وضعت البنوك المركزية حول العالم مسألة امتلاك عملات رقمية خاصة بها محل الاعتبار عن طريق إصدار عملة رقمية خاصة بالبنك، وبدأت بعض البنوك بالفعل في تجربة تلك العملات على حالات استعمال معينة. ومن ضمن الدول التي بدأت في استعمال تلك العملات: الصين وسنغافورة وكندا وجزر الباهاما وتايلاند وأوروجواي والسويد. كما أرفقت الهند الروبية الرقمية في مسودة قانون العملات المشفرة الخاص بها.
العملة الرقمية الخاصة بالصين جاهزة تقريباً
ولحقت الصين بركب الدول التي أعلنت عن جاهزية العملة الرقمية الخاصة بالبنك المركزي للإطلاق. وبحسب التقارير الإعلامية، فإن بنك الشعب الصيني “جاهز تقريباً” لإصدار أول عملة رقمية سيادية. وكشف مو تشانغشون، وهو نائب مدير قسم المدفوعات في بنك الشعب الصيني، عن جاهزية البنك خلال المؤتمر الذي عقد في مقاطعة هيليونغجيانغ في العاشر من أغسطس/آب الماضي.
وأضاف تشانغشون أن العملة الرقمية ستستخدم نظاماً ثنائياً سيكون بمقتضاه كل من البنك المركزي والمؤسسات المالية مصدرين قانونيين للعملة، بحسب وكالة رويترز، كما نوّه إلى أن “العملة الرقمية لن تعتمد على البلوكتشين فقط لأن تكنولوجيا البلوكتشين بشكلها الحالي لن تقدر على التعامل مع حجم التعاملات في الصين”. وأضافت النشرة أن بنك الشعب الصيني كان قد بدأ في بحث إمكانية إطلاق عملته الرقمية في عام 2014 بهدف “تقليل تكاليف النقود الورقية ورفع مستوى تحكم واضعي السياسات في عرض النقد”.
التجربة بين سنغافورة وكندا
تتعاون كل من الهيئة النقدية السنغافورية وبنك كندا لتجربة عملة رقمية عابرة للحدود وللعملات. وقام البنكان المركزيان بربط شبكات عملاتهما الرقمية ببعضهما، وهما مشروع جاسبر ومشروع يوبين، والمبنيين على منصات سجلات موزعة مختلفة، بحسب وصف السلطة المالية السنغافورية في مايو/أيار الماضي. وأجريت التجربة بالشراكة مع شركة أكسينتيور Accenture وجاي بي مورجان J. P Morgan. ودعمت الأولى تطوير الشبكة الكندية على كوردا Corda، بينما دعمت الثانية الشبكة السنغافورية على كورام Quorum.
وقالت الهيئة السنغافورية: “عادةً ما تكون أنظمة المدفوعات العابرة للحدود بطيئة ومكلفة، كما أنها معرضة للاختراق من أطراف خارجية، وعدم الكفاءة في التعامل مع السيولة وبطء التسويات. وهو ما دفع البنكين المركزيين إلى استخدام العملة الرقمية الخاصة بالبنك المركزي من أجل جعل المدفوعات العابرة للحدود أرخص وأسرع وأكثر أماناً”، مؤكدة على اعتمادها على شبكة تراسل بنكية. وأضافت الهيئة: “تلك هي المرة الأولى التي يتعاون فيها بنكان مركزيان لإصدار عملة رقمية، وهو ما يعني وجود إمكانية كبيرة لزيادة الكفاءة وتقليل مخاطر المدفوعات العابرة للحدود”.
جزر الباهاما تختبر العملات الرقمية لإتمام المدفوعات
وتعد جزر الباهاما من بين الدول التي تختبر إمكانية إطلاق عملة رقمية تابعة للبنك المركزي. ونشر صندوق النقد الدولي تفاصيل نقاشه مع البنك المركزي في جزر الباهاما في يوليو/تموز الماضي، وتضمنت تلك التفاصيل مجهودات البنك الخاصة بالعملة الرقمية. وبحسب شرح صندوق النقد: “عن طريق السماح بمعاملات النظير للنظير، عن طريق المحافظ الإلكترونية على سبيل المثال، فإن العملة الرقمية يمكنها أن تسهل الوصول إلى أنظمة الدفع الرقمية. ويخطط البنك المركزي في الباهاما لتجريب نسخة رقمية من الدولار الباهامي كوسيلة مدفوعات من أجل حفز الشمول المالي، وخاصة في الجزر الأصغر من الأرخبيل”.
ونوّه صندوق النقد إلى أن: “إصدار العملة الإلكترونية قد يشكل تهديداً على الاستقرار المالي، والأمن الرقمي، وفرصة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب”. ونصح فريق صندوق النقد بـ”الاستثمار في الموارد البشرية والقدرات التكنولوجية لضمان أن النسخة التجريبية، والنسخة الكاملة من العملة الرقمية للبنك المركزي ستتوافق، وتتكامل، مع البنية التحتية المالية”.
التجريب متعدد المراحل للعملة الرقمية في تايلاند
استكمل البنك المركزي التايلاندي المرحلة الثانية من اختبارات العملة الرقمية التابعة للبنك المركزي ضمن المشروع المعروف باسم إينثانون Inthanon. وركزت المرحلة الأولى من المشروع، والتي بدأت في أغسطس/آب من العام الماضي، على تطوير إثبات المفهوم لنظام تسوية كلي لامركزي يعمل في الوقت الحقيقي مستخدماً العملة الرقمية على سجل موزع. وبدأت المرحلة الثانية، والتي اكتملت مؤخراً، في شهر فبراير/شباط من أجل التوسع في استكشاف كيف يمكن استخدام السجل الموزع في مجالين محددتين.
المجال الأول هو “إصدار أدوات دين في صورة توكنات عن طريق بنك تايلاند على سجل موزع من أجل تحقيق نشاطات دورة حياتها، وإجراء تسوية التسليم مقابل الدفع (DvP)”. والمنطقة الثانية هي “دمج الإجراءات التنظيمية ووظائفية تآلف البيانات في عملية الدفع على السجل الموزع، من أجل تحسين كفاءة العملية وتقليل الأخطار التشغيلية والإجرائية”. وصدرت نتائج المرحلة الثانية في شهر يوليو/تموز الماضي.
وسيستأنف البنك قريباً المرحلة الثالثة، والتي تهدف إلى تجربة “تسوية المدفوعات في الوقت الحقيقي المبنية على السجل الموزع، والتي سيتم توسعتها لتتصل بالأنظمة الأخرى من أجل دعم التعاملات المالية العابرة للحدود. كما ستشمل المرحلة الثالثة المسائل التنظيمية والإجرائية الخاصة بالبات التايلاندي والعملات الأجنبية الأخرى”. بحسب بيان بنك تايلاند.
الأوروغواي، والسويد، والبنك المركزي لشرق الكاريبي
وأكمل البنك المركزي في أوروغواي برنامجه التجريبي الخاص بالعملة الرقمية التابعة للبنك المركزي في إبريل/نيسان من العام الماضي، كجزء من خطة أوسع للشمول المالي تنتهجها الحكومة الأوروغوانية. وبدأ البرنامج التجريبي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017 لإصدار وتدوير وتجريب عملة بيزو إلكترونية، بحسب وصف بنك التسويات الدولية.
وأضاف البنك: “جرت التعاملات بشكل فوري، وبطريقة النظير للنظير، عن طريق الهواتف المحمولة باستخدام الرسائل النصية أو عن طريق تطبيق البيزو الإلكتروني”. إلا أنه لم يتم استخدام البلوكتشين. وتم إصدار عشرين مليون بيزو إلكتروني، وألغيت جميعها بمجرد انتهاء البرنامج التجريبي. ويجري حالياً تقييم البرنامج قبل الوصول إلى قرار بشأن التوسع في التجريب أو إصدار العملة.
وبدأ بنك السويد المركزي في العمل على مشروع الكرونة الإلكترونية في ربيع عام 2017 استجابة للرفض الشعبي لاستعمال النقود الورقية. وقال البنك المركزي على موقعه: “ستعطي الكرونة الإلكترونية لعموم الناس نظيراً رقمياً للنقود، وستضمن الدولة قيمة هذا النقد”. وبينما لم يحدد حتّى الآن “ما إذا كانت الكرونة الإلكترونية سيتم إصدارها” فإن بنك السويد المركزي قد أكد على أنه “لا يزال يبحث احتمالات إصدار الكرونة الإلكترونية من أجل ضمان الكفاءة ومن أجل تحسين الاستعداد لملاقاة سوق المدفوعات الرقمي الجديد”.
ووقع البنك المركزي لشرق الكاريبي عقداً مع شركة التكنولوجيا المالية الكائنة في باربادوس بتت Bitt لإجراء تجربة بخصوص العملة الرقمية التابعة للبنك المركزي مبنية على البلوكتشين ضمن اتحاد عملات شرق الكاريبي. وستتضمن تلك التجربة نسخة رقمية ومؤمنة من الدولار شرق الكاريبي (DXCD)، والتي سيجري توزيعها واستخدامها من قبل مؤسسات مالية معتمدة ومؤسسات غير بنكية في البنك المركزي لشرق الكاريبي.
وستُستعمل تلك العملة الرقمية في إتمام التعاملات المالية باستخدام الأجهزة الذكية بين المستهلكين والتجار. وقال البنك المركزي في معرض شرحه لوظيفة العملة: “على سبيل المثال، سيصبح بإمكان المواطن القاطن في سانت كيتس ونيفيس من إرسال العملة الرقمية بشكل آمن من هاتفه المحمول إلى صديقه القاطن في غرينادا في غضون ثوان، وبدون تكلفة لأي من الطرفين”.
الهند منفتحة على تجربة الروبية الرقمية
وتدرس الحكومة الهندية مسودة قانون العملات المشفرة المعنونة بقانون منع العملات المشفرة وتنظيم العملات الرقمية الرسمية لعام 2019. وتسمح الوثيقة للحكومة بإنشاء روبية رقمية لتصبح بمثابة نقود قانونية وعملة، وتعرّف مسودة القانون الروبية الرقمية بأنها “نوع من العملة يصدر رقمياً عن طريق بنك الاحتياط وتوافق الحكومة المركزية على استخدامه كعملة نقدية”.
وتنص وثيقة القانون على أن “الحكومة المركزية، بعد تشاورها مع الهيئة المركزية لبنك الاحتياط، قد توافق على إصدار الروبية الرقمية لكي تكون عملة نقدية قانونية بدءاً من تاريخ الموافقة وحتّى التاريخ الذي سيتحدد في حينه”.
لِمَ تدرس البنوك المركزية إصدار عملة رقمية
وأوضح صندوق النقد الدولي في تقريره في شهر يونيو/حزيران أن عدداً من البنوك المركزية تدرس إصدار عملة رقمية تابعة للبنك المركزي، وأشار إلى أن الاقتصادات المتقدمة والتي لا يجري فيها استعمال النقود الورقية بكثرة تدرس الأمر كوسيلة مدفوعات بديلة.
وبحسب التقرير: “ترجع الأسباب الرئيسية لإصدار عملة رقمية تابعة للبنك المركزي إلى الرغبة في تخفيض التكاليف وزيادة كفاءة السياسة النقدية وتنفيذها، ومجابهة منافسة العملات المشفرة، وضمان تنافسية سوق المدفوعات، وتوفير أداة دفع خالية من المخاطر لعموم المواطنين. وتدرس معظم البنوك المركزية إصدار عملة رقمية غير مجهولة. وكل تلك البنوك تقريباً تفضل مقاربة مختلطة تسمح للسلطات المعنية بأن تتتبع التعاملات. وتركز بعض تلك البنوك على مقاربة مزدوجة تعتمد على توكنات بلا هوية للحيازات والتعاملات صغيرة الحجم، وعملة يمكن تتبعها للتعاملات كبيرة الحجم. وفي الوقت ذاته، فإن الدول ذات الأنظمة المالية المتأخرة تنظر إلى العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية، وهي الرؤية التي يشاركها فيها الكثير من المواطنين غير المتعاملين مع البنوك، كوسيلة لتحسين الشمول المالي وكطريقة لدعم الرقمنة”.
وأضاف صندوق النقد في هذا الصدد: “هناك العديد من العقبات السياسية والتقنية التي سيجب التعامل معها، ولم تظهر حتّى الآن حالة إصدار واضحة المعالم لعملة رقمية تابعة لبنك مركزي”.
وقال أغوستين كارستينز، المدير العام لبنك التسويات الدولية، في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي: “قد تلجأ البنوك المركزية حول العالم إلى إصدار عملاتها الرقمية في وقت أقرب مما نتوقع”، بحسب تقرير جريدة فاينانشال تايمز Financial Times. ومع إعلان فيسبوك عن عملة ليبرا، فإن عدداً من البنوك المركزية، بحسب التقارير، قد كثفت مجهوداتها المتعلقة بالعملات الرقمية التابعة لها. وأكد كارستينز، متفقاً مع صندوق النقد الدولي، على وجوب “وجود طلب على العملات الرقمية الخاصة بالبنوك المركزية، ومن غير الواضح حتّى الآن وجود هذا الطلب”. وأضاف كذلك: “العديد من البنوك المركزية تعمل على ذلك، ونحن نعمل معهم وندعمهم. وقد يظهر سوق للعملات الرقمية أسرع مما نتوقع مما يعني وجوب أن نكون قادرين على تزويد البنوك المركزية بالعملات الرقمية”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.