يشكل تطبيق التكنولوجيا المتطورة في بعض الأحيان تحدياً جسيماً، لا سيما إن كانت هذه التكنولوجيا بحد ذاتها معقدة يستعصي على المرء شرحها.

كما أنه من الصعوبة بمكان زيادة الوعي بالتكنولوجيا شديدة التعقيد حين تميل هذه التكنولوجيا إلى أخذ الطابع النظري إلى حد كبير. غير أن الوعي والمعرفة هو الخطوة الأولى دائماً في طريق تبني أي تكنولوجيا واستخدامها، فبدون الإلمام والدراية بأحدث البنى النظرية؛ لن يتمكن أي شخص من تطوير التطبيقات الرائدة.

من الأمثلة على هذه البنى التكنولوجية هي براهين المعرفة الصفرية “الإثباتات صفرية المعرفة” أو ما يعرف بـ (ZKPs)، وهي تقنية غير مسبوقة وجدت لنفسها تطبيقات شتى في مجالات البلوكتشين وغيرها.

في هذا المنشور القصير، سنلقي نظرة على عدد من حالات استخدام هذه التكنولوجيا المطبقة في يومنا هذا.

نظرة عامة على مفهوم برهان المعرفة الصفرية

برهان المعرفة الصفرية هي طريقة تشفير تسمح لشخص ما (المدقق) بالتحقق من صحة مطالبة قام بها طرف ثانٍ (المبرهِن)، دون أن يُطلب من المبرهن الكشف عن أي معلومات أساسية حول المطالبة. إذا كنت ترغب في الحصول على المزيد من المعلومات؛ تعرض ديسنتريك Decentriq سلسلة مدونات حول براهين المعرفة الصفرية.

لم تكتسب براهين المعرفة الصفرية اهتماماً واسعاً سوى في الآونة الأخيرة مع تزايد الاهتمام بتكنولوجيا البلوكتشين، على الرغم من قيام غولدواسار وميكالي وراكوف بشرحها للمرة الأولى في عام 1985، أي قبل 20 عاماً على نشر ساتوشي ناكاموتو لورقته البيضاء عن البتكوين.

وفي عام 2018 فحسب -أي بعد أكثر من 30 عاماً على ظهورها للمرة الأولى- أصبحت هذه التقنية تستخدم عملياً على نطاق واسع، كما أنها اكتسبت داعمين لها من مستويات رفيعة، بما فيهم الشريك المؤسس لغوغل في الصورة أعلاه.

حالات استخدام براهين المعرفة الصفرية

تعتبر سلامة البيانات وخصوصيتها والحوسبة المتحقق منها من التحديات الرئيسية والفرص الواسعة في البيئة المعتمدة على التكنولوجيا.

كلما قمنا بعمليات تبادل البيانات، جعلنا من أنفسنا عرضة لإمكانية اختراق هذه البيانات. كما أن المستقبِِل يحتاج ما يضمن له سلامة البيانات المرسلة إليه.

يضعنا هذا الأمر أمام الحالةً المثالية التي يمكن فيها استخدام براهين المعرفة الصفرية وتقنيتها القابلة للتحقق لتعزيز الخصوصية.

من الصعب بطبيعة الحال فهم آثار هذه التكنولوجيا حين ننظر إليها بصورة نظرية بحتة؛ لذا قررنا جمع ثلاثٍ من أكثر حالات الاستخدام ذات الصلة ببراهين المعرفة الصفرية المتاحة في يومنا هذا.

التصويت المجهول القابل للتحقق منه

حين يتعلق الأمر بتقنية السجلات الموزعة، يصعب دوماً وضع بروتوكولات إدارة واضحة. ولضمان وجود بنى إدارة مناسبة على البلوكتشين، كان وجود التصويت المجهول الذي يمكن التحقق منه أمراً لا غنى عنه.

يشكل التصويت أيضاً جزءاً أساسياً من كل مؤسسة ديموقراطية سواءً كانت دولة أو مجموعة من المساهمين في شركة؛ وعليه فمع تحرك الدول نحو التحول الرقمي ومع انتشار الرموز الأمنية، زاد الطلب على حلول التصويت الآمن والمجهول.

وهنا تأتي براهين المعرفة الصفرية لتقدم حلاً واعداً.

تتعامل براهين المعرفة الصفرية مع التصويت مجهول الهوية القابل للتحقق من صحته من خلال تسجيل الأصوات على بلوكتشين عامة، بحيث لا يعود هناك حاجة لطرف ثالث موثوق به للتحقق من النتائج، علاوةً على أن ذلك يلغي أي شكل من أشكال الرقابة.

يمكن للناخبين المؤهلين، باستخدام براهين المعرفة الصفرية، إثبات حقهم في الإدلاء بأصواتهم دون الكشف عن هويتهم، مما يجعل نظام التصويت مجهول الهوية. كما يسمح بروتوكول برهان المعرفة الصفرية للناخبين بطلب إثبات يمكن التحقق من صحته يؤكد إدراج تصويتهم ضمن النتائج النهائية من الكيان المبلِّغ بالنتائج.

مما يتيح للهيئة الانتخابية إمكانية تدقيق التصويت، حتى لو كانت الأصوات نفسها غير مرئية على بلوكتشين عامة.

التبادل الخاص وتسوية الأصول الرقمية

من المؤكد أن شفافية البلوكتشين العامة كانت واحدة من العوامل الرئيسية التي مكنت المستخدمين من الوثوق بها، غير أن لها عيوباً جسيمة. ففي حين أنه ينبغي الإعلان عن بعض البيانات ليتم التحقق منها بشكل علني، إلا أن هناك مجموعة كبيرة من المعلومات الأخرى يستحسن إبقاءها سرية أو خاصة.

أحد أنواع هذه المعلومات هو تبادل الرموز الرقمية مثل رموز الأسهم.

من الضروري تضمين طبقة من الخصوصية لضمان بقاء المبلغ الذي يتم التعامل عليه وهوية المشاركين في كل معاملة سرية دون الكشف عنها. وهنا تأتي براهين المعرفة الصفرية بحل لهذه المشكلة الحساسة، حيث يتم إخفاء جميع المعلومات المتعلقة بالمعاملة، ليمكن بسهولة تجنب بعض المشاكل مثل استباق الأوامر.

علاوةً على ذلك، يمكن استخدام هذه الوظيفة إذا ما دعت الحاجة في أي وقت للتدقيق في أوامر بعينها.

على سبيل المثال، حين نتحدث عن تسوية الأصول، يمكن التحقق من أفضل تنفيذ ممكن لأحد الأوامر دون الإفصاح عن دفتر الأوامر بالكامل، مما يسمح بإجراء تدقيق فعال حيث تتم عملية التحقق تلقائياً. كما يقلل هذا أيضاً من مخاطر نشوب النزاعات بين الأطراف المتقابلة.

يسمح هذا الإجراء للقائم على منصة التداول بالحفاظ على سرية المعلومات الحساسة، إذا ما دعت الحاجة لذلك. يمكن تطبيق هذه التكنولوجيا على كل من منصات التداول المركزية واللامركزية.

هذا الأمر ضروري خاصةً في الوقت الحالي حيث تقوم عدد من منصات التداول بإنشاء بدائل لامركزية خاصة بها تعتمد على البلوكتشين، وإذا أدرجت هذه المنصات تقنية براهين المعرفة الصفرية في منصات التداول اللامركزية (DEXs)، يمكنهم بالتالي التخفيف من قلق عملائهم وتلبية حاجتهم إلى الخصوصية.

الخصوصية على سلاسل البلوكتشين العامة

سلاسل البلوكتشين العامة مثل الإيثريوم (ETH) والكاردانو (ADA) والتيزوس (XTZ) هي بروتوكولات متطورة بالفعل. ومع ذلك، من أجل فتح مزيد من الآفاق وتحقيق أقصى قدر ممكن من الاستفادة منها ينبغي تفعيل خصوصية البيانات، فلا يمكن أن تستخدم أي شركة تحتاج إلى الحفاظ على خصوصية بياناتها سلسلة بلوكتشين ذات شفافية كاملة.

على سبيل المثال، حين يتعلق الأمر بالشركات التي تستخدم البلوكتشين لتتبع سلسلة التوريد الخاصة بها، فإن هذه الشركات تفضل الاحتفاظ ببيانات ومعلومات الموردين القيّمة سرية؛ لذا يجب وضع بعض طبقات من الخصوصية. ينطبق هذا أيضاً على مستوى سلاسل البلوكتشين التابعة للمؤسسات الخاصة.

يمكن لبراهين المعرفة الصفرية تقديم هذه الخصوصية اللازمة.

في حالة البلوكتشين، يوجد تطبيق معين لبراهين المعرفة الصفرية قيد الاستخدام حالياً، وهو بروتوكول “المعرفة الصفرية- الحجة المعرفية المختصرة غير التفاعلية” المعروف اختصاراً باسم (zk-SNARKS)، والذي أصبح مدمجاً في بروتوكولات عدد من البلوكتشين حالياً، أمثال الزد كاش (ZCASH) والهورايزن (ZEN) والكومودو (KMD)

هذه البروتوكلات لا يسعها حماية البيانات على البلوكتشين العامة فحسب، بل يمكنها أيضاً أن تساعد في الحد من مشاكل زيادة السعة.

سيكون من اللافت للاهتمام في السنوات القادمة أن نرى أي بروتوكول أو عدد من البروتوكولات سيتقدم ركب إجراء الأبحاث وتطبيق براهين المعرفة الصفرية. تقوم بعض البروتوكولات بالفعل بوضع حجر الأساس لذلك، من خلال تمويل المؤسسات البحثية أو عقد الشراكات مع خبراء الصناعة.

على سبيل المثال، تعمل الزد كاش حالياً على إطلاق إطلاق تحديثات إضافية لبروتوكولات zk-SNARK الخاصة بها المستندة إلى بروتوكول المعرفة الصفرية، وذلك في إطار التطوير الجديد لشبكتها سابلنغ Sapling الأمر الذي من شأنه أن يقلص مدى التعقيد الذي ينطوي عليه إنشاء برهين المعرفة الصفرية.

إذا حقق تطوير سابلنغ النتائج المرجوة، عندئذ من المرجح أن تنخفض رسوم معاملات الزد كاش المحمية وتقل الأوقات التي تستغرقها هذه المعاملات. وهذا يعني أن تقترب عملة الزد كاش تدريجياً من هدفها في أن تصبح مكافئاً رقمياً للنقود الحقيقية والذي لا يمكن تعقبه.

الختام

لا شك أن براهين المعرفة الصفرية تمثل تقنية ثورية. ويتجلى مدى تعقيدها في طول الفترة الزمنية التي استغرقتها كي تصبح مستخدمة بأي شكل عملي منذ وضع نظريتها.

إن خبراتنا المستمدة من حوادث اختراقات البيانات الأخيرة وغيرها من مخاوف الخصوصية قد دفعت للاحتياج إلى خيار جديد، ونحن لم ندرك قيمة براهين المعرفة الصفرية الحقيقية إلا عندما بدأت العملات الرقمية الواعية بالخصوصية بدمجها في البروتوكولات الخاصة بها.

والآن بعد أن صارت فوائد براهين المعرفة الصفرية غير خافية علينا، يمكننا أن نتوقع رؤية تطبيق أوسع لها في البيئات المركزية واللامركزية. من التصويت المجهول الذي يمكن التحقق منه وصولاً إلى الخصوصية على البلوكتشين العامة، التكنولوجيا هي الحل للعديد من التحديات التي نواجهها داخل وخارج البلوكتشين.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.