“تفاؤل حذر”

 

هكذا وصف هادسون جايمسون، المسؤول عن العلاقات بالمطورين بمؤسسة الإيثريوم (ETH) الأجواء السابقة لخامس ترقية شاملة على صعيد النظام والمعروفة بالقسطنطينية.

 

والقسطنطينية هي نوع من أنواع الترقيات المعروفة بالهارد فورك، مما يعني أنَّها بحاجة للتثبيت أحادياً عبر كافة عُقد الشبكة لتعمل كما مُفترض لها. ومن المتوقع أنَّ تدخل الترقية حيز التفعيل يوم الأربعاء القادم 16 يناير/ كانون الثاني.

 

أقرأ أيضًا : تأجيل ترقية القسطنطينية.

 

هذه المقاربة عملية تأتي مع مخاطر كامنة. فعلى سبيل المثال، إذا لم يوافق عدد كافٍ من المستخدمين على ترقية معينة، قد يؤدي ذلك إلى انقسام الشبكة. وهناك سابقة لمثل هذا الحدث في عام 2016 بعد انهيار المنظمة المستقلة اللامركزية (DAO)، عندما أدى هارد فورك مثير للجدل إلى ظهور شبكتي بلوكتشين مختلفتين وهما الإيثريوم والإيثريوم كلاسيك (ETC).

 

إلا أنَّه طِبقاً لما قاله أفري شودين، مدير الإصدارات بباريتي Parity عميل الإيثريوم، فاحتمالية انشقاق الشبكة ضعيفة في حالة ترقية القسطنطينية. إذ كان تبني تجمعات تعدين الإيثريوم الكبيرة للترقية قوياً. وهم الأطراف المحورية لتفادي انشقاق الشبكة.

 

وقد صرح شودين قائلاً: “المعدنون مستعدون. لا يستطيع شق الشبكة إلا المعدنون”.

 

وقد وصل تبني ترقية القسطنطينية حالياً لنسبة 15.6 % فقط وذلك حِسبَ المعلومات الصادرة عن موقع إلكتروني مُتعقب يُديره بيتر براتشر، المدير التنفيذي لإيثر ماين Ethermine تجمع تعدين الإيثريوم الأكبر. وخلال حديثه مع محرر كوين ديسك CoinDesk، قال براتشر إنَّ نتائج الإحصائيات مغلوطة، زاعماً أنَّ نسبة تبني الترقية أقرب إلى الأغلبية.

 

وصرح براتشر قائلاً: “نحن نتوقع تحديث أغلبية العُقد غير المحدثة بحلول ميعاد وصول بلوك الفورك”.

 

تُشكل ترقية القسطنطينية، المسماة تيمناً بعاصمة الإمبراطورية البيزنطية، جزءاً من ترقية ثلاثية الأجزاء باسم متروبوليس. إذ تجمع متروبوليس خمسة مقترحات لتحسين الإيثريوم (EIP). وبينما أغلب تلك المقترحات مجرد تعديلات غير خلافية، إلا أنَّ أحد جوانب الترقية تسبب في إثارة بعض الجدل.

 

على وجه التحديد، تؤخر ترقية القسطنطينية من تفعيل “قنبلة الصعوبة“، وهي خوارزمية خاصة بشبكة الإيثريوم تعمل على زيادة صعوبة التعدين بمرور الوقت. وبما أنَّ الترقية ستؤدي إلى خفض صعوبة التعدين، فهي ستؤدي أيضاً إلى خفض عائد المعدنين مقابل تأمين الشبكة، من ثلاث عملات إيثريوم إلى عملتي إيثريوم لكل بلوك فقط.

 

مما دفع المعدنون للتعبير عن استيائهم من الترقية. لكن في نفس الوقت، تقدمت تجمعات تعدين كبرى داعمة للتغيير.

 

فقد علّق براتشر قائلاً: “نحن نتوقع ترقية سلسة دون أية مشكلات”.

 

وبعيداً عن شبح الانشقاقات، فهناك مخاطر أُخرى لترقية شاملة على صعيد نظام الشبكة. إذ قد تتسبب الأخطاء البرمجية في أعطال بالشبكة أو قد تنحرف خوارزمية عن مسارها، مما يؤدي إلى صعوبات مفاجئة. لكن المطورين واثقون من أنَّ احتمالية مثل تلك المخاطر ضئيلة في حالة ترقية القسطنطينية. ففي الشهور السابقة لحدث الأسبوع المُقبل، جرت اختبارات عديدة لكشف أية ثغرات في البرمجية.

 

فقد قال هادسون جايمسون، “لدينا برمجيات اختبار ومراقبة مثل مرقاب الفورك الخاص بنا ومُختبر الفحص العشوائي للبروتوكول، لرصد أية مشكلات قبل، وأثناء وبعد الهارد فورك”.

 

ثم أضاف جايمسون: “نحن متحمسون للغاية لتطبيق هذه التغييرات في بروتوكول الإيثريوم. إلا أنَّنا مع ذلك، نضع أمن واستقرار الشبكة أولاً وقبل كل شيء”.

 

تشكيلة من الترقيات

 

تُقدّم القسطنطينية خمس ترقيات جديدة للشبكة.

 

وكما نقل موقع كوين ديسك سابقاً، ستتضمن تلك الترقيات تحسينات للمُطورين الراغبين في صك عقود ذكية وتسهيل تصميم التطبيقات اللامركزية.

 

فقد وصفت تايلور موناهان، المديرة التنفيذية لمحفظة الإيثريوم ماي كريبتو MyCrypto، التوجه العام لترقية القسطنطينية بـ”تحسينات بسيطة لجودة حياة مُطوري العقود”.

 

وطِبقاً لنيك جونسون، أحد المُطورين الرئيسيين، ستتضمن إحدى تلك الترقيات، والمعروفة بمقترح تحسين الإيثريوم رقم 1283 ما يسمى بـ”قياس صافي الوقود”. وهذا المقترح من ابتكار جونسون، لحل إحدى المشكلات المستمرة المواجهة لقابلية استخدام شبكة الإيثريوم، وهي الارتفاع المتزايد في أسعار الوقود.

 

وقال جونسون، “بتفعيل هذه الترقية، يمكننا خفض الاستهلاك غير المباشر للوقود، بالإضافة إلى جعل أنماط البرمجة الجديدة فعّالة التكلفة”.

 

ويعتبر عدة مُطورين مقترح تحسين الإيثريوم رقم 1014 الأكثر إثارة للحماس من ترقيات القسطنطينية. يعرف المُقترح أيضاً باسم Skinny CREATE2، ومن المتوقع أنَّ تمهد الترقية الطريق أمام أنواع جديدة من حلول توسعة الطبقة الثانية مثل القنوات العمومية.

 

قال جونسون عن ذلك إنَّ “الترقية تجعل خلق أنواع جديدة من القنوات العمومية ممكناً، لخفض أو حتى القضاء على تكاليف نشر التطبيقات على الشبكة. مما سيحسن من التوسع، ويخفض تكاليف ومتاعب المستخدمين”.

 

وطِبقاً لأليكس أُخونوف، مُطور برمجية توربو غيث Turbo Geth، قد يؤثر مقترح تحسين الإيثريوم رقم 1014 على التغييرات المستقبلية بشبكة الإيثريوم، مثل التطبيق المحتمل للتأجير أو التكاليف المتجددة لتخزين البيانات على منصة الإيثريوم. كما يمكن أنَّ يقود إلى خواص جديدة غير متوقعة في العقود الذكية.

 

وقال أُخونوف شارحاً، “يُمكننا CREATE2 من شيء آخر مثير للحماس وإنَّ كان محتمل الخطورة، وهو إعادة صك العقود بنفس العنوان بعد تدميرها. إذ يُمكن إعادة صكها باستخدام نفس الكود أو بكود مختلف إذا ما استخدمت المزيد من الحيل، مما سيقود بالأساس إلى عقود قابلة للترقية تماماً”.

 

تضم ترقية القسطنطينية ترقيتين أُخريين، هما مقترح تحسين الإيثريوم رقم 145 ورقم 1052. ومن المفترض أنَّ يُحسنا من سهولة الاستخدام لتطوير العقود الذكية  وتيسير عمليات معينة ضمن برمجية الإيثريوم.

 

وأضاف جونسون: “سيمكننا توسيع ما يمكننا فعله بسهولة بشبكة الإيثريوم ليشمل المزيد من حالات الاستخدام بفضل هذه التحسينات”.

 

نقاشات المعدنين

 

وعلى الرغم من أنَّ مُعظم التغييرات المقترحة كجزء من ترقية القسطنطينية تم اختبارها بحرص وواضحة تقنياً، إلا أنَّ أحدها كان موضعاً لنقاشات محتدمة. التغيير المعني هو مقترح تحسين الإيثريوم رقم 1234، وهو من تأليف أفري شودين مدير الإصدارات بباريتي.

 

فبجانب الخواص التقنية المذكورة سابقاً، إحدى الجوانب الرئيسية لترقية القسطنطينية هي تأخير ما يُعرف بـ”قنبلة الصعوبة”.

 

وقنبلة الصعوبة هي خوارزمية تعمل على زيادة الوقت اللازم لإنتاج بلوكات جديدة تدريجياً. وكان الهدف الأصلي للخوارزمية تيسير الانتقال إلى إثبات الحصة (PoS)، التغيير المُقبل في خوارزمية إجماع الإيثريوم.

 

تُجبر القنبلة في نهاية الأمر شبكة البلوكتشين على دخول حالة تُعرف بـ”العصر الجليدي”، إذ ترتفع خلالها الصعوبة لدرجة لا تسمح بتأكيد المعاملات. وبهذا تكون للخوارزمية ميزة تشجيع إعادة هيكلة الكود تكراراً لتعديلها.

 

ووفقاً لأخونوف، فتأخير قنبلة الصعوبة هو الجانب الأكثر حساسية بترقية القسطنطينية.

 

إذ أضاف: “الأهمية الرئيسية للقسطنطينية هي تأخير قنبلة الصعوبة، وإلا ستبدأ صعوبة التعدين في التصاعد بحدة. فليست هناك أية تغييرات جوهرية حقاً عدا ذلك”.

 

على الرغم من ذلك، فتأخير قنبلة الصعوبة ينطوي على تفاصيل خفية. وذلك لأنَّ سرعة إنتاج البلوكات على شبكة الإيثريوم تُحدد معدل إصدار وقود الإيثريوم، العملة المشفرة الداخلية الخاصة بالمنصة.

 

وتحقيقاً لهذه الغاية، تخفض ترقية القسطنطينية عائد تعدين البلوك من ثلاث عملات إيثريوم إلى عُملتين فقط لكل بلوك، وهو ما أشعل الجدال مع مُعدني البلوكتشين الذين يعتمدون على العوائد لتحقيق الربح من التعدين.

 

وقد أدى ظهور معدات تعدين معدة خصيصاً للإيثريوم في تأجيج حدة الجدال، فطِبقاً لآراء البعض تجعل مثل تلك المعدات عمليات تعدين المُعدنين الهواة أقل جدوى، إذ يعتمد معظمهم على بطاقات الرسوميات بدلاً من أجهزة التعدين المعدّلة (ASIC) المتخصصة.

 

وصرح براتشر قائلاً، “لسنا متحمسين عموماً لترقية القسطنطينية، فهي ستجعل التعدين غير مربح للكثير من المعدنين مما سينعكس سلباً على أمان شبكة الإيثريوم”.

 

استشهد براتشر بالهجوم الأخير على شبكة الإيثريوم كلاسيك، حينما غُمرت البلوكتشين بقوة هاش معادية، كمثال على المشكلات الناتجة عن تواجد أعداد أقل من المُعدنين.

 

إذ قال، “هجوم الواحد وخمسين بالمئة خطر حقيقي، كما أثبت الهجوم الأخير المُنفذ ضد شبكة الإيثريوم كلاسيك”.

 

وكرر برايان فينتورو، مدير تجمع تعدين صغير باسم أتلانتيك كريبتو Atlantic Crypto، نفس تلك المخاوف، إذ قال لكوين ديسك: “سيضيف مقترح تحسين الإيثريوم رقم 1234 بترقية القسطنطينية عبئاً على اقتصاديات التعدين بشكل فوري”.

 

المرحلة القادمة

 

نتيجة للخفض المقبل في عوائد المُعدن، يعتمد المعدنون مثل براتشر وفينتورو على ترقية مستقبلية مُحتملة باسم ProgPoW. تعد الترقية بحظر معدات أجهزة التعدين المُعدّلة المتخصصة من الشبكة وبالتالي ضمان الحفاظ على التعدين المعتمد على بطاقات الرسوميات تنافسياً.

 

وليس من الواضح في الوقت الحالي ما إذا كان سيجرى نشر تغيير مثل ذلك. إذ بينما حصل الاقتراح على موافقة “مترددة” في اجتماع للمُطورين في بداية يناير/كانون الثاني، فشلت النقاشات حول الاقتراح في الوصول إلى إجماع منذ ذلك الحين.

 

بالرغم من ذلك، يحتفظ المُطورون بثقتهم في استمرار الأعمال التقنية خلال الأشهر المقبلة. إذ تستمر تحسينات توسع الطبقة الثانية في التقدّم، تزامناً مع بدء تبلور الجوانب التكوينية لسيرينتي Serenity، ترقية الإيثريوم التي طال انتظارها.

 

بوضع كل شيء في عين الاعتبار، فقد بعثت الترقيات المقبلة شعوراً عاماً من الترقب الحذر.

 

وقال أُخونوف: “أنا قلق قليلاً حول القسطنطينية، لأنَّه من الصعب دائماً تخمين مدى احتمالية حدوث خطأ ما”.

 

وطِبقاً لحديث أُخونوف، فأسوأ سيناريوهات الأحداث هو وقوع خطأ ما بخوارزمية الصعوبة الجديدة متسبباً في خلل بأمان الشبكة. على الجهة الأُخرى، اعتبر مُطورون آخرون مشكلات الإجماع شاغلهم الأكبر. في حين قالت تايلور موناهان من ماي كريبتو إنَّها قلقة بالأساس حول احتمالية استخدام المحتالين للترقية كفرصة لخداع العامة والاستيلاء على أموالهم.

 

ولكن بغض النظر عن المخاطر التي تنطوي عليها الترقية، فالمطورون واثقون من اتخاذهم كافة الاحتياطات الممكنة لتأمين الترقية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مزايا معينة لقنبلة الصعوبة.

 

فعلى سبيل المثال، حتى في حال رفض عقد معينة لتبني البرمجية البيزنطية في الوقت الحالي، ما أنَّ تُفعل قنبلة الصعوبة المقبلة ستصبح تلك العقد غير قابلة للاستخدام خلال الأشهر القادمة. مما سيُجبرها على الترقية إذا ما رغبت بالاستمرار في إجراء المعاملات على شبكة الإيثريوم.

 

ولهذا السبب قالت موناهان إنَّ ترقية القسطنطينية “تبدو رائعة”.

 

ثم أضافت قائلة: “سيُثمر عمل الجميع الجاد أخيراً. سيستفيد كثير من الأشخاص من التحسينات حتى وإنَّ لم يدركوا ذلك الآن، بفضل العقود الأقل تكلفة، وأكواد عمليات أكثر فاعلية وتقديم المزيد من الإمكانيات لتفاعلات العقود”.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.