إذا لم يجذب الأمل في خصوصية أكبر والسيادة المالية الجموع إلى الشبكات المُشفرَّة، فربما تجذبهم القدرة على التعبير عن آرائهم بحرية. مؤخراً، بدأ العديد من الأشخاص الذين لم يسبق لهم الاكتراث يوماً بالعملات المُشفرَّة القائمة على نظام النظير إلى النظير peer-to-peer، الاهتمام بشبكات النظير إلى النظير والتي تقوم على نفس الأسس المناهضة للرقابة. فمع الفوضى التي تسود شبكات التواصل الاجتماعي وحظر حسابات المستخدمين لأوهى الاستفزازات، بدأت جاذبية الشبكات البديلة اللامركزية في السطوع. فإذا ما استمرت منصات يوتيوب YouTube، وفيسبوك Facebook، وتويتر Twitter وغيرها في منهجها الحالي، ربما يكتبوا بأنفسهم نهايتهم، مُعجلين بالنزوح الجماعي إلى الويب 3.0.
رقابة يوتيوب عطية لمنصات استضافة الفيديوهات القائمة على التشفير
هناك حرب معلومات مُستعِرة في أرجاء الويب وكل شيء على المحك. فعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع الأخبار ومنصات استضافة الفيديوهات، تدور معركة دموية لأجل حرية التعبير. وإذا ما انتصر فيلق شركات تكنولوجيا المعلومات وطغاة الإعلام، ستُفرَّض الرقابة على الحقائق الشخصية، وسيُحظَّر المُنشقون وسيُعاد حكي التاريخ الانساني وفقاً لرؤية المنتصر. وفي الوقت ذاته، سُيشطب الأشرار، أشخاص عادية تجرأت على الإفصاح عن آراء جدلية أو شاركت ميمات مثيرة، من سجلات التاريخ كلية.
عندما حُظِّرت صفحات أليكس جونز من منصات يوتيوب، وتويتر، وغوغل بلاي Google Play وأبل Apple في نفس نهاية الأسبوع ليتبعهم فيسبوك بعد وقت قليل، حذر النقاد أنَّ هذه هي البداية فقط. وتنبأوا أنَّه إذا ما حدث ذلك لجونز غريب الأطوار دون إيذاء، فيمكن أنَّ يحدث لأي شخص. وكانوا على حق كما اتضح. فبعد عام واحد من الإطاحة متعددة الأطراف بمؤسس موقع إنفوو وورز Infowars.com، بدأت حرب المعلومات التي تدور رحاها في أرجاء الويب بتكديس الأضرار الجانبية. ولكن كما تزدهر الحياة في أغرب الأماكن سواء كانت أعمق أخاديد المحيط أو أعلى قمم الجبال، استمر المدافعون عن حرية التعبير في المقاومة متمثلة في مجموعة من الشركات المدافعة عن تقنيات التشفير والمناهضة للرقابة مثل غاب Gab، وفيراسيتي Verasity وبيتشوت Bitchute.
الرقابة منحدر زلق. وما أن تخضع شركات تكنولوجيا المعلومات لمطالب كتيبة المؤيدين الحظر banhammer والتي غالباً ما تميل لليسار، سرعان ما يصبح الجميع هدفاً سهلاً. في زمن سابق، التزمت شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر بمبادئ الحرية التعبير المنصوص عليها في دستور الولايات المتحدة الأميركية. وكان أي شيء هدفاً عادلاً، باستثناء التشهير والتهديد بالعنف الجسدي. والنظر إلى منصة غاب الداعمة لحرية التعبير بوصفها راديكالية لالتزامها بنفس المبادئ دليل على مدى تغيّر الأوضاع خلال الخمس سنوات الأخيرة. وفي الوقت ذاته، وَظَفَ فيسبوك 15,000 مُنسِّق يستمدوا تعليماتهم من “متاهة من شرائح عروض برنامج باوربوينت PowerPoint تُوضح كل ما هو محظور”، مما يجعل الشبكة الاجتماعية المُهيمنة “متحكماً قوياً في الخطاب العالمي”.
رقابة يوتيوب تُأجج الطلب على البدائل القائمة على التشفير
بينما يخسر وادي السيليكون أمولاً طائلة إثر مدّ موجة اللياقة السياسية، يعمل الفضاء المُشفرّ، المُكوَّن من تكتلات هلامية من شركات البلوكتشين، والتشفير والويب 3.0 دون أية هيئات صناعية رسمية أو جغرافية أو هيكل هرمي، على تحضير ترياق مضاد. بدأت العملات المُشفرَّة حياتها كإحدى وسائل معاملات النظير إلى النظير. ولكن الأجواء متزايدة العدائية أجبرتها على التحول إلى نظام للمحرومين من حقوقهم الرقمية. فأندرو توربا مؤسس غاب مصيب في الإشارة للبتكوين (BTC) “مال حرية التعبير”.
ظلت غاب مخلصة للبتكوين خلال عملية تطويرها لمتصفح ديسينتر Dissenter وإضافة المتصفح Plugin التي تحمل الاسم نفسه، والذي يُمكِّن مستخدميه من التعليق مجاناً على شبكات التواصل الاجتماعي التي تمقت مجرد فكرة الخطاب غير المراقب. في ذات الوقت، يستمر متصفح بريف Brave في تواجده القوي، وهو قائم على نفس البرمجية التي اشتقتها غاب لتُطوِّر متصفحها الداعم لحرية التعبير. إذ تجاوز لتوه 40 مليون تحميل. كما تبنَّت شركات تقنيات التشفير الأُخرى نموذج الإعلانات القائمة على الاهتمام الذي كان متصفح بريف رائده، مما يمثل حافزاً إضافياً لإقناع المستخدمين بالتخلي عن عمالقة التكنولوجيا ورقابتهم و التحوّل إلى البدائل الأقل حزبية.
فيراسيتي تقود الهجرة إلى المنصات البديلة
فيراسيتي هي شركة لتكنولوجيا التشفير وتحاول أنَّ تحقق للفيديوهات ما حققه بريف لمتصفحات الويب. إذ يُمكِّن حلها القائم على الاهتمام ناشري الفيديوهات من تقديم محتوى لمشاهديهم مقابل المكافآت. وتهدف الشركة إلى دعم تبني منصات داعمة للخصوصية بديلة ليوتيوب، بتوفير وسائل لصانعي المحتوى للتربُّح من محتواهم عبر عدة منصات. ما علاقة هذا بحرية التعبير؟
إقناع المشاهدين بالتحوّل إلى منصات جديدة ليس بالأمر الهين كما تُشير فيراسيتي. وتستشهد على ذلك بمدوِّن الفيديو بيوديباي Pewdiepie، الذي لم يستطع إقناع إلا 0.25% من متابعيه على يوتيوب بالانتقال إلى دي لايف Dlive المنصة البديلة القائمة على البلوكتشين. لذا فتقديم وسائل سهلة لصانعي المحتوى للتربُّح من الأرواح الباسلة التي تنتقل معهم من منصة لأُخرى يوفر شبكة أمان، ويطمئن المدونين على وجود بدائل ناجحة لنموذج أرباح الإعلانات الخاص بيوتيوب.
رغم ذلك، كما يذكر جونسيث Junseth في تدوينته المعنونة “لماذا إيجاد بديل ليوتيوب ليس بالمقترح السهل” قائلاً: “يستطيع عمالقة التكنولوجيا حظر أي شخص أو عمل تجاري إما بطردهم تماماً من منصاتهم أو الامتناع عن بيع مخزون الموقع الإلكتروني. لذا فإن إطلاق منصة تنافس يوتيوب بنجاح وتدر أرباح مماثلة يتطلب إطلاق سوقاً مبرمجة للإعلانات يتربَّح صناع المحتوى عبرها من فيديوهاتهم. لأن شركة غوغل Google تستطيع خفض سعر الاستضافة، وسيكون من المستحيل استضافة محتوى بتكلفة أقل منها”.
ليست شركة فيراسيتي الوحيدة في مسعاها ذاك. إذ بادر منافسون أخرون إلى الترحيب بصانعي المقاطع المؤثرين المطرودين، بعدما أصبحوا شخصيات غير مرغوب فيها على يوتيوب المملوكة لغوغل. (هذه هي غوغل نفسها التي تبذل جهوداً استثنائية لطرد غاب من متجر ألعابها، لأن جزءً من مجتمع مُستخدمي الشبكة الداعمة لحرية التعبير اعتادوا استخدام ألفاظ قاسية.)
وبينما منصة بيتشوت لاستضافة الفيديو ليست قائمة قصراً على التشفير، إلا أنَّها تستخدم نفس تقنية نظام النظير إلى النظير التي جعلت كلاً من بت تورنت Bittorrent والبتكوين فعالين لهذه الدرجة. وهناك أيضاً منصة دي تيوب Dtube، التي تُصرح بأنَّها “غير قادرة على فرض رقابة على محتوى الفيدوهات أو تطبيق المبادىء التوجيهية، بسبب الطبيعة اللامركزية لبلوكتشين إنتربلانيتاري لمشاركة الملفات (IPFS) وتوكنات الستيم (STEEM)”. كما يمكن لمناصري البتكوين كاش (BCH) استخدام منصة سينما دوت كاش Cinema.cash، وهي منصة مناهضة للرقابة لاستضافة الفيديو وتُمكِّن صانعي المحتوي من الحصول على عائد ربحي بالبتكوين كاش.
إذا كنت ستهاجم الملك، فالأفضل ألا يطيش سهمك
رغم كل جرائمها، ما زالت يوتيوب هي الشبكة المهيمنة لخدمة استضافة الفيديو بفارق شاسع. فقد حققت أرباحاً تُقدر بـ 138 مليون دولار أميركي في الربع المالي الثاني من هذا العام فقط، وهي زيادة مذهلة بنسبة 220% عن العام الماضي. لكن، ليس كل ما يهم يمكن قياسه بالدولارات فقط. فبعدما أثارت حوادث إطلاق النار العشوائي بالولايات المتحدة الأميركية هذا الأسبوع مطالبات بفرض المزيد من الرقابة، مستهدفة هذه المرة موقع إيتشان 8chan بعد تردد أخبار عن مشاركة أحد القتلة بيانه عبره، صَاغ ممثل منصة غاب الوضع بشكل رائع لمحرر موقع بازفييد Buzzfeed قائلاً: “مستقبل التواصل ودفق المعلومات عبر الإنترنت لامركزي ومفتوح المصدر. وَلَت أيام صوامع المعلومات المركزية مثل فيسبوك، وتويتر وغوغل. مصادر الإعلام بحاجة لتقبل هذه الحقيقة وبسرعة، لأنَّ المستقبل هنا بالفعل اليوم ولا يمكن لأحد إيقافه. لا أنت، ولا نحن، ولا الحكومات ولا سيليكون فالي”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.