يعتبر كثيرون الورقة البيضاء للبتكوين من أكثر الأوراق البحثية أصالةً وتأثيراً في تاريخ علوم الحاسوب، وهي كذلك بالفعل.

فقد أطلقت الورقة البيضاء للبتكوين مجالاً يقدر بمليارات الدولارات، وحفزت إنتاج آلاف الأوراق البحثية المكملة لها.

لكن يجدر إلقاء نظرة نقدية على الورقة (والعناصر الأصلية المميزة لعملة البتكوين غير الموجودة في الورقة)، ونتساءل ما الذي نجحت فيه ورقة البتكوين البحثية؟ وما الذي فشلت فيه؟ وما الأسئلة التي ما زلنا لا نعرف إجابةً لها؟

ما نجحت فيه البتكوين

ربما تكون إجابة هذا السؤال هي الأصعب.

من علامات الأفكار الناجحة حقاً أننا ننسى كيف كان الناس يرون العالم قبلها. فالعديد من الإسهامات الجوهرية للبتكوين تبدو واضحةً بالنظر إلى الوراء.

يسهل نسيان أن العملات المشفرة كانت تعاني ركوداً بحثياً في معظم أعوام العقد الأول من الألفية. فبعد فشل العديد من المحاولات في التسعينيات من أجل بناء نظامٍ عامل (أغلبها قامت على أفكار ديفيد تشاوم في الثمانينيات)، نُشِر عدد قليل من الأوراق البحثية في المجال، وآمن كثيرون أنَّه ببساطة لا توجد سوقٌ حيوية لعملة غير تابعة للدول.

وكانت الأنظمة اللامركزية قبل ابتكار البتكوين مجالاً بحثياً نشطاً في العقد الأول من الألفية (وغالباً ما كانت توصف بشبكات النظير إلى النظير)، وكان مجال أبحاث إخفاء الهوية يستقل بذاته (مع تطور بروتوكول تور Tor والأنظمة الأخرى).

لكن هذه لم تُعتَبر خصائص ضرورية في نظام مدفوعات. إذن، ما الذي أضافته البتكوين؟

  1.    مكافآت للمعدنين: من إسهامات البتكوين الأساسية تقديم مكافآت للمعدنين عن طريق التضخم والرسوم. وقد كان هذا النموذج ناجحاً بصورة عامة، ومن الإنصاف أن نعترف بأن قليلون توقعوا نجاحه. قبل عصر البتكوين، كانت العديد من أنظمة النظير إلى النظير التي تتيح المشاركة المفتوحة، حيث أي شخص يمكنه إدارة عقدة، تتعرض لهجمات سايبل Sybil عديدة، ومشاكل أخرى. وكانت هناك العديد من المحاولات لمنح مكافآت للمشاركين المتمتعين بالنزاهة، لكن لم ينجح أي نظامٍ في ذلك قبل البتكوين.
  2. العقد الخفيفة: اتضح أن دعم شبكة البتكوين للعقد الكاملة والعقد الخفيفة (أو عقد التحقق المبسط من المدفوعات SPV) أمر بالغ القوة، وهيكل البلوكات المدمج في نظام البتكوين جعل من الممكن بل ومن الطبيعي وجود عقد خفيفة علي الشبكة لا تحمل سجل البلوكتشين بالكامل.
  3.    كتابة السكريبت البرمجي: أتاح دعم البتكوين لكتابة السكريبتات البرمجية (وهو ما لم تتعرض له الورقة البيضاء)، على محدوديته، إضافة عدة مزايا مفيدة مثل الحسابات متعددة التوقيعات وشبكات المدفوعات. وقد كان من الحكمة وضع تصورٍ لنظام يدعم ما هو أكثر من المدفوعات البسيطة.
  4.    إدراك الحوافز طويلة المدى: لم يتوقع ساتوشي التعدين على نطاقٍ صناعي، أو تجمعات التعدين، على الأقل ليس في ورقته البيضاء. لكن الورقة تتضمن بالفعل سطراً يتنبأ بمخاطر المركزية: “ينبغي أن يجد منفذ الهجوم اللعب حسب القواعد، تلك القواعد التي تكافئه بعملات جديدة أكثر من جميع المشاركين الآخرين مجتمعين، مربحاً أكثر من أن يقوض أساسات النظام، ومعها يقوض صلاحية ثروته الخاصة”. ومع أن كثيرين كتبوا عن عدد ضخم من الهجمات النظرية من جانب المعدنين منذ انطلاق شبكة البتكوين، فإن أحداً لم يجرب تنفيذها بجدية عملياً. لقد أدرك ساتوشي مبدأً بالغ القوة، وهو أن المعدنين لديهم حوافز طويلة المدى تمنعهم عن مهاجمة منظومة البتكوين، لأن استثماراتهم تعتمد على صحتها.

ما أخفقت فيه البتكوين

سنتجاهل بعض الخواص التي تبدو طريفة بالنظر إلى الوراء، في النسخ الأولى من كود البتكوين، مثل الدفع إلى عناوين الآي بي، ونظام التجارة الإلكتروني المدمج، وهي خواص لم ترَ النور.

لكن هناك عدداً من الخواص التي يبدو أن البتكوين “أخفقت” فيها، وينبغي ألا يكررها أي نظامٍ اليوم.

  1.    خوارزمية ECDSA: في حين تتفوق خوارزمية التوقيع هذه بكثير على خوارزمية RSA، فإنها أضعف من خوارزمية EC-Schnorr من جميع الجوانب. على الأرجح لم يعرف ساتوشي ببساطة بهذا الخيار (إرثٌ طويل من براءات الاختراع البرمجية القائمة على توقيعات Schnorr). سيكون من الأفضل اليوم بوضوح استخدام توقعات Schnorr بدلاً من خوارزمية ECDSA، نظراً لدعم الأولى للتوقيع الحدي، إن لم يكن من الأفضل استخدام مخطط توقيع أكثر تقدماً مثل BLS.
  2.    طواعية المعاملات: هذه المشكلة غير المقصودة سببت صداعاً لمستخدمي بروتوكولات مثل شبكات المدفوعات، كما أنها فتحت الباب أما تنفيذ هجوم إم تي غوكس Mt. Gox الشهير. أما اليوم فمن الحكمة في التصميم أن تستخدم شبكة البتكوين بروتوكولاً مثل سيغويت SegWit من أجل ضمان افتقار هاش المعاملات إلى الطواعية.
  3.    خواص أُضيفت لاحقاً: كانت أخطاء واضحة ألا تُضاف خواص واسعة الانتشار مثل الدفع إلى هاش السكريبت P2SH وكود العمليات check-locktime-verify، التي أضيفت لاحقاً بواسطة عمليات السوفت فورك.
  4.    القدرة المحدودة على تقسيم العملات: الحد الأقصى لعملات البتكوين 21 مليون بتكوين، لكن الأهم أن الحد الأقصى من الوحدات الذرية يبلغ 252 ساتوشي. إن كانت البتكوين تعتزم أن تصبح نظام المدفوعات الوحيد على كوكب الأرض، فإن هذا يعني إتاحة أقل من مليون وحدة ساتوشي لكل إنسان، وهذا لا يكفي إطلاقاً للمعاملات اليومية (حتى مع تقريبها للوحدات المكافئة، وهي عُشر الدولار الأميركي) ولا يكفي أيضاً الممتلكات الضخمة. ولم يكُن من المكلف في بداية الأمر توسعة الحد الأقصى بإضافة العشرات من وحدات البِت، من أجل تجنب أزمة قابلية البتكوين للتقسيم.
  5.    بلوكات في بلوكتشين بسيطة: نظراً إلى الضجة التي تحدثها كلمة “بلوكتشين” في وقتنا الحالي، تجدر الإشارة إلى أن وضع البلوكات في بلوكتشين خطية هي زلة تزيد من تكلفة التحقق من وجود بلوك قديم في البلوكتشين الحالية بالنسبة للعملاء فائقي الخفة. وشبكة البتكوين تضيف المعاملات إلى شجرة متفرعة، فلماذا لا تفعل المثل مع البلوكات نفسها؟ أو تُضيف قائمة بالبلوكات التي يمكن تجاوزها، فسيكون ذلك تحسناً كبيراً. المثير للاهتمام أن مشروع شفافية الشهادات Certificate Transparency (المعاصر لمشروع البتكوين والمستقل عنه) ينفذ الأمر على النحو الصحيح، ويضيف كل تحديث إلى شجرة متفرعة، في حين أن معظم المشاريع التي تلت البتكوين التزمت بالتصميم الخطي للبلوكتشين.
  6.    لا تقييد للحالة: يتتبع معدنو البتكوين حالة النظام في صورة مجموعة من مخرجات المعاملات غير المنفقة (UTXO). لكن هذه المخرجات غير مقيدة بكل بلوك، ولابد من الرجوع إلى تاريخ الشبكة. يصعب هذا على العملاء الخفيفين التأكد من الحالة الراهنة وما إذا كانت المعاملة قد تم إنفاقها أم لا. كان من السهل إضافة تقييدٍ لمخرجات المعاملات غير المنفقة بكل بلوك، وهو ما تنفذ العديد من الأنظمة اللاحقة (مثل الإيثريوم) نسخة منه.
  7.    تحليل مبسط للهجمات: تخصص الورقة البيضاء للبتكوين مساحة كبيرة نسبياً (نحو ربع النص) لتحليل فرص تنفيذ معدنٍ يستحوذ على أقل من 51% من طاقة التعدين عملية فورك ببساطة لأن الحظ حالفه. وقد تعرفت التحليلات اللاحقة على طرقٍ أخرى كثيرة للهجوم (مثل التعدين الأناني)، أما تحليل الورقة البيضاء فيبدو الآن عتيقاً.
  8.    صوتٌ لكل وحدة معالجة مركزية: وصف ساتوشي البتكوين على أنه نظامٌ يستعمل فيه أغلب المشاركين وحدات المعالجة المركزية (CPU) في التعدين. لم تكن هذه هي الحالة لأعوامٍ طويلة، إذ تسيطر على قوة التعدين معدات مخصصة لذلك. وفي حين يدور الجدال حول ما إذا كانت أجهزة التعدين المعدلة تطورٌ جيد أم سيء، فهي بالتأكيد ليست ما روجت له الورقة البيضاء.

ما لا نعرفه بعد

  1.    ألغاز خوارزمية SHA-256: لطالما كان استخدام البتكوين للألغاز الحاسوبية القائمة على الهاش (أو “إثبات العمل”) من موضوعات النقاش الساخنة. هل يستهلك حل تلك الأحجيات طاقةً أكثر من اللازم؟ هل تشجع أجهزة التعدين المعدلة على المركزية؟ هل ستنتج الألغاز المصممة للتعدين ببطاقات الرسوميات أو التعدين في نطاق التخزين مكافآت أفضل بتكلفة أقل؟ هل ينتصر إثبات الحصة في النهاية؟
  2.    حجم البلوك وحدودٌ أخرى: أقل ما يمكن قوله هو أن حد حجم البلوك البالغ 1 ميغا بايت قد ولد الكثير من الجدال، كما ثار الجدل أيضاً (وإن كان بحدةٍ أخف) حول مدة العشر دقائق التي تفصل بين إنتاج البلوكات. فقد ازدهرت الكثير من الأنظمة اللاحقة بتطبيق بلوكات أكبر حجماً أو أسرع إنتاجاً. هل سيثبت التصميم المحافظ للبتكوين حكمة مصمميه على المدى الطويل؟
  3.    إخفاء الهوية: الحجج الموجودة في الورقة البيضاء عن إخفاء البتكوين هوية مستخدميه عبر نشر المفاتيح العامة فقط تبدو الآن غير مكتملة بسبب تطوير تحليلات الخطية للمعاملات. الآن تقدم أنظمة أخرى مثل Confidential Transaction، والمونيرو (XMR)، والزد كاش (ZEC) خصوصية تشفيرية أقوى. على الجانب الآخر، هناك مقترحات عديدة متوافقة مع النسخ السابقة من شبكة البتكوين تهدف إلى إخفاء النشاط على بلوكتشين البتكوين عبر خلط المعاملات. هل إخفاء الهوية خاصية بالغة الأهمية كانت تتطلب دعماً مدمجاً في شبكة البتكوين لكنها تعرضت للتجاهل؟
  4.    التضخم: يسعى تصميم البتكوين إلى تفادي التضخم، لكن الكثير من علماء الاقتصاد أشاروا إلى أن البتكوين في الواقع اقتصاد انكماشي، إذ أن العملات لا يمكن أن تخرج من حيز التداول إلا عند فقدان المفاتيح (أو حين تصبح العملات غير قابلة للصرف عمداً عن طريق معاملات “إثبات الحرق”). في الواقع، يتطلب تصفير معدل التضخم إصدار كمية صغيرة من العملات الجديدة فقط لمواكبة فقدان العملات. إن كان هذا خطأ في تصميم البتكوين، فلن ندرك الأمر إلا بعد أعوام مع انخفاض معدل التضخم.
  5.    التحول إلى رسوم المعاملات: خاصية مثبتة في كود البتكوين هي التحول البطيء من مكافأة المعدنين بشكلٍ أساسي عبر التضخم إلى مكافأتهم برسوم المعاملات. لا يعرف أحدٌ كيف سيسير الأمر لكن تشير بعض الأبحاث إلى أن هذا قد يسبب زعزعة كبيرة لاستقرار الشبكة في عالم ما بعد التضخم.
  6.    قابلية محدودة للبرمجة: فرضت البتكوين حدوداً قاسية على قابليتها للبرمجة من أجل تسهيل التحقق من المعاملات وتوقع تكلفتها. وقد أظهر مشروع الإيثريوم حاجة البتكوين الماسة إلى نموذج برمجي أكثر ثراءً، مع أن نموذج الإيثريوم البرمجي ما زال يعاني من مخاوف إضافية في ما يخص السعة. فهل يعرقل النموذج البرمجي الضعيف للبتكوين تقدم العملة على المدى الطويل”؟

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.