تقوم مجموعة من المطورين باختبار الفكرة القائلة بأن مزيجاً من البتكوين والاتصالات عبر الفضاء قد تشكل وسيلة لمنع الحكومات أو الهيئات ذات النفوذ من حظر الأخبار التي لا ترغب في نشرها.
ويعد حظر الأنباء من المشاكل العالمية. أحد الأمثلة المتعلقة بها هي القانون الذي أقرته الحكومة الروسية والذي يعضد من تحكمها في الإنترنت، وهو القانون الذي يخشى المحللون أن يُستخدم في حظر المعلومات التي لا ترغب الحكومة الروسية في انتشارها. ولتلك الأسباب، فقد حاول المطورون لوقت طويل أن يقللوا من سطوة تلك الرقابة باستخدام أدوات تكنولوجية تتراوح ما بين المتصفحات الحامية للخصوصية مثل تور Tor، وتطبيقات المراسلة الفورية مثل زيللو Zello، وقد استخدم الفنزويليون هذا الأخير منذ عدة سنوات للوصول إلى أخبار غير خاضعة لرقابة الحكومة ولتنظيم التظاهرات.
وآخر حلقة في سلسلة المجهودات هي ما يعكف مجموعة من المطورين العالميين عليه في الوقت الحالي، إذ يقومون بإرسال رسائل عن طريق الأقمار الصناعية مع برامج طورتها شركة البتكوين الناشئة بلوك ستريم Blockstream، وهي البرامج التي كانت تهدف وقت تطويرها إلى أن تتيح للناس من جميع أنحاء العالم الوصول إلى البتكوين حتى إن لم يكونوا متصلين بالإنترنت.
وأعاد الشغوفين بالتقنية حول العالم صياغة تلك التكنولوجيا من أجل إرسال الأنباء بحيث لا يمكن حظرها من جانب الشركات والحكومات.
وتلعب البتكوين دوراً محورياً لأن الرسائل نفسها تكلف أموالاً من أجل إرسالها. إذ لا يمكن للمستخدمين إرسال أي عدد من الرسائل، نظراً لمحدودية الفضاء الخاص بذلك المحتوى. لذا يعد استخدام البتكوين، المقاومة للحظر بطبيعتها، أكثر منطقية من استخدام أي وسيلة مدفوعات رقمية أخرى، والتي من الممكن أن يتم إغلاقها من قبل نفس الأطراف التي تحاول حظر الأنباء.
وقد بث أحد المناصرين للبتكوين، ويستخدم الاسم الحركي SafetyFirst، عشرات الأنباء، في صورة حزم يسميها بلوكسات BlockSat. وقد سمى ذلك البث اختباراً “لإثبات الأنباء”، في إشارة إلى إثبات العمل.
وتتلخص الفكرة في أنه بمجرد بث تلك الأنباء، فإنها تتوزع حول العالم. ويستطيع أي شخص لديه لاقط للقمر الصناعي والذي تبلغ تكلفته ما يقرب من 100 دولار أميركي أن يستقبلها.
وبحسب ما قال SafetyFirst في تغريدة: “مستقبل الوصول الحر للمعلومات يحدث أمام أعيننا”.
وفي رسالة إلى كوين ديسك CoinDesk، أفاض SafetyFirst في شرح فكرته قائلاً: “من الواضح أن وصول المعلومات إليك بدون أن يتحكم فيها طرف ثالث يعد أمراً قيماً في بعض الدول التي تسيطر الحكومات فيها على الأنباء والمعلومات أو أي شيء آخر”.
لم يعد الفضاء مقاوماً للحظر
لا يعد استخدام الأقمار الصناعية للتغلب على الحظر فكرة جديدة.
على سبيل المثال، في عام 2012، نظم الناشط نك فار التحرك الذي قاد إلى إنشاء تنظيم Hackerspace Global Grid، الرامي إلى تمويل الأبحاث في مجال الاتصالات التي لا يمكن حظرها عن طريق الأقمار الصناعية. وقام الهواة بعد ذلك بإطلاق أقمار صناعية مصغرة، أسموها كيوب ساتس CubeSats إلى الفضاء.
وبحسب النص الأصلي لدعوة التحرك: “منذ إنشاء النادي الحاسوبي للفوضى Chaos Computer Club، نؤمن بحق الإنسان في الاتصال بالعالم الخارجي. قد يوقف المسؤولون تلك الاتصالات. يأتي هنا دور هاكرسيين Hackerscene في تأسيس طرق جديدة للاتصالات لا توقفها الحدود بين الدول. ويعد إنشاء الشبكات القريبة من الأرض، والتي لا تستطيع الحكومات التدخل فيها أو إيقافها، خطوة مهمة في سبيل حرية الاتصالات”.
وبحسب مقالة نشرتها كوين ديسك في وقت سابق تشرح كيفية عمل ذلك النوع من الاتصالات، فإن المستخدمين يستخدمون الموقع البسيط spacebit.live من أجل إرسال الرسائل عن طريق القمر الصناعي، في مقابل رسوم خدمة بسيطة تدفع بالبتكوين.
وقال المستخدم SafetyFirst: “لا يمكن التلاعب بالأنباء إذا كان بحوزة الشخص لاقط للقمر الصناعي، وبرنامج بسيط، ومعرفة بكيفية استقبال الأنباء. لا وجود لتحكم في الإنترنت، أو بيانات الهواتف الخلوية، ولا تستطيع الحكومات التدخل لعرقلتها. وهناك عدد من الدول القمعية التي تحجب كل شيء بدءاً من مواقع الإنترنت وانتهاءً بكلمات بعينها. في عالم ممتلئ بشركات ترضخ لتلك الشروط، فإن الفعل الصحيح في هذه الحالة أن نمد الناس بكل المعلومات المتاحة”.
وبرغم ذلك، ونظراً لأن شركة بلوك ستريم تتحكم في تلك الأقمار الصناعية، فهناك درجة ما من التحكم لبلوك ستريم وللشركات الأخرى. إلا أن SafetyFirst أصر على أن الأقمار الصناعية، على الأقل، توفر بديلاً عالمياً.
وتقوم الدول بحجب الوصول للإنترنت في أوقات الأزمات (في واقع الأمر، فإن الدكتاتور التشادي قد حجب الوصول للإنترنت لما يزيد عن العام). وعندما يحدث ذلك، سيكون متاحاً للناس خدمة الأقمار الصناعية للوصول إلى المعلومات التي تسعى هيئات بعينها إلى حجبها عنهم.
وفي هذا السياق، فقد أشار SafetyFirst إلى أنه بصدد مساعدة الناس في إرسال رسائلهم بدون الكشف عن هوياتهم. وأضاف: “لهذا السبب أنشأت الخدمة السرية على نطاق أونيون Onion لكي يستطيع الناس بث أخبارهم عبر الأقمار الصناعية دون خوف”. ويمكن الوصول للموقع من خلال المتصفحات الحامية للخصوصية مثل تور أو بريف Brave.
دور البتكوين
ويأتي دور البتكوين في المعادلة من ناحية كونه وسيلة الدفع مقابل الرسائل، بحسب غروبلز، مدير مجتمع بلوكستريم.
كما أن عدد الرسائل التي يمكن إرسالها محدود بحسب النطاق المتاح، بحسب غروبلز.
حتّى الآن، فإن التكلفة ما زالت محدودة، إذ يتكلف إرسال الرسالة إلى الفضاء بضعة سنتات أميركية، نظراً لأن النظام لم يصل لأقصى قدرة تشغيلية بعد. وفي حالة استخدام عدد أكبر من الناس للنظام وبثهم لرسائل، فهناك خاصية المزايدة: حيث سيستطيع الشخص الذي يعرض أكبر مقابل لإرسال الرسالة من بثها بنجاح.
وقال غروبلز: “سعة النطاق محدودة، لذلك فنحن نتيح لمستخدمينا إرسال بياناتهم في حالة وجود طلب أعلى من السعة النطاقية المتاحة”.
وبطبيعة الحال، فإن البتكوين تصبح خياراً منطقياً عند بث رسائل مثيرة للجدل أو مشحونة سياسياً نظراً لأن باي بال PayPal، على سبيل المثال، يستلزم معرفة هوية صاحب الحساب، مما يعرض صاحب الرسالة إلى إيقاف حسابه أو تجميد أرصدته.
فلسفياً، فإن نظاماً نقدياً بلا قائد يبدو خياراً طبيعياً لأنها عملة عالمية، وليست محدودة بدولة بعينها، ولا يمكن لأي شريك حجبها. إذا أردت دفع أموال مقابل بث الرسائل، فإنه من السهل فهم لِمَ تعد البتكوين خياراً طبيعياً.
وأشار فار إلى ذلك، إذ قال: “أعتقد أن هذا الاستخدام هو من أفضل الاستخدامات للبتكوين وأكثرها ملائمة للرؤية التي قامت البتكوين على أساسها: وسيلة لتوحيد الجهود الدولية”.
وتجدر الإشارة أن نظام الأقمار الصناعية يعمل باستخدام نوع جديد من البتكوين: لايتننغ.
ويسمح لايتننغ للمستخدمين بإرسال “مدفوعات مصغرة”، وهي المدفوعات التي لا تستطيع التطبيقات المالية الموجودة حالياً التعامل معها، لأن تكلفة التعامل مع المدفوعات أكبر من اللازم لمثل هذا النوع من المدفوعات.
وأضاف غروبلز: “يعد لايتننغ خياراً ممتازاً للدفع وبث الرسائل بسرعة إذا دعت الحاجة، ويمكنك كذلك دفع مبالغ ضئيلة جداً من البتكوين إذا كانت بياناتك، أو رسالتك، صغيرة الحجم”.
فكرة مجنونة؟
ومع ذلك، فإن ربط البتكوين بالأقمار الصناعية من أجل بث رسائل يصعب حجبها لا يعني بالضرورة أن الناس ستتهافت على استخدام تلك الخدمة.
وسارع فار بالإشارة إلى ذلك. فبينما أشار إلى شبكة الأقمار الصناعية غير المركزية، مثل تلك التي ساعد على إنشاءها في Hackerspace Global Grid، بوصفها الحل الأمثل لمقاومة الحجب، فقد أكد كذلك على أن: “البحث عن الكأس المقدسة يتضمن التعامل مع مجموعة معقدة من المشاكل والتي يراوغ حلها أفضل الهواة”.
وبينما أشار إلى إمكانية حل تلك المشاكل من الناحية التقنية، فإن هناك مشاكل أخرى. وقال لكوين ديسك موضحاً: “أظن أننا بصدد مشكلة تنسيق. أرى أن تلك القطعة كجزء من الحل”. مشيراً إلى أن الناس تعمل على هذا النوع من تكنولوجيا الأقمار الصناعية لما يتجاوز العقد.
ومع ذلك، فقد أشار إلى أن نظام التشغيل لينكس Linux مفتوح المصدر قد كان في البداية حلاً غير واقعياً. وأضاف: “قبل أن يثبت لينكس أن الأمر ممكن، لم يكن بإمكاننا تخيل أن مجهوداً عالمياً بين مجموعة من الأشخاص قد ينتج عنه نظام تشغيل مجاني. الآن، نظام التشغيل هذا يعمل في كل أنحاء العالم. بمجرد أن تنسق تلك المجموعات المتفرقة مجهوداتها، وبمجرد أن يكون هناك عدد كافٍ من الأقمار الصناعية المصغرة في مداراتها، وبمجرد إرساء معايير التشغيل البينية وأن ترتبط القطع ببعضها، فسننجح في إتمام الأمر. بمجرد أن تكون قدرات الإطلاق في نفس سهولة إنشاء مركز بيانات، فستتحول الفكرة إلى حقيقة واقعة”.
وبينما يعد لينكس الآن أكثر أنظمة التشغيل شعبية في العالم. فربما يكون هذا القدر من النجاح سبباً لتفاؤل مناصري البتكوين بخصوص التكنولوجيا.
وقال المستخدم SafteyFirst: “أؤمن أن كل الأقمار الصناعية قد تساعد في تأسيس الجيل الجديد من مشاركة المعلومات. فقط انظروا إلى هذا الشخص الذي يبدي مخاوفه بخصوص المجر اليوم”، في إشارة منه إلى مقالة تم بثها عبر بلوكستريم عن طريق مدون، أعرب في تلك المقالة عن مخاوفه السياسية في البلاد.
وأضاف SafetyFirst: “لا أملك فكرة إذا كانت دواعي القلق حقيقية أم لا، إلا أني أعتقد أنه أمر جيد أن الناس أصبح لديهم منفذ لنشر أفكارهم لكي يراها الآخرون ولكي يمكن تنظيمها”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.