يعطي اعتماد النظام المالي العالمي على الدولار الأميركي أداة قوية للسيطرة على الشئون العالمية. ولذلك، لا يعد مفاجئاً أن يستغل منافسيها الجيوسياسيين اكتشاف العملات المشفرة لتقويض سيطرة الدولار الأميركي. وتعد آخر الأمثلة على ذلك هي محاولة إيران لإصدار توكن رقمي مدعوم بالذهب.
البنك المركزي الإيراني يوافق على إطلاق التوكن المدعوم بالذهب
في يوم السبت، الموافق الثالث عشر من يوليو/تموز، نشرت وكالة أنباء مهر، والكائنة في طهران، تقريرها عن أول العملات المشفرة الصادرة بإذن من البنك المركزي الإيراني، والمقرر لها الصدور. وصدر ذلك التقرير بحسب الإعلان الذي أصدره مسئول رسمي من غرفة التجارة والصناعة والتعدين الزراعة الإيرانية، وهي مؤسسة غير هادفة للربح والتي تم تأسيسها بهدف دعم النمو الاقتصادي وتطوير أحوال البلاد.
وقال المسؤول، شهاب جافنماردي، إن العملة الرقمية المحلية سيتم تعدينها من قبل مجموعة من شركات تكنولوجيا المعلومات الإيرانية بما يتوافق مع التفاهم مع البنك المركزي الإيراني، كما دعا الحكومة إلى إصدار تشريعات خاصة بقطاع تعدين العملات المشفرة في البلاد. وقال أن: “العملة المشفرة الإيرانية مدعومة بالذهب إلا أن وظيفتها مشابهة للعملات الأجنبية المنافسة”. بالإضافة لذلك، فقد كشف أيضاً عن أن “الهدف من وراء الأموال المشفرة هو تسهيل التعامل مع مصادر البنوك الإيرانية المجمدة”.
وبحسب التقارير، فإن إيران كانت تستعد لإصدار عملتها المشفرة منذ وقت طويل. وقالت وسائل الإعلام المسيطر عليها من جانب الحكومة أن عدداً كبيراً من شركات التكنولوجيا الإيرانية كانت بصدد تطوير ذلك المشروع بالتعاون مع البنك المركزي الإيراني. وفي نفس الوقت، فإن الحكومة الإيرانية قد صعّبت تعدين وتجارة العملات المشفرة على مواطنيها، ولم تلاق الكثير من النجاح في هذا الصدد.
وسائل لتخطي العقوبات الأميركية
ولا تعد العملات المشفرة التي حظرتها الحكومة، أو تلك التي أصدرتها البنوك المركزية، فكرة جديدة. إذ تفكر عدة دول في الأمر، وادعى البعض الآخر أنه جربها بشكل أو بآخر. فعلى سبيل المثال فإن السويد، والمعروف عنها أنها تفكر في إصدار الكرونا الإليكترونية، وهي العملة الرقمية التي يصدرها البنك المركزي، بمساعدة شركات تطوير البلوكتشين الخاصة. ومع ذلك، ومع وضع الدولة الإسكندنافية للأمر في الاعتبار لأنه سيساعد في التحول إلى مجتمع غير معتمد على النقد، بالإضافة إلى عدة عوامل اقتصادية أخرى، فإن أهداف إيران من وراء تحركها مختلفة كلياً.
فعن طريق فرض عقوبات على الدول، تستطيع الولايات المتحدة منع الدول من التصرف بشكل لا يرضيها، وفي بعض الحالات، فإن تلك العقوبات تتسبب في التردي التام للأوضاع داخل تلك البلاد بدون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة. وفرضت الولايات المتحدة العديد من العقوبات على إيران لعشرات السنوات، لذا يجب فهم تحرك الدولة الإيرانية ناحية العملات المشفرة في ذلك السياق. .ببساطة، فإن الهدف الرئيسي لأي أصل رقمي إيراني هو محاولة الالتفاف حول النظام المالي والبنكي العالمي من أجل تفادي آثار العقوبات الأميركية.
ومن الأمثلة الرئيسية على العملات المشفرة المصنوعة بغرض الالتفاف حول العقوبات المالية هي عملة البترو الفنزويلية. وبالتشابه مع التوكن الإيراني المزعوم، فإنه يعد أصلاً رقمياً مدعوماً يستند إلى مصدر آخر، وهو النفط، بدلاً من الذهب. وكان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قد صرّح في ديسمبر/كانون الأول من عام 2017، في معرض تقديمه البترو للمواطنين للمرة الأول أنها ستسمح للبلاد “بإحراز تقدم فيما يتعلق بالسيادة المالية، وأن تسمح بأشكال جديدة من التمويل الدولي بالتواجد في فنزويلا”.
وبالانتقال إلى الواقع، فإن تلك الوعود لم تتحقق، واعتبر الكثيرون أن البترو مجرد خدعة دبرتها الحكومة الفاسدة. ولم تكن البترو مدعومة من الولايات المتحدة والتي فعلت كل ما بوسعها لاستهداف العملة المدعومة بالنفط، إذ منعت الولايات المتحدة مواطنيها من الاستثمار فيها، كما قامت وزارة الخزانة في بداية هذا العام بفرض عقوبات على بنك روسي كان الهيئة الدولية الرئيسية في عملية تمويل إطلاق البترو.
واشنطن يجب أن تقود سباق العملات المشفرة
ولم تفت كل تلك التطورات المتعلقة بالعملات المشفرة على الولايات المتحدة، التي تدرك أن قوتها قد تضمحل إذا نجحت مساعي تلك الدول. فمنذ عدة أيام، نشرت منظمة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية يمينية مقرها في واشنطن العاصمة، تقريراً يحذر صناع السياسات في الولايات المتحدة من ذلك الخطر.
وأشار تقرير المؤسسة إلى أن روسيا، وإيران، وفنزويلا قد بدأوا اختبارات يعترف قادة تلك الدول أنها تهدف إلى إضعاف السطوة المالية للولايات المتحدة على العالم. كما أشار التقرير إلى أن البترو يمثل دراسة حالة لما يمكن أن للأنظمة الأخرى أن تتجنبه إذا ما رغبت في إصدار عملاتها، وأن روسيا وإيران حليفين قويين ويخططان إلى إصدار عملة رقمية بغرض التجارة بعيداً عن نظام التراسل المالي الخاص بنظام سويفت SWIFT.
وركز التقرير على الصين، وهي الغريم الأول للولايات المتحدة في الحرب التجارية. وأسهب في شرح أن الصين تتخوف من التهديدات المتعلقة بفرض عقوبات على مسئوليها. وبينما قد لا تكترث الصين في الوقت الحالي بفرض عقوبات عليها مثل المنافسين الآخرين للولايات المتحدة، فقد نوّهت منظمة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن تقويض السلطة الأمريكية على النظام المالي العالمي واستبداله بسيطرة صينية هي إحدى أهم أولويات الصين في هذه المرحلة. وحذر التقرير من أن تعامل الدول التي يفرض عليها عقوبات مع الصين هو أكبر تحدي يواجه تلك العقوبات. وقال التقرير: “إذا تحرك التعامل التجاري مع الصين إلى منصات البلوكتشين وخارج النظام التقليدي، فقد يغير ذلك من قواعد اللعبة كلياً”.
وترى المؤسسة البحثية أن التكنولوجيا قد خلقت مساراً بديلاً لأنظمة التبادل المالي لا تخضع لسيطرة الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، يقول التقرير: “لذلك، فإن على واشنطن أن تفهم المنافع والتهديدات الناجمة عن التكنولوجيات المالية الجديدة، وأن تحافظ على سلامة النظام المالي العالمي، وأن تطور الخبرة والنفوذ اللازمين لكي تصبح رائدة فيما يبدو أنه سباق عملات مشفرة عالمي”.
وقد يفسر ظهور ذلك التقرير الاهتمام الذي أبدته إدارة ترامب مؤخراً بالعملات المشفرة.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.