منذ أن قال رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ويليام هينمان في العام الماضي أن الأصول الرقمية يمكن أن يتم التعامل معها كأوراق مالية في البداية إلا أنها تتوقف عن كونها كذلك بعدما تصبح لا مركزية بدرجة كافية، فإن مصدري التوكينات والمستثمرين يتحرقون شوقاً لوجود تفسير كمي لما قاله هينمان.
وساهم إيقاف هيئة الأوراق المالية لتوزيع توكنات تون الخاصة بتيليغرام Telegram في إلقاء بعض الضوء على المقصود من تصريحات هينمان، وإن لم يكن بالشكل المتوقع.
وقد يكون الشكل النهائي هو نوع من تمويل التوكنات الذي سيحاكي الاتجاه المتنامي في الاسواق المحلية.
لامركزة كل شئ
في الخطاب الذي ألقاه في 25 يونيو/حزيران من عام 2018، سعى هينمان إلى الإجابة على سؤال “هل يمكن لأصل رقمي طرح في البداية كورقة المية أن يباع بعد ذلك بشكل لا يماثل طرح الأوراق المالية؟” وفي رأيه، فإن إجابته كانت نعم. واستفاض هينمان في شرحه قائلاً أن “البتكوين، على سبيل المثال، كان لا مركزياً لفترة من الوقت. وبمرور الوقت، فإن شبكات وأنظمة لا مركزية أخرى والتي لا تحتاج إلى تنظيم التوكينات والعملات الموجودة بها والتي يجري تداولها كأوراق مالية”. واستعمل هينمان سبع مرادفات لكلمة لامركزية.
وأقلق استعمال كلمة “لامركزية” في السياق التشريعي مراقبي الصناعة. وفي فبراير/شباط من هذا العام، نشرت أنجيلا والش ورقة بحثية مثيرة للاهتمام توضح فيها مدى التعقيد المصاحب لاستخدام هذا المصطلح في السياق التشريعي.
وأشارت والش في الورقة إلى أن المصطلح يغطي التوزيع اللوجيستي للعقد والتوزيع الإجرائي للحوكمة، وأن وضع معيار كمي لأي منهم صعب للغاية وبلا معنى. إذ تميل الأنظمة، وخصوصاً اللامركزية منها، إلى أن تكون سائلة بمرور الوقت.
وبدا الأمر كما لو أن المشرعين قرأوا الورقة الخاصة بها وأرسلوا لبعضهم مذكرة بخصوصها لأنه، منذ ذلك الوقت، فإن الكلمة قد غابت بشكل كبير من المستندات الحكومية.
ليس تماماً
في العام الماضي، موّل تطبيق التراسل تيليغرام إنشاء بلوكتشين تون باستخدام إعلان خاص والذي ضمن سهولة تخصيص توكينات غرام، والتي ستكون لامركزية بما يكفي لئلا تحتاج إلى أن تسجل كورقة مالية. ولم تقتنع هيئة الأوراق المالية بذلك.
في بداية أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت الهيئة أمراً ضد تيليغرام والشركة التابعة له بوقف إصدار التوكين. ويبدو أن البيان الرسمي قد ركز على النوايا الربحية لمصدري التوكين والمستثمرين الأصليين، وليس على طبيعة التوكين نفسه. ومن اللافت للنظر أن كلمة “لا مركزية” قد ذكرت أربع مرات في المستند البالغ عدد صفحاته 31 صفحة، منهم مرتين في صورة اقتباس من المواد الترويجية لتون، ومرتين كدليل على أن المصدرين لم يهدفوا قط إلى امتلاك أو استعمال التوكينات، وبحسب المستند:
“وبالطبع، وبحسب التعريف، فإن بلوكتشين تون لا يمكنه أن يصبح لامركزياً بحق (كما خطط وروج له في مستندات الطرح) إذا رهن ملّاك الغرام، بخلاف مشتري الغرام، توكن غرام… بشكل آخر، إذا قام كل مشتري الغرام برهن ممتلكاتهم، فإن بلوكتشين تون سيصبح مركزياً وليس لامركزياً، ولذلك، فإن البلوكتشين يصبح عرضة لإساءة الاستخدام وهجمات الأغلبية”.
ولم يكن غياب النقاش حول اللامركزية في المستند مفاجئاً.
وفي مارس من هذا العام، أكد رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات جاي كلايتون رأي المفوض هينمان أن الأصل الرقمي يتوقف عن كونه ورقة مالية، بحسب ظروف الشبكة. وبينما كرر كلايتون معظم حديثه، فإن هناك فارقاً جوهرياً: لم يستعمل كلايتون كلمة “لامركزية” قط.
وفي وقت مبكر في من هذا الشهر، أعلن رئيس هيئة المتاجرة في السلع الآجلة الأميركية رسمياً أنه، من وجهة نظره، أن الإيثريوم (ETH) ليس ورقة مالية. ولم يستعمل كلمة “لا مركزية” أيضاً.
إلى المصدر بشكل مباشر
وسيحبط مصدرو التوكينات الذين كان يألمون أن تهرب الأصول الرقمية من متطلبات الأوراق المالية عن طريق “اللامركزية”، بعد وقف أنشطة تيليغرام والتصريحات الأخيرة التي توضح أن النية أكثر من مجرد مؤشر، وهو المعنى الذي أشار إليه جاي كلايتون، عندما أعلن في العام الماضي أن “كل طرح أولي للعملة هو ورقة مالية”.
وبدلاً من محاربة ذلك، فإن القطاع يمكن أن يستوعب تلك التوضيحات وأن يتعاون مع المشرعين من أجل تسهيل شروط التسجيل. .إذ تعد عملية التسجيل Reg A+، والتي تلجأ إليها بعض المشروعات باعتبارها طريقة توزيع أوسع وأكثر سيولة للتوكينات بدلاً من طريقة التسجيل الأقل تكلفة ولكنها أكثر صرامة Reg D، بطيئة ومرتفعة الثمن. يحاول المشرعون التكيف مع الظروف المتغيرة، وغالباً ما يتأخرون في القيام بذلك، وببطء شديد. إلا أن ذلك يرجع بشكل كبير إلى الموانع البنيوية، وليس إلى ضعف اهتمامهم بالوسائل المبتكرة التي يمكنها أن تحفز الاقتصاد.
وحتى مع العمل بالقواعد الموجودة حالياً، فإن طريقة جديدة للتوزيع قد تبزغ. وكمثال على ما قد يعنيه ذلك، فلسنا بحاجة إلى النظر لما هو أبعد من الإتجاه الناشئ في التمويل التقليدي: الإدراجات المباشرة.
وفي الإدراجات المباشرة، فإن أصحاب مصالح الشركات الخاصة يفرجون عن بعض أو كل ممتلكاتهم لصالح البيع العام على منصة مخصصة لذلك، وبسعر أقل بدرجة ملحوظة من الطرح العام للتداول. وقدرّت سبوتيفاي، وهي أول شركة تطرح للعامة بهذه الطريقة، أنها وفرت 30 مليون دولار أميركي كانت ستدفعها في هيئة رسوم للبنوك.
بوسعنا تخيل إذا كان تيليغرام قد سجل توكنات غرام كأوراق مالية ووزعها على المتستثمرين الأوليين، والموظفين، والمطورين. وفي الإدراج المبشار، فإن مالكي التوكن يمكنهم بيعهم على منصة مخصصة بدون أي موانع. وبرغم أن تلك الطريقة ليست رخيصة، فإنها ستكون أقل كلفة من ناحية الوقت والمال من النزاع القضائي: وسيتوازى انخفاض التكاليف مع ارتفاع الطلب والتقنين.
ومن الواضح أن هناك مساحة واسعة للابتكار في السوق القديمة للطرح العام للتداول، نظراً لارتفاع تكاليفها برغم انخفاض الطلب عليها. إلا أن وسائل التمويل التقليدية لا تزال بطيئة الحركة، وحتّى الآن، لم تلجأ إلا شركة كبرى أخرى، وهي سلاك Slack، إلى الإدراج المباشر.
وبرغم ذلك، فإن وال ستريت تحس بتغير الظروف، ويبدو أنها تدعم التطور. فكلا من مورغان ستانلي Morgan Stanley وغولدمان ساكس Goldman Sachs قد نظموا فاعليتين للإدراج المباشر، وهي الفاعلية التي عقدت لأول مرة في وادي السيليكون هذا الشهر.
وستقابل أي بادرة من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات والمشرعين بتسهيل إجراءات الإدراج المباشر لمصدري التوكنات بالترحيب وستعطي مؤشراً واضحاً لقطاع يرغب بشدة في ذلك التوجه. يتحرك قطاع التمويل في صناعة العملات المشفرة بسرعة كبيرة، وسيجتذب إدراج التوكينات اهتمام اللاعبين التقليديين. ويمكن أن يتجه مستثمري القطاع البنكي في نهاية المطاف إلى تقليد استراتيجيات قطاع العملات المشفرة، وأن يدفعوا في اتجاه تسهيل تشريعات الإدراج على المنصات التقليدية من أجل تشجيع المشاركة مع حماية المستثمرين، وهو ما قد يعطي قبلة الحياة للطروحات العامة الجديدة.
ويمكن أن يستفيد قطاع التمويل بشكل عام من ظهور نماذج الأعمال القائمة على التوكينات، والتي لا تعتمد بشكل أساسي على المساهمات الخاصة والديون، وتعتمد على أسواق رأسمالية أكثر سيولة. يمكننا أيضاً أن نشهد تقارباً بين القديم والجديد بعد تقاطع الحدود والمشاركين، ويمكننا عندئذ أن نقول أن النظام الإيكولوجي للعملات المشفرة قد وصل إلى مرحلة جديدة من النضج.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.