الاقتصاد العالمي نظام معقَّد مر بمراحل مختلفة على مدى القرن الماضي، القرن العشرين. قد يبدو هذا غريباً في يومنا هذا، ولكن كانت هناك فترات زمنية ندرت فيها الأزمات المصرفية، وكانت الأجور ترتفع جنباً إلى جنب مع ارتفاع مستوى الإنتاجية، وكان الدولار الأميركي يشتري قدراً معيناً من الذهب الخالص. صحيح أنَّه كانت هناك نجاحات واضحة في مجالات محددة، إلا أنَّ النظام النقدي العالمي الذي وضع أُسس هذه الفترة من النمو المستقر فشل في نهاية المطاف، وفي ما يلي سبب حدوث ذلك. 

حينما كان مبلغ 35 دولار أميركي يشتري أوقية (31.1 غراماً) من الذهب

بدأت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بوضع نظام نقدي تم التفاوض عليه يرسي قواعد العلاقات التجارية والمالية الدولية. جاء ذلك النظام النقدي نتاجاً لاتفاقية بريتون وودز  Bretton Woods التي تعود لعام 1944، والتي أوجدت نظاماً مالياً جديدًا في عالم مدمّر نتيجةً لأكبر صراع عسكري شهده على الإطلاق. 

انعقد المؤتمر في ولاية نيوهامبشير الأميركية قبل نهاية الحرب، وأرسى الركيزتين الرئيسيتين للتمويل والتجارة العالميين: صندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي للإنشاء والتعمير IBRD، اللذان أصبحا الآن جزئاً من مجموعة البنك الدولي World Bank Group. وتم توقيع الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة GATT، التي حلت محلها بعد ذلك منظمة التجارة العالمية WTO، بعدها بفترة وجيزة. 

وزير الخزانة الأميركي هنري مورغينثاو الابن يُلقي خطبةً أمام مبعوثي الدول ضمن مؤتمر بريتون وودز النقدي، 8 يوليو/ تموز 1944 (المصدر: البنك الدولي) 

تمثَّل هدف الحكومات الداعمة لنظام بريتون وودز، التي كانت العديد منها حليفةً لألمانيا النازية إبان الحرب، في خلق عالم يستحيل أن يحدث فيه صراع مُسلح كبير أو ركود اقتصادي عالمي  مرة أخرى أبداً. كان من المقرر تحقيق ذلك عبر بناء نظام نقدي دولي فعَّال وتقليل الحواجز أمام التجارة الحرة. وقد شارك ما يزيد على 77 ممثل من 44 دولة في الترتيب للاتفاقية على مدار شهر كامل، ولم يتلقَ المصرفيون دعوةً للمشاركة، بالمناسبة.

قرر المبعوثون أنَّ بنائهم النقدي ينبغي أن يعتمد على الدولار الأميركي ليكون العملة الاحتياطية العالمية. وفي محاولة لنسخ نظام غطاء الذهب الذي كان معمولاً به قبل الحرب، ولكن بشكل محدود، رُبط الدولار الأميركي بالمعدن النفيس ذاته بسعر ثابت، وتعهدت حكومة الولايات المتحدة بتحويل الدولارات إلى ذهب بسعر 35 دولار أميركي للأوقية (31.1 غراماً)، فصارت عملة الولايات المتحدة هي غطاء الذهب الجديد، بينما ظلت محتفظةً بمرونتها مقارنةً بالذهب الحقيقي. 

بعد ذلك، أُدخل نظام من أسعار الصرف الثابتة. فيه، رُبطت العملات الكبرى الأخرى كافةً بالدولار الأميركي المدعوم بالذهب، وتعيَّن على الدول المشاركة إبقاء أسعار عملاتها في حدود 1% من سعر التعادل للصرف من خلال إجراءات التدخل في أسواق صرف العملات الأجنبية لديها، مع إجراء عمليات بيع وشراء للعملات الأجنبية بانتظام لإبقاء أسعار الصرف قريبةً من السعر المُستهدف. 

الجانب الجيد، والجانب السيئ، والجانب القبيح

كان نظام بريتون وودز بمثابة اتحاداً نقدياً فعلياً، وكان الدولار الأميركي عملته الرئيسية. ولفترة من الزمن، ولَّد نظام بريتون وودز الاستقرار الذي احتاجه عالم ما بعد الحرب من أجل التعافي وإعادة البناء؛ فلم تتعرض أي دولة كبرى تقريباً لأزمة مصرفية طوال الفترة التي احُترمت فيها الاتفاقية، من العام 1945 وحتى العام 1971. 

إذ جرى تقييد تدفقات أموال المضاربة جداً وتوجيه رؤوس الأموال الاستثمارية للتنمية الصناعية والتكنولوجية بدلاً من قنوات الاستثمار العادية. مساعدة الاقتصادات الوطنية على النمو، واستحداث فرص العمل، وخفض الحواجز التجارية، كلها جاءت لإعطاء السلام فرصة أفضل. وهذا هو ما حدث إلى حد كبير، بصرف النظر عن الصراعات بالوكالة التي حدثت في فترة الحرب الباردة. 

رسم بياني يبين عدد الدول التي تعرضت لأزمات مصرفية خلال فترة اتفاقية بريتون وودز. 

في عام 1971، الرئيس الأميركي يوقف العمل بنظام غطاء الذهب

هناك عدة إنجازات بارزة نتجت من اتفاق بريتون وودز في مجالات متنوعة. ثمة بوابة إلكترونية على شبكة الإنترنت تحمل اسم دابليو تي إف هابند إن 1971؟ WTF Happened In 1971?، وهو العام الذي اتخذت فيه حكومة الرئيس الأميركي نيكسون قراراً من طرف واحد بإنهاء قابلية تحويل الدولار الأميركي إلى ذهب، تلخَّص أغلب تلك الإنجازات، وتدعمها بأرقام مذهلة. مثال على ذلك، إلى أن اتخذت واشنطن قرارها بإنهاء نظام غطاء الذهب للدولار الأميركي، شهد مستوى الإنتاجية ارتفاعاً حاداً، وعلى عكس ما يحدث في يومنا هذا، لم تتخلف الأجور عن مواكبة هذا الارتفاع. 

بعبارة أخرى، فإنَّ ارتفاع قيمة السلع والخدمات قد تُرجم بدوره إلى ارتفاع في أجور العمَّال. هذا الارتفاع في الإنتاجية، الذي بلغت نسبته 119% في الفترة من العام 1974 وحتى العام 1979، وهو آخر عام واكب فيه هذان المؤشران بعضهما، قد تلاه بفترة وجيزة تغيير إيجابي بنسبة 100% في متوسط الأجر بالساعة. منذ ذلك الحين، وحتى عام 2009، نمت الإنتاجية بمعدل هائل بلغ 80%، بينما سجلت الأجور زيادةً بنسبة طفيفة بلغت 8% فقط، كما هو موضح في البيانات المدرجة أدناه. 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.