أصدر البنك المركزي الأوروبي، المنظم المالي الرئيسي لمنطقة اليورو، تقريره عن العملات المشفرة وتأثيرها على الاستقرار المالي للمنطقة. اتخذ التقرير موقفاً محايداً من الأصول الرقمية وقال إنها لا تشكل تهديداً اقتصادياً.
موقف الاتحاد الأوروبي من العملات المشفرة
ومع ذلك، وبينما تحتفل صناعة العملات المشفرة بما يعد انتصاراً، فإن العديد من جوانب تقرير البنك المركزي الأوروبي لم تًدرس بشكل كافي.
نمت العملات المشفرة من كونها سوقاً صغيرة إلى صناعة ذات حجم سوقي قيمته 250 مليار دولار أميركي في أقل من عشر سنوات، إلا أنه كان من الصعب ملاحقة ذلك النمو المطرد. فقد عانت الجهات التنظيمية لإيجاد طريقة لتنظيم صناعة وأصول يصعب تتبعها. فمنعت دول مثل الصين وتايوان وروسيا تعاملات العملات المشفرة واتخذت إجراءات استثنائية من أجل التحكم في تلك الصناعة.
واتخذت بلاد أخرى، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، موقفاً أكثر اتزاناً ناحية تلك الفئة الجديدة من الأصول، مما أدى إلى ازدهار هذه الصناعة في تلك الدول.
وأبدى الاتحاد الأوروبي قدراً كبيراً من الحيادية ناحية العملات المشفرة، وبعكس الولايات المتحدة، فإنه لم يصدر أي قوانين بخصوص تلك الفئة من الأصول.
ومع وجود 28 دولة في الاتحاد، فإنه من الصعب إصدار تشريعات تناسب الاحتياجات المالية لكل عضو فيه.
ولذلك، فإن البنك المركزي الأوروبي، جهة التنظيم المالي لمنطقة اليورو، قد أخذ على عاتقه مهمة إجراء تحقيق شامل للسوق كل بضعة أعوام. ونشرت تلك التقارير في أعوام 2012 و2015. وكان عنوان تقرير البنك الصادر في مايو/أيار هو: “الأصول المشفرة: الآثار على الاستقرار المالي، السياسة النقدية، والمدفوعات والبنى التحتية للسوق“، وكان أهم في مضمونه من التقريرين السابقين.
يعد تقرير هذا العام مميزاً، إذ يأتي بعد عام من الهبوط الشديد وفي وقت تستحوذ فيه العملات المشفرة على مستوى من الاهتمام الإعلامي لم تحظ به من قبل. ويعد اهتمام البنك المركزي الأوروبي بالموضوع مؤشراً إيجابياً للصناعة، برغم تشكك الهيئة المالية في العملات المشفرة.
البتكوين ليست نقوداً، وليست تهديداً
وكان المغزى الأساسي لتقرير البنك المركزي الأوروبي هو حقيقة أن الهيئة المالية وصفت العملات المشفرة بأنها لا تشكل تهديداً للاستقرار المالي لأوروبا، إذ قال التقرير: “أوضح تحليل فريق العمل الداخلي المعني بالأصول الرقمية (ICA-TF) أن الأصول الرقمية لا تشكل تهديداً مباشراً في الوقت الحالي على الاستقرار المالي لمنطقة اليورو. القيمة الجمعية لتلك العملات تعد صغيرة بالنسبة إلى النظام المالي، وارتباطاتها بالقطاع المالي ما تزال محدودة”.
وبينما اُعتبر ذلك انتصاراً في أوساط صناعة العملات المشفرة، فإن التدقيق في التقرير يوضح أن الطريق نحو التبني العام للعملات المشفرة ما يزال طويلاً.
وبفحص سوق العملات المشفرة، وسوق البتكوين على وجه الخصوص، فإن التقرير أبدى قلقه فيما يتعلق بغسيل الأموال، ونزاهة السوق، وحماية المستهلكين. وأقر التقرير بأن تلك أخطار حقيقية يواجهها السوق وأشار إلى أن أي تحليل متعلق بهذه المسائل يجب أن تجريه الجهات المختصة.
ومع ذلك، فإن البنك المركزي الأوروبي يرى أن البتكوين والعملات الأخرى لا تشكل تهديداً على الاستقرار المالي داخل الاتحاد. وبينما وصفت العملات المشفرة بأنها “متقلبة أكثر من أسواق الأوراق المالية، والسندات، والسلع”، فإنها ليس لها تأثير ملموس على الاقتصاد الحقيقي، بحسب التقرير. ولذلك، فليس لها آثار معتبرة على السياسة النقدية.
كما أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أن ارتباط سوق العملات المشفرة بالنظام المالي الأوسع ما يزال محدوداً، برغم تزايد الحجم السوقي لتلك الصناعة. ويبدو أن هذا الادعاء سيلقى معارضة كبيرة، إذ أن الاهتمام المؤسسي المتزايد يدفع العملات المشفرة ببطء إلى السوق العامة.
وأكمل التقرير: “يحتاج هذا القطاع، برغم ذلك، إلى رقابة مستمرة، نظراً لأن أعمال التطوير ديناميكية وقد تزداد ارتباطات هذا القطاع بالسوق المالية الأوسع في المستقبل”.
وتعد الجملة السابقة أهم جملة في التقرير، لأنها تتضمن اعترافاً من أكبر مؤسسة مالية أوروبية بتعارض مستقبل سوق العملات المشفرة مع الأسواق التقليدية مثل الأوراق المالية والسندات.
البلوكتشين: صغيرة، وواعدة، ولكنها غير كافية في نهاية المطاف
وفرّق البنك المركزي الأوروبي بين البلوكتشين والعملات المشفرة في الفقرات الافتتاحية من التقرير. وبينما تبدو تلك المسألة كتفصيلة غير مهمة، إلا أنها تشي باعتراف المؤسسات التنظيمية الأوروبية بالإمكانيات الخاصة بتكنولوجيا السجلات الموزعة.
ولا حاجة إلى القراءة بين السطور، إذ يعترف التقرير بأن تكنولوجيا السجلات الموزعة والتكنولوجيات المبتكرة الأخرى لديها القابلية لزيادة كفاءة التوسط المالي، وزيادة كفاءة النظام المالي ككل. وتشير الأنباء إلى أن كل من البنك المركزي الأوروبي، والهيئة المصرفية الأوروبية وهيئة الأسواق المالية الأوروبية، تراقب عن كثب تطورات وتطبيقات ذلك القطاع.
ومع ذلك، فإن إمكانيات تكنولوجيا البلوكتشين وتطبيقاتها في القطاع المالي لم تكن كافية لإقناع البنك المركزي الأوروبي بأن العملات المشفرة في حد ذاتها تعد أداة مالية حقيقية. فقد صرّح التقرير بوضوح أن العملات المشفرة لا يمكن اعتبارها فئة جديدة من الأصول.
فعلى مدار التقرير، تمت الإشارة إلى العملات الرقمية بوصفها “أصولاً مشفرة”، إذ يعتقد البنك المركزي الأوروبي أن الإشارة إليها باعتبارها “عملات” سيخلق انطباعاً خاطئاً حول الموضوع. ففي هذا التقرير، مصطلح “أصول مشفرة” لا يمثل ادعاءاً مالياً أو مسئولية مالية لأي شخصية طبيعية أو قانونية. كما لا يمثل أي ملكية لأي جهة، بحسب التقرير.
وأشار البنك المركزي الأوروبي كذلك إلى أنه لا يمكن اعتبار العملات المشفرة نقوداً إلكترونية، لأنها لا تمثل التزاماً من جانب المُصدِر، وهو ما ينظمه الإرشاد الثاني للنقود الإلكترونية. كما أنها ليست نقوداً كتابية أو أداة نقدية من أي نوع.
لم تعد هذه التعريفات مهمة
وبينما قد يُنظر إلى قائمة الصفات التي لا يصح نسبتها إلى العملات المشفرة باعتبارها أمراً ثانوياً، فإنها توضح ما الذي تناضل صناعة العملات المشفرة ضده.
فقيام مؤسسة مالية مرموقة بالتصريح بأن البتكوين لا تشكل تهديداً على الاستقرار المالي لا يساوي الفوز في تلك الحرب، ولا حتى الفوز في معركة واحدة. إذ أن المكتوب بين السطور هو حقيقة أن أكبر مؤسسة بنكية في أوروبا تنظر إلى العملات المشفرة بوصفها ألعاباً استثمارية بلا قيمة.
فلا يمكن تقنين وضع صناعة العملات المشفرة قبل أن تنظر البنوك المركزية والجهات المالية الأخرى إلى العملات الرقمية بوصفها أدوات مالية وتعترف بقيمتها السوقية.
إزالة “الخطر” من المعادلة لا يعني النجاح. هذه لحظة شديدة الأهمية لصناعة العملات المشفرة ككل، فهي توضح طبيعة المقاومة ضدها.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.