فيناي ناير شريك قائم بالإدارة في شركة Nair Ventures
إذا ما ذهبت إلى السوق التجاري في وقت فراغك، فإنك على الأرجح قد قابلت أنواعاً مختلفة من المتسوقين. النوع المفضل لكاتب المقالة هو ما يسمى بالمتسوق الذي لا ينوي الشراء برغم حماسه (window shopper).
تحاكي تصرفات الحكومة الهندية تجاه صناعة العملات المشفرة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، سلوكيات ذلك النوع من المتسوقين.
هل تحب الحكومة الهندية العملات المشفرة؟ نعم!
هل سيقومون بتبنيها وإدراجها ضمن أدواتهم؟ ليس اليوم.
تكون أو لا تكون، ذلك هو السؤال
لم يمض وقت طويل قبل أن يقلل تقرير ومشروع قانون أعدته لجنة بين وزارية قادها سوباش غرغ من احتمالية تبني الهند للعملات المشفرة كعملة قانونية.
ومؤخراً، مع ذلك، اتخذ تقرير للجنة تسيير أعمال، يقودها نفس الشخص، وهو الوزير السابق للشئون الاقتصادية، موقفاً مختلفاً.
وبدون التنصل من استنتاجات تقرير اللجنة بين الوزارية بشكل واضح، فإن تقرير لجنة تسيير الأعمال قد أشاد بمزايا العملات المشفرة. وبحسب نص التقرير:
ومع ذلك، فمن المهم أن نشير إلى أن الأخير قد ركز بشكل شبه حصري على دور التوكنات المشفرة، بدون التطرق لما يعنيه استعمال العملات المشفرة بالشكل المقصود من وراء اختراعها، أي كنوع من العملات!
وامتدحت لجنة تسيير الأعمال، والتي كانت معنية بتقييم الحدود الجديدة لفضاء التكنولوجيا المالية العالمية، دور التوكنات المشفرة. وقامت بتقسيمهم إلى فئتين وهما الورقة المالية، وتوكن الخدمات، وقال التقرير:
“استعمال التوكنات الرقمية يحل مشكلة تعدد العملات، ويحسن من السيولة وتكاليف التنظيم الرأسمالي، ويسمح بالمدفوعات الصغيرة ويسرّع من إتمام عملية الدفع، مما يقلل من مخاطر السيولة”.
وبالإضافة لذلك، فقد تطرق التقرير إلى استعمال نموذج الطرح الأولي للعملات لشركات التكنولوجيا المالية المتحمسة للحصول على تمويل، ونوّه إلى الطروحات الأولية للعملات والميكانيزمات الأخرى المتعلقة بالعملات المشفرة مسئولة عن “تثوير” فضاء العملات المشفرة ككل. وإذا ما نظرنا إلى ذلك التقرير وحده، فمن الجائز استنتاج أن الحكومة الهندية تتعامل بدفء أكبر مع احتمالية تبني العملات المشفرة والكثير مما تمثله، إن لم يكن كله.
إلا أن ذلك الاستنتاج سيكون ساذجاً..
ففي النهاية، فإن تقرير اللجنة بين الوزارية والذي خضع لنقاش مطول، والمشهور بتوصيته بحظر العملات المشفرة تماماً، قد اعترف أيضاً بمزايا فضاء العملات المشفرة. .
فقد اعترف ذلك التقرير بالابتكارات التكنولوجية، ومنها تلك المتعلقة بالعملات الافتراضية/التوكنات المشفرة، وبإمكانية تلك التكنولوجيات لتحسين كفاءة وشمول النظام المالي.
وبغض النظر عن الاعتراف الذي لا جدال فيه، فإن ذلك التقرير قد أوصى بحظر العملات المشفرة بشكلها الأصلي، واقترح تبني نسخة مخففة، عبارة عن عملة رقمية يصدرها البنك المركزي، وهو ما يمثل العكس التام لقاعدة اللامركزية الخاصة بالعملات المشفرة مما يقلل بالتالي من مصداقية العملات المشفرة.
ويمثل ذك التقرير علامة على عقلية المتسوق المتردد برغم حماسه، فالسلطات الهندية متحمسة بخصوص العملات المشفرة. فمثل المتسوق المتحمس، فإن الحكومة الهندية ينتابها حماس ثم فتور بشأن تبني العملات المشفرة. وفي حقيقة الامر، فقد أشارت وزيرة المالية، نيرمالا سيزرامان، بنفسها إلى التقرير الذي يوصي بحظر العملات المشفرة ووصفته بأنه “مستقبلي للغاية ومفصل بشكل جيد”، وهو ما لا يبشر بإمكانية تغير تلك السياسة ناحية العملات المشفرة في المستقبل القريب.
“يمثل التقرير الأخير تقييماً فحسب لفضاء التكنولوجيا المالية، بدون التطرق إلى احتمالية إدماج العملات المشفرة داخل النظام ومعنى ذلك”.
ولا تعد تلك المرة الأولى التي تنخرط فيها مؤسسة نافذة في استكشاف العملات المشفرة بدون الالتزام ناحيتها. فقد اعتاد فضاء العملات المشفرة على علاقة الكراهية/الحب بين العملات المشفرة والمؤسسة المالية العملاقة جي بي مورغان JP Morgan. وبرغم محاولة الأخيرة لرأب الصدع من خلال تقديمها لمشروع العملة المشفرة JPM Coin، فإن مناصري العملات المشفرة الكبار لا يزالوا متشككين بشأن التزام المؤسسة تجاه اللامركزية الحقيقية.
ليس كل ما يلمع ذهباً
ومع ذلك، فإن ما يدعو للقلق بدرجة أكبر، ليس تردد اللاعبين الكبار مثل الحكومات والشركات، وإنما عدم استعداد معظم الناس للانخراط داخل البيئة الإيكولوجية للبلوكتشين والعملات المشفرة والالتزام ناحيتها.
وقد يدفعنا تناقض موقف الحكومة الهندية المحبط إلى التفكير في أن عالم العملات المشفرة ملئ بالمتسوقين المترددين برغم حماسهم، تماما كالأسواق التجارية الحقيقية. لا يمكن إنكار أن مناصري البتكوين في تزايد مستمر، وأن الكثير من شركات التكنولوجيا الجديدة ترغب في الانخراط داخل عالم البلوكتشين. إلا أنه، وبعد غض النظر عن الأوفياء والراغبين في الربح، فلا يوجد تقريباً رغبة من الأشخاص العاديين في الانتقال إلى العالم اللامركزي المدعوم بالبلوكتشين أو المدار بواسطة العملات المشفرة. إلا أن انخفاض مستوى التبني لا يبدو أنه في صدارة مشاغل مجتمع البلوكتشين والعملات المشفرة.
وإذا ما فحص المرء منا المنشورات والنقاشات اللانهائية حول البلوكتشين على الإنترنت، فبإمكانه ملاحظة أن أغلب تلك النقاشات تتعلق بتوسعة أنظمة البلوكتشين. “زيادة السعة” هي أكثر الكلمات استخداماً في فضاء البلوكتشين والعملات المشفرة لمدة طويلة، ومن غير المفهوم لم تعد زيادة السعة هماً أساسياً لدى مناصري البلوكتشين في الوقت الذي لا يقدر فيه مجتمع البلوكتشين والعملات المشفرة على اجتذاب أعداد كبيرة من السكان لكي ينتفعوا من تلك الموجة “الثورية” الخاصة باللامركزية.
في كل يوم جديد، هناك حالة استخدام جديدة للبلوكتشين، أو إطلاق لعملة مشفرة جديدة، حتّى وإن بقي عدد المستخدمين الفعليين بسيطاً بالمقارنة بعدد ابتكارات البلوكتشين التي تخرج للنور.
كل ما هو جائز خاطئ، وكل ما هو خاطئ جائز
مضى ما يزيد عن 10 أعوام منذ أطلق ناكاموتو البتكوين ليلجأ له الراغبين في “نقد إلكتروني قائم على نظام النظير للنظير”، وبرغم حماس الكثيرين للعملات المشفرة، فإنهم لا يقدرون حتّى الآن على دفع ثمن كوب القهوة أو المجلة باستخدام تلك العملة المشفرة “الثورية”. إلا أن ذلك لم يمنع مبتكري العملات المشفرة من ابتكار المئات والآلاف من العملات المشفرة بكثافة مخيفة، بدلاً من إصلاح المشكلة الأساسية الخاصة بالتبني والكائنة في قلب نظام العملات المشفرة البسيط.
وحتّى في حالة النظام الإيكولوجي للإيثريوم، وهي بدون شك شبكة بلوكتشين ذكية ولها تطبيقات واسعة، إلا أن عدد مستخدميها قليل للغاية.
إذا ما شاهدت حلقات برنامج شارك تانك Shark Tank بكثافة، ستعرف أن القاعدة الأساسية لأي شركة ناشئة واعدة ألا تتوسع بكثافة في وقت مبكر. وبمرور الوقت، تتحول صناعة البلوكتشين بأكلمها إلى مثال صارخ على ذلك الخطأ.
فبدلاً من تعضيد دعائم قاعدة المستخدمين والمحافظ على فوائد التطبيقات الأساسية واجتذاب المزيد من المستخدمين أولاً، فإن صناعة البلوكتشين تتوسع بدرجة متزايدة، وبدون وجود عدد كافي من المستخدمين كانت لتحصل عليهم لو كانت قد تمهلت في توسعها.
وبالنظر إلى الوضع الحالي لصناعة العملات المشفرة والبلوكتشين، فإن الأمر يبدو كما لو أننا بصدد ابتكارات يمكن أن تعرض في المتاحف الفنية لفرط تحذلقها، بدلاً من تعضيد قاعدة المستخدمين أولاً.
ومن الواضح أن مجتمع البلوكتشين قد غابت عنه الفكرة الأساسية الكائنة في قلب نظام البلوكتشين: أن يصل إلى أكبر عدد ممك من الناس وأن يحررهم من قيود التحكم المركزي في بياناتهم وشئونهم المالية.
وبالعودة إلى مثال السوق التجاري، فإن بإمكاننا القول أن مالكي السوق التجاري لن يقوموا بزيادة العروض قبل أن ينجحوا في اجتذاب ولو جزء يسير من المتسوقين المترددين في البداية. وإذا فعلوا ذلك، فلن يتردد طفل في اتهامهم بالغباء.
على النحو ذاته، يبدو أن الوقت قد حان لكي يضع فضاء العملات المشفرة والبلوكتشين اجتذاب المزيد من المستخدمين على رأس أولوياته، قبل إيجاد حالات استخدام معقدة لن ترى النور أبداً.
وبالطبع، فإن السلطات الهندية تعد قضية خاسرة فيما يتعلق بالعملات المشفرة، إلا أن الكثير من المستخدمين متأهبين لاستخدام التطبيقات المتعددة للبلوكتشين والتي تراكمت على مدار العشر سنوات الماضية.
من الأفضل التركيز على ذلك، قبل الالتفات إلى إيجاد حالات استخدام مثيرة للإعجاب على الورق فحسب!
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.