فلاديمير بوتانين معتادٌ على التعامل مع الحقائق الصعبة.
بدأ الملياردير الأوليغاركي إمبراطوريته التجارية خلال أيام “الشرق المتوحش” في التسعينيات، حين كانت أصول الاتحاد السوفيتي القديم معروضةً أمام الجميع واستطاع روَّاد الأعمال الانتهازيون جني ثرواتٍ مهولةٍ إذا تواجدوا بالمكان المناسب والوقت المناسب.
بوتانين هو نجل أحد مسؤولي التجارة الخارجية، وقد وضع برنامج القروض مقابل الأسهم سيئ السمعة الذي سمح لجماعةٍ من رجال الأعمال بشراء أهم الكيانات الصناعية في روسيا بثمنٍ بخسٍ، ليصبحوا لاحقاً أثرى أثرياء البلاد. ثم أسَّس نوريلسك نيكل Norilsk Nickel أو نورنيكل Nornickel، أحد أكبر منتجي معدن البالاديوم والنيكل المكرَّر في العالم.
تتكون ثروة بوتانين من المعدن. لكن الأسبوع الماضي، بينما كان يجلس بأحد فنادق نيويورك الفاخرة، ذهب عقله إلى أشياء أقل ماديةً، كالتوكنات الرقمية والسجلات الموزعة.
كان يبدو مسترخياً بقميصه الـpolo وسترته، وناقش بوتانين -البالغ من العمر 58 عاماً- كيفية تمثيل المعادن كأصول رقمية (مصنوعة باستخدام IBM)، وتسيير أعماله بقواعد بيانات موزَّعة (مبنية على مجموعة سجلات موزَّعة)، ومنح المستثمرين طرقاً جديدةً للمشاركة في أعماله. يريد بوتانين جذب المزيد من المؤسسات الروسية إلى التفكير في كيفية استغلال تقنية البلوكتشين.
اقتداء بفيتاليك
نبع فضول بوتانين نحو تقنية البلوكتشين جزئياً من الاستماع إلى فيتاليك بوتيرين، صانع عملة الإيثريوم (ETH)، على حد قول الملياردير.
وهناك تفصيلة مثيرة للفضول: إن بوتانين يعشق لعب الهوكي ويشتهر بلعبه مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتن في مبارياتٍ للهواة، وقد استثمر في الماضي مبلغاً في شركة ناشئة لتحاليل الهوكي أسَّسها أحد أصدقاء والد بوتيرين.
ومع أن بوتانين لم يلتقِ ببوتيرين شخصياً، فقد سمع فيتاليك يتحدث عن البلوكتشين وقد جذب اهتمامه، إذ قال: “بالطبع شجعتني معرفة ما يفعله وما أنجزه على أن جيل الشباب يسير في ذلك الاتجاه. [فارتأيت] أن أكون على دراية بما يفعلونه ولماذا، وينبغي أن أستفيد من هذه التجربة”.
وبعد معرفته المزيد عن البلوكتشين، خطر له أن نورنيكل يمكنها الاستفادة من تبنِّي هذه المبادئ، كاستعمال قواعد البيانات الموزَّعة على سبيل المثال في إدارة بيانات إنترنت الأشياء من أعمال صهر المعادن التابعة له.
وفي الوقت ذاته، يقول بوتانين إن نورنيكل كذلك توكناً خاصاً بها يوفِّر طريقةً جديدةً أكثر مرونةً لإدارة عقود المبيعات، وطريقةً جديدةً لمشاركة المستثمرين بأعمال الشركة في شمال سيبيريا.
عملات البالاديوم
جاء على لسان بوتانين: “نحاول رقمنة جميع عقود مبيعاتنا لأن هذا يبدو أكفأ، ولأن تكاليف المعاملات أقل، ولأنه يضيف مرونةً لعملائنا”. فأحياناً قد يطلب عملاء نورنيكل -كشركات السيارات- كميةً زائدةً من البالاديوم ويحتاجون إلى إعادة النظر في عقودهم وشراء كميةٍ أقل مما طلبوه في البداية. ووفقاً له، سيكون من الأسهل إدارة ذلك إذا حُوِّل العقد إلى توكن.
وأضاف: “إذا لم تكن بحاجة إلى كمية معينة من الخام، فيمكنك قسم التوكن إلى أجزاء وبيعه إلى عملاء آخرين. وبالنسبة لنا، لن يتغير شيء: سنشحن البالاديوم وسيحصل العملاء على قدر ما يحتاجون إليه”.
وأكمل بوتانين بأن التوكنات ستكون مدعومةً إما بضمان نورنيكل لشحن الأطنان الفعلية من المعدن وإما بواسطة حسابات معادن خاصةٍ في أحد البنوك إن لم يكن المشتري بحاجةٍ إلى البالاديوم نفسه.
وقد انضمت الشركة هذا الصيف إلى هايبرليدجر Hyperledger، وهو ائتلاف للبلوكتشين تقوده مؤسسة لينكس Linux Foundation. التوكن مبنيٌّ على نظام هايبرليدجر فابريكHyperledger Fabric ومدعومٌ من IBM. (وقت صدور المقال، لم يتسنَّ لعملاقة التكنولوجيا الرد على طلبات التعقيب).
علاوةً على ذلك، تخطِّط نورنيكل لإنشاء سوقٍ لتداول توكنها والتوكنات المماثلة المدعومة بالأصول والصادرة من شركاتٍ أخرى. وذكر بوتانين أن توكن البالاديوم سيكون متاحاً ليس فقط لمديري الموارد المالية والأصول، بل لصغار المستثمرين كذلك.
إذ قال بوتانين: “على سبيل المثال، ترى زيادةً في سعر البالاديوم، لكن تعجز عن الذهاب إلى نوريلسك نيكل وشراء البالاديوم بملايين الدولارات. فهَب أن معك 500 دولار في جيبك، وتريد المراهنة على سعر البالاديوم. [إذاً] تدخل منصتنا وتحصل على نسبة صغيرة من البالاديوم على هيئة توكن”.
وليس كل أحدٍ يريد الاستثمار في شركةٍ حين يكون مراده الحقيقي هو التعرف إلى سلعة أساسية، وقال بوتانين: “التعرُّف إلى نوريلسك نيكل هو تعرُّف إلى روسيا، وإلى التعدين، وإلى الروبل، وإلى الإدارة التنفيذية لنوريلسك نيكل وكياناتٍ أخرى. بعض الناس يحبون هذا لأن بورصة نوريلسك نيكل في ارتفاع. لكن يفتقر بعض الناس إلى الخبرة الكافية لتقييمها”.
ثم ضرب مثلاً باستخدام العقارات، قائلاً: “إذا أردت شراء شقةٍ، فلا يصحُّ أن تشتري حصةً من شركة بناء”.
ووفقاً لبوتانين، يمكن للتوكنات المدعومة بالأصول أن تكون لها جاذبية خاصة للشركات التقليدية، إذ أنها قد تجذب رؤوس الأموال من مستثمري العملات المشفرة.
وتابع: “إنه مصدر رأس مالٍ مثيرٌ للاهتمام منخفض تكاليف المعاملات للغاية. قد تكون طريقةً مثيرةً للاهتمام لتمويل رأس المال العامل”.
ومن جانبه، يؤمن بريستون بيرن، المحامي والمتابع الدؤوب لمجالَي البلوكتشين والعملات المشفرة، بارتفاع الطلب مستقبلاً على نوع مضاربة السلع الذي تتيحه نورنيكل بالبالاديوم المُباع على هيئة توكنات.
إذ قال بيرن: “إذا كنت تشتري بالاديوم في قنطرةٍ مقارنةً بشراء أسهمٍ في نوريلسك نيكل، فتلك أصول مختلفة بمخاطر مختلفة. لا سيما إن خُزِّن البالاديوم في سويسرا بدلاً من روسيا حيث رأيت الاستيلاء على أموال الأوليغاركيين إذا أخطؤوا في حق النظام”.
رهانات السلطات القضائية
تستعد نورنيكل لإطلاق التوكن باستخدام كياناتٍ تجهِّزها الشركة في الولايات المتحدة وسويسرا.
وعلَّل بوتانين ذلك قائلاً: “قررنا ألا نأخذ أية مخاطراتٍ بسمعتنا وأن نمتثل إلى اللوائح بنسبة 100 بالمئة”، مضيفاً: “نحرص أن نكون في تحالفٍ مع الجهات التنظيمية لكلتا الدولتين. سوف نحتاج إلى كلٍّ من قرار الولايات المتحدة وموافقة الهيئة الرقابية السويسرية على الأسواق المالية FINMA في سويسرا لكي ننفذ الإطلاق”.
وبالإضافة إلى ذلك، تهدف خطط بوتانين إلى ما وراء المعادن.
في روسيا، تخوض نورنيكل “نقاشات متقدمة جداً” مع البنك المركزي لأجل تدشين مشروع تجريبي لبيع سلعٍ أخرى بالتوكنات، من تذاكر الطيران حتى صهاريج الشحن. (لم يردُّ البنك المركزي الروسي على طلب التعقيب وقت نشر المقال).
وقد أسهم بوتانين في كتابة تشريعات الأصول الرقمية في روسيا بصفته عضواً من فريق عملٍ مختصٍّ بالبلوكتشين داخل الاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال، وهي جماعة ضغط شكَّلتها أهم شخصياتٍ بمجال الصناعة في البلاد.
ويقطع مشروع القانون طريقه عبر البرلمان الروسي، وبوتانين واثق بالموافقة عليه.
إذ قال: “آمل أن يوافق عليه البرلمان دون عطَلةٍ، وحسب فهمي يمكنني بدء تجربتي في نوريلسك بإطار هذا التشريع وتحت سيطرة جهتنا التنظيمية”.
مخاطر وآمال
يقول بوتانين إنه ليس مهتماً على وجه الخصوص بالعملات المشفرة مثل البتكوين (BTC) والإيثر، وإنه لم يستثمر فيها. إذ ينعت البتكوين بأنها “لعبة” و”تذكار مفيد”، لكنه يقول إن إصدار النقود الإلكترونية ينبغي أن يُترَك للبنوك المركزية.
وأردف: “أتفق مع الجهة التنظيمية الأمريكية في أنها سلعة، وجودة هذه السلعة… لا تعرف حقاً إن كانت جيدةً أم لا، بل تشتريها عالماً بمخاطر ذلك”.
لكنه متحمس بشأن مستقبل التوكنات المدعومة بالأصول كالتوكن الذي تعدُّه نورنيكل، لأن فائدتها تزيد عن مجرَّد القيمة النظرية، ولأنها تحفِّز الناس على التعرُّف إلى السلع المرقمَنة التي ستتاجر فيها: “يحب الناس أنواعاً مختلفةً من الرهانات، على كرة القدم أو الملاكمة مثلاً. فكرتي هي تشجيع الناس للرهان على شيء حقيقي وتعلُّم شيءٍ ما: ما أخبار النفط، والمعادن، والبرامج الإيكولوجية، وما سلوك المستهلكين”.
وبالنظر إلى صيت بوتانين الذائع (وعلاقاته الحكومية)، قد يتساءل البعض إن كانت مشاريع توكن نورنيكل هي حيلةٌ مدبَّرةٌ لتلافي العقوبات المفروضة على روسيا من الولايات المتحدة وأوروبا (بناءً على وجهة نظر أن أسواق المعادن المباعة على هيئة توكنات تخضع إلى رقابةٍ أخف من الأوساط المالية الأخرى).
لكن بوتانين يرفض تلك الفكرة. فلا هو ولا نورنيكل واجه أية عقوباتٍ مباشرةٍ من الغرب حتى الآن.
واستطرد قائلاً: “بالنسبة لي شخصياً، لا أراها حمايةً جيدةً لأن العقوبات تتعدَّى بكثيرٍ قدرتك على امتلاك حسابٍ بأحد البنوك”، مضيفاً: “ما يقلقني للغاية أن الناس قد يتغيرون وهم بالفعل يغيِّرون نظرتهم إلى الروس. سواءٌ كان هذا صحيحاً أم لا، يفكِّر الناس في أنفسهم قائلين: ربما لا ينبغي لي التعامل مع رجل روسي، فمن يدري إن كان معرَّضاً لعقوباتٍ أو ما يحدث له؟”
ولكنه أضاف أنه لا يؤمن بأن هذه النظرة ستمنع مشروع البلوكتشين الخاص به، إذ قال: “في هذا النظام لدينا حالياً في اعلالم، المبادرات الرقمية والتقنية الرفيعة والمبادرات الإيكولوجية هي آخر ما يتعرض للهجوم والتنكيل. هذا ليس علاجاً، لكني أرى في سلك ذلك الاتجاه منفعةً”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.