للدفع الإلكتروني، من قبيل البطاقات المصرفية ومنصات الدفع الخارجية، تكون متصلة اتصالاً وثيقاً بحسابات مصرفية مُنشئة بأسماء حقيقية. أمَّا نظام العملة الرقمية للدفع الإلكتروني، فسيعمل على نقل القيمة دون المرور بالحسابات المصرفية. كذلك، سوف يتمتع البنك المركزي بإمكانية الوصول لبيانات المعاملات المالية، وبالتالي سوف يصبح بإمكانه تعقّب مصادر العملة الرقمية باستخدام تحليل البيانات الضخمة، بينما لن يكون بمقدور البنوك التجارية والتجّار الحصول على تلك المعلومات. أيضاً، سوف يفتح الأفراد والشركات المحافظ الرقمية من خلال البنوك التجارية، وستتطلب عمليات السحب والإيداع وجود حساب مصرفي مرتبط بها. لكن، وعلى غرار النقود الورقية، لن تتضمن عمليات تحويل الأموال بين المستخدمين رابطاً بين حساباتهم المصرفية والشبكة.
علاوةً على أنَّ المعاملات المالية باليوان الرقمي ستُعالج باستخدام سجل مركزي. وعليه، فإنَّ العملة الرقمية للدفع الإلكتروني تتألف من نظام للعملة الرقمية تابع للبنك المركزي يتولى إصدار العملة وتسجيل ملكيتها، وأنظمة للعملات الرقمية تابعة للبنوك التجارية تؤدي المهام المصرفية، ونظام يوفر المصادقة على التعاملات بين البنك المركزي والبنوك التجارية وأجهزة الدفع.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.