كتب آمي بن ديفيد المقال التالي وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لبلوكتشين الأوراق المالية الرقمية المؤسسية أونيرا Ownera، والشريك المؤسس لشركة سبايس في سي SPiCE VC، والشريك المؤسس السابق لشركة سكيوريتايز Securitize والمستثمر السابق في شركات توكنات الأوراق المالية.

ونشر المقال التالي في النشرة الإخبارية الأسبوعية إنستيتوشنال كريبتو Institutional Crypto التي يصدرها موقع كوين ديسك CoinDesk للسوق المؤسسية.

بعد عشر سنوات من اختراع البتكوين، بدأت السوق العامة في إدراك، بعد دفعة كبيرة من فيسبوك Facebook، أن النقود المشفرة التي تستخدم تكنولوجيا البلوكتشين هي المستقبل.

وخلف الكواليس، تتقدم السوق المستقبلية بالفعل لأنه أصبح واضحاً لجميع الأطراف الفاعلة الكبرى أن التحول الرقمي للنقود ليس وحده هو القادم وحسب، بل والتحول الرقمي لملكية الأصول أيضاً، وهي سوق مالية أكبر بشكل ملحوظ ولها تأثيرات عالمية اجتماعية واقتصادية ضخمة.

وقبل بضعة أسابيع، اشتركت في استضافة ورشة عمل مغلقة للمستثمرين والمصرفيين المؤسسيين بمدينة لندن عن الأوراق المالية الرقمية. وانقسمنا إلى طاولات مستديرة، وكُلفت كل طاولة بمهمة تصنيف مزايا التحول الرقمي للأوراق المالية حسب الأهمية: وهي زيادة السيولة، والكفاءة، والتكلفة، وانسيابية ما بعد التداول، وأسعار الأصول، والملكية الجزئية، والسرعة، وإمكانية الوصول العالمية، والمنتجات المالية الجديدة، ونماذج الأعمال وغيرها الكثير.

وحين جاء وقت عرض النتائج، أصبح واضحاً عدم وجود إجماع في الآراء. إذ توصلت كل طاولة إلى ترتيب مختلف، وفي كل طاولة كان هناك قدر ضئيل من الاتفاق.

وبعد الحدث، تحدثت إلى المشاركين وأدركت أن كل شخص في الغرفة كان يفكر في فئة الأصول التي يفضلها شخصياً. إذ كان بعضهم يصنف مزايا التحول الرقمي للأسهم العامة، وكان البعض الآخر يفكر في الديون العقارية، وكان يفكر آخرون في الأسهم الخاصة.

وفي إطار الصورة المجملة، لا يهم الترتيب، لأن التحول الرقمي حتمي.

الأوراق المالية ستتحول إلى رقمية لأن ذلك ممكن

دعنا نشرح الأمر، ولكن قبل ذلك، إليك سرد مبسط لمعنى التحول الرقمي للملكية:

إن الملكية بالضرورة عبارة عن بيانات. ويوافق المجتمع أن المالك س لديه حق في الأصل ص ويحفظ هذه الحقوق بسلطة المحاكم والشرطة. ومثل أي بيانات، يمكن تحويل الملكية إلى رقمية.

واليوم، معظم الأصول العالمية خاصة. ولتداولها، يخوض البائع والمشتري عملية طويلة ومكلفة، تشمل محامين، ومحاسبين وغير ذلك. وبعدها يوقع الجميع المستندات التي تفصل الحقوق التي يحصل عليها المشتري. وتمثل الملكية مجموع كل الوثائق عبر جميع المالكين. ودعنا نطلق على تلك الوثائق “الملكية التناظرية”.

والأسواق العامة أكفأ، ولديها سجلات إلكترونية بالملكية، ولكنها لا تزال عنصراً غير رقمي. وتتطلب التداولات عدة كيانات لتسوية كل معاملة عبر السجلات الموزعة. وهذه المنصات العامة باهظة التكلفة وغير فعالة، ولها قدرة إطلاق محدودة للغاية.

وبالنسبة لتوكنات الأوراق المالية، تحدد فيها مجموعة رئيسية من الوثائق والعقود الذكية حقوق أي حامل للتوكنات. وتحتفظ البلوكتشين بسجل بمن يملك كل توكن، ومكرر بإجماع، وبالتالي لا يتحكم أي كيان في السجل الموزع.

وحينها يمكنك الاحتفاظ بتوكناتك (بنفسك أو بمساعدة جهة إدارة)، أو تداولها (ويتم التحقق من امتثال كل معاملة للقواعد التنظيمية، باستخدام الذكاء الاصطناعي).

وتصبح الملكية بالضرورة قيمة رقمية يمكن تقسيمها إلى أجزاء أصغر يمكن أن تتدفق على الفور حول العالم.

وليست السمة الرئيسية للتحول الرقمي هي أن توكنات الأوراق المالية مخزنة بالأصفار والآحاد (هكذا تكون “إلكترونية”)، بل إن الأوراق المالية المحولة رقمياً يمكنها التدفق على الفور حول العالم.

ماذا يحدث عندما تتحول السوق

وتمر الأسواق التي تتحول إلى رقمية بأربع مراحل. دعنا نلقي نظرة على سوق الموسيقى على سبيل المثال:

المرحلة 1: التناظرية

الموسيقى مسجلة على اسطوانات فينيل. ويمكنك شراء التسجيلات التي يحصل عليها متجرك المحلي فقط. 

المكافىء في حالة الملكية: معظم المعاملات الخاصة محلية، وتتطلب تواصلاً في العالم الواقعي.

المرحلة 2: الصيغة الرقمية

الموسيقى مسجلة على أقراص مدمجة. وهي الآن أكثر قابلية للنقل، وإلكترونية، ولكن بلا تغيير جوهري.

المكافىء في حالة الملكية: جداول البيانات، وبرنامج إدارة جدول رأس المال.

المرحلة 3: الابتكار!

يكتشف المخترقون أن بإمكانهم إرسال ملفات الموسيقى عبر منصات من نظير إلى نظير سرية، والمشاركة غير القانونية للملفات، ويحاول منتجو الموسيقى بشدة حماية النظام القديم وبعدها ظهور خدمة نابستر Napster، ثم الإجراءات القانونية.

المكافىء في حالة الملكية: تشبه العروض الأولية للعملة مشاركة الموسيقى قبل 20 عام، وكان المطورون هم من أدركوا قدرة التوكنات على ربط الناس بشكل مباشر وتغيير قواعد لعبة جمع المال، وعلى نحو مماثل أيضاً، لم يتطلب الأمر من السلطات سوى عامين للمقاومة وفرض القواعد التنظيمية.

المرحلة 4: الرقمية

وفي هذه المرحلة الأخيرة، أصبحت الموسيقى رقمية بحق وتبنت السوق الصيغة الجديدة بحلول قانونية وتجارية ونماذج أعمال جديدة على شبكة سريعة. وظهرت تطبيقات مثل سبوتيفاي Spotify، الذي يتيح لكل مستخدم بالعالم الاستماع إلى أي أغنية يريدها (ليس عليه شراء الألبوم الكامل)، وفي أي وقت يحب.

والأفضل من ذلك، بمقدور الخوارزميات والذكاء الاصطناعي ابتكار تركيبات وقوائم اكتشاف مخصصة، ويستطيع الفنانون الجدد الدخول إلى السوق بطريقة أسرع وأقل تكلفة، ممولين من نماذج أعمال جديدة كان ليرفضها كل مدير تنفيذي لشركة موسيقى قبل 20 عاماً.

المكافئ في حالة الملكية: الأوراق المالية الرقمية. يمكن للملكية أن تتدفق، مثل الأغاني، فكر في تطبيق يشبه سبوتيفاي يعطي لكل مستخدم إمكانية الوصول إلى كل أصل (يخصه) في السوق العالمية.

وعندما يسأل الناس: “هل سيرغب المستثمرون في الأوراق المالية الرقمية؟” ستكون الإجابة: “هل ما زال الناس يسمعون الأغاني؟”. وبمجرد أن تكون جميع الأوراق المالية رقمية ومتاحة على الفور (في حدود القواعد التنظيمية)، يتعلق الأمر كله بالأصل. وتكون الصيغة فورية وشفافة.

ولكن مع ذلك سيتغير كل شيء، التوافر، والاكتشاف، والتسعير، ونماذج الأعمال مما سيؤدي إلى عالم رقمي متدفق جديد. ولكن هل سيحدث ذلك بين عشية وضحاها؟

بالطبع لا، يجب تجاوز الكثير من العقبات وإيجاد الحلول، ولكن الدوافع قوية للغاية لدرجة أن التحول الرقمي حتمي فعلاً.

الفرق بين المليارات والتريليونات

تعد الموسيقى سوقاً يساوي عشرات المليارات من الدولارات؛ والملكية بشكل عام تنطوي على مئات التريليونات من الدولارات.

وفي الواقع، “الأوراق المالية” اسم جامع لعشرات الفئات من الأصول، وتختلف كثيراً عن بعضها البعض. وكل منها عموماً أكبر من سوق الموسيقى بأكملها وتستهدف أنماطاً مختلفة كلياً من المالكين، ومجموعات المستثمرين، وتدفقات التطبيقات. وتعرض بعضها للبيع بالتجزئة، وكثير منها على الأغلب مؤسسي بكيانات مالية ضخمة تتداول من خلال المصارف الاستثمارية ومنصات التداول الكبرى.

ومع ذلك، تكمن في أعماق كل تلك الفئات من الأصول حقيقة واحدة: وهي أن الملكية لا تزال بيانات ولا تزال تدور حول من له الحق في ماذا، والتي يمكن أن تتحول إلى رقمية أخيراً الآن.