قرر موظف حالي أو سابق في شركة تشين أناليسيز Chainalysis أن يصبح مارقاً، وعقد جلسة مفتوحة لتلقي الأسئلة AMA في قسم البتكوين (BTC) من موقع ريديت Reddit أفصح فيها عن معلومات حسّاسة حول قدرات التحاليل الجنائية لسلسلة البلوكتشين التي تمتلكها شركته. ويبدو أنَّ فاضح المخالفات قد غيّر رأيه جذرياً بعد ذلك، ومسح كل التعليقات التي كتبها. لكن الإنترنت لا ينسى أبداً، لحسن الحظ! فقد ظلت تعليقاته محفوظة في أرشيف موقع ريموف ريديت Removeddit.com؛ لتعطينا فكرة مذهلة عن واحدة من أكثر الشركات المكروهة في مجال العملات المشفّرة.

فضح الأسرار القذرة لشركة تشين أناليسيز على الملأ

بما أنَّ شركة تشين أناليسيز تعمل يداً بيد مع هيئات إنفاذ القانون والحكومات ومتعهدي الدفاع وغيرهم من الوكالات ذات الأسماء المكونة من ثلاثة أحرف، فهي شديدة التكتم على السرّ الذي يمكن وراء تقنيتها الخاصة. لذلك، أُصيبت الشركة بالفزع حين اكتشفت أنَّ هناك موظف مجهول يعقد جلسة مفتوحة لتلقي الأسئلة على موقع ريديت يوم 24 يونيو/ حزيران 2019 دون إذن من الشركة. في هذه الجلسة، بدأ مستخدمو قسم البتكوين من موقع ريديت في توجيه سلسلة من الأسئلة الاستقصائية حول ماهية قدرات التحاليل الجنائية لدى تشين أناليسيز، وكان المجهول في غاية السعادة للرد عليها. 

بعدها باثنتي عشرة ساعة، ربما بعد أن أفاق الموظف المارق من غفلته أو بعد أن تقفت إدارة الشركة أثره وضغطت عليه، تم حذف التعليقات، لكن لا تزال هناك نسخة مؤرشفة منها. عندما سُئل المجهول عن رأي شركته في أدوات خلط البتكوين، مثل كوين جوين Coinjoin وواسابي Wasabi وساموراي ويرلبول Samourai Whirlpool، على سبيل المثال، بدأ بقول: “أنا شخصياً أحبها. لكن إدارة الشركة تكرهها، بطبيعة الحال؛ فمثل هذه الأشياء تقضي على الحاجة إلى برنامجنا (أو برنامجها)، وربما تجعله غير ذي فائدة كلياً”. 

تدابير وقائية بسيطة قد تجعل التحاليل الجنائية لسلسلة البلوكتشين قديمة

يشعر العديد من مستخدمي العملات المشفّرة أنَّهم عاجزون عن تحقيق قدر معقول من الخصوصية في وجه أولئك الخصوم الممولين والمجهزين جيداً. لكن، وكما أثبتت الجلسة المفتوحة لتلقي الأسئلة التي عقدها المجهول من تشين أناليسيز، فإنَّ أدوات التحاليل الجنائية ليست بالقوة التي تُقال عنها؛ بل إنَّ تدابير التشويش البسيطة قادرة على التصدي لها. (تحدثنا إلى أحد الموظفين بشركة تشين أناليسيز مؤخراً في مؤتمر للبلوكتشين، وعبّر لنا عن رأي مماثل، وبإمكان قسم الأخبار من موقع بتكوين دوت كوم news.Bitcoin.com أن يشهد على ذلك). وحين سُئل المجهول عن قدرة أدوات خلط العملات المشفّرة وأدوات الحفاظ على الخصوصية الأخرى على جعل تشين أناليسيز شيئاً من الماضي، أجاب المجهول: “حتى عملات الخصوصية قد صارت أكثر مما يمكن لأحد أن يسيطر عليه الآن. ولكن أضف إلى ذلك تقنيات إخفاء الهوية، وسوف ينتهي أمر خدمات تتبع التحاليل الجنائية. ربما سيظل لها أغراضاً خاصة محددة، ولكنَّها ستكون قليلة”.

تعليقاً على السؤال عن أكثر أداة معادية تكرهها تشين أناليسيز بشدة، قال المجهول إنَّه يعتقد أنَّها على الأرجح واسابي، وهي عبارة عن محفظة للبتكوين موجهة نحو الخصوصية تستخدم أداة كوين جوين. ومع أنَّ المجهول أقرّ بأنَّ أدوات خلط البتكوين “مازالت سيئة” بالنسبة لشركات التحاليل الجنائية، فإنَّه شدد على أنَّ “واسابي هي العدو رقم واحد: فما من طريقة لإلغاء إخفاء الهوية بها. ولست أرى كيف يمكن للحكومة إيقافها عن العمل بطريقة قانونية، أي أنَّها ستظل موجودة على الأرجح. سأصيغ الأمر بهذه الطريقة: إن استخدم الجميع واسابي، ستوقف تشين أناليسيز نشاطاتها”. 

وفي حين أنَّه علّق قائلاً إنَّ “تشغيل المستخدم عقدته وخادم محفظة إلكتروم Electrum بنفسه تُعد طريقة مثالية للحيلولة دون تعرض عنوان بروتوكول الإنترنت IP الخاص به للتتبع” ببرنامج تشين أناليسيز، فقد رد بأنَّ محافظ الهواتف المحمولة تضر بالخصوصية. أمَّا عن أكثر خمسة أمور من المرجح أن تجعل المعاملة المالية بالبتكوين تبدو مشبوهة، جاءت الإجابة كالآتي: “أن تكون أموالاً مسروقة (كأن تكون من حادثة من نوع عمليات الاختراق، مثلاً)، وأن يكون مصدرها سوق الشبكة المظلمة Dnm، وأن تكون من أداة خلط، وأن يكون مصدرها تمويل للإرهاب، وأن يكون مصدرها المحافظ المُسددة لفدية برنامج الفدية Ransomware”. 

شركة غير أخلاقية أم شركة ناشئة مبتكرة تتصدى للأشرار؟ 

إنَّ وصف شركة تشين أناليسيز وغيرها من الشركات المشابهة بالمثيرة للجدل داخل مجال البتكوين لا يعبّر عن خطورتها الحقيقية. من ناحية، بإمكان برنامجها أن يُنتج تقارير بحثية مفيدة عن النشاطات الجارية على البلوكتشين، بما في ذلك مخرجات المعاملات غير المُنفقة UTXO و”ارتفاع معدلات الاحتفاظ بالصفقات” والعملات المشفرة المفقودة، ويمكن استخدامها لتتبع تدفق الأموال من منصات التداول المُخترقة أيضاً. ولكن من الناحية الأخرى، يعتقد كثيرون أنَّ تشين أناليسيز تتعارض من جوهر البتكوين، وأنَّ برنامجها سوف يُباع لأنظمة الحكم الاستبدادية كي تستخدمها في مراقبة مُستخدمي العملات المشفّرة وملاحقتهم قضائيا؛ مما سيؤدي إلى ظهور نظام مالي أقل شمولاً من النظام المالي التي صُممت البتكوين لتحل محله. 

وعند الاستفسار عن أكثر أمر لا أخلاقي فعلته تشين أناليسيز، أجاب المجهول: “1. الشفافية
و2. مخالفة الغرض من وراء النظام المُصمم لإخفاء الهوية؛ مما قلل من الاهتمام بالعملات المشفّرة ومن سوقها، ودفع الناس إلى منصات أخرى للعملات المشفّرة، بعيداً عن ما نحن
(أو هم) قادرون على تتبعه”.

ثم عقّب قائلاً: “[تشين أناليسيز] يظنون أنفسهم من الأخيار بالتأكيد. إنَّهم بالتأكيد حُلفاء الحكومات، وهو ما لا أرتاح إليه شخصياً. لعل التعالِ صفة جيدة تُعبّر عن موقف بعضهم… إذ لم يبدِ أحد من تلك الشركة قلقه إطلاقاً حيال مدى أخلاقية برنامجنا، في ما عدا شخص واحد فقط أعرب عن قلقه من أنَّ هيئات إنفاذ القانون سوف تستخدم برنامجنا وتسيئ استغلال سُلطاتها… ثم ترك عمله بالشركة”.

وفقاً للمجهول، من بين الوكالات الحكومية التي تستعين ببرنامج تشين أناليسيز: وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة HSI ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI ومصلحة الضرائب الأميركية IRS (“يبدو أنَّهم أكثر من يمتلك تراخيص، أو، على الأقل، الجهات الأكثر نشاطاً في استخدام برنامجنا؛ لأنَّ أسمائها تتردد باستمرار”). إضافةً إلى “مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات ATF وإدارة مكافحة المخدرات DEA وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية SEC وإدارة الخدمة السرية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA (من خلال شركة إن كيو تيل In Q Tel)، فضلاً عن أنَّ معظم هيئات إنفاذ القانون الفيدرالية الأخرى تُشغّل البرنامج. كذلك، فإنَّ أقسام الشرطة الكُبرى فقط 8هي من تُشغّل البرنامج (لأنَّه ليس رخيصاً) مثل قسم شرطة نيويورك NYPD. أعرف عن بعض مكاتب رؤساء نيابات المناطق التي تمتلك تراخيصاً للبرنامج أيضاً، لكننَّي لا أعرف ما هي بالضبط. وشرطة الخيالة الكندية الملكية RCMP أيضاً تستخدم البرنامج. ومكتب الشرطة الأوربي Europol أيضاً. وكذلك الشرطة الوطنية للمملكة المتحدة NCA”. 

تتضمن التعليقات الثمينة من الجلسة المفتوحة لتلقي الأسئلة التي جرى حذفها الآن أيضاً تأكيداً على أنَّ تشين أناليسيز تُشغّل العقد الخاصة بها بنفسها على إلكتروم (في مرحلة ما، كانت مسؤولة عن تشغيل 10% من جميع عقد البتكوين)، ونقاشاً حول ما إذا كانت تشين أناليسيز تشن هجمات غبار رقمي Dusting Attacks لأغراض التتبع: “طُرح ذلك الأمر للمناقشة عدة مرات، ولكن لم يُقرّ أحد بذلك قط. لا يبدو أنَّ هناك فائدة كبيرة لذلك، لأنَّه إذا كانت المحفظة موجودة على البلوكتشين، فإنَّه بالمقدور تتبعها بالفعل. ولكن إذا لم تكن موجودة عليها، فإنَّ عملية دفع واحدة مُرسلة إليها سوف تجعلها تظهر على البرنامج، وبالتالي فلا توجد حاجة إلى شن هجوم غبار رقمي؛ لأنَّ ذلك لن يُحسّن من قدرات تتبع عناوين بروتوكول الإنترنت”. 

استخدام أدوات الخلط والمونيرو (XMR) للحفاظ على الخصوصية، والابتعاد عن محافظ الهواتف المحمولة

أوضح المجهول كذلك أنَّ تشين أناليسيز تحتفظ “بقاعدة بيانات خاصة بها بالجهات في مجال العملات المشفّرة التي من المعروف (أو المُعتقد) أنَّها جهات فاعلة ذات نوايا سيئة. أمَّا الأفراد، فلا يجري تتبعهم بالضبط”. أمَّا في ما يتعلق بالعملات المشفّرة التي مرت بأداة الخلط، قال: “تُصنف الأموال المخلوطة بأنَّها عالية المخاطر إذا كانت أداة الخلط منسوبة (أي معروف عنها)، وهو نفس مستوى خطر أسواق الشبكة المظلمة”. وخلال الجلسة المفتوحة، أوصى المجهول باستخدام عملة المونيرو (XMR) من أجل الحفاظ على الخصوصية، إلا أنَّه كرر الحاجة إلى توخي الحذر مع محافظ الهواتف المحمولة التي لا تستخدم تدابير للحفاظ على الخصوصية. 

كانت هناك نصيحة أخيرة للحفاظ على الخصوصية من الموظف الحالي (أو السابق) لدى شركة تشين أناليسيز، كالآتي: “أرى أن تتجنبوا استخدام محافظ الهواتف المحمولة، وانظروا في واسابي وكوين جوين وغيرها من الجهود المشابهة، واستخدموا شبكة خاصة افتراضية VPN أو شبكة خفية Tor في كل الأوقات، وتذكروا أنَّ كل ما تتصفحونه عبر شبكة الإنترنت العادية Clearnet يُسجل من جانب شخص ما”. وبعد فترة وجيزة من كتابة هذه الكلمات، حذف المستخدم الذي يحمل اسم “تشين أناليسيز 1” “chainalysis1” حسابه على موقع ريديت.