إليزابيث رينيريس، هي مؤسسة شركة هاكيلوير hackylawyER المتخصصة في هندسة السياسات والقوانين وخبيرة بقوانين حماية خصوصية البيانات العابرة للحدود (CIPP/ECIPP/US)، والهوية الرقمية وتكنولوجيا البلوكتشين والذكاء الاصطناعي. في مقالة رأي نُشرت على موقع كوين ديسك CoinDesk، تحدثت رينيريس عن مسألة الهوية الرقمية في شبكات البلوكتشين، وعلاقتها بالمراقبة والخصوصية وغيرها من التساؤلات الشائكة التي لا تزال معلقة في عصر لا تنفك التكنولوجيا فيه عن تكوين إطارات اجتماعية وسياسية وثقافية جديدة. وإليكم نص المقال:
خلال الأشهر القليلة التي قضيتها في مجال التحقق على البلوكتشين، شهدت عدداً لا حصل له من المحاضرات حول الكاريكاتير الذي نُشر في صحيفة ذا نيويوركر The New Yorker في عام 1993 والذي كان شعاره “على الإنترنت، لا أحد يعرف أنك كلب“. قبل ظهور البلوكتشين، كان فهمي لهذا الكاريكاتير على أنه وصف لخيار أصيل وإرادي تمتع به المستخدمون الأوائل للإنترنت في مراحله الأولى، وهو خصوصية وإخفاء هويتهم. والآن، يستخدم هذا الكاريكاتير لتبرير بناء شبكة جديدة كلياً على الإنترنت مدمج بها طبقة هوية معتمدة على البلوكتشين. ولا حاجة لي أن أقول إن الحيرة أصابتني حينئذ.
يتسبب انحياز الإدراك المتأخر في تصوير هذا الخيار الهندسي الوحيد المتعلق بإخفاء الهوية على أنه السبب في كل شيء، بدءاً من التنمر وخطاب الكراهية وصولاً لتضليل الرأي العام والتدخل في الانتخابات وغيرها من الانتهاكات. وبينما يتسبب إخفاء الهوية في تعقيد الجهود المبذولة لاحتواء ومكافحة هذه الانتهاكات، لا أظن أن الحل هو وضع طبقة هوية على شبكة البلوكتشين. على العكس، قد تتسبب في تبعات قاسية وغير مقصودة. ولكن علينا النظر إلى السياق في بادئ الأمر.
في البداية، كانت الهوية هي أحد حالات استخدام البلوكتشين (ولقد عملت في الواقع على أحد المشاريع الأولى لما يسمى “توكنات الهوية identity tokens”). وعلى كل حال، لم تكن البلوكتشين أمراً أساسياً للهوية الرقمية في أي وقت (إذ كانت حلول البنية التحتية للمفاتيح العامة PKI تؤدي الوظيفة على ما يرام). ولكن حين وصلنا لذروة الطرح الأولي للعملات (ICO) في عام 2017، ازداد عدد شركات ومشاريع التحقق من الهوية على شبكات البلوكتشين بشكل واسع، مما أثار التساؤل حول ما إذا كان التحقق من الهوية هو التطبيق “القاتل للبلوكتشين”. ولكن لمَ هذا التحول؟ فبالرغم من أن التحقق من الهوية لم يكن في حاجة إلى وجود البلوكتشين، إلا أنه صار واضحاً أن البلوكتشين تحتاج إلى التحقق من الهوية.
في طريق تحويلنا كافة الأشياء إلى توكنات، فإننا نجعلها بمثابة معاملات مالية ضئيلة، معروضة في “أسواق” بالمعنى الحرفي، بما في ذلك الهوية (هوية للبيع، هل من مشترٍ؟). ومع ارتباطها بإطار الطرح الأولي للعملات، تأتي مع هذه الأسواق أيضاً أسواق ثانوية لتداول التوكنات في حد ذاتها. وهذا الإطار من المعاملات قد أثار شبح التشريعات وتمخضت عنه مجموعة جديدة من متطلبات الالتزام التي اشتملت على، حسناً، الهوية.
ومثلما واجهت حالات الاستخدام الأخرى العالم هذا العالم بقوانينه التنظيمية، كان هناك تقدير متزايد لتحديات الالتزام بتلك القوانين، واعتراف متزايد بحقيقة أن كافة تطبيقات البلوكتشين وحالات استخدامها ستأتي بحل لمعضلة الهوية (مثل “سياسة معرفة العميل” أو التكنولوجيا التنظيمية وأمثالها). ففي عالم ما بعد الطرح الأولي للعملات، انتقت هذه المشاريع إلى طموح جديد، وهو طبقة جديدة للهوية على الإنترنت.
ولن يكون هذا مجرد إضافة طبقة هوية للإنترنت فقط. فمع ابتلاع العالم الرقمي لواقعنا، ستكون تلك الطبقة بمثابة طبقة هوية تُضاف إلى حياتنا برُمتها.
كانت إنشاء طبقة هوية “للإنترنت” مجرد عملية جديدة حين كان هناك فصل بين العالم المتصل بالإنترنت والعالم غير المتصل بالإنترنت. أما الآن، وبينما نأخذ كل شيء إلى الإنترنت عبر الأجهزة المتصلة ببعضها مثل المدن الذكية، والواقع المعزز، والبلوكتشين أيضاً، أصبح العالم الرقمي “يأكل العالم الحقيقي”، بلغة البرمجيات.
وإذا خلطنا الهوية مع أشياء متصلة جميعاً ببعضها، فإننا بذلك ندمجها في كل شيء. نحن بصدد إنشاء عالم تصبح فيه الممارسات الطبيعية هي تعريف الهوية في كافة سياقاتها وجوانبها. وبمعنى أصح، فإن هذا لن يكون مجرد إضافة طبقة هوية للإنترنت فقط. فمع ابتلاع العالم الرقمي لواقعنا، ستكون تلك الطبقة بمثابة طبقة هوية تُضاف إلى حياتنا برُمتها.
وفي محاولاتنا لتعريف بعض الأشياء لحل مشاكل مهمة مثل منع الاحتيال والانتهاكات، نُخاطر بتعريف أنفسنا أكثر من اللازم، ونقضي على أي إمكانية لبقائنا مجهولين في أيٍ من مجالات حياتنا في المستقبل. إنها مخاطر المجتمعات التي بلا نقود، وأكثر ذلك.
للأسف، لا نعطي تفكيراً ملياً لهذا الأمر في مجتمع الهوية الرقمية، حتى وإن كنا نخشى الرقابة وخصوصية المعاملات. ففي العالم “الحقيقي”، يعد الشيء الوحيد الظاهر والدائم الذي يمكن من خلاله التعرف على هوياتنا هو وجوهنا. وقد يكون هذا هو السبب في كرهنا لتكنولوجيا التعرف على الوجه، مما جعل البلديات والمدن تصوت لإيقافها.
نركز انتباهنا في صناعة الهوية الرقمية على الخصوصية وإخفاء الهوية على المستوى الصغير (على سبيل المثال، هل توافق على مشاركة المعلومة س؟ هل تُفضل استخدام براهين المعرفة الصفرية على حزمة المعلومات ص؟) دون الاضطرار إلى اتباع نظام الأسئلة، وهو موجود بالفعل، على المستوى الأكبر (كمثال، هل تحتاج الدولة س إلى نظام هوية رقمية يعتمد على البلوكتشين في الأصل؟).
قد يكون السبب في هذا جزئياً هو أن العديد من الشخصيات الرئيسية في النقاشات التي تدور حول مسألة تحقيق الهوية، وخصوصاً من أتوا من مجتمع المعايير التقنية، لديهم الإطار الخاص بالنسخة البدائية من الإنترنت. إذ نرى نفس الأشخاص (مثل تيم برنرز لي) يحاولون إصلاح ما قد كُسر ولكنهم ينطلقون من نفس النقطة السابقة، إذ يتبعون نفس المنهج الخاطئ الخاص بالفصل بين ما هو متصل وغير متصل بالإنترنت.
يتضاعف هذا الخطر إذا أضفنا له خواص البلوكتشين. في الورقة البيضاء للبتكوين، قال ساتوشي إنه يمكن الحفاظ على الخصوصية على السجلات “عن طريق إخفاء هوية المفاتيح العامة”، ولكن حذر من أنه “إذا كُشف عن مالك المفتاح، يمكن من خلال الربط أن يُكشف عن معاملات أخرى خاصة بنفس المالك”. وبعد عشر سنوات، لا زلنا نفتقد إلى حلول مؤثرة لإدارة المفاتيح. وإذا تواجد سجل شفاف وغير قابل للتغيير لمتابعة دوالّ التعريف الدائمة، فإن المخاطر ستزداد وسبل الحماية ستكون محدودة.
من السهل تخيل مستويات الرقابة الداخلية والخارجية التي تجلبها هذه الطبقة، وكم سيروق هذا الأمر للأنظمة السلطوية. إذ نرى بالفعل هذه المخاطر في الهوية الرقمية بشكل عام (مع أنماط الهوية الرقمية الجديدة، مثلما يحدث في الهند، التي تزداد بسرعة حتى أن الحكومات أخذت في الاعتراف بأهمية السيادة التي تحظى بها شركات القطاع الخاص بسبب التكنولوجيا التي لديها). في الحقيقة، يتوقع البعض بأن هذا يدفع دولاً بعينها لدعم أنظمة الرقابة المعتمدة على البلوكتشين، والتي بدورها ستساعد على مراقبة المعاملات المالية، وبالتالي، مراقبة سلوكيات الناس وحيواتهم.
بمعرفتي بروح مجتمع الهوية اللامركزية، أشك في أن القائمين على إنشاء هذه الطبقة يرغبون في أن يؤول الأمر إلى حالة من التعرف الواضح والدائم على الهوية. بل على العكس، أعتقد أنهم يرون في ذلك لعنةً. وبالتأكيد ليست هذه هي المرة الأولى التي تلقى فيها الصناعة عواقب غير مقصودة (على سبيل المثال، إذ يؤدي إلغاء الوسطاء إلى تكوين وسطاء جدد، ويؤدي التحول الديمقراطي إلى زيادة في تركز الثروة وعدم المساواة، وهكذا) ولكن المجتمع يُدرك احتمالية حدوث هذا.
ومن وجهة نظري، يتوجب على العاملين بالقوانين والتنظيمات والسياسات وغيرها من المجالات المتعلقة بالهوية اللامركزية الإجابة على هذا السؤال: هل سنقبل بهذا المستوى من تحقق الهوية بشكل مطلق، أم أنه في سياقات معينة يحق لنا (ويجب علينا) أن نظل مجهولي الهوية؟
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.