العملات المستقرة هي عبارة عن عملة مشفرة ترتبط قيمتها بأصلٍ حقيقي ومستقر مثل العملة النقدية (وهو المثال الأكثر شيوعاً)، أو المعادن النفيسة كالذهب، أو مجموعة من الأصول المشفرة. وقد تسبّب دخول العملات المستقرة إلى سوق العملات المشفرة في قلب موازين اللعبة. فأسعار العملات المشفرة متقلبةٌ في أفضل الأحوال. بينما تلعب العملات المستقرة دوراً مهماً في مواجهة ذلك التقلب بتقديم مكانٍ مستقر وملائم لتخزين الأموال، وتمكين المستثمرين من الاحتفاظ بأصول تشبه النقود داخل النظام الإيكولوجي، وتوفير بديل لتحويل الأموال من وإلى الحسابات البنكية التقليدية أثناء تداول العملات المشفرة.
وبالنظر إلى تداول البيتكوين على مدار 24 ساعة وطوال العام، فإنّ العملات المستقرة تمنح المتداولين راحة البال عن طريق السماح لهم بسحب أموالهم وهم يغطون في نومٍ عميق، بدلاً من القلق إزاء تقلبات الأسعار المسائية للعملات الموجودة في محافظهم الاستثمارية. كما أن الاحتفاظ بالأموال في صورة توكنات تُمكّن المستثمرين من نقلها فوراً داخل النظام الإيكولوجي المشفر، والاستفادة من فرص الشراء بسرعةٍ تفوق انتظار وصول التحويل البنكي.
هذا علاوةً على الحاجة إلى الاستفادة من القدرة على استخدام العملات المستقرة في قطاع التمويل اللامركزي (DeFi)، وتوفير الوصول إلى خدمات الإقراض والاقتراض، مع عائدات استثمار أكبر بكثير مما يمكن لأي بنكٍ تقليدي أن يقدمه.
كما أصبحت العملات المستقرة الآن متداخلةً مع كافة جوانب النظام الإيكولوجي المشفر، ولا جدال على أنّها أسهمت بشكلٍ كبير في تطوير المجال عموماً. لكن هناك بعض المخاطر التي يجب أن يعيها المستثمرون، لأن بعض العملات المستقرة لا تقدم الكثير في ما يتعلّق بالشفافية المحيطة بالأصول التي تدعم قيمة العملة. ودعونا نلقي نظرةً على أشهر العملات المستقرة المربوطة بالدولار الأمريكي بنسبة 1:1، والتي تعتمد على شبكات بلوكتشين تستخدم العقود الذكية مثل الإيثريوم Ethereum وسلسلة بينانس الذكية Binance Smart Chain وغيرها. ويمكنك العثور على قائمة محدثة من العملات المستقرة حسب رأس المال السوقي من هنا.
عملة التيثر (USDT)
عملة التيثر هي الاسم الأشهر بين كافة العملات المستقرة، وتصدرها شركة Tether Holdings Limited المملوكة لمنصة بيتفينكس Bitfinex. وفي وقت كتابة هذا التقرير، تُعتبر هذه العملة هي الأكبر في قطاع العملات المستقرة برأس مال سوقي يبلغ 78.7 مليار دولار. كما تستخدمها غالبية منصات التداول، فضلاً عن شعبيتها الكبيرة في أزواج التداول، خاصةً المستخدمة في التداول اللامركزي.
وقد تعرّضت عملة التيثر لانتقادات كبيرة خلال السنوات الأخيرة في ما يتعلّق بالشفافية حول حيازاتها، وذلك لخشية البعض أنّها تمثل خطراً منهجياً على النظام الإيكولوجي في حال لم تكن العملة مدعومةً بالكامل بالأصول كما تزعم. وحظيت العملة أيضاً باهتمام الجهات التنظيمية. ففي عام 2019، فتح المحامي العام بنيويورك تحقيقاً حول التيثر ووجد أن مشغلي منصة تداول بيتفينكس -المسؤولين عن التيثر- تورّطوا في التغطية على خسارة بقيمة 850 مليون دولار من أموال العملاء والشركات. لكن القضية تمت تسويتها لاحقاً بواسطة القائمين على العملة شريطة إلزامهم بنشر تقارير الاحتياطيات الموحدة الربع سنوية التي تكشف عن حجم حيازاتهم من الأصول. ويمكن العثور على أحدث التقارير هنا. وتضم أكبر حيازات التيثر مزيجاً من الأوراق المالية التجارية، والودائع النقدية والمصرفية، وسندات الخزانة. ولا تمثل الودائع النقدية سوى 10% تقريباً فقط من حيازاتها، بينما تُعتبر الأصول الأخرى من البدائل منخفضة الخطورة للنقود. كما تجدر الإشارة إلى أنّ عملة التيثر تعتمد على بنية تحتية مصرفية أجنبية.
كوين الدولار الأمريكي (USDC)
في المرتبة الثانية، تحل عملة كوين الدولار الأمريكي التي أُطلِقت عام 2018 ولديها رأس مال سوقي يبلغ 43.5 مليار دولار. إذ تتمتع العملة بقبولٍ واسع النطاق على منصات التداول، كما اكتسبت شعبيةً متنامية بين بروتوكولات التمويل اللامركزي وغيرها من التطبيقات اللامركزية (dApps). ويحظى هذا المشروع المشفر بمصداقيةٍ كبيرة نظراً لتأسيسه بالمشاركة بين منصة كوينس بيس Coinbase وشركة سيركل Circle.
وحتى يوليو/تموز عام 2021، كان يُزعم أنّ العملة مدعومة بالدولارات الأمريكية بنسبة 1:1 داخل حسابٍ بنكي، لكن ذلك تغيّر عند الإعلان أنّ 60% تقريباً فقط من احتياطيات العملة محفوظةٌ في صورةٍ نقدية، مع الاحتفاظ بالنسبة المتبقية في سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأمد.
دولار بينانس (BUSD)
تأسست العملة بواسطة منصة التداول العملاقة بينانس Binance، وهي تخضع لتنظيم إدارة نيويورك للخدمات المالية. ويتم إصدار العملة بواسطة باكسوس Paxos، وهي منصة خاضعة للتنظيم تقدم خدمات البنية التحتية للبلوكتشين. وقد أصبح دولار بينانس من أشهر توكنات التداول والتمويل اللامركزي، مع رأس مال سوقي حالي يبلغ 14.2 مليار دولار.
وتُصدر بينانس تقاريرها المدققة شهرياً لتشهد على توافق إمدادات دولار بينانس مع احتياطيات الدولارات الأمريكية التي تُغطيه. وسنجد أنّها مدعومة بنسبة 100% بالاحتياطيات في أحد الشكلين التاليين أو كليهما: 1- النقود السائلة في البنوك الأمريكية. أو 2- سندات الخزانة الأمريكية.
دولار تيرا (UST)
تم إطلاق العملة المستقرة اللامركزية في عام 2020، ولديها طريقةٌ مثيرة للاهتمام في الحفاظ على ارتباطها بالدولار الأمريكي؛ إذ ليست العملة مدعومةً بدولارات أمريكية مودعة في أي حسابٍ بنكي، بل يتغير حجم إمداداتها خوارزمياً بناءً على سعر وإمدادات توكنات تيرا (LUNA) الأصلية على شبكة تيرا Terra، وذلك لتحقيق توازن يهدف للحفاظ على قيمتها.
وكل وحدة من العملة المستقرة مدعومة وقابلة للاستبدال من توكن تيرا للحوكمة والخدمات. وتلعب شبكة تيرا دور الطرف المقابل لأي شخص يرغب في تبادل عملته المستقرة مقابلة توكن تيرا أو العكس، مما يُؤثر على إمدادات العملة المستقرة والتوكن الأصلي في وقتٍ واحد.
ورغم إمكانية استخدامها للتداول، لكن دولار تيرا يُستخدم أكثر في بروتوكولات التمويل اللامركزي. ويصل رأس ماله السوقي حالياً إلى 10.4 مليار دولار.
الداي (DAI)
عملة الداي هي عبارة عن عملة مستقرة خوارزمية تم إطلاقها عام 2017، وتهدف إلى الحفاظ على قيمتها قريبةً من 1 دولار أمريكي، وذلك من خلال نظامٍ آلي للعقود الذكية على بلوكتشين الإيثريوم. وتخضع العملة لصيانة وتنظيم ميكر Maker، وهي منظمة مستقلة لامركزية تتألف من ملاك توكن الحوكمة ميكر (MKR)، الذين يمكنهم التصويت على تغيير بعض المعايير في العقود الذكية لضمان استقرار الداي.
ويسمح بروتوكول ميكر للمستخدمين بإصدار الداي عن طريق تأمين أصولهم الضامنة ذات القيمة الأكبر داخل خزائن النظام. وتدعم ميكر حالياً مجموعةً مختلفة من أنواع الضمانات التي تشمل الأصول المشفرة المتقلّبة، والعملات المستقرة، وتوكنات السيولة، والأصول الموجودة في العالم الواقعي.
ويصل رأس المال السوقي الحالي لعملة الداي إلى 9.1 مليار دولار، وتُستخدم عادةً في بروتوكولات التمويل اللامركزي ويشيع استخدامها في عمليات الدفع.
تنظيم العملات المستقرة
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، أصدر فريق عمل الرئيس المكلف بالأسواق المالية تقريراً يدعو لتنظيم العملات المستقرة ووضع تشريعات تتناول المخاطر على مستخدمي العملات المستقرة، ومخاطر أنظمة الدفع، والمخاطر المنهجية، وتركيز السلطة. وفي ذلك التقرير، نُقِلَ عن وزيرة الخزانة جانيت يلين قولها إنّ “العملات المستقرة المصممة جيداً والخاضعة لرقابةٍ مناسبة لديها فرصة في دعم خيارات الدفع المفيدة. لكن غياب الرقابة المناسبة يشكل عدة مخاطر على المستخدمين والنظام الأوسع. والرقابة الحالية غير متسقة ومجزأة، مع وجود بعض العملات المستقرة خارج نطاق السلطة التنظيمية فعلياً”. ولا شك أن تنظيم العملات المستقرة سيحدث قريباً، إذ يبدو أنها مسألة وقتٍ ليس أكثر.
وفي الختام، صارت العملات المستقرة جزءاً حيوياً من النظام الإيكولوجي المشفر، لكنها ليست مبنيةً بطريقةٍ متساوية. كما يجب على المستثمرين اتخاذ قرارهم حول حجم المخاطرة المرتبطة بكفاية الأصول لدعم قيمة التوكن الصادر، ومستوى المركزية والثقة في القائمين على إصدار التوكن. وتجب أيضاً مراعاة تأثير القرارات التنظيمية المحتمل على هذا المجال. ففي الوقت الحالي، ليست هناك وسيلة قياسية لتُفصح من خلالها العملات المستقرة عن أصولها، وبالتالي قد تكون هذه من الأهداف الواضحة للجهات التنظيمية. وليس بوسع المرء سوى أن يتساءل عما إذا كان تقديم الدولار الرقمي المدعوم من الحكومة الأمريكية هو الحل الذي تبحث عنه الجهات التنظيمية فعلياً. أما السؤال الأكبر فهو ما إذا كان ذلك الدولار الرقمي سيلغي الحاجة إلى العملات المستقرة مثل التيثر وكوين الدولار الأمريكي. سنكتشف ذلك مع مرور الأيام.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.