بقلم: سانا أوكايلي
كان عام 2019 مثرياً على نحو مفاجئ للمحتالين والمجرمين السيبرانيين. وكانت من أسهل أهداف هؤلاء المحتالين هي العملات المشفرة، إذ تمنحهم مهرباً سلساً بعد ارتكاب جرائمهم، متلافين بسهولة أذرع قوى إنفاذ القانون والتدخلات البنكية.
أوضح تقرير نشره موقع سايفر تريس CipherTrace أن ما يزيد عن 4.25 مليار دولار سُرقت من منصات تداول العملات المشفرة والمستخدمين والمستثمرين في 2019 حتى الآن.
لا شك في أن هذه الإحصاءات تثير الخوف من احتيالات العملات المشفرة بين المتطلِّعين للانضمام إلى هذا القطاع. وحقيقة الأمر هي أن قطاع العملات المشفرة في حد ذاته ليس احتيالاً. ولكن للأسف، هذه الحوادث التي لا مفرَّ من وقوعها تجعل من مستثمري العملات المشفرة ضحايا بصورة سيئةٍ جداً، لذلك تُفقد الناس إيمانهم تدريجياً بـ”إنترنت القيمة” الذي ما زال قيد التطوُّر. هذا واقع أليم يتحقَّق بسبب النصَّابين المحترفين الذين يميلون إلى استغلال طبيعة تقنية البلوكتشين الناشئة التي تحفظ سرية الأفراد.
ويقول ميغيل كونيتا، أحد كتَّاب موقع ميديام Medium ومنشئ شركات للبتكوين والبلوكتشين في الفلبين منذ 2014: “رغم اعتقادنا أن البتكوين لن تزول في وقت قريب، فاعلموا أن جميع أنواع المضاربة (تداول البورصة وتداول النقد الأجنبي مثلاً) تحمل معها العديد من المخاطر”.
وهناك عدة طرق يستخدمها المحتالون في خداع مستثمري العملات المشفرة الجدد، مثل التصيُّد الإلكتروني phishing، والعروض الأولية الزائفة للعملات، والبرمجيات الخبيثة، وخدع بونزي Ponzi schemes. لكننا سنتحدث اليوم عن نوع جديد من التزوير أصاب عالم العملات المشفرة اللامركزية. إنه نوع محدَّد من احتيالات العملات المشفرة يصحبه مخطَّط كامل للاختفاء بعد سرقة الأموال من آلاف الناس.
ربما كتب الكثيرون عن احتيالات الاختفاء في العملات المشفرة، لكن لم يستطع أحد التفكير في حل للأزمة. أهم ما يجب تعلُّمه لمنع تكرار هذه الاحتيالات ليس فقط التعرُّف إلى مؤشرات الخطر في المراحل الأولية، بل أيضاً تعلُّم كيفية تعقُّب أنشطة المحتالين وأماكن وجودهم بعد “اختفائهم”. هذه هي السبيل الوحيدة لمنح الضحايا فرصةً لاستعادة أموالهم، أو على الأقل لحماية المجتمع من التعرُّض لمزيدٍ من خدع المحتالين، حاسبين أنهم يمكنهم النجاة بأفعالهم.
كيف يبدأ الاحتيال؟
إذا كنت من مداولي العملات المشفرة، أو تقرأ عنها منذ فترة، فلا بد من أنك قد سمعت عن العملات المزيَّفة والعروض الأولية الزائفة للعملات، حيث تطلق جماعة من الناس عملة جديدة (زائفة)، وتزعم أنها تجمع التمويلات لأجل بدء مشروع جديد أو إنشاء شركة جديدة بها. وفي الحقيقة يأخذون الأموال ويدعون سعر العملة يهبط، ثم يغلقون أي مقر لهم ويهربون بالنقود كلها. هذا هو نوع احتيال الاختفاء في العملات المشفرة على ألسنة معظم الناس. ويلقِّبه بلايك ماينر باسم “التهافت على العرض الأولي للعملة“.
ومن أنواع احتيالات الاختفاء الأخرى، وهو النوع الذي أودُّ الحديث عنه اليوم، هو حين يدير شخص أو جماعة من الناس منصة تداول زائفةً للعملات المشفرة. ربما يطلقون عليها منصة تداول نقد أجنبي ويتداولون من خلالها سراً في العملات المشفرة، أو يعلنون ببساطة عن كونها منصة تداول عملات مشفرة ويتظاهرون بأنهم سماسرة أو “رجال أعمال” (دون أية خبرة بإدارة الأعمال). يتصرَّف هؤلاء الأشخاص كمحترفين مشاهير، ويستخدمون منافذهم لفصل عملائهم عن أية أموال كُسبت بعرق الجبين يضعونها على “منصة التداول”. ولا يوجد لديهم نظام قائم لائق للتحقُّق والمراجعة.
ووفقاً للكاتب المحترف ومؤيد تقنية البلوكتشين، فيبن جون جيمس، “إن لم تكن منصة التداول تملك إجراءات للتحقُّق، فقد تكون خدعةً”.
يظل هؤلاء المحتالون يترصَّدون أية فرصة تمكِّنهم من جمع ما يكفي من النقود في أي يوم لكي يغلقوا الشركة بأكملها بين عشيةٍ وضحاها ويودعون أموالهم إلى حساباتهم البنكية الشخصية.
ما هي استراتيجية هروب المحتال؟
يهتم هؤلاء المحتالون على وجه الخصوص بإخفاء هويتهم عن الإنترنت طوال فترة ما قبل الاختفاء. فلا يروِّجون إلا قليلاً جداً لمنصاتهم لـ”تداول النقد الأجنبي” على أية مواقع أو منشورات. والسبب هو تخطيطهم للعودة من جديد بعد السرقة، وحين يفعلون ذلك، بالطبع لا يريدون لأحدٍ أن يستطيع تعقُّب أنشطتهم الجنائية السابقة. ولذلك يحافظون على سرِّيتهم خلال المرحلة الأولى من عملية النصب.
فإلى أين يذهبون بعد “الاختفاء”؟ هل يغادرون البلاد؟ لا. هل يمتنعون عن ممارسة أي نشاط لبضع سنوات؟ لا. هل يضاعفون مباشرةً من النقود التي سرقوها للتو؟ مجدداً، لا!
المحتالون في صميمهم جبناء. لا يملكون الجرأة للانتقال إلى بلد آخر وبدء حياة جديدة في بيئة جديدة كليةً. لذلك يظلون في بلدهم الأصلي ويجدون مجتمعاً جديداً داخل الثقافة ذاتها للاختباء به، بالانتقال إلى مدينة أو ولاية أخرى.
ولا يمتنعون عن النشاط أيضاً. فالأحرى بشخصٍ كوَّن لتوِّه ثروةً دون خبرةٍ في أي مجال عدا النصب أن يتمتَّع بثروته بشراء أشياء باهظة الثمن وتغيير نمط حياته.
ويودُّ كذلك بدء مشروع جديد على الأرجح. لكن لا تنسوا: المحتالون ليسوا متعلِّمين ولا يملكون أية مهارة أو خبرة تمكِّنهم من إدارة الأعمال بنجاح. وفي الوقت ذاته، نظراً لافتقارهم إلى أي خبرة احترافية مثبَتة، فلن يبحثوا عن وظيفة كذلك. ولهذا يؤول بهم المطاف إلى إنشاء شركة جديدة وتعيين موظَّفين. هذا النوع من الناس يفضِّل تعيين حفنةٍ من حديثي التخرُّج لاستغلال قلة تعرُّضهم إلى عالم المؤسَّسات. ويخشى تعيين أشخاصٍ مهرةٍ لتجنُّب اكتشافهم عملية الاحتيال. ويستثمر كل النقود المسروقة، ولكنه يعجز عن مضاعفتها أو جني أي نوع من أنواع الربح لمدة طويلة.
كيف يمكنك تعقُّب المحتال؟
القطاع الوحيد الذي يملك المحتالون خبرةً فيه هو قطاع العملات المشفرة. وبعد نجاحهم في السرقة، يزدادون حماساً على حماسٍ تجاه العملات المشفرة. ومن شأنهم أن يرغبوا في العمل بشيءٍ مرتبطٍ بصورةٍ ما بالعملات المشفرة. ربما لا يحاولون تنفيذ عملية الاحتيال نفسها من جديد، ولكنهم يلتزمون بالعملات المشفرة، محاولين تنفيذ أشياء أخرى باسم شركتهم حديثة النشأة.
إلى جانب ذلك، يغيِّر المحتالون بيانات الاتصال بهم، ولكنهم يحتفظون ببيانات الاتصال بجميع ضحاياهم. وحين يبدؤون “شركة” جديدة، يبدؤون الحديث إلى الأشخاص أنفسهم الذين غشُّوهم باسم جديد ومن قنوات تواصل جديدة. ويسلِّمون قائمتهم الثمينة لعناوين البريد الإلكتروني أو قاعدة بياناتهم لأرقام الهواتف إلى موظَّف تسويق داخلي جديد يعيِّنونه، ويطلبون منه أو منها بدء التواصل مع “قاعدة عملاء الشركة”.
فانتبهوا إلى أية رسائل بريد إلكتروني عشوائية تأتيكم وتطلب منكم الاشتراك في موقع دعائي لعملة مشفرة، أو أية مكالمة تسويقية تطلب منكم المشاركة مع شركة مرتبطة بالعملات المشفرة لم يسبق لكم السماع عنها. رسائل البريد العشوائية هذه ليست مصادفةً. فهي تأتيكم من شخصٍ سبق أن نجح إما كلياً أو جزئياً في الاحتيال عليكم، واحتفظ بعناوين بريدكم الإلكتروني لتكرار خداعكم بقصة جديدة.
إذا كنتم بارعين بالتحرِّي عن الشركات الجديدة، فقد تستطيعون الحصول على بيانات اتصال المحتال الجديدة. ابحثوا عن وثائق تسجيل الشركة المحتالة من أجل الحصول على الأسماء الكاملة والعناوين الجديدة لمساهميها ومديريها. ربما لا يضع المحتال اسمه ضمن الإدارة العليا للشركة، لكن قد يظهر اسمه بصفته مساهماً، أو “شريكاً صامتاً” أو حتى “مستشار أعمال” على موقع الشركة.
قد يتمكَّن هؤلاء المحتالون من الإفلات من الحكومة عن طريق استغلال النظام اللامركزي للبلوكتشين، لكنهم لن يستطيعوا الإفلات لمدة طويلة من شخص يسعى شخصياً للثأر منهم. إن الإمساك بهؤلاء اللصوص أمر ضروري يتعيَّن عليكم للمساهمة في تنمية العملات المشفرة وتطويرها بالإضافة إلى تقنية البلوكتشين.
لا تدعوا أحداً يحتال عليكم ويسرق أموالكم ويهرب بها. ساعدوا المجتمع في جعل عالم العملات المشفرة مكاناً خالياً من المحتالين!تعقُّب محتالي العملات المشفرة بعد اختفائهم
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.