دائماً ما كان المشفرون والمدافعون عن الخصوصية يبحثون عن أفضل وسائل إجراء معاملات إلكترونية مجهولة الهوية.
في البداية، كان كثير من الناس يعتبرون البتكوين عملة تحقق جميع معايير الخصوصية. لم تكن المحافظ وقتها مرتبطة بأسماءٍ بعينها، وكان إرسال الأموال بحرية ويسر عبر حدود البلدان دون تدخل من الهيئات التنظيمية ممكناً.
مع ذلك، وفي ظل اكتساب البتكوين شعبيةً هائلة، أدرك الناس أنَّ بلوكتشينات البتكوين ذات الطابع العام تعني أنَّه يمكن للأفراد مراقبة مدفوعات الآخرين وتتبعها.
كان هذا أحد الدوافع الرئيسية وراء إنشاء عملة المونيرو (XMR)، العملة الرقمية التي تركز على الخصوصية. لكن قبل الخوض في تكنولوجيا المونيرو، علينا أن نفهم أولاً لمَ قد لا تتمتع البتكوين بالخصوصية التي يظنها الكثيرون.
عيوب البتكوين
مع أنَّ تكنولوجيا البتكوين ثورية بالفعل، فعمرها يزيد على 8 سنوات. وكما رأينا مؤخراً، هناك العديد من المطورين الذين يحاولون تحسين بروتوكول البتكوين في ما يتعلق بأزمة السعة، والوقت الذي تستغرقه المعاملات، إلخ.
ومع أنَّ البتكوين مجهولة بالفعل، فإنَّ طبيعة البلوكتشين تعني أنَّ الأشخاص يمكنهم تتبع نشاط معاملات إحدى المحافظ بسهولة. فكلما تدفق المال بين هذه المحافظ، يُسجَّل نشاط المعاملات في السجل العام.
لا يمكن ربط عنوان البتكوين (وهو عبارة عن مجموعة من الحروف والأرقام العشوائية) بصاحبه. ومع ذلك، فإنَّ سلسلة المعاملات التي تربط محفظة أحدهم بحسابٍ له في أحد أسواق العملات النقدية يمكن أن تكشف عن هويته بسهولة، ولدى شركات مثل تشين أناليسيس Chainalysis برامج مخصصة لمتابعة حركة الأموال دون مشكلة.
ويعتقد بعض الناس أنَّ هذا اتجاه إيجابي لأنَّه يساعد على زيادة معدل تبني العملات المشفرة والقضاء على الأعمال الإجرامية وخفايا الإنترنت المظلم.
لكن في الوقت نفسه، ما يزال هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يرغبون في استخدام عملاتهم المشفرة دون أن يعرف أحد قيمة ما لديهم، أو من يرسلون إليه الأموال، أو من أين يستقبلونها.
المونيرو مقابل البتكوين
المونيرو (XMR) هي إحدى العملات المشفرة التي تستخدم تقنية البلوكتشين لتسهيل المعاملات. وتُعدَّن هذه المعاملات بواسطة أجهزة الحاسوب التي تتحقق من صحتها.
لكن على عكس البتكوين، تستخدم المونيرو مفاهيم تشفير بيانية متقدمة؛ مثل “التوقيعات الحلقية”، لإخفاء معاملاتك من البلوكتشين، إضافةً إلى قيمة المال الذي تملكه في عنوان محفظتك العامة، وهي قادرة أيضاً على إخفاء المبلغ المالي المرسل إليك.
ومع أنَّ هذا قد يرضي جميع مناصري الخصوصية، فهناك عدد من المزايا البارزة الأخرى التي تجعل المونيرو متفوقة على البتكوين.
- التعدين المقاوم لأجهزة التعدين المعدلة: في الأيام الأولى لتعدين البتكوين، كان الناس قادرين على إجراء عمليات التعدين عبر أجهزة الكمبيوتر المنزلية باستخدام وحدات المعالجة المركزية (CPU)، وكان هذا ممكناً لأنَّ العمليات الحسابية لم تحمل قدر التعقيد ذاته الذي نشهده حالياً. أما الآن، فهناك شرائح إلكترونية عالية التكلفة تسمى أجهزة التعدين المعدلة (ASIC)، وتُستخدم في تعدين البتكوين. عادةً ما تكون هذه الأجهزة في حوزة مزارع التعدين واسعة النطاق التي تستثمر مبالغ ضخمة من المال، الأمر الذي يؤثر في طبيعة التعدين اللامركزية، ويجعلها تميل نحو المركزية إلى حدٍ ما. لكن مع المونيرو، تقاوم خوارزمية الكريبتونوت Cryptonote التعدينية هذا النوع من الأجهزة، ومن ثم تحافظ على لامركزية التعدين.
- مساحة البلوك التكيفية: بالنسبة لأولئك الذين يتابعون المناقشات الحالية الدائرة داخل مجتمع البتكوين، كان زيادة حد مساحة البلوك واحداً من أهم الموضوعات المطروحة. يتسبب الحد المفروض على مساحة بلوكات البتكوين في حدوث ازدحام كبير بالشبكة. طُوِّرت المونيرو بما يسمح بضبط مساحة البلوك تلقائياً إذا تطلب حجم المعاملة ذلك.
- بروتوكول آي تو بي I2P: عند إجراء المعاملات بعملة المونيرو، تُجرى جميع المعاملات بمشروع الإنترنت غير المرئي (آي تو بي)، مما يضمن منع أي شخص من التلصص على نشاطك عبر الإنترنت ومراقبة ما تفعله. وهذا يعني أنَّ أحداً لن يقدر على معرفة أنَّك تستخدم شبكة المونيرو على الإطلاق عندما تكون متصلاً بالإنترنت.
كيف تُجرَى معاملات المونيرو
مع أنَّ مفهوم المونيرو يبدو بسيطاً نسبياً، تعد التكنولوجيا الفعلية لمعاملات المونيرو بالغة التعقيد. فهي تشتمل على بعض أكثر المفهومات تطوراً في علم التشفير الحديث وعلوم الحاسوب.
صحيح أنَّ الورقة البيضاء الأصلية الخاصة بالمونيرو متاحة للعامة، وبالتحديد المهتمين بدراسة التكنولوجيا الأساسية للمعاملات، لكن ما يزال بوسعنا منح وصفٍ دقيق لكيفية إجراء معاملات بالمونيرو وكيف تحتفظ بخصوصيتها.
إرسال المونيرو
تماماً مثل البتكوين، يملك مستخدم المونيرو عنوان محفظةٍ عاماً يحتوي على مجموعة من النصوص والأرقام. لكن على عكس البتكوين، لا ترتبط أي أموال بهذا العنوان مباشرةً.
عند إرسال عملات المونيرو إلى شخص آخر، ينشأ عنوان عام مؤقت جديد تماماً، مهمته الوحيدة هي إجراء هذه المعاملة بعينها، ولهذا، لا تُسجَّل في البلوكتشين العامة أي معلومات عن تلك المعاملة.
ويسري هذا على الناحيتين بالطبع. فعند إرسال الأموال، لا يظهر عنوانك العام بصفته مصدر الأموال؛ ما يعني أنَّ لا أحد يقدر على ملاحظة أنَّك أرسلت أموالاً لشخص آخر على الشبكة. تسمى هذه بـ”العناوين الخفية”، ولا يعرف بها أحد.
رحلة البحث عن المونيرو
ويجب أن يكون المرسَل إليه قادراً على المطالبة بأمواله من المحفظة الخفية بطبيعة الحال. ولكي يتسلم هذه الأموال، عليه مسح بلوكتشين المونيرو للعثور على معاملته. لفعل ذلك، يستخدم شيئاً يسمى “مفتاح العرض السري”، يتحقق من كل معاملة لمعرفة أيها ينطبق على المرسَل إليه.
لا يعرف هذا المفتاح السري إلا المرسل إليه نفسه، وهذا يعني أنَّه لا يوجد شخص آخر قادر على البحث في البلوكتشين وتمييز المدفوعات التي لا تخص المرسل إليه من التي تخصه. ويمكنك أيضاً منح هذا المفتاح السري لشخص آخر، ويمكنه بدوره فحص البلوكتشين لمعرفة ما إن أُرسلت إليه أي أموال.
مزج المعاملات
يتميز إجراء مثل هذا النوع من المعاملات بغياب إمكانية الربط بين التحويلات والمحافظ. ما يعنيه هذا هو أنَّه لا يمكن لأي شخص يشاهد بلوكتشين المونيرو ربط إحدى المعاملات بعنوانك العام. ومع ذلك، ما يزال المرسل الأصلي للعملة قادراً على معرفة متى ترسل محفظة المستقبل الأموال. لتجنب ذلك، تستخدم المونيرو “التوقيعات الحلقية”.
هذه التوقيعات هي ما يسمح بمزج المعاملات. عندما يجري المرسل معاملة، فإنه يختار عشوائياً تحويلات مستخدمين آخرين لتظهر أيضاً فيها. ومن ثم، يمكن أن يكون هؤلاء المرسلين أيضاً مصدر تلك الأموال المرسلة.
عند استخدام هذه التوقيعات، لا يمكن لأحد معرفة مصدر الأموال الفعلي، ولا حتى تبين هوية الشخص الذي أرسل الأموال إلى المرسَل إليه في الأصل.
ومع طبيعة الحشود، نلاحظ بالطبع أنَّه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يضافوا إلى المزيج، زاد غموض المعاملة. ويشار إلى عدد الأشخاص الذين يشملهم مزيج المعاملات بـ”مستوى الخلط”. يمكنك زيادة حجم مستوى الخلط، لكن هذا سيزيد من قيمة الرسوم المطلوبة لاستخدام موارد الشبكات الحاسوبية.
سيرى الشخص الذي أرسل إليك الأموال أنَّك تجري معاملات حتى لو لم تكن تفعل. عندما تكون متصلاً بالشبكة، سيظهر أنَّك ترسل الأموال باستمرار إلى الجميع طوال الوقت.
ربما تريد أن تسأل أيضاً أنَّه إذا كانت جميع المعاملات مخفية ولا يستطيع أي شخص معرفة من الذي يرسل المونيرو عبر الشبكة، كيف يتيقن المعدنون من أنَّ المونيرو لا تُنفق مرتين؟ الحقيقة أنَّه يمكننا التأكد فعلاً بفضل استخدام “الصور المفتاحية”.
الصور المفتاحية هي مفاتيح تشفيرية مشتقة من مخرج يجري إنفاقه، وتعد جزءاً من كل توقيع حلقي على البلوكتشين. هناك صورة مفتاحية واحدة فقط لكل مخرج على البلوكتشين. ونظراً لخصائص التشفير، لا يستطيع المرء معرفة أي مخرجٍ بالضبط ينتج أي صورةٍ مفتاحية. وتبقى جميع الصور المفتاحية المستخدمة داخل البلوكتشين حتى يتحقق المعدنون من عدم إجراء المعاملة ذاتها مرتين.
تُستخدم تكنولوجيا التوقيعات الحلقية أيضاً في إخفاء قيمة المبلغ المرسَل بالضبط، إذ تعد المعاملات السرية الحلقية (RingCT) إضافة جديدة نسبياً لبروتوكول المونيرو، لأنها تستخدم وظيفة تشفيرية تساعد على إخفاء قيمة المعاملة من البلوكتشين، وفي الوقت نفسه إظهارها للمرسِل والمرسَل إليه.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.