في يوم 12 مايو/أيار 2019، نشر موقع كوين ديسك Coindesk مقالاً لمايا فينوفيتش، عضوة المجلس الاستشاري لشركة كوين ديسك والمدير التنفيذي لشركة أو غروب OGroup LLC والرئيس السابق لقسم التطوير والتكنولوجيا الناشئة وأعمال المستقبل في شركة جنرال إلكتريك General Electric.
في هذا المقال، تتساءل الكاتبة عن الصعوبات التي تواجه البلوكتشين بصفتها تكنولوجيا جديدة تعكس مفهوماً مختلفاً إزاء البيانات والخصوصية ومركزية التحكم في الأصول. وتحاول استخلاص نمط عام للتحدي الذي تواجهه البلوكتشين من خلال تجاربها في العمل ضمن شركات كبرى وشركات ناشئة وبصفتها عضواً في صناعة العملات المشفرة والبلوكتشين. نُشر هذا المقال في البداية في مجلة كونسينسوس Consensus التي وزعت بشكل حصري على الحضور في مؤتمر كونسينسوس الذي عقدته شركة كوين ديسك في عام 2019. وإليكم نص المقال:
بينما تتوغل التكنولوجيا في حياتنا، ينشأ صراع محوري في المجتمع بين قوتين متشابكتين. الأولى هي أن وجودنا مرتبط بسعي دائم نحو الكفاءة والإنتاجية، أو في حالة العملات المشفرة، نحو النموذج الكامل: الإجماع الكامل. يصطدم هذا السعي بنزعة إنسانية أخرى، وهي بحث الإنسان عن الغرض والمعنى، ذلك البحث الذي تؤدي نتائجه إلى إبطال الكثير من تطبيقات التكنولوجيا التي تبدو ممتازة على الورق.
وهذا هو السياق الذي يشكل فيه المفهوم الواسع للبلوكتشين أهمية. منذ أن تعرضتُ لمفهوم البلوكتشين للمرة الأولى عام 2011، وخلال خبرتي بعدئذ في العمل كمُستثمرة ورائدة أعمال وشغلي لمناصب إدارية في هذا المجال، أدركت أن البلوكتشين ليست تكنولوجيا. فهي كنموذج منعزل، لن تجلب حلولاً لمشاكلنا كما نرى في عدد لا يحصى من المقالات الحماسية. يمكن لمفهوم “البلوكتشين” أن يُحدث تغييرات خارقة، فقط عندما يقرر المجتمع تغيير اتجاهاته وأغراضه.
تعد الخاصية الرئيسية في البلوكتشين هي اعتمادها على إنشاء سجل واضح غير قابل للتغيير. يمثل هذا السجل “الحقيقة” التي يتشاركها الجميع. ومن شأن هذه الخاصية أن تعطينا فرصة لإعادة التفكير في سلوكنا وتعديله بالشكل الذي يساعدنا على تنظيم قراراتنا والوصول للمغزى من وجودنا. وبينما تعزز البلوكتشين من الشفافية، فهي تلقي الضوء على العيوب البشرية، والتي من بينها ميلهم للخداع بهدف انتزاع السلطة. وهي بذلك تخرج لنا باستنتاج مفاده أننا نحن، البشر، من نشكل العقبة الأساسية أمام جهودنا في الحصول على صورة أفضل لمجتمعاتنا وشركاتنا وعالمنا.
باختصار، تشير المبادئ الداعمة للبلوكتشين إلى احتمالية الصراع الذي تفرضه التغيرات التكنولوجية على مسيرتنا في البحث عن المعنى. ولكن سخرية الأمر تكمن في أنه إذا كانت هذه الاحتمالية لتتحقق، فإنه سيتوجب علينا أيضاً الشروع في بحث روحاني عميق يدفعنا للتغيير من الداخل.
المعضلة الحقيقية: ثقافة تضخيم الذات
يمكن التسامح مع فكرة أن من ينظمون المجتمعات الحديثة قد أضفوا عليها طابعاً حزيناً من اللامعنى. فنحن نحصل على وظائف لا تعني شيئاً سوى ترتيب بعض الأوراق، أو تحريك بعض العناصر المالية من مكان إلى آخر دون إضافة أي قيمة أو الحصول على مخرجات ذات فائدة.
نحن من نزيد الأمر تعقيداً، برسم الخرائط والنماذج والعروض، وكل هذا لإرضاء غرورنا والأهم من ذلك الحفاظ على سلطتنا. ونظراً لعملي في 14 مؤسسة في مناطق مختلفة حول العالم، أكاد أجزم أن هذا الهيكل المتمركز حول السلطة والنظام الذي يعزز الخوف هو نمط عالمي. إذ تحتاج المجتمعات البشرية إلى تغيير نفسها حتى نحصل على التأثير المحوري الذي نريده من التكنولوجيا والأفكار الجديدة.
وإذا لم يحدث هذا، ستظل “البلوكتشين” محض شعار رنان.
جميعنا يعلم المقاومة الداخلية التي يقابلها التطوير في كل من الشركات والمنظمات، ولكننا نفضل تشريحها ميكروسكوبياً ومصطلحات تقنية، بينما نفتقد الصورة الأكبر. نحتاج إلى فهم أعمق لهذه الظاهرة.
علينا مواجهة مخاوف المجتمع من إحداث تغيير ذي معنى. لأننا إذا لم نقلع عن هذا الجشع، ستظل “البلوكتشين” مجرد ضجة ذات تأثير عشوائي في أماكن عشوائية. سنعود مجدداً إلى “الترتيب” ولكننا في هذه المرة لن نتحدث عن ترتيب الأوراق، ولكن عن ترتيب الإكسابايت من البيانات التي يتحكم بها مجموعة قليلة فقط من البشر بشكل مركزي.
المشكلة إنسانية لا تقنية
عادة ما يطلق علماء الحاسب مصطلح “أزمة السعة” على القيود المفروضة على إدراك إمكانات البلوكتشين. أي أنه من المكلف جداً الحصول على القدرات الحاسوبية المطلوبة لإتمام جميع المعاملات التي تتم في العالم باستخدام البلوكتشين عبر عُقد متعددة. وهذه مشكلة حقيقية، ولكن هناك بعض الأشخاص بالغي الذكاء يحاولون التغلب عليها.
في رأيي، هناك عقبة أكبر بكثير أمام نجاح البلوكتشين، وهي فقر خيالنا وتكاسلنا في إنشاء نماذج لا تخدم نظامنا الرأسمالي الحالي. فنحن الآن من نقرر وضع نجاح البلوكتشين من عدمه في إطار النتائج الربع سنوية التي يتوقعها ملّاك الأسهم وإطار التزامنا بأنماط العمل الحالية.
يمثل كل ما سبق سداً منيعاً أمام التطوير الحقيقي.
مثال صغير: عندما كنت أعمل في جنرال إلكتريك General Electric، كنا نبحث عن طرق أفضل لاستغلال الكمية الكبيرة من الكهرباء الناتجة عن إجراء قسم الطيران لفحوصات إجبارية على محركات العملاء، إذ كانت معظم الكمية غير مستخدمة. لذا، اقترحنا استغلال هذا الكم الهائل من الطاقة الكهربية الزائدة في تعدين العملات المشفرة، وتمويل قسم الطيران بالأرباح الناتجة عن التعدين. لكن رئيس هذا القسم عارض الفكرة، إذ مثّلت تغييراً أكبر من اللازم.
وهذه المقاومة ضد التغيير لا تقتصر فقط على الشركات الكبرى. بعد مغادرتي لجنرال إلكتريك، انضممت إلى شركة ناشئة تسمى كريبتو وورلد Crypto World، ووجدت هناك نفس العوائق أمام فتح مجالات تعاون ثنائية بين المطورين في مجتمع العملة المشفرة.
هناك عوامل تساعد على بناء هذه الحواجز، مثل السلطة والمنافسة والربح، وهذا لا يؤدي سوى إلى إهدار الموارد والأفكار والوقت. إذ تؤدي فكرة المصلحة الشخصية إلى مضاعفة العمل. إذ تحاول 10 شركات حل نفس المشكلة، وبالتالي، تحاول كل واحدة من تلك الشركات تطوير نسختها الأفضل من “البلوكتشين”. فهم يتنافسون من أجل السيادة، في حين أن التعاون سيسهل عليهم حل المشكلة.
ليست المشكلة تقنية هنا، فإذا كانت البلوكتشين بصدد التوسع للدرجة التي تجعلها جزءاً أساسياً من الاقتصاد الحالي، فعلينا إذاً تغيير العقليات والدوافع التي تحرك مجتمع الشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة. لأن المشكلة التي نواجهها في حصد ثمار البلوكتشين ليست مشكلة تقنية، بل إنسانية.
الحل.. تغيير جذري في الأيديولوجيا
مع ذلك، لا تزال هناك فرصة. إذ توجد بين نفوس العامة رغبة متزايدة في التغيير، تلك الرغبة التي ستجبر كافة المنظمات، الكبيرة منها والصغيرة، على الاستجابة. لأن الوعي الجمعي المضاد لرأسمالية المراقبة سيكون بصدد مطالبة المنظمات بالتخلي عن السيطرة المركزية التي تفرضها على الأصول والبيانات، وبالتالي إعادة تمكين المستخدمين. وهذا من دوره إجبار وتمكين الشركات من تبني بعض جوانب اللامركزية. يمكننا ملاحظة هذه النقلة في خطاب شركات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك Facebook وتويتر Twitter، بالرغم من أنها لم تتحول إلى أفعال بعد. تتحدث هذه الشركات عن دعم التحكم اللامركزي في البيانات والهويات والخصوصية، وعن دعم المعاملات التي تعمل بنظام نظير إلى نظير (P2P) أيضاً.
الحق في الحفاظ على الخصوصية هو حق إنساني أصيل. لأننا نحن من صنعنا تلك البيانات التي تستغلها الحكومات والشركات العملاقة. في الجيل القادم من الإنترنت، نحتاج إلى انتزاع السلطة من تلك الأنظمة المركزية والاحتفاظ بها لأنفسنا بدلاً من البقاء تحت سيطرتهم. سيمكننا ذلك من حماية بياناتنا والتربح من أشكال الأصول الناتجة عنها. يمكن للبلوكتشين أن تلعب دوراً مهماً في هذه النقلة، فقط إذا تخلت شركاتها عن النزعة الاحتكارية وبدأت في العمل على المعايير والأنظمة التي تصب في الصالح العام.
يجب علينا العمل على إيجاد مجتمع تعاوني منظم يساعدنا على إحداث التغيير الذي نريده. ولكن كيف سيبدو هذا في الواقع؟ كي يحدث هذا التغيير في الواقع، لا بد من خلق اتحاد عام من الشركات التي من شأنها وضع معايير جيدة وحلول لأزمة السعة، ويجب على هذه الشركات أن تكون منزهة عن الرغبات الخاصة التي تنشأ بين موظفي هذه الشركات أو الشركات المهيمنة على مجال العملات المشفرة على حد سواء.
يعني هذا أنه لا بد علينا من تخصيص دور للحكومات والمجتمع المدني يختص بوضع الإطار التشريعي الصحيح الذي يمكن لتكنولوجيا البلوكتشين العمل خلاله لتحقيق الصالح العام. ويعني أيضاً تطوير برامج تعليمية لتمكين المفكرين والمنفذين الذين يظهرون انفتاحاً وإرادة لاستخدام هذه التكنولوجيا لإيجاد حلول لمشاكل حقيقية. ويعني كذلك التحلي ببعض المرونة، ليس فقط في مجالات العمل لكن أيضاً في التفكير، لأن المرونة تحمينا من الكسر.
مسئوليتنا أن نشجع هذا التغيير الأيديولوجي، أن نتحرر من النماذج التي تدعم النظام الرأسمالي الحالي، وهذا صعب، ولكنه ليس مستحيلاً.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.