بدأ المطورون العاملون على العملة المشفّرة مونيرو (XMR) تكثيف جهودهم في سبيل منع أجهزة التعدين المتخصصة من الهيمنة على سباق الحصول على مكافآتها.
مونيرو انطلقت في عام 2014، وتتمتع بالقيمة السوقية الأكبر على الإطلاق من بين العملات التي تركّز بقوة على الخصوصية؛ إذ يُقدّر تقييمها بـ 1.5 مليار دولار أميركي. في حين أنَّ إجمالي مكافآت التعدين السنوية التي تولدها سلسلة البلوكتشين الخاصة بها (وعمرها الآن 5 أعوام) يبلغ قرابة الـ62 مليون دولار أميركي، وفقاً لموقع البيانات مساري Messari.
ولكنَّ يبدو أنَّ تلك المكافآت قد صارت تقع أكثر وأكثر في أيدي مشغّلي أجهزة التعدين المعدّلة، مع استبعاد المشاركين الأصغر والمستقلين والهواة. لذلك، ولكي يتحقق مبدأ تكافؤ الفرص، حرص مطورو مونيرو على إجراء عمليات فورك دورية لإبعاد أجهزة التعدين المُعدّلة. مع ذلك، يشير التحليل إلى أنَّ هذا النهج قد أثبت عدم جدواه في الآونة الأخيرة؛ فأجهزة التعدين المُعدّلة لا تزال متقدمةً على تلك الجهود.
في هذا الصدد، قال جاستن إهرنهوفر، أحد المساهمين في تطوير مونيرو: “إنَّ مصنعيّ أجهزة التعدين المُعدّلة قادرون على تصنيع أجهزتهم أسرع بكثير مما توقعنا: فعملية تصميم الرقاقات الإلكترونية وإنتاجها تستغرق منهم نحو شهر واحد، لذا فهم مازالوا قادرين بوجه عام على تحقيق عائد على الاستثمار، حتى في غضون ستة أشهر”.
بينما صرّح مساهم آخر بعملة مونيرو يُدعى دييغو سالازار لموقع كوين ديسك CoinDesk قائلاً: “نحن [بدورنا] رأينا أنَّ هذا ليس حلاً مُستداماً البتة… أولاً، لأنًّ إجراء [عملية الهارد فورك] مراراً وتكراراً يتطلب الكثير. وثانياً، صحيح أنَّه يحقق لامركزية التعدين، ولكنَّه يؤدي إلى مركزية مجال آخر: مركزية المطورين؛ فقد صارت هناك الكثير من الثقة الآن في أنَّ المطوّرين سوف يستمرون في إجراء عمليات الهارد فورك”.
وعليه، بدأ مطورو مونيرو يمضون قدماً في تفعيل خوارزمية جديدة للتعدين، تُعرف باسم راندوم إكس RandomX، صُممت كي تجعل أجهزة التعدين المُعدّلة غير قادرة على المنافسة.
وُضع الكود الجديد للخوارزمية بالاستناد إلى أعمال هوارد تشو، المؤسس ورئيس قسم التكنولوجيا بشركة سيماس لبرامج الحاسوب Symas Corporation، الذي طوّر أيضاً سلسلة البلوكتشين من نوع قاعدة البيانات المُستخدمة حالياً في تشغيل عملة مونيرو. ويجري حالياً أيضاً إتمام أربع عمليات تدقيق مختلفة لكود راندوم إكس استعداداً لتاريخ تجميد الكود المتوقع في شهر يوليو/ تموز 2019.
وعليه، ربما تدخل الخوارزمية حيز التشغيل في شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم، 2019.
تعقيباً على ذلك، قال إهرنهوفر: “توصلنا إلى الإجماع بوجه عام في النهاية على أنَّ خوارزمية راندوم إكس هي الحل الذي نعتزم تنفيذه: إنَّها أفضل فرصة للمحافظة على مونيرو كما أسسناه؛ وإذا فشلت، من المرجح أن ينتقل مونيرو إلى خوارزمية تدعم أجهزة التعدين المُعدّلة أكثر”.
وفقاً لسالازار، تمثل خوارزمية راندوم إكس “محاولة أخيرة يائسة لاستبعاد أجهزة التعدين المُعدّلة”.
إعطاء الصدارة لوحدات المعالجة المركزية CPU
بحسب تشو، فإنَّ خوارزمية راندوم إكس مصممة بحيث “ترتكز على وحدات المعالجة المركزية CPU”.
بخلاف أجهزة التعدين المُعدّلة ASICs، وحدات المعالجة المركزية عبارة عن مكون من مكونات الحاسوب مصمم خصيصاً ليكون متعدد الاستخدامات.
لهذا وصفه سالازار بأنَّه “طيف من القدرة الحاسوبية”، وتابع شارحاً: “من ناحية، لدينا وحدات المعالجة المركزية في أجهزة الحاسوب التي تصلح لجميع الاستخدامات… ومن الناحية الأخرى، لدينا أجهزة التعدين المُعدّلة في أجهزة الحاسوب التي لا تصلح سوى لاستخدام مُعين ولكنها تُؤديه ببراعة فائقة”.
وفقاً لتشو، وحدة المعالجة المركزية هي مصدر الحوسبة الأوسع انتشاراً في العالم.
أضاف تشو مؤكداً: “كل شخص في العالم تقريباً صار يحمل هاتفاً ذكياً في جيبه به وحدة معالجة مركزية وذاكرة قادرة على تعدين خوارزمية راندوم إكس”.
ولما كان الهدف هو تحقيق أكبر قدر ممكن من اللامركزية في التعدين، يتوقع تشو أن تحتفظ خوارزمية راندوم إكس بصدارتها المجدية، المتمثلة في تفضيل أجهزة بوحدات المعالجة المركزية على أجهزة التعدين المُعدّلة، خلال الأعوام الثلاثة إلى الخمسة القادمة على أقل تقدير.
الاستغناء عن بطاقات الرسوميات GPUs
في الوقت نفسه، تشير التقديرات إلى أنَّ خوارزمية راندوم إكس تفاضل أجهزة التعدين بوحدة المعالجة المركزية، لا على أجهزة التعدين المُعدّلة فقط، بل على أجهزة التعدين ببطاقات الرسوميات GPU أيضاً.
يرجع هذا إلى أنَّ الاستخدام الأمثل لبطاقات الرسوميات هو “ضغط عمل الرسوميات الذي يكون في أغلب الأحيان متسلسلاً للغاية”، على حد تعبير تشو.
قال تشو: “تدخل البيانات إلى المسار، ثم تخضع للمعالجة، وتخرج جميعاً من نهاية المسار. لهذا، فإنَّ محور التركيز الرئيسي هنا يتمثل في نقل البيانات بسرعة من المدخلات إلى المخرجات عبر مسار مستقيم تماماً تقريباً”.
صحيح أنَّ أجهزة التعدين ببطاقات الرسوميات متفوقة على أجهزة التعدين بوحدات المعالجة المركزية في خوارزمية التعدين الحالية لمونيرو، المسماة كريبتو نايت CryptoNight،
من حيث القدرة الحاسوبية وكفاءة استهلاك الطاقة، ولكن حتى هذه الخوارزمية كان الغرض منها في الأصل تحسين أداء وحدات المعالجة المركزية على أنواع الأجهزة الأخرى.
فسّر تشو ذلك قائلاً: “إنَّها حقاً مصادفة عجيبة مرة أخرى أن يتضح أنَّها [أي كريبتو نايت] ملائمة للغاية للعمل مع أجهزة التعدين ببطاقات الرسوميات! لم يكن أحد يتوقع أن تتناسب خوارزمية كريبتو نايت مع أجهزة التعدين ببطاقات الرسوميات، ولكنها كانت كذلك على أي حال! الحقيقة أنَّ بطاقات الرسوميات اليوم صارت تحتوي على ذاكرة كبيرة للغاية وعرض نطاق ذاكرة هائل، وبالتالي لم تعد تشكل عقبة بالنسبة لخوارزمية كريبتو نايت المصممة
في عام 2013 تقريباً”.
من الناحية الأخرى، يتوقع تشو أنَّه عند تفعيل خوارزمية راندوم إكس قريباً، ستصبح وحدات المعالجة المركزية “أفضل من بطاقات الرسوميات بما لا يقل عن ثلاث مرات” في التعدين على بلوكتشين مونيرو.
أمَّا إهرنهوفر، فلا يزال مصراً على أنَّه: “باستطاعة من يمتلكون أجهزة التعدين ببطاقات الرسوميات دائماً إعادة بيع أجهزتهم أو استخدامها في أغراض أخرى”، حتى وإنَّ أثار ذلك حفيظة “قلة قليلة للغاية ولكن حريصة على التعبير عن رأيها” من مالكي أجهزة التعدين ببطاقات الرسوميات، على حد تعبيره.
قال إهرنهوفر: “لن يكون الخيار الاقتصادي ذاته متاحاً أمام من يمتلكون جهاز تعدين معدّل لمونيرو”.
وهكذا، حتى مع الأثر الذي سوف يترتب على تفعيل خوارزمية راندوم إكس، لا على أجهزة التعدين المعدّلة فقط بل على أجهزة التعدين ببطاقات الرسوميات أيضاً على شبكة مونيرو، يصرّ إهرنهوفر بأنَّه: “لست أخشى من حدوث انقسام في المجتمع هنا لأنَّ راندوم إكس هي أقرب خوارزمية يمكننا اختيارها مع الاحتفاظ بالغالبية العظمى من أهداف مونيرو”.
وتبقى بعض المخاوف
لعل أحد المخاوف الأكثر واقعية التي تشغل تفكير إهرنهوفر وغيره هو أن يؤدي استخدام خوارزمية تعدين تدعم التعدين بوحدات المعالجة المركزية، مثل راندوم إكس، إلى انتشار شبكات الروبوت على شبكة مونيرو.
وهو ما شرحه تشو قائلاً: “مصدر القلق الأساسي هو أنَّ هناك الملايين، بل مئات الملايين، من أجهزة الحاسوب غير المؤمنة جيداً التي يمكن للبرمجيات الخبيثة بسهولة شديدة أن تغزوها وتسيطر عليها وتستخدمها لتنفيذ كل ما يريده مشغّل معين على الشبكة”.
ووفقاً لإهرنهوفر، لطالما كانت شبكات الروبوت المصابة بالبرمجيات الخبيثة تلك تمثل مشكلة نوعاً ما على شبكة مونيرو.
قال إهرنهوفر: “مونيرو هي أكثر عملة مشفّرة تُعدّن بطريقة غير مشروعة في الوقت الراهن، ولطالما كانت كذلك لسنوات عديدة. فضلاً عن أنَّ خوارزمية راندوم إكس لا تحمي من التعدين الخفي Crypto Jacking من الأفراد ولا من الإصدارات الأخرى الضارة من البرمجيات الخبيثة”.
في الواقع، وبما أنَّ خوارزمية التعدين الحالية لمونيرو (كريبتو نايت) كانت تفضّل دائماً التعدين بوحدات المعالجة المركزية وبطاقات الرسوميات، فقد أشار إهرنهوفر إلى أنَّه قد أُضيفت على الموقع الإلكتروني لمونيرو والمنتديات الأخرى ذات الصلة موارد تقدّم الدعم للمستخدمين الذين تضررت أجهزتهم.
شراكات جديدة
ليس هذا فحسب، بل شهدت الجهود الرامية إلى التمهيد لتشغيل خوارزمية راندوم إكس أيضاً دعماً من خارج المجتمع؛ لا سيما من مشروعات العملات المشفّرة الأخرى التي من الممكن أن تستفيد من خوارزمية التعدين الجديدة الداعمة للتعدين بوحدات المعالجة المركزية.
على سبيل المثال: تختبر عملة أر ويف (AR)، التي يُقال إنَّها جمعت 8.7 مليون دولار أميركي من خلال العرض الأولي للعملة (ICO)، في الوقت الحالي إمكانية استخدام خوارزمية راندوم إكس.
تعليقاً على ذلك، قال مؤسس أر ويف Arweave ومديرها التنفيذي سام ويليامز في بيان صحفي صدر في وقت سابق من الشهر الجاري، يونيو/ حزيران 2019: “من شأن الاستعانة بخوارزمية قائمة على إثبات العمل ومقاومة لأجهزة التعدين المعدّلة مثل راندوم إكس أن يعزز من شبكة تخزيننا الدائمة المقاومة لعمليات التلاعب ذات التكلفة المنخفضة أكثر؛ إذ أنَّ راندوم إكس سوف تساعدنا على التأكد من أن تظل السيطرة على سياسات المحتوى اللامركزي في شبكة أر ويف موزّعة بطريقة متوازنة بين الأطراف المعنية العديدة المنتشرة في جميع أنحاء العالم”.
من أجل ذلك، موّلت أر ويف واحدة من عمليات التدقيق الأربع التي خضع لها كود راندوم إكس.
تم الانتهاء رسمياً من عملية التدقيق يوم الجمعة الماضي، 7 يونيو/ حزيران 2019، بتكلفة قُدرّت في الوثائق العامة بنحو 80 ألف دولار أميركي، وإن كان المدير التنفيذي لأر ويف والمشارك في تأسيسها، دان غويدو، أكدّ لاحقاً لموقع كوين ديسك أنَّ التكلفة النهائية لأر ويف كانت في الواقع 28 ألف دولار أميركي.
برر ويليامز ذلك، في لقاء أجراه مع موقع كوين ديسك، بقوله: “أحد آمالنا من المشاركة
في عملية التدقيق كان أنَّه، بمساهمتنا في تمويلها، سوف نتمكن من تقديم خدمة صغيرة للجمهور؛ بأن نتأكد أنَّ المشاريع الأخرى [من العملات المشفّرة] قادرة على إدراك أن هناك خوارزمية برمجية قائمة على إثبات العمل ستكون مقاومة لأجهزة التعدين المعدّلة معمول بها عملياً على الأرجح، ودون أي مخاوف من ناحية الأمن”.
أمَّا عمليات التدقيق الثلاث المتبقية التي لم تنتهِ منها شركات الأمن كودلسكي سيكوريتي Kudelski Security وإكس 41 دي سيك X41 D-Sec وكواركس لاب QuarksLab، فهي ممولة بالتبرعات الجماعية من مجتمع مونيرو؛ بتكلفة إجمالية بلغت 130 ألف دولار أميركي. ومن المتوقع الانتهاء منها بحلول شهر يوليو/ تموز القادم، وفقاً لتشو.
تتمثل الخطوة التالية بعد ذلك في إطلاق الخوارزمية في النهاية على شبكة اختبار عامة تابعة لمونيرو، قبل تحديد موعد مؤقت لتفعيلها على الشبكة الرئيسية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم.
مشروع محفوف بالمخاطر
مع كل المناقشات التي تضمنها تجهيز خوارزمية راندوم إكس للتنفيذ على الشبكة الرئيسية، يصّر إهرنهوفر على أنَّ المزايا الحقيقة للخوارزمية لن تصبح مؤكدة حتى تدخل الخوارزمية حيز التشغيل على الشبكة.
قال إهرنهوفر محذراً: “مازلنا لا نعرف بعد إن كانت خوارزمية راندوم إكس ستنجح أم لا، حتى وإن جاءت جميع نتائج عمليات التدقيق لتفيد بأنَّ تشفير الخوارزمية جيد جداً؛ فنحن
لا نعلم كيف ستسير الأمور من الناحية العملية”.
من وجهة نظر إهرنهوفر، أسوأ ما يمكن أن يحدث في حال ثبت عدم نجاح الخوارزمية
هو التحوّل إلى خوارزمية تعدين تدعم أجهزة التعدين المعدّلة تشبه تلك التي تستخدمها عملة بتكوين (BTC) حالياً.
قال إهرنهوفر مازحاً: “أعتقد أنَّه لو فشلت راندوم إكس فعلاً، وتحولت مونيرو إلى خوارزمية أكثر دعماً لأجهزة التعدين المعدّلة، سيكون رد فعل العديدون داخل مجتمع البتكوين هو: “ألم نقل لكم؟””.
مع ذلك، يصّر سالازار على أنَّه يجب أن تكون أمام مونيرو مساحة لتجربة الحلول الجديدة والفشل فيها.
فقد تساءل قائلاً: “أليست الفكرة كلها هي التوصل إلى الحل الأمثل؛ بحيث تصبح لدينا يوماً ما عملة مشفرّة رقمية خاصة قابلة للاستبدال؟ إن لم تكن مونيرو أكثر من مجرد حجر أساس
في سبيل الوصول إلى تلك العملة الجيدة التي نسعى إليها، فلتصبح القائد الخاسر إذن!”.
واختتم حديثه بقوله: “نحن، مطورو مونيرو، خبراء حاسوب سريعو التكيف نتعزم تحدي النظام قبل أي شيء آخر. لذا قلنا: “دعونا نجرب إذن، ولتكن تلك محاولة أخيرة يائسة””.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.